حكم ومواعظ من حياة الانبياء ( عليهم السلام ) – السيد مرتضى الميلاني
4 يناير,2018
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
3,684 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله
عزيزي القارئ بين يديك القسم الاول من سلسلة « حكم ومواعظ من حياة الانبياء » وابتدئها بحياة الانبياء الخمسة الذين سماهم القران الكريم بـ « اولي العزم » لما يوجد في حياتهم من حكم ومواعظ وعبر ودروس قيمة يمكن الاستفادة منها والاعتبار بها في تهذيب النفس وتزكيتها ، حيث نحن الان بامس الحاجة لمثلها ، وخاصة في زماننا هذا حيث تحيط بنا من كل جانب وصوب التيارات المنحرفة ، وكثرت وسائل اللهو والفسق والفجور التي تزداد يوما بعد يوم ، والحرب الفكرية التي هاجمتنا من الشرق والغرب.
وقد فكرت في ان اقدم خدمة ولو بسيطة ومختصرة من المواعظ والارشادات والعبر لابنائي واخوتي واخواتي الاعزاء ، ليتمكنوا من الاتعاظ بها والعمل على ضوئها لتزكية انفسهم وتحصنها من اقتحام جنود الشيطان الى داخل قلعة القلب ، وقد شجعني بعض الاصدقاء على ذلك.
وقد وجدت افضل طريق واقصر مسير ، هو سيرة السلف الصالح من الانبياء والرسل والاوصياء والائمة الاطهار عليهم افضل الصلاة والسلام.
وقد وجدت اقرب اوجه التشابه بين الحوادث والوقائع والمحن التي نعيشها ونشاهدها في ايامنا هذه ، بتلك التي مرت على الامم والشعوب من قبلنا ، ومن بداية ما خلق لله عزوجل ادم عليه السلام وابنائه ، فاحببت ان امر مرورا سريعا ومختصرا على بعض ما جرى على انبيائنا ورسلهم واوصيائهم من اهل بيت النبوة عليهم السلام ونتعض ونعتبر منهم ونجعلهم قدوة لنا ولابناءنا واجيالنا القادمة ، حيث قال عزوجل :
« قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله » الى قوله تعالى « لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر » (1).
لقد كان الانبياء والرسل والاوصياء لنا اسوة حسنة ، ولا يزالون كذلك ، وليس فقط في موقفهم ضد منهج الكفر وعبدة الاوثان والمستكبرين ، بل هم اسوة لنا في الدعاء بين يدي الله عزوجل ، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه تعالى ، كما هم عليهم السلام عبر ودروس اخلاقية ، ومنهج سليم ومتكامل.
وعلى هذا الاساس بعث الله عزوجل الانبياء والرسل ، وبعث مع بعضهم الكتب والشرائع السماوية ، ليحكموا بين الناس بالعدل ، ومبشرين ومنذرين ، وجعل الجنة لمن اطاعه ولو كان عبدا حبشيا ، والنار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا.
وقد اختار الله عزوجل من جميع الانبياء خمسة ، وسماهم « اولي العزم » ، واختصهم بكتب وشرائع لم يخص غيرهم من الانبياء ، وذلك لمصلحة هو اعلم بها منا.
وقد خاطب خاتم الانبياء وخامس اولي العزم ( ص ) بالصبر والثبات وتحمل المسؤلية الخطيرة في قوله تعالى : « فاصبر كما صبر اولي العزم من الرسل ولا تستعجل لهم … » (2).
كما ذكرهم الله تعالى باسمائهم في اية اخرى من كتابه الكريم في قوله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم : « واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ، ومن نوح ، وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا » (3).
تشير هذه الاية المباركة بان الله تعالى اخذ الميثاق من جميع الانبياء ، على تبليغ الرسالة ، وكلفهم بان يؤيد بعضهم بعضا ، والانبياء اللاحقين يصدقون الانبياء السابقين ، ويبشرون بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم خص منهم بالذكر خمسة انبياء وهم اولو العزم ، وعلى راسهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لعظمة جلالته وشرفه وفضله على سائر الانبياء ، وبعده يأتي الانبياء الاربعة وهم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، صلوات الله عليهم اجمعين.
