الرئيسية / شخصيات أسلامية / أنصار الحسين – دراسة عن شهداء ثورة الحسين

أنصار الحسين – دراسة عن شهداء ثورة الحسين

وثانيا : إن هذا العدد ( اثنان وثلاثون ) عدد كبير جدا بالنسبة إلى
أصحاب الحسين ( ع ) القليلين ، ولذا فقد كان يجب أن يظهر لهم أثر في
حجم القوة الصغيرة التي كانت مع الحسين في صبيحة اليوم العاشر من
المحرم ، على اعتبار أنهم انحازوا إلى معسكر الحسين في مساء اليوم
التاسع ، مع أننا لا نجد لهم أي أثر في التقديرات التي نقلها الرواة .
لهذا وذاك نميل إلى استبعاد هذه الرواية من دائرة بحثنا في عدد
أصحاب الحسين ( ع ) ، ونرجح أن الرواية – على تقدير صدقها – لا
تعني ، كما يراد لها ، أن هؤلاء الرجال قد انحازوا إلى معسكر الحسين
وقاتلوا معه ، وإنما تعني أن هؤلاء الرجال – نتيجة لصراع داخلي عنيف
بين نداء الضمير الذي يدعوهم إلى الانحياز نحو الحسين والقتال معه ،
وبين واقعهم النفسي المتخاذل الذي يدفع بهم إلى التمسك بالحياة الآمنة
في ظل السلطة القائمة – قد ( حيدوا ) أنفسهم بالنسبة إلى المعركة ،
فاعتزلوا معسكر السلطة ، ولم ينضووا إلى الثوار .
ويبدو أنه قد حدثت حالات كثيرة من هذا القبيل ، منها حالة مسروق
ابن وائل الحضرمي الذي كان يطمح إلى أن يصيب رأس الحسين
( فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد ) ، ولكنه تخلى عن القتال وترك
الجيش عندما رأى ماحل بابن حوزة عندما دعا عليه الحسين ( ع ) ، وقال
لمحدثه : ( لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا ) ( 1 ) .
وربما كان هؤلاء – على تقدير صدق الرواية – هم أولئك الرجال
التافهون الذين قال الحصين بن عبد الرحمن عنهم أنهم كانوا وقوفا على
التل يبكون ، ويقولون : ( اللهم أنزل نصرك ) .
ومن المسائل المتصلة بعدد أصحاب الحسين مسألة الرؤوس
وعددها :
تجمع الروايات على عدد شبه ثابت للرؤوس التي قطعت بعد نهاية
المعركة ، وأرسلت إلى الكوفة ثم أرسلت إلى الشام ، فهذا العدد يتراوح
بين سبعين رأسا وخمسة وسبعين رأسا .
فقد قال أبو مخنف في روايته عما حدث بعد قطع رأس الحسين
عليه السلام ، عن قرة بن قيس التميمي ، وهو شاهد عيان من الجيش
الأموي : ( . . وقطف رؤوس الباقين ، فسرح باثنين وسبعين رأسا ) ( 2 ) .
وقال الدينوري :
( وحملت الرؤوس على أطراف الرماح وكانت اثنين وسبعين
رأسا ) ( 1 ) .
وقال الشيخ المفيد :
( . . وسرح عمر بن سعد من يومه ذلك ، وهو يوم عاشوراء ،
برأس الحسين ( ع ) مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم إلى
عبيد الله بن زياد ، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت ،
وكانوا اثنين وسبعين رأسا ) ( 2 ) .
وروي المجلسي في البحار عن محمد بن أبي طالب الموسوي :
( . . إن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين
رأسا ) ( 3 ) .
هذا فيما يتعلق بقطع الرؤوس . وأما فيما يتصل بتوزيع الرؤوس
على القبائل :
روى أبو مخنف :
( . . فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ،
وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت
تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس ، وجاءت مذحج
بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، فذلك سبعون
رأسا ) ( 1 ) .
ونلاحظ على أبي مخنف أنه قال في روايته الآنفة : ( فسرح بإثنين
وسبعين رأسا ) .
وروى الدينوري .
