الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 286

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة البقرة الى 286

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

283

((وَإِن كُنتُمْ)) أيها المتداينون المتابعون ((عَلَى سَفَرٍ))، أي مسافرين والتعبير بلفظ “على” لركوب المسافر غالباً ((وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا)) يكتب الدَين والمعاملة ((فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ)) تقوم مقام الصك ورهان جمع رهن، وهو إسم للوثيقة ولذا جائت الصفة بالتأنيث والقبض شرط في صحة الرهن، ولذا وصفه بالقبض ((فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم)) وهو صاحب الحق ((بَعْضًا)) وهو من عليه الحق بأن وثق به وأنه يؤدي الدَين بدون صك ولا رهن فأعطاه الدَين مجرداً عن اللأمرين ((فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ))، أي المديون ((أَمَانَتَهُ)) فلا ينكر ولا يمطل، كفاءً لما رآه أهلاً ((وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ)) فإن الله شهيد ويجازي فإن أنكر أو مطل أو بخس كان معرّضاً نفسه لهقوبة الله سبحانه ((وَلاَ تَكْتُمُواْ)) أيها الشهود ((الشَّهَادَةَ)) التي تحملتموها ((وَمَن يَكْتُمْهَا))، أي يخفي الشهادة فلا يحضر لأدائها أو يؤديها على خلاف الواقع ((فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)) فقد عزم القلب على الكتمان وإطاعته الجوارح واللسان ولأن الكتمان أنسب الى القلب لكونه في محل مكتوم ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ)) من إخفاء الشهادة وإبدائها ((عَلِيمٌ)) فلا تفعلوا ما يوجب عقابه وسخطه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

284

((لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) فما تعطونه من الأملاك ليست لكم إلا مجازاً وإنما هي ملك له سبحانه فاعملوا فيها حسب ما أمركم ولا تخالفوا أمر المالك الحقيقي ((وَإِن تُبْدُواْ))، أي تُظهروا ((مَا فِي أَنفُسِكُمْ)) بما تعلمونه ويخفى على غيركم ((أَوْ تُخْفُوهُ)) فتكتموه ((يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ)) فإنّ جميع الأعمال والأقوال والأفكار تحت المحاسبة، أو إنّ الإبداء والإخفاء لما في النفس محسوب عليهما، وهذا العموم للتناسق مع إبداء الشهادة وكتمانها ((فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)) حسب ما تقتضيه الحكمة البالغة فإنّ الغفران والشفاعة ليسا إعتباطاً وإنما ينصبان على المحل القابل ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) من المغفرة والعقاب ولا يخفى أن العذاب على ما في النفس لا ينافي ما دلّ على عدم العقاب، على العزم على المعصية لاختلاف المعاصي واختلاف أنواع العقاب فإنه لا شبهة في أنّ من يعزم على المعاصي وإن لم يفعلها أبعد عن قرب الحلال ممن لا يعزم إطلاقاً، وهذا البُعد هو نوع من العذاب أو يجمع بنحو ذلك.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

285

وهنا يرجع السياق الى ذكر التوحيد والنبوة والشرائع جملة في لباس أنها لا تكلّف الناس فوق الطاقة وسؤال المغفرة والعفو لتكون فذلكة للسورة ((آمَنَ الرَّسُولُ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ)) فهو أول مؤمن بما أُنزل إليه وليس كرؤساء الأديان المفتعلة والملوك والحكام الذين لا يشملهم القانون ((وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ))، أي كلّ واحد منهم ((آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)) فليس المؤمن أن يقتنع بجانب واحد من جوانب الإسلام كما هو كثير في تابعي الأحزاب والمبادئ حيث أن ذا النشاط المتفايض منهم يقتنع منه بجانب واحد وإن ترك سائر الجوانب فإن لسان حال المؤمنين ((لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)) فلسنا كاليهود الذين لا يعترفون بالمسيح ونبي الإسلام ولا كالنصارى الذين لا يعترفون بنبي الإسلام، فلا تكون كمن يؤمن ببعض ويكفر ببعض ((وَقَالُواْ سَمِعْنَا)) آيات الله وأحكامه ((وَأَطَعْنَا)) أوامره ونواهيه لا كاليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا يقولون ((غُفْرَانَكَ))، أي نطلب مغفرتك ((رَبَّنَا)) نعلم أنّ ((وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) فاغفر لنا حتى نكون في ذلك اليوم سعداء.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة البقرة

286

إن الأحكام التي سلفت في السورة وفي غيرها ليست مما لا يُطاق فإنه ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) فإن أوامره ونواهيه مستطاعة للمكلَّف وليس في الدين من حرج، فلا يظن أحد أن الإيمان السابق ذكره في (والمؤمنون كلٌّ آمن بالله) يوجب مشقة وعنتاً وإرهاقاً ((لَهَا))، أي للنفس ((مَا كَسَبَتْ)) من الحسنات فالجزاء الحسن يجزى به من أحسن ((وَعَلَيْهَا))، أي على النفس ضرر ((مَا اكْتَسَبَتْ)) من الآثام والسيئات ولعل في مجيء الكسب من بابين “كسب” و”اكتسب” إفادة أنّ الطاعة طبيعية والمعصية تؤتي بالتكليف إذ للفظة الإكتساب ظلالاً يفيد التعب والغضب بخلاف الكسب وتؤيده قاعدة “زيادة المبني تدل على زيادة المعنى” وهناك يتوجه المؤمنون الى الله داعين سائلين ((رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) لا نسيان وإنما تصح المؤاخذة فيهما لغلبة كون مقدماتهما إختيارية وما ينتهي الى الإختيار يكون بالإختيار ((رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))، أي ثقلاً فإن بعض التكاليف قد توجب ظروفها ثقلاً وعنتاً فالمؤمن يسأل أن يجنّبه الله سبحانه مثل هذا الثقل ((كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا)) فإنهم بلجاجتهم استحقوا تحميل الثقل كما تقدّم في قصة بقرة بني إسرائيل وكما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات ما أُحلّت لهم) ((رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ)) وإن كان مقدوراً لنا فإنّ عدم الطاقة ليس بمعنى عدم القدرة حتى يُقال أنّ الله لا يكلّف غير المقدور فما وجه هذا الدعاء؟ ((وَاعْفُ عَنَّا)) ذنوبنا ((وَاغْفِرْ لَنَا)) خطايانا، أي إسترها ولا تبدها ((وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا)) سيدنا والأولى بالتصرف فينا ((فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) حتى نغلب عليهم في الحكم كما نغلب عليهم في الحجّة.

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...