الرئيسية / القرآن الكريم / دروس منهجية في علوم القرآن

دروس منهجية في علوم القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

وبعد..

فقد شغل القرآن الكريم مساحة واسعة من اهتمامات وجهود الباحثين المسلمين وغيرهم، ولم يقتصر هذا الاهتمام على البحوث التفسيرية والتمعّن في مداليل آياته، بل شمل البحث في شؤونه المختلفة وخصوصياته مثل إعجازه وتنزيله وجمعه وترتيبه وقراءاته وغيرها.. وقد كوّنت مجموع هذه البحوث – فيما بعد – العلم المعروف بـ “علوم القرآن” والذي أصبح ضمن مواد المنهج الدراسي للحواضر العلمية التي يقصدها ويتخرج منها طلبة العلوم الإسلامية.

وعندما دعيت لتدريس مادة “علوم القرآن” للطلبة الأجانب في المركز العالمي للدراسات الإسلامية في الحوزة العلمية بمدينة قم المشرّفة، لاحظت افتقاد المنهج الدراسي لهذه المادّة المنسجم مع مستوى الطالب وطبيعة الدراسة في الحوزة العلمية – رغم وجود بعض الكتب القيّمة – فجاءت فكرة ترتيب هذا الكتاب على شكل دروس منهجية. مع إضافة الأسئلة الخاصة بكل فصل ليسهل على الطالب تحديد أهم النقاط والمواضيع المبحوثة فيه.

وقد حرصت على أن يكون أسلوب الكتاب منسجماً مع طبيعة المناهـج الدراسية التي يفترض ابتعادها عن الإطالة والإسهاب مع المحافظة على الإيضاح المطلوب وخلّو التعبير من التعقيد والغموض، آملاً أن أكون قد وفّقت فيما قصدت، ورعاية لحجم الحصة الدراسية كان لابدّ من توزيع بعض المواضيع على عدة دروس.

وسوف يلاحظ القارئ حضوراً واضحاً للنصوص الواردة عن أئمة آل البيت (عليهم السلام) وعرض مواقفهم وآراء شيعتهم من البحوث والمواضيع التي تبحث في هذا العلم، والتي هي مغيّبة في كثير من المصادر.

ختاماً أدعو الله تعالى أن ينفع به طلبة العلوم الإسلامية وكل المهتمين بالشؤون القرآنية، وأن يجعله ذخراً لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم، انه سميع مجيب.

رياض الحكيم

يتضمن الإشارة الى تعريف العلم، وتاريخ وعوامل نشوء هذا العلم وتطوره.

1 – تعريف: “علوم القرآن”

منذ أن بزغ فجر الإسلام مقترناً بنزول الوحي الإلهي، وتوالت آيات الله لتشكل فيما بعد كتاب الله الذي يحمل في طياته معالم الدين الجديد بمختلف أبعاده العقائدية والتربوية والعبادية وغيرها، أدرك المسلمون أهمية الكتاب العزيز – القرآن الكريم – وعظمته، ولم يقتصر اهتمامهم على استيعاب معانيه والتمعن في آياته وتفسيرها، بل اهتموا بجوانب أخرى ترتبط به مثل تاريخ نزوله، وترتيبه، واختلاف القراءات، والإعجاز، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك…

وقد عُرفت هذه البحوث – فيما بعد – باستثناء تفسير معانيه الذي صار علماً بنفسه، بـ”علوم القرآن”.

ف-“علوم القرآن” العلم الذي يحتوي على ما يرتبط بالقرآن الكريم من بحوث – سوى التفسير – مثل تأريخ نزوله، وترتيبه، واختلاف القراءات، والناسخ والمنسوخ، ووجه الإعجاز فيه، وغير ذلك.

وقد اتضح أن العلوم التي تعرّض لها القرآن الكريم مثل الفقه والتربية والعقائد وغيرها لا ترتبط بهذا العلم.