وكذلك قال الله تعلى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى : « فاصبر كما صبر اولي العزم … » اي لست انت الوحيد الذي واجهت مخالفة هؤلاء البشر وعداوتهم ، وقد واجه من قبلك اولو العزم مثل هذه المشاكل والاتهامات ، ولكنهم ثبتوا واستقاموا امامها.
مثلا نرى النبي نوح عليه السلام دعا قومه « 950 » عاما ولم يؤمن به الا فئة قليلة ، وكان قومه يؤذونه دائما ويتهمونه بالجنون.
والنبي ابراهيم عليه السلام : القوه في النار ، وذهب بزوجته وابنه اسماعيل الرضيع وتركهم في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، وامتحنه الله بذبح ابنه.
وكذلك موسى عليه السلام : هددوه بالقتل ، وخرج من مدينته هاربا خائفا ، وكان قلبه قد امتلأ قيحا من عصيانهم.
والنبي عيسى بن مريم عليه السلام : ارادوا قتله وصلبه فانجاه الله منهم ، وصلبوا شبيهه بعد ان اذوه كثيرا واتهموا امه.
لقد واجه الانبياء الخمسة من اولي العزم مصاعب كثيرة وتحملوا الام ومشاق من اجل هداية الناس وتبليغ الرسالة وسعادة البشرية ، ومن اجل مواجهة التيارات المنحرفة والعقائد الباطلة من المشركين وعبدة الاصنام ، منحهم الله تعالى العزيمة والارادة القوية والصبر ، وسماهم بـ « اولي العزم » وكذلك توجد روايات كثيرة تدل على ان اولي العزم كانو خمسة منها :
روي عن ابي جعفر عليه السلام قال : اولو العزم من الرسل خمسة : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين (4).
وجاء في تفسير قوله تعالى : « فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل » هم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ( ص ).
ومعنى اولو العزم ، انهم سبقوا الانبياء الى الاقرار بالله واقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم ، وعزموا على الصبر مع التكذيب لهم والاذى. (4)
وروي عن ابن عباس انه قال : اول المرسلين ادم ، واخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت الانبياء مائة الف واربعة وعشرين الف نبي ، الرسل منهم ثلاث مائة. (5)
وخمسة منهم اولو العزم : نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وخمسة منهم من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، واسماعيل ، ومحمد صلى الله عليهم.
وخمسة منهم سريانيون : ادم ، وشيث ، وادريس ، ونوح ، وابراهيم عليهم السلام.
واول انبياء بني اسرائيل ، موسى واخرهم عيسى عليهم السلام ، والكتب التي انزلت على الانبياء عليهم السلام مائة كتاب واربعة كتب ، منها على ادم خمسون صحيفة ، وعلى ادريس ثلاثون ، وعلى ابراهيم عشرون ، وعلى موسى التوراة ، وعلى داود الزبور ، على عيسى الانجيل ، وعلى محمد الفرقان ، صلى الله عليهم اجمعين. (6)
وعن ابي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ان اول وصي على وجه الارض هبة الله بن ادم ، وما من نبي مضى الا وله وصي ، كان عدد جميع الانبياء ، مائة واربعة وعشرين الف نبي ، خمسة منهم اولو العزم ، نوح ، وابراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين.
وان علي بن ابي طالب كان هبة الله لمحمد ، ورث علم الاوصياء وعلم من كان قبله ، اما ان محمد ورث علم من كان قبله من الانبياء والمرسلين. (7)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الانبياء والمرسلين وعلى خاتم النبيين محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين.
المؤلف
________________________________________
1 ـ الممتحنة : 4 ـ 6.
2 ـ الأحقاف : 35.
3 ـ الاحزاب : 7.
3 ـ الخصال : ج 1 ص 144.
4 ـ تفسير علي بن ابراهيم : 624.
5 ـ وفي رواية ، ثلاث مائة وثلاثة عشر.
6 ـ البحار : ج 11 ص 42 عن الاختصاص.
7 ـ بصائر الدرجات : 33.
#الولاية_الاخبارية 2018-01-04