( . . وحملت الرؤوس على أطراف الرماح ، وكانت اثنين وسبعين
رأسا ، جاءت هوازن منها بإثنين وعشرين ، وجاءت تميم بسبعة عشر
رأسا مع الحصين بن نمير ، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا مع قيس بن
الأشعث ، وجاءت بنو أسد بستة رؤوس مع هلال بن الأعور ، وجاءت
الأزد بخمسة رؤوس مع عيهمة بن زهير ، وجاءت ثقيف بإثني عشر رأسا
مع الوليد بن عمرو ) ( 2 ) .
ونلاحظ على الدينوري أنه قال عن مجموع الرؤوس أنه اثنان
وسبعون مع أن مجموع حصص القبائل كما ذكرها يبلغ خمسة وسبعين .
وروي محمد بن أبي طالب الموسوي .
( . . فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ،
وجاءت هوازن باثني عشر رأسا وصاحبهم شمر ، وجاءت بنو أسد بستة
عشر رأسا ، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس ، وجاءت سائر الناس بثلاثة
عشر رأسا ) ( 1 ) .
ونلاحظ أن هذه الرواية تشتمل على أقل الاعداد في هذه المسألة
فمجموع عدد الرؤوس فيها يبلغ واحدا وستين رأسا .
قد يقال بوجود دلالتين لعدد الرؤوس : إحداهما دلالته على عدد
أصحاب الحسين ، وثانيتهما دلالته على عدد القتلى .
وإذا صح هذا فإنه ينقض نظريتنا في عدد أصحاب الحسين ، بل إنه
ينقض كل الروايات الواردة في هذا الشأن ، فمن المعلوم أن الرؤوس
كانت للهاشميين وغيرهم ، وعلى هذا ينبغي أن يكون عدد أصحاب
الحسين من غير الهاشميين أقل من خمسين رجلا .
ولكننا لا نرى لعدد الرؤوس أية دلالة من هذه الجهة ، فإن قطع
الرؤوس وحملها إلى الكوفة والشام إجراء انتقامي ذو محتوى سياسي ، أو
عمل سياسي ذو صفة انتقامية ، وهو خاضع لاعتبار سياسي معين سنتناوله
بالدرس في فصل آت إنشاء الله تعالى .
على أننا نلفت النظر إلى الاختلاف في عدد الرؤوس بين الروايات
( 61 أو 70 أو 72 أو 75 أو 78 ) وعند الراوي الواحد ( أبو مخنف :
72 و 70 ) ( الدينوري : 72 و 75 ) .
ونلفت النظر أيضا إلى اختلاف الرواة في توزيع الرؤوس على
القبائل .
إن هذه الاختلافات تدل – في نظرنا – على أن المسألة كما يعرضها
الرواة ، لو أردنا الاخذ بأرقامهم ، ليست بسيطة كما تبدو ، وإنما هي ذات
تعقيدات تتصل بعلاقات القبائل بالقتلى من جهة ، وتتصل بمركز القبيلة
السياسي من جهة أخرى .
وعلى أي حال فسندرس هذه المسألة فيما يأتي .
ويثير الحديث عن عدد الرؤوس سؤالا آخر هو : هل قتل الجميع
أو بقيت منهم بقية ؟
ذكر أبو مخنف عن محمد بن مسلم ( وهو شاهد عيان من الجيش
الأموي ) .
( . . فقتل من أصحاب الحسين عليه السلام اثنان وسبعون
رجلا . . وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى
الجرحى . ) ( 1 ) .
وهذه الرواية تعبر عن عدد الشهداء من غير الهاشميين . وهي كاذبة
بلا شك فيما يتصل بتقدير عدد قتلى الجيش الأموي ، فإن أقل التقديرات
بالنسبة إلى قتلى الجيش الأموي تتجاوز العدد الذي ورد في هذه الرواية
بكثير .
وقال المسعودي :
( . . وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء
سبعة وثمانون ، منهم ابنه علي بن الحسين ) ( 1 ) .
وظاهر هذه الرواية أن هذا العدد يشمل الهاشميين وغيرهم بقرينة
ذكر علي بن الحسين .
