الرئيسية / القرآن الكريم / دروس منهجية في علوم القرآن

دروس منهجية في علوم القرآن

الدرس الأربعون (التفسير الإشاري وتفسير القرآن بالقرآن)

3 – التفسير الإشاري

وقد عرّفه الزرقاني بأنه تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوّف، ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضاً(1).

وقد تعرّض الذهبي الى نمط آخر من التفسير سماه التفسير الصوفي النظري، لكن قال: “ولم نسمع بأن أحداً ألف في التفسير الصوفي النظري كتاباً خاصاً يتبع القرآن آية آية، كما اُلّف مثل ذلك بالنسبة للتفسير الإشاري، وكل ما وجدناه من ذلك هو نصوص متفرقة اشتمل عليها التفسير المنسوب الى ابن عربي وكتاب الفتوحات المكية له وكتاب الفصوص له ايضاً، كما يوجد بعض من ذلك في كثير من كتب التفسير المختلفة المشارب”(2).

ونحن سوف نتحدّث بإيجاز عن هذا التفسير، وعن التفسير بالباطن الذي يشترك معه في الخط العام، فنقول: قد دأب على هذا التفسير فريقان هما:

أ: المتصوفة وأهل (العرفان) حيث ذكروا في تفاسيرهم معاني غريبة للقرآن الكريم، حيث اعتبروا الآيات القرآنية رموزاً مشيرة الى هذه المعاني الخفية.

ب: بعض المفسّرين الآخرين الذين يعتمدون نصوصاً على اساس أنها تبيّن بواطن القرآن.

وبما ان هذه المعاني المذكورة في هذا النوع من التفسير بعيدة عن ظهور الألفاظ القرآنية ودلالاتها العرفية فلذلك لا يمكن الاعتماد عليها إلاّ اذا توفرت مجموعة من الشروط، منها..

1 – أن تكون منسوبة الى الراسخين في العلم كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة(عليهم السلام).

2 – أن تكون أسانيدها صحيحة ومعتمدة.

3 – أن تكون دلالتها واضحة لا لبس فيها.

فباجتماع هذه الشروط يمكن الاعتماد على هذه التفاسير، ومن دون ذلك لا يمكن الوثوق بها.

ومن الضروري أن نشير هنا الى أنّ ورود هذه النصوص – حتى على فرض الوثوق بها – في التفسير الاشاري قد يكون من باب مجرد التطبيق من دون حصر المعاني القرآنية بها فلا يمنع من الأخذ بظهورات الآيات القرآنية وفق قواعد الفهم العام، لأنّها هي التي اشار إليها القرآن الكريم نفسه حيث دعا الى التدبّر والتمعّن فيه، وكذلك النصوص الكثيرة الأخرى الواردة في الحث على التأمل والتدبّر فيه، وانه (لا يخلق عن كثرة رد) وانه (لا يشبع منه العلماء) وغير ذلك… فإن هذه الآيات والنصوص لا تشير الى تلك المعاني الرمزية الاشارية وإنما تشير الى الظهورات القرآنية المستنبطة من جانب العلماء المؤهلين العارفين بمصادر الثقافة الإسلامية الأصيلة.

ونشير هنا الى بعض التفاسير الاشارية المعروفة..

1 – تفسير النيسابوري، هذا التفسير لا يقتصر على التفسير الاشاري، وانّما يتعرّض إليه بعد أن يفسّر الآيات القرآنية على ظاهر معانيها، ويذكر المعنى الاشاري بعنوان التأويل.

قال مثلاً في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾.

… التأويل: ذبح البقرة اشارة الى ذبح النفس البهيمية فانّ في ذبحها حياة القلب الروحاني، وهو الجهاد الأكبر: موتوا قبل أن تموتوا…

اقتلوني يا ثقاتي *** انّ في قتلي مماتي

وحياتي في مماتي *** ومماتي في حياتي

2 – تفسير التستري: تأليف ابي محمد سهل بن عبدالله التستري (ت: 383).

فذكر مثلاً في تفسير البسملة:

الباء بهاء الله عزّوجل، والسين سناء الله عزّوجل، والميم مجد الله عزّوجل، والله هو الاسم الأعظم الذي حوى الاسماء كلها… إلخ.

3 – تفسير ابن عربي، تأليف محيي الدين بن عربي، الحاتمي الصوفي الفقيه المحدث، عبدالله محمد بن علي… (560 – 638)(3).

قال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾(4).

ولسليمان الريح اي سخّرنا لسليمان العقل العملي، والمتمكن على عرش النفس في المصدر، ريح الهوى (عاصفة) في هبوطها (تجري بأمره) مطيعة له (الى الأرض) ارض البدن المتدرب بالطاعة والأدب (الّتي باركنا فيها) بتمييز الأخلاق والملكات الفاضلة والأعمال الصالحة.

4 – تفسير روح المعاني، تأليف شهاب الدين محمد الآلوسي البغدادي مفتي بغداد. (ت: 1270).

4 – تفسير القرآن بالقرآن

وقد نظّر له بعض المفسّرين، أبرزهم العلاّمة الطباطبائي، فقد قال: “ثانيهما: أن نفسّر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن، ونشخّص المصاديق ونعرفها بالخواص التي تتضمنها الآيات، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ…﴾ الآية. وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾الآية، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ الآية.

وكيف يكون القرآن هدىً وبيّنةً وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه، وهو أشد الاحتياج!(5).

وهذا الذي ذكره (رحمه الله) وإن كان جديراً بالملاحظة والاهتمام لكنّه لا يعني الاكتفاء بالقرآن في التفسير، فان الجمع بين الآيات الكريمة وإن كان يفتح افقاً واسعاً للمفسّر والباحث عادةً، لكنّه لا يكفي لتفسير كل الآيات القرآنية، خاصّة أن كثيراً من المواضع القرآنية لم يتكرر ذكرها في آيات اخرى حتى يمكن فهمها من خلال الجمع بين الآيات.

ومن راجع تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي يجد خروجه أو – على الأقل – عدم اقتصاره على هذا المنهج.

والذي نراه أنه ينبغي للمفسّر أن يستوعب ويحيط بكل ما يساهم في فهم الآيات القرآنية وتفسيرها، من الآيات القرآنية والنصوص التفسيريّة المعتبرة ويعتمد العمق والتمعّن في دراسته للآيات الكريمة.

1– مناهل العرفان: 2 86، علماً ان هذا الظهور انّما هو بحسب زعمهم.

2– التفسير والمفسّرون:3 17.

3– يرى الشيخ محمد عبده ان هذا التفسير ليس لابن عربي، وانما هو لعبدالرزاق القاشاني (ت: 730) وقد وافقه محمد حسين الذهبي. يراجع التفسير والمفسّرون: 3 66 – 67.

4– سورة الأنبياء: 81.

5– الميزان في تفسير القرآن: 1 11.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...