روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
3 يونيو,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
825 زيارة
الآداب المعنوية للّباس والوقت والقِبلة
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
-
يبيّن آداب مطلق اللباس وسرّ طهارته أثناء العبادة.
-
يبيّن الآداب المعنوية لوقت الصلاة.
-
يبيّن الآداب المعنوية لمكان الصلاة.
لما كانت قلوب البشر ضعيفةً خائرةً تهتزّ كأوراق الأشجار لأرقّ نسيمٍ يهبّ وتفقد استقرارها، وجب على الإنسان مراعاة حال القلب والمحافظة عليه حتى في الأمور العادية كارتداء الملابس. وللملابس آدابٌ ينبغي مراعاتها في كلّ الأوقات وليس وقت العبادة فقط.
اللباس وتأثيره المعنوي على النفس
هناك تأثيرٌ متبادلٌ بين ظاهر الإنسان وباطنه، فجميع الأعمال الصورية الظاهرية التي يقوم بها الإنسان لها في الباطن أثرٌ، ولكلٍّ من أخلاقه الباطنة آثارٌ في ظاهره وباطنه أيضاً، وكذلك لكلٍّ من المعتقدات التي يؤمن بها. ومثالٌ على تأثير المعتقدات في الباطن والظاهر، الإيمان بالله تعالى. فالإيمان به سبحانه وأنه هو المتصرّف في الوجود وأنه هو أعلم بكلّ شيء، يوجب كثيراً من الكمالات النفسية والأخلاقية، مثل التوكّل والاعتماد على الحق وقطع الطمع من المخلوق. كما يوجب كثيراً من الأعمال الصالحة وترك الكثير من الأعمال القبيحة. وهكذا سائر العقائد والمعارف.
ومثال آخر على تأثير الظاهر في الباطن، اللباس. فللألبسة الفاخرة جدّاً تأثيرٌ في النفوس، حيث توقع صاحبها في الكبر واحتقار الآخرين والغرور والعجب. وكذلك للألبسة الحقيرة والرديئة جدّاً تأثيرٌ في النفوس، فقد يسقط من اعتبار الإنسان واحترامه عند الآخرين، وإذا لبسها الإنسان ليشتهر بالزهد والقداسة، فقد يقع في التكبّر والغرور والعجب فضلاً عن الرياء وغير ذلك من المفاسد الباطنية. وبعض الناس يقلّد الأجانب في لباسه فينعكس ذلك على باطنه بحيث يمكن أن يصبح قلبه محبّاً لهم ومبغضاً لأعدائهم.
وبكلمة أخرى: إن لباس الشهرة سواء في جانب الإفراط اللباس الفاخر أو التفريط اللباس الرديء من الأمور التي تؤثّر على القلوب الضعيفة وعلى سلوكها وأخلاقها، وقد وردت رواياتٌ عديدةٌ في هذا المجال نذكر بعضها فعن الإمام الصادق عليه السلام: “إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى بعض أوليائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي”[1]. وعنه عليه السلام: “إن الله يبغض شهرة اللباس”[2]. ورُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذلّ يوم القيامة”[3].
لذلك ينبغي للإنسان الطالب للحق والساعي للارتقاء المعنوي أن يجتنب -عند اختياره مادة اللباس وشكله – ما يؤثّر سلباً في الروح، ويخرج القلب عن استقامته، ويورث الغفلة عن الحق تعالى، ويجعل توجّهات الروح دنيوية.
يقول الإمام الخميني قدس سره بشأن اللباس: “اتّضح أن للباطن في الظاهر وللظاهر في الباطن تأثيراً، أنه لا بدّ للانسان الطالب للحق والارتقاء الروحاني أن يحترز في انتخاب مادة اللباس وهيئته مما يكون له تأثير السوء في الروح ويخرج القلب عن الاستقامة ويغفله عن الحق ويجعل وجهة الروح دنيوية. ولا يتوهّم أن تسويل الشيطان وتدليس النفس الأمّارة إنما هو في اللباس الفاخر الجميل فقط أو في التجمّل والتزين فحسب، بل اللباس البالي الذي لا قيمة له ربما يسقط الإنسان من درجة الاعتبار، ومن هذه الجهة لا بدّ للإنسان أن يحترز من لباس الشهرة بل من مطلق المشي على خلاف المعتاد والمتعارف. كما أنه لا بدّ أن يحترز من الألبسة الفاخرة التي تكون مادتها وجنسها غالية الثمن، وتكون هيئتها وخياطتها جالبة للأنظار ويشار اليها بالبنان، لأن قلوبنا ضعيفة وغير ثابتة بشكل ملحوظ، فبمجرد التميّز والتعيّن تزلّ وتنحرف عن الاعتدال”[4].