2 – تاريخ “علوم القرآن”

لاشك أنّ بدايات العديد من بحوث هذا العلم تمتد الى عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) مثل الناسخ والمنسوخ، واختلاف القراءات والوحي وغير ذلك، وقد تزايد اهتمام المسلمين بهذه البحوث بعد انقطاع الوحي عقيب وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث أصبح القرآن الكريم أحد الثقلين اللذين خلّفها (صلى الله عليه وآله وسلّم) للأمة. ولكن المؤسف انّا لا نملك أثراً عن طبيعة تلك الدراسات في ذلك العصر; لأنّها كانت عبارة عن نقل الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) فمن الطبيعي أن تتأثر بقرار المنع الصادر من الشيخين على رواية حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكتابته، بل وإحراق الموجود منه(1)، وقد تأخر السماح بتدوين السُنّة الى نهاية القرن الأول الهجري، قيل: في زمن عمر بن عبدالعزيز (ت 99 – 101) فقد كتب الى عامله في المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم “انظر ما كان من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء”(2).

وعلى كل حال، فيبدو أن أوّل من دوّن في علوم القرآن الإمام علي (عليه السلام) فقد أثبت له الشريف المرتضى كتاب “المحكم والمتشابه في القرآن”(3)، كما نسب له سعد بن عبدالله الأشعري كتاب “ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه”(4)، وذكر الحافظ ابن عقدة الكوفي انّ للإمام ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن(5).

ومن بعده ألّف يحيى بن يعمر (ت 89هـ) أحد تلاميذ أبي الأسود الدؤلي كتابه “القراءة” في قرية واسط، وضم الاختلاف الذي لوحظ في نُسَخ القرآن المشهورة(6).

وفي القرن الثاني صنّف الحسن بن أبي الحسن يسار البصري (ت 115هـ) كتابه في “عدد آي القرآن”.

وعبدالله بن عامر اليحصبي (ت 118هـ) كتابه في اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق و”المقطوع والموصول”. وشيبة بن نصاح المدني (ت 135هـ) كتاب “الوقوف”، وأبان بن تغلب (ت 141هـ) – تلميذ الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) – صنّف كتاباً في القراءات، وله كتاب “معاني القرآن”.

ومحمد بن السائب الكلبي (ت 146هـ) أوّل من صنّف في “أحكام القرآن” ومقاتل بن سليمان المفسّر (ت 150هـ) له كتاب “الآيات المتشابهات”. وأبو عمرو بن العلاء زبان بن عمّار التميمي (ت 154هـ) ألّف كتاب “الوقف والابتداء”، وله كتاب “القراءات”. وحمزة بن حبيب الزيّات (ت 156هـ) – صاحب الإمام الصادق (عليه السلام) – له كتاب في القراءة، وتوالى تأليف كتب اخرى في فترات لاحقة.

وفي عصور متأخرة أُلّفت كتب جامعة لعلوم القرآن، منها كتاب “البرهان في علوم القرآن” لبدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي (ت 794هـ)، ومنها كتاب “الإتقان في علوم القرآن” لجلال الدين السيوطي (ت 911هـ).

وأما اصطلاح “علوم القرآن” فربما يرجع إلى القرن السادس حيث ألّف ابن الجوزي (ت 597) كتابين أحدهما بعنوان: “فنون الأفنان في علوم القرآن” والثاني بعنوان: “المجتبى في علوم تتعلق بالقرآن”.

لكن حكى محمد بن عبد العظيم الزرقاني انّه ظفر في دار الكتاب المصريّة بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي (ت 330هـ) اسمه “البرهان في علوم القرآن” يقع في ثلاثين مجلّداً الموجود منه خمسة عشر مجلّداً، إلاّ أنّ الزرقاني تحدث عن هذا الكتاب بقوله: (… كأنّ هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات…)(7).

1– الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/140.

2– الجامع الصحيح: 1 52 باب الحرص على الحديث.

3– الذريعة: 20/154 – 155.

4– الذريعة: 4/276، 24/108. بحار الأنوار: 1/15.

5– أعيان الشيعة: 1/321.

6– راجع تاريخ التراث العربي لفؤاد سركين.

7– مناهل العرفان: 1 36.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...