روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
13 يناير,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
970 زيارة
ماهيّة العبادة وآثارها
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
-
يحدّد معنى العبادة ومفهومها.
-
يبيّن أهمّية العبادة في حياة الإنسان.
-
يصف الآثار المختلفة للعبادة على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
معنى العبادة
1 – العبادة في اللغة:
معنى العبادةِ في اللغة الطاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كان مذللًا بكثرة الوطءِ[1]. فالعبادة لغةً بمعنى التمهيد والتذليل. ويقال عبّدت فلاناً أي ذلَّلته وإذا اتّخذته عبداً قال تعالى: ﴿ أَن عَبَّدتَّ بَنِي إِسرَٰءِيلَ ﴾[2][3]. وقال الزمخشري: العبادة: “أقصى غاية الخضوع والتذلّل، ولذلك لم تستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى لأنّه مولى أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع“[4].
2 – العبادة في الاصطلاح:
العبادة بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به، والفاعل عابد، والجمع عباد وعبدة مثل كافر وكفار وكفرة، ثم استعمل العابد فيمن اتخذ إلها غير الله، فقيل عابد الوثن وعابد الشمس[5].
3 – العبادة شرعاً:
لقد أخذت العبادة معنى أضيق في الفقه الإسلامي، وهي تعني في مفهوم الفقه أي بالمصطلح الخاص مجموعة شعائر يقوم بها العبد، مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس…
وغيرها من الأحكام والتكاليف الشرعية. فالعبادة من الناحية الشرعية تعني امتثال أمر الله كما أمر، والانتهاء عما نهى عنه شرعاً.
مفهوم العبادة في الإسلام
العبادة في الحقيقة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبة له. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى ﴿ وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُۥ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَٱعبُدُونِ ﴾[6].
فالعبادة في الإسلام بالمصطلح العام، اسمٌ يُطلق على كلّ ما يصدر عن الإنسان المسلم من أقوالٍ وأفعالٍ وأحاسيس استجابةً لأمر الله تعالى وتطابقاً مع إرادته ومشيئته.
ولا حصر ولا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر التي يعبد بها الله. فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين الناس، ورفض الظلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الربا والاحتكار…إلخ، كل تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى.
وانطلاقاً من هذا التعريف الإسلامي لمفهوم العبادة، نعلم أن العبادة في الإسلام ليست محددة بمجموعة من التكاليف والأعمال، وإنما تتّسع لتشمل كل ما يصدر عن الإنسان بدافع القربة إلى الله والاستجابة لأمره، والانتهاء عن نهيه.
وعبادة الله تعالى لا تنحصر في الطقوس والممارسات التي تتعلق بحياة الإنسان كفردٍ مستقلٍّ بذاته، بل هي تشمل الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، وتنتظم في إطار علاقة الفرد مع الله تعالى والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الكون. وكل عملٍ حسنٍ يُقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة لله تعالى سواء كان فردياً أم اجتماعياً.
وما يعنينا في هذه الدروس هو البحث حول العبادات وبيان أسرارها التي ترتقي بالإنسان ليصبح في مرتبة تسمو فوق مراتب الملائكة المقرّبين كما ورد في الحديث القدسي: “… وإنه العبد ليتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته”[7].
العبادة في القرآن والسنة
دعا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى العبادة السليمة، ونهى عن العبادة المنحرفة، وذكر أن غاية الخلق هي العبادة، وذكر بعض آثار العبادة على الإنسان، وهنا نورد بعض هذه الآيات: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم وَٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾[8]. ففي هذه الآية الكريمة نجد دعوة للناس إلى عبادة الله تعالى الذي خلق جميع الناس.
وفي آية أخرى نجد نهياً عن عبادة الشيطان: ﴿ أَلَم أَعهَد إِلَيكُم يَٰبَنِي ءَادَمَ أَن لَّا تَعبُدُواْ ٱلشَّيطَٰنَ إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوّ مُّبِين ٦٠ وَأَنِ ٱعبُدُونِي هَٰذَا صِرَٰط مُّستَقِيم ٦١ وَلَقَد أَضَلَّ مِنكُم جِبِلّا كَثِيرًا أَفَلَم تَكُونُواْ تَعقِلُونَ ﴾[9].
وكذلك نجد أمراً بالإخلاص في العبادة في الآية الكريمة: ﴿ قُل إِنِّي أُمِرتُ أَن أَعبُدَ ٱللَّهَ مُخلِصا لَّهُ ٱلدِّينَ ﴾[10].
ونرى في آيةٍ أخرى دعوةً للمؤمنين لإعلان الثبات على عبادة الله وترك عبادة ما سواه: ﴿ قُل يَٰأَيُّهَا ٱلكَٰفِرُونَ ١ لَا أَعبُدُ مَا تَعبُدُونَ ﴾[11].
كما حدّدت النصوص الشريفة مفهوم العبادة تحديداً شاملاً، وذكرت الغاية من العبادة، وأنواع العابدين، ومن هو العابد حقاً، ولم تحصرها في إطار العبادات المتعارفة بين النّاس. وإليكم النماذج التالية:
عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ“[12].
وسُئل الإمام الرضا عليه السلام عن علّة العبادة فقال: “… لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبُّدٍ لطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم“[13].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، إنما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده”[14].
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: “في التوراة مكتوب: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى“[15].
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال“[16].
وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام: “أفضل العبادة عفّة البطن والفرج“[17].
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام: “أفضل العبادة العلم بالله، والتواضع له”[18].
وجاء عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله“[19].
[1] ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص273، لا ت، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، لا ط، فصل العين المهملة.
[2] سورة الشعراء، الآية 22.
[3] السيد عادل العلوي، القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد، ج1، ص47.
[4] الزمخشري، الكشاف، 1، ص 10، نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1966م.
[5] الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، ج3، ص92، نشر مرتضوي، مطبعة ﭼـاﭙـخانه طروات، ط 2، 1362ش.
[6] سورة الأنبياء، الآية 25.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص352.
[8] سورة البقرة، الآية 21.
[9] سورة يس، الآيات 60-62.
[10] سورة الزمر، الآية 11.
[11] سورة الكافرون، الآيتان 1-2.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
[13] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص58، تحقيق يحيى العابدي، نشر مؤسّسة الوفاء – لبنان، 1983م، ط 2، باب علل الشرائع والأحكام.
[14] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص372.
[15] م. ن، ص83.
[16] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص37، تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404هـ، ط 2، باب في قصارى كلمات النبي صلى الله
عليه وآله وسلم.
[17] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص79.
[18] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص247.
[19] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص50.
2019-01-13