اللباس وطهارته الظاهرية والباطنية
الصلاة هي مقام العروج والحضور في المحضر المقدّس لله تعالى، وعلى الإنسان السالك مراعاة آداب الحضور في محضر الله تعالى، ومن هذه الآداب الطهارة، ومنها أيضاً طهارة اللباس. ولأن للطهارة جنبتين ظاهرية وباطنية كما ذكرنا، فإن لطهارة اللباس أيضاً جنبتين كل واحدة منها مسؤولة عن صحّة بعدٍ من أبعاد العبادة والصلاة. فقد جعلت طهارة اللباس الظاهري من شرائط صحّة الصلاة الظاهرية، وكذلك جعلت طهارة اللباس الباطني من شرائط قبول الصلاة الباطنية. فما هو المقصود باللباس الباطني؟
اللباس الظاهري المتعارف هو الذي يستر بدن الإنسان، وهذا البدن يشكّل ساتراً ولباساً للبدن الباطني أي النفس والروح. لذلك فإن سرّ جعل طهارة اللباس الظاهري شرطاً لصحّة الصلاة، هو دفع المصلّي للاهتمام بطهارة اللباس الباطني النفس والروح والوعي بأهمية هذه الطهارة، لأن طهارة النفس والروح أولى بالطهارة من هذا البدن الخارجي الذي لا يشكّل في الواقع للإنسان سوى القشر الخارجي، بعكس ألبسة الباطن كالقلب مثلاً الذي يشكّل جوهر الإنسان وحقيقته.
يقول الإمام الخميني قدس سره: “… ففي أدب الحضور مخاطر كثيرة لا يجوز للسالك أن يغفل عنها لحظة واحدة. ولا بد له أن يجعل طهارة اللباس الذي هو ساتر للقشر بل قشر القشر وسيلة لطهارة الألبسة الباطنية، وليعلم أنه كما أن هذا اللباس الصوري[5] ساتر وهو لباس للبدن الملكي[6]، فإن نفس البدن ساتر للبدن البرزخي، والبدن البرزخي موجود الآن ولكنه في ستر البدن الدنيوي وحجابه. والبدن البرزخي ساتر ولباس وحجاب للنفس، وهي ساترة للقلب والقلب ساتر للروح…”[7].
مراتب طهارة اللباس الباطني
وطهارة اللباس الباطني على مراتبٍ:
-
طهارة الأعمال من المعاصي: فالمرتكب للمعاصي يلوّث نفسه وروحه فلا تتمكن من الحضور في محفل الأنس بالله. والطهارة هنا إنما تتحقّق بماء التوبة النصوح والتحلّي بالتقوى حتى يخلص من أدران المعاصي كلّها وهو معنى قوله تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ ٱلتَّقوَىٰ ذَٰلِكَ خَير ﴾[8].
-
طهارة النفس من الأخلاق الذميمة: فالأخلاق الرذيلة والصفات النفسية القبيحة تلوّث باطن الإنسان وتبعده عن محضر الحق.
وجميع المفاسد الأخلاقية تعود في الأصل إلى العجب وحبّ النفس والتكبّر والتفاخر والتعصّب التي هي صفات الشيطان. وكلُّ واحد منها مبدأ لكثيرٍ من الذمائم الأخلاقية ورأس كثيرٍ من الخطيئات. يقول الله تعالى في كتابه الكريم مبيناً ومحذراً: ﴿ يَٰبَنِي ءَادَمَ لَا يَفتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ كَمَآ أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِّنَ ٱلجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوءَٰتِهِمَا ﴾[9]. والطهارة هنا تتحقّق بمجاهدة النفس وتزكيتها وبالعلم النافع من أجل اقتلاع كلِّ هذه الأدران من النفس.
