المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي
20 مارس,2019
الاسلام والحياة, صوتي ومرئي متنوع
1,918 زيارة
2- البعد الاجتماعيّ:
(حيث يُنظر إلى دور المرأة) في مجال النشاطات الاجتماعيّة والسياسية والعلمية والاقتصادية، فباب هذه النشاطات مشرع أمام المرأة بالكامل. ولو شاء أحد حرمان المرأة من مزاولة النشاط العلميّ والسعي الاقتصاديّ والسياسيّ والاجتماعيّ، فإنّما يتكلّم خلافاً لحكم اللّه. فلا مانع من مزاولة هذه الأعمال بالقدر الذي تبيحه القدرة الجسدية، وتستدعيه الحاجات والضرورات. والشرع المقدّس لا يمانع في بذل الجهود الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسية قدر المستطاع. ولمّا كانت المرأة بطبيعة الحال أرقّ جسدياً من الرجل، لذلك فإنّ لهذه الحالة ضروراتها، وفرض العمل الثقيل على المرأة ظلم لها. إنّ الإسلام لا يوصي بهذا، ولكنه في الوقت نفسه لا يمنع ممارسة النشاط العلميّ والجهد الاقتصاديّ والسياسيّ والاجتماعيّ[1].
طبعاً هناك رواية منقولة عن نبيّ الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال فيها: “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة“[2].
أي أنّ المرأة زهرة وليست قهرمانة، القهرمان يعني الكادح والخادم المجدّ. والخطاب في هذه الرواية موجّه للرجال، أي أنّ المرأة في داركم لطيفة كالزهرة ويجب
معاملتها بمنتهى الرقّة، وهي ليست خادمة لكم فتتوهّمون وجوب فرض الأعمال الثقيلة عليها، وهذا أمر مهمّ[3].
إنّ تصوّر أنّ المرأة في البيت موجود من الدرجة الثانية[4]، وهو مكلَّفٌ بخدمة الآخرين، هو تصوّر رائج بين الكثير منّا – بعضهم يقول علنًا، وبعضهم يستحي ولا يقوله ولكنّه يضمره في قلبه – هذا التصوّر هو تمامًا في النقطة المقابلة والمخالفة لما بيّنه الإسلام[5].
وما يشترطه بعضهم ـ حين يريد الزواج ـ في أنّ المرأة يجب أن تعمل ولا بدّ أن يكون لها عمل ودخل، خطأ طبعاً. إنّ هذا الشرط وإن كان لا يتعارض مع الشريعة، إلاّ أنّ الإسلام لا يوصي به أيضاً. فالذي نطرحه ـ استناداً إلى رأي الإسلام ـ بمنع المرأة من ممارسة النشاط الاقتصاديّ والاجتماعيّ، خطأ، فالإسلام لا يقول بمثل هذا. ولكن من الجهة الأخرى، فإنّ إرغام المرأة على مزاولة أعمال ثقيلة وتكاليف شاقّة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لم يوصِ به الإسلام أيضاً[6].
رأي الإسلام رأي وسط، أي أنّ المرأة إذا كان لديها الفراغ والوقت،
ولا تمنعها تربية الأطفال، وكانت لديها الرغبة والاندفاع والقوّة والقدرة، وأرادت الدخول في مجال النشاطات الاجتماعيّة والسياسية أو الاقتصادية، فلا مانع من ذلك. ولكن أن تُرغم ويقال لها: يجب أن تتّخذي لك عملاً، وتعملي بهذا القدر يومياً ليكون لك دخل وتشاركي بقسم من دخل الأسرة ونفقاتها، فهذا أيضاً ممّا لم يطلبه الإسلام من المرأة، وهذا يعدّ نوعاً من الفرض عليها[7].
ذكرنا إذن في البعد الثاني ـ حيث مجال النشاط العلميّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ وما شابه ذلك ـ بإيجاز أنّ الإسلام لا يجيز فرض شيء على المرأة أو إرغامها عليه، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي إغلاق الطريق بوجهها[8].
إذا أرادت النساء الدخول في النشاطات الاجتماعيّة والسياسية، فلا مانع من ذلك، كما أنّ النشاط العلميّ ـ بطبيعة الحال ـ محمود جداً وله الأرجحيّة. إنّني أوصي العوائل بالسماح لفتياتها بالدراسة. ولا يتوهمنَّ أب أو أمّ ـ من باب التعصّب الدينيّ ـ وجوب منع الفتاة من مواصلة الدراسة العليا، كلّا، فالدين لم يأمر بمثل هذا، وهو لا يفرّق في اكتساب العلم بين البنت والابن. فإذا كان ابنكم يدرس الدراسات العليا، دعوا ابنتكم أيضاً تواصل دراستها العليا. دعوا فتياتنا يدرسن
ويكسبن العلم والوعي ليقفن على شأنهنّ ويعرفن قدر أنفسهنّ وليدركن مدى عقم وتفاهة وخواء دعايات الاستكبار العالميّ حول المرأة. ومثل هذه الأمور يمكن إدراكها في ظلّ الثقافة[9].