وفي رواية هشام بن الوليد الكلبي وأبي مخنف عن استقبال يزيد بن
معاوية لرسول عبيد الله بن زياد الذي أرسله بشيرا بالقضاء على الثورة :
( . . إذا أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال
له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك ؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح
الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته ،
وستين من شيعته فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أتينا على
آخرهم . . ) ( 2 ) .
إن قبول إي واحدة من هذه الروايات يعني أن أصحاب الحسين لم
يقتلوا جميعا ، وأن بقية كبيرة منهم سلمت من القتل .
ولكننا لا يمكن أن نقبل هذه النتيجة ، كما لا نستطيع أن نقبل
الروايات في أنفسها وإن قبلنا النتيجة المذكورة .
لا نستطيع أن نقبل الروايات في أنفسها ، بل نرجح رفضها لأن المفروض
في حالة كهذه أن يكون العدد مبينا على الاحصاء ، لان القتلى
مادة ساكنة ، ولأنه – في حالتنا لا يوجد خطر من الاحصاء ، لان المنتصر
قد قضى على كل مقاومة ، وقد سيطر بشكل مطلق على ساحة المعركة ،
وإذا كانت الحال هكذا وكان القتلى مادة ساكنة فإن عملية الاحصاء يجب
أن تتم بسهولة ، خاصة إذا لا حظنا أن العدد على جميع الفروض محدود
للغاية .
والاحصاء يقتضي أن يكون الرواة متحدين في رواية العدد ، آخذين
بنظر الاعتبار أنهم شهود عيان ، مع أننا نرى أنهم مختلفون في هذه
المسألة اختلافا كبيرا يبعث على الشك في دقتهم ، ويحمل على الظن
بأنهم بنوا تقديراتهم الظنية على استبعاد الشهداء من الموالي .
وإذا أردنا أن نحسن الظن برواياتهم فلا بد من افتراض أن بعض
القتلى قد دفنوا قبل نهاية المعركة ، وإن كنا نعترف بأننا لا نملك الآن بينة
على هذا الافتراض .
ولا نستطيع أن نقبل النتيجة ، لان جميع المصادر من غير استثناء
تنص على أن الحسين بقي – بعد استشهاد جميع أصحابه – من غير
الهاشميين – مع الهاشميين وحدهم ، وأنه ، في النهاية ، بعد استشهاد
الهاشميين ، بقي وحيدا ، واستشهد وهو وحيد .
ولا تذكر المصادر الرئيسة والثانوية أن أحدا من أصحابه تخلى عنه
أبدا .
ولا تذكر المصادر أن أحدا من الذكور بقي حيا سوى الذين نذكرهم
فيما يلي :
من الهاشميين .
1 – الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زين العابدين .
2 – الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
3 – عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( 1 ) .
من غير الهاشميين :
1 – الضحاك بن عبد الله المشرقي :
كان قد أعطى الحسين ( ع ) عهدا أن يقاتل معه ما كان قتاله معه
نافعا ، فإذا لم يجد مقاتلا معه كان في حل من الانصراف ( 2 ) .
2 – عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الإمام الحسين ( ع ) :
قال لعمر بن سعد حين أراد قتله : أنا عبد مملوك ، فخلى
سبيله ( 3 ) .
3 – المرقع بن ثمامة الأسدي :
كان قد نثر نبله ، وجثا على ركبتيه ، فقاتل ، فجاءه نفر من قومه
فقالوا له أنت آمن ، أخرج إلينا ، فخرج إليهم ( 4 ) .
هؤلاء هم الذين ثبت أنهم سلموا من المذبحة من الذكور ، ولو كان
ثمة من تخلى عن الحسين قبيل المعركة أو أثنائها أو بقي بعدها لحفظ
ذكره .
وإن إجماع المصادر على ما ذكرنا ، بالإضافة إلى عدم استقامة
الروايات في أنفسها يحملاننا على عدم العناية بها ، وتجريدها من أي
دلالة مدعاة على عدد الأصحاب ، أو العدد الحقيقي للشهداء .
إن رواية عمار الدهني صادقة من هذه الجهة إلى حد بعيد .