-
طهارة القلب من التعلّقات: فالقلب حرم الرحمان ولا ينبغي أن يسكن هذا الحرم سوى الله سبحانه وتعالى، فلا ينشغل بغيره ولا يقبل على أحد سواه. في الحديث عن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن”[10]. وفي الحديث أيضاً: “أنّ قلب المؤمن عرش الرّحمن”[11]، وروي في الحديث القدسيّ: “لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن”[12].
ولتطهير القلب مراتب، نشير إلى بعضها هنا:
أ. التطهير من حبّ الدنيا: الذي هو رأس كلّ الخطيئات ومنشأ جميع المفاسد، فما دام الإنسان محبّاً للدنيا لن تتيسّر له محبّة الله تعالى للقاعدة القرآنية: ﴿ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُل مِّن قَلبَينِ فِي جَوفِهِۦۚ ﴾[13]، ولن يستشعر حلاوة عبادة الله عزّ وجلّ، لأن القلب منشغلٌ بمعبودٍ آخر. وهذه المرتبة من الطهارة تحصّل من خلال الاستزادة من العلم الإلهي والمجاهدة الروحية والتفكّر في الآخرة والاعتبار من زوال وفناء الدنيا.
ب. التطهير من الاعتماد على الخلق: والوثوق بما لديهم الذي هو في الحقيقة من أنواع الشرك الخفيّ. ويحصل هذا التطهير بالتوحيد الفعلي للحق جلّ وعلا. ولا يكفي الاعتقاد العقلي بأنه لا مؤثّر في الوجود إلا الله، بل ينبغي أن يصبح اعتقاداً قلبياً والانتقال من حد العلم إلى حد الإيمان من خلال تنبيه القلب وتلقينه هذه الحقيقة. والعمل بمقتضيات هذا الاعتقاد في حياة الإنسان اليومية، حتى يصل إلى قطع الطمع من الخلق والاعتماد في كل أحواله على صاحب التأثير الوحيد في الكون أي الله عزّ وجلّ.
الآداب القلبية للستر واللباس
يقول الإمام الصادق عليه السلام في الآداب القلبية للستر واللباس: “أزين اللباس للمؤمنين لباس التقوى وأنعمه الإيمان”[14]. “قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِبَاسُ ٱلتَّقوَىٰ ذَٰلِكَ خَير ﴾[15]. وأما اللباس الظاهر فنعمةٌ من الله يستر عورات بني آدم وهي كرامةٌ أكرم الله بها عباده ذرّية آدم ولم يكرم غيرهم، وهي للمؤمنين آلةٌ لأداء ما افترض الله عليهم. وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله عزّ وجلّ بل يقرّبك من شكره وذكره وطاعته ولا يحملك فيها إلى العجب والرياء والتزيّن والمفاخرة والخيلاء، فإنها من آفات الدين ومورثة القسوة في
القلب، فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر الله عليك ذنوبك برحمته وألبس باطنك بالصدق كما ألبست ظاهرك بثوبك، وليكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك في ستر الطاعة. واعتبر بفضل الله عزّ وجلّ حيث خلق أسباب اللباس لتستر العورات الظاهرة وفتح أبواب التوبة والإنابة لتستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء. ولا تـفضح أحداً حيـث ستـر الله عليك أعظم منه واشتغل بعيب نفسك، واصفح عمّا لا يعنيك حاله وأمره واحذر أن تفني عمرك لعمل غيرك ويتّجر برأس مالك غيرك وتهلك نفسك، فإن نسيان الذنوب من أعظم عقوبة الله تعالى في العاجل وأوفر أسباب العقوبة في الآجل. وما دام العبد مشتغلاً بطاعة الله تعالى ومعرفة عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله فهو بمعزل عن الآفات، خائضٌ في رحمة الله عزّ وجلّ يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان وما دام ناسياً لذنوبه جاهلاً لعيوبه راجعاً إلى حوله وقوّته لا يفلح إذاً أبداً”[16].
آداب وقت الصلاة
إن أهل معرفة الله ليس لهم أوقاتٌ مخصوصةٌ لعبادة الله تعالى، بل هم دائماً في عبادة، فكلّ الأوقات أوقات عبادةٍ عندهم، فهم في حالة حضورٍ دائمٍ، لا يفارقون الذكر والتفكّر والمراقبة لحظةً واحدةً، ولا يختارون على المناجاة مع الحق شيئاً، ويعتبرون أن العزّة والشرف والفضيلة كلّها في تذكّر الحق ومناجاته، لذا فهم يواظبون على أوقات الصلاة وينتظرونها بشغفٍ وشوقٍ، ولا يرون العبادات الإلهية تكليفاً وكلفة.