فأكثر فتياتنا تديناً وثورية وعفّة وإيماناً اليوم، هنَّ من بين الشرائح المتعلمة. أمّا المتعلّقات بشؤون الزينة والبذخ، ومن يبغين الانسياق الأعمى وراء النموذج الغربيّ في نمط الملابس وطراز الحياة، فهنَّ على الغالب فارغات من الثقافة والمعرفة والمعلومات الكافية. ومن لديه معلومات كافية يمكنه التحكّم بسلوكه، والانقياد لكلّ ما هو حقّ وحقيقة وجميل.
وعلى هذا ينبغي أن تكون جميع الطرق مفتوحة في المجال العلميّ ليتاح التعلّم للفتيات حتّى في القرى. أوصي الآباء والأمّهات بالسماح لبناتهم الصغيرات بالذهاب إلى المدرسة للتعلّم، وإذا كان لديهنّ الاستعداد والرغبة فليكملن مراحل أعلى من الابتدائية حتّى يبلغن مراحل الدراسة العليا والدراسة الجامعية ليصبحن من جملة الناس المتعلّمين والمثّقفين في مجتمعنا الإسلاميّ[10].
3- البعد الأُسريّ:
يُنظر إلى المرأة بصفتها عضواً في الأسرة، وهو الأهمّ من كلّ ذلك.
أيّها الأعزّة، لم يعطِ الإسلام الرجل إذناً بالتسلّط على المرأة وفرض شيء عليها. قد جُعلت للرجل حقوق محدودة في الأسرة من باب كمال الحكمة والمصلحة، وكلّ من يتّضح له ذلك يؤمن حتماً أن قد جُعل للمرأة في مقابل ذلك ومن باب المصلحة، حقوق أيضاً.
لكلّ من المرأة والرجل خصائص وطباع وغرائز خاصّة به. ولو استثمرت تلك الطباع الخاصة بالرجل والمرأة بشكل سليم فإنّهما يشكّلان في الأسرة ثنائياً متكاملاً ومتجانساً ومنسجماً. ولكنّ التوازن يختلّ إذا تمادى الرجل، وكذا الحال إذا تمادت المرأة.
الإسلام جعل في الأسرة جزأين شبيهين بمصراعي الباب، أو كالعينين في وجه الإنسان، أو كرفيقي السلاح في خندق صراع الحياة، أو كشريكين في دكّان واحد، لكلّ واحد منهما خصائصه، وطباعه، وخصاله، ولكلّ منهما جسمه، وروحه، وفكره، وغرائزه، وعواطفه الخاصّة به. للمرأة خصائصها، وللرجل خصائصه. ولو عاش هذان الجزءان بتلك الحدود والموازين نفسها التي عيّنها الإسلام فسيشكّلان أسرة خالدة، وعطوفة، ومباركة ونافعة[11].
في نهاية الأمر، الرجل هو الواجهة الخارجية داخل الأسرة، والمرأة هي الواجهة الداخلية، وإن شئتم أن تُعبّروا بلطفٍ أكثر، فإنّ الرجل هو غلاف (قشرة) حبة اللوز بينما المرأة هي لبّها. ويمكن
استخدام مثل هذه التعابير، الرجل هو أكثر ظهوراً، بنيته هي هكذا. لقد خلقه الله وجعله لهذا العمل، وخلق المرأة لعمل آخر. بناءً على هذا فإنّ البروز والظهور والعرض والإطلالة هي أكثر عند الرجل لهذه الخصوصيات وليس بمعنى الأفضلية. ففي القضايا الأساسية للإنسان – والتي تتعلّق به – لا فرق بين الرجل والمرأة[12].
[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
[2] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407ه، ط4، ص510. الرضي، السيد محمد بن حسين، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، قم، دار الهجرة، 1414ه، ط1، ص405، الرسالة 31.
[3] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
[4] إشارة إلى الرأي المخالف للإسلام وهو الرأي السائد في العالم الغربي حول حقيقة المرأة وموقعيتها في المجتمع الإنساني.
[5] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
[7] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
[8] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
[9] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
[11] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
[12] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، تاريخ14/01/2012م.
2019-03-20