دروس منهجية في علوم القرآن
9 أبريل,2018
القرآن الكريم, صوتي ومرئي متنوع
812 زيارة
الدرس الخامس عشر (شبهات حول النسخ)
أثيرت عدة شبهات حول النسخ، منها..
1- انّه لو جاز على الله أن ينسخ حكماً لكان امّا لحكمة ظهرت له كانت خافية عليه أو لغير حكمة، وكلاهما محال، لأنّ لازم الأول نسبة الجهل له ولازم الثاني نسبة العبث إليه تعالى.
الجواب: إنّ النسخ يرجع الى مقام الدلالة على الحكم، بمعنى انّ الله سبحانه عالم من أول الأمر أن أمد مصلحة الحكم محدودة بفترة معينة، لكن المصلحة لم تسمح بذكر هذا التحديد من أول الأمر فشُرّع الحكم الأول دائماً بظاهر دليله، ولذا قال الأصوليون انّ النسخ تخصيص أزماني، فالحكم الناسخ يكشف ان تحديد الحكم الأول بهذا الزمان كان مقصوداً لله سبحانه من أول الأمر.
2- ان الآية الناسخة منافية للآية المنسوخة فوقوع النسخ يناقض مفاد الآية الكريمة: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(1﴾.
الجواب: ان الآية الناسخة حيث كانت تكشف عن انتهاء أمد حكم الآية الأولى فلا تكون منافية ومناقضة للأولى، بل هي قرينة على معناها الواقعي وموافقة لها، أو قرينة على أمد وفترة فاعلية الآية الأولى، فلا تكون مناقضة لها.
الجري والانطباق
من الأمور المهمة في القرآن الكريم أنّ مضمونه لا يختص بزمان دون زمان، ولا تختص آياته بأسباب النزول بل تجري باستمرار الزمان وتنطبق على كل الأجيال.
روى العياشي عن عبد الرحيم القصير قال: كنتُ يوماً من الأيام عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال: يا عبد الرحيم قلت: لبيك: قال: قول الله ﴿إنما أنت منذر ولكلّ قوم هاد﴾ إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): أنا المنذر وعلي الهاد ومَن الهاد اليوم؟ قال: فسكتّ طويلاً، ثم رفعتُ رأسي فقلتُ: جعلتُ فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتى انتهت إليك، فأنتَ – جعلت فداك – الهاد. قال: صدقتَ يا عبد الرحيم،إنّ القرآن حي لا يموت والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين.
وقال عبد الرحيم: قال ابو عبد الله (عليه السلام): إنّ القرآن حيّ لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا(2).
وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انّه قال لعمر بن يزيد لمّا سأله عن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾(3﴾، “هذه نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد تكون في قرابتك ثمّ قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء: انّه في شيء واحد”(4).
وفي تفسير فرات: “ولو ان الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض ولكل قوم آية يتلوها هم منها من خير أو شر”(5).
وهناك العديد من النصوص الأخرى التي تشير الى ذلك، ولكن لابد أن نشير الى أن هذه النصوص لا تعني عدم نزول بعض الآيات في شخص أو فئة خاصة، لتميزهم عن غيرهم ببعض المميزات مثل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾(6)، وغير ذلك من الآيات الكريمة.
ويفترض في المفسّر والباحث أن يكون دقيقاً في فهم الآيات والنصوص المفسّرة لها، فيميّز بين المعنى المقصود من الآية وبين التطبيقات التي تشير إليها بعض النصوص التفسيرية، فالأول لا يمكن التصرف فيه وتطبيقه على غيره، بينما الثاني مجرّد فرد ومصداق – مهما كان بارزاً ومتميزاً – لا تقتصر عليه الآية المفترضة. والله العالم.
الأسئلة
1 – ما هو الوجه في وصف المحكمات بأنها اُمّ الكتاب؟
2 – ما معنى المحكم والمتشابه في قوله تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾(7﴾؟
3 – ما هي أقسام النسخ المدعى في القرآن الكريم، وما هو القسم الذي التزمه شيعة آل البيت(عليهم السلام)؟
4 – اذكر الصور الأربع للقسم الثالث من النسخ.
5 – اذكر شبهة حول النسخ والجواب عنها.
1– سورة النساء: 82.
2– تفسير العياشي: 2 218 – 219.
3– سورة الرعد: 21.
4– الكافي: 2 156.
5– يراجع البيان: 31.
6– سورة الأحزاب: 21.
7– سورة آل عمران: 7.
2018-04-09