وعلى الإنسان السالك إلى الله أن يتّخذهم قدوةً، وأن يحافظ بقدر الإمكان على أوقات الصلاة، فيترقّب أوقات فضيلتها فإن فيها نوراً ليس في غيرها من الأوقات. كما ينبغي له أن يقلّل فيها من الاشتغالات القلبية، بل أن يقطعها أيضاً. وهذا لن يتحقّق للإنسان إلا بتنظيم وقته، بمعنى أن يحفظ للصلاة وقتاً خاصّاً لا يزاحمها فيه عملٌ آخر ولا تكون فيه للقلب تعلّقاتٌ أخرى، كي يتمكّن من تهدئة القلب وتحضيره للدخول في محفل الأنس بذكر الله.
وهنا بعض الأحاديث ومنها ما قد ذكرناه في درسٍ سابقٍ، والتي تشير إلى مدى اهتمام أولياء الله عليهم السلام بأوقات الصلاة، لعلّ التدبّر فيها وتذكّرها يؤدّي إلى اليقظة والانتباه من نوم الغفلة:
فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحدّثنا ونُحدّثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه شغلاً بالله عن كلّ شيء”[17].
وروي أن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كان إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلوّن، فيُقال له: “مالك يا أمير المؤمنين”؟ فيقول عليه السلام: “جاء وقت الصلاة وقت أمانةٍ عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها”[18].
ويُروى أن الحسين عليه السلام كان إذا توضّأ يتغيّر لونه وتضطرب مفاصله فقيل له في ذلك فقال: “حقٌّ لمن يقف بين يدي ذي العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله”[19].
ومن الآداب المعنوية للوقت كما يقول الإمام الخميني قدس سره، والتي ينبغي على المصلي مراعاتها، أن يقارن ضعفه وعجزه مع عظمة الله سبحانه وتعالى حتى يستشعر القلب الخوف فتتصاغر نفسه وعبادته في عينيه. وعليه أن يتأمّل في سعة رحمة الله حيث سمحت لعبدٍ ضعيفٍ مثله بالدخول إلى هذا المحضر المقدّس رغم ما به من علل وآفات فيؤدّي هذا التأمّل إلى استشعار القلب للرجاء والأمل. وعند ذلك يستعدّ للحضور في محضر الذات المقدّسة بخطى الخوف والرجاء والرغبة والرهبة.
وعلى الإنسان أن يحذر من رؤية نفسه لائقةً لهذا الحضور أو أن يحسب أنه أهلٌ للقيام بالعبادة والعبودية، بل عليه أن يعلم أن الإذن للعبادة والعبودية إنما هو فقط بفضل شمول رحمة الله ولطفه عزّ وجلّ. وعندما يضع الإنسان ذلّته نصب عينيه وحين يدرك أنه وعبوديته ليسا شيئاً مذكوراً، عندها يتلطّف الحق تعالى به ويرفعه ويقبله في محضره المقدّس[20].
آداب استقبال القبلة
لاستقبال القبلة أيضاً كما بقية أفعال الصلاة آدابٌ معنوية ينبغي مراعاتها والالتفات إليها. فالمصلي الحقيقي عندما يقف مستقبلاً القبلة لأداء الصلاة فإن هذا الاستقبال بالنسبة له يعني أمرين:
الأول: أنه صرف وجهه الظاهر عن كل الأمور المشتّتة في هذا العالم.
الثاني: أنه وجّه وجهه إلى الكعبة التي هي أم القرى ومركز الأرض.
والهدف الأساسي لاستقبال القبلة في الصلاة والتوجّه نحو النقطة المركزية والإعراض عن الجهات المتفرّقة، هو إيقاظ الفطرة وتخليصها عن الحجب والشواغل الدنيوية إيذاناً ببدء مرحلة الانقطاع الكامل إلى الله. فالإنسان بفطرته يفرّ من النقص ويتوق نحو الكمال دائماً. وهذه الفطرة مغروسة في أعماق كل البشر دون استثناء.
ودور الأنبياء والأولياء عليهم السلام إنّما هو إخراج الناس من الاحتجاب بالكمال الموهوم، وتخليص نور فطرتهم من ظلمات الجهل وتعريفهم بالكمال والكامل الحقيقي، وهو الله تعالى الذي هو الكمال بلا نقص، والجمال بلا عيب، ونور النور، والخير المطلق. وإن كلّ كمالٍ وجمالٍ وخيرٍ وعزّةٍ وعظمةٍ ونوريّةٍ وفعليّةٍ وسعادةٍ موجودةٍ في دار التحقّق إنّما هي من نور جمال تلك الذات المقدّسة.
وعندما يفهم القلب هذه الحقيقة فإنه يتوجّه تلقائياً نحو القبلة الحقيقية أي الحق تعالى، وينفر من كلّ ما عداه: ﴿ إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ حَنِيفا وَمَا أَنَا مِنَ ٱلمُشرِكِينَ ﴾[21]. وإفهام القلب هذا المعنى يتمّ بالتلقين، فيكرّر السالك في نفسه عند توجّهه لاستقبال القبلة هذه الحقيقة وسوف تستقرّ شيئاً فشيئاً في قلبه. والإمام الصادق عليه السلام يبيّن آداب الاستقبال فيقول:
“إذا استقبلت القبلة فآيس من الدنيا وما فيها والخلق وما هم فيه، استفرغ قلبك عن كلّ شاغلٍ يشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله تعالى واذكر وقوفك بين يديه: ﴿ هُنَالِكَ تَبلُواْ كُلُّ نَفس مَّا أَسلَفَت وَرُدُّواْ إِلَى ٱللَّهِ مَولَىٰهُمُ ٱلحَقِّ ﴾[22] وقِف على قدمي الخوف والرجاء”[23].
التمارين
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1 – إنّ كلّ الأعمال الصورية والظاهرية التي يقوم بها الإنسان لها في الباطن أثرٌ
2 – لمادة اللباس التي يختارها الطالب للحق الساعي للارتقاء تأثير سلبي في الروح والقلب
3 – من مراتب طهارة اللباس الظاهري طهارة الأعمال من المعاصي بماء التوبة النصوح والتحلّي بالتقوى
4 – جعلت طهارة اللباس الظاهري من شرائط قبول الصلاة الظاهرية، وكذلك جعلت طهارة اللباس الباطني من شرائط صحة الصلاة الباطنية
5 – طهارة النفس من الأخلاق الذميمة لا تتحقّق بمجاهدة النفس وتزكيتها، بل بالعلم النافع فقط
6 – لتطهير لباس القلب مراتب منها المجاهدة الروحية والتفكّر في الآخرة والاعتبار من زوال وفناء الدنيا
7 – على الإنسان السالك أن يحافظ على أوقات الصلاة كي يتمكّن من تهيئة القلب للحضور في محفل الأنس بذكر الله
8 – ينبغي للساك أن يعلم أن الإذن بعبادة الله والعبودية له تعالى إنّما هو بفضل شمول رحمة الله ولطفه عزّ وجلّ بعباده
9 – الهدف الأسمى لاستقبال القبلة في الصلاة هو إيقاظ الفطرة وتخليصها عن الحجب والشواغل الدنيوية إيذاناً ببدء مرحلة الانقطاع الكامل إلى الله تعالى
10 – من آداب استقبال القبلة استفراغ القلب عن كلّ شاغلٍ يشغله عن الله تعالى ويعاين بسرّه عظمة الله تعالى ويذكر وقوفه بين يديه تعالى في الآخرة
المفاهيم الرئيسة
-
هناك تأثيرٌ متبادلٌ بين ظاهر الإنسان وباطنه، فجميع الأعمال الظاهرية التي يقوم بها الإنسان لها في الباطن أثر.
-
ينبغي للإنسان الطالب للحق والساعي للارتقاء المعنوي أن يجتنب – عند اختياره مادة اللباس وشكله – ما يؤثّر سلباً في الروح، ويخرج القلب عن استقامته، ويورث الغفلة عن الحق تعالى، ويجعل توجّهات الروح دنيوية.
-
جعلت طهارة اللباس الظاهري من شرائط صحّة الصلاة الظاهرية، وكذلك جعلت طهارة اللباس الباطني من شرائط قبول الصلاة الباطنية.
-
طهارة اللباس الباطني على مراتبٍ كعدد الألبسة الباطنية: أولاً: طهارة الأعمال من المعاصي، ثانياً: طهارة النفس من الأخلاق الذميمة، ثالثاً: طهارة القلب من التعلّقات الدنيوية ومن الاعتماد على الخلق.
-
على الإنسان السالك أن يحافظ على أوقات الصلاة، فيترقّب أوقات فضيلتها ويقلّل فيها من الاشتغالات القلبية، بل يقطعها أيضاً.
-
على الإنسان أن يحذر من رؤية نفسه لائقةً للعبادة أو أن يحسب أنه أهلٌ للقيام بالعبادة والعبودية، بل عليه أن يعلم أن الإذن للعبادة والعبودية إنما هو فقط بفضل شمول رحمة الله ولطفه عزّ وجلّ.
-
الهدف الأساسي لاستقبال القبلة في الصلاة، هو التوجّه نحو النقطة المركزية والإعراض عن الجهات المتفرّقة، إيذاناً ببدء مرحلة الانقطاع الكامل إلى الله.
للمطالعة
دور التقوى في تحصيل هدف العبادة
إنّ الخوف والفزع من الحق المتعالي يوجب خشية النفس وتقواها، وهي بدورها تبعث على قبول آثار الأعمال أكثر.
وتفصيل هذا الإجمال هو أنّه لكلّ الأعمال الحسنة أو السيئة تأثيراً في النفس. فإذا كانت تلك الأعمال من سنخ العبادات والمناسك كان التأثير هو خضوع القوى الطبيعية للقوى العقلية، وقاهرية ملكوتية النفس على المُلك، وانقياد الناحية الطبيعية للإنسان لناحيته الروحانية حتى يبلغ الأمر إلى الجذبة الروحية والوصول إلى المقصود الأصلي. وكلّ عملٍ يبعث على مثل هذا التأثير أكثر، وينجز هذه الخدمة أحسن، لكان أصوب، ولترتّب عليه المقصود الأصلي بشكلٍ أفضل. وكلّ شيءٍ له دور في هذا التأثير، فهو متكفّلٌ لصواب العمل. وغالباً ما يكون هذا هو المقياس لأفضلية الأعمال. ويمكن أن يكون الحديث المعروف “أفْضَلُ الأعْمالِ أحمَزُها”[24] مندرجاً تحت هذا المقياس أيضاً.
وبعد تبيّن هذه المقدمة، لا بد أن نعرف بأن التقوى تزكّي النفس وتطهّرها من الدنس والقذارات. وطبعاً إذا كانت صفحة النفس ناصعة، وطاهرة من حجب المعاصي وكدرها، كانت الأعمال الحسنة مؤثّرة أكثر، وإصابتها للهدف المبتغى أدق، وتَحقُّق السّر الكبير للعبادات الذي هو ترويض الجانب المادي للإنسان، وقهر ملكوته على مُلكه ونفوذ الإرادة الفاعلة للنفس بصورة أفضل.
فالخشية من الحق سبحانه، التي لها التأثير التام في تقوى النفوس هي من العوامل الكبيرة لإصلاح النفوس، وذات دور في إصابة العمال وحسنها وكماله[25].
[1] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص248
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص444.
[3] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج76، ص314.
[4] الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص97.
[5] أي اللباس المؤلف من قماش وخيطان.
[6] البدن الملكي هو جسد الإنسان.
[7] الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة،ص102.
[8] سورة الأعراف، الآية 26.
[9] سورة الأعراف، الآية 27.
[10] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص39.
[11] م.ن، ج55، ص39.
[13] سورة الأحزاب، الآية 4.
[14] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص324.
[15] سورة الأعراف، الآية 26.
[16] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص324.
[17] ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية،ج1، ص 324، تحقيق وتصحيح مجتبى العراقي، قم، دار سيد الشهداء للنشر، 1405هـ.، ط 1.
[19] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص339.
[20] راجع الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص124-125.
[21] سورة الانعام، الآية 79.
[22] سورة يونس، الآية 30.
[23] منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، الباب39، في افتتاح الصلاة.
[24] مجد الدين ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر،ج 1 ص 440 طاهر أحمد الزاوي ، محمود محمد الطناحي، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع – قم – ايران، 1364 ش، ط 4.
[25] الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، الحَديث العشرون: النيَّة.
2019-06-03