( فقتل أصحاب الحسين كلهم ، وفيهم بضعة عشر شابا من أهل
بيته ) ( 1 ) .
وثمة سؤال يتعلق بموقع الهاشميين من القوة المحاربة مع الحسين
في صبيحة اليوم العاشر من المحرم .هل كان الهاشميون صبيحة اليوم العاشر من المحرم ، عند نشوب
القتال ، جزءا من القوة المحاربة التي عبأها الحسين ( ع ) فجعل زهير بن
القين في الميمنة ، وحبيب بن مظاهر في الميسرة ، وأعطى الراية أخاه
العباس ، أو أنهم كانوا خارج هذه القوة ؟
إننا نرى أن الافتراض الأول هو الصحيح ، فإننا لا نستطيع أن نقبل
فكرة أن غير الهاشميين قد باشروا الحرب بينما كان هؤلاء جالسين في
خيامهم ، الشئ المؤكد هو أن غير الهاشميين قاتلوا وقتلوا قبل
الهاشميين ، ولكن هذا لا يعني أن الهاشميين كانوا خارج القوة المعبأة ،
وإذن فلا بد أن الجميع كانوا في حالة تهيئة للقتال في وقت واحد وفي
موقف واحد .
ولدينا نص نقله الخوارزمي قال فيه :
( . . ولما أصبح الحسين عليه السلام . . عبأ أصحابه . . فجعل
على ميمنته زهير بن القين ، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر ، ودفع اللواء
إلى أخيه العباس بن علي ، وثبت عليه السلام مع أهل بيته في
القلب ) ( 1 ) .
ويبدو أن موقع الراية – في نظام التعبئة – في القلب ، وإذن فكل من
ذكر أن الراية كانت في يد العباس بن علي عنى أن بني هاشم كانوا في
القلب مع الحسين ( 2 ) .
نستثني منهم الشبان الصغار الذين لم يكونوا في سن مناسبة للقتال ،
وهم بضعة أفراد استشهدوا حين لم يبق مع الحسين أحد من المقاتلين
الهاشميين فاندفع هؤلاء الشبان إلى القتال ، وقتلوا .
لقد كان من الممكن أن يزيد عدد أصحاب الحسين عليه السلام
زيادة كبيرة ، لم تكن لتؤثر وحدها على نتيجة المعركة بنفسها ، ولكنها
كانت تجعلها أطول وأشد مرارة بالنسبة إلى الجيش الأموي ، مما كان من
الممكن أن يمكن قوات أخرى أن تتدخل إلى جانب الثورة ، وعوامل
مساعدة ذات طبيعة سياسية أن تحدث فتؤثر على نتيجة المعركة .
كان من الممكن أن يحدث هذا لولا حدوث بعض المعوقات ،
فقد استأذن حبيب بن مظاهر الأسدي الإمام الحسين قبل المعركة
بأيام في أن يأتي قومه من بني أسد الذين كانوا قريبين من موقع المعركة
فيدعوهم إلى نصرة الحسين ، فأذن له .
وقد استجاب لدعوة حبيب بن مظاهر من هذا الحي من بني أسد
تسعون مقاتلا جاءوا معه يريدون معسكر الحسين ، ولكن عمر بن سعد
علم بذلك فوجه إليهم قوة من أربعمئة فارس ، ( فبينما أولئك القوم من
بني أسد قد أقبلوا في جوف الليل مع حبيب يريدون عسكر الحسين ، إذا
استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات ، وكان بينهم وبين معسكر
الحسين اليسير ، فتناوش الفريقان واقتتلوا ، فصاح حبيب بالأزرق بن
الحرث : مالك ولنا ، انصرف عنا ، يا ويلك دعنا واشق بغيرنا ، فأبى
الأزرق ، وعلمت بنو أسد ألا طاقة لهم بخيل ابن سعد ، فانهزموا راجعين
إلى حيهم ، ثم تحملوا في جوف الليل جوفا من ابن سعد أن يكسبهم ،
ورجع حبيب إلى الحسين فأخبره ) ( 1 ) .
ويبدو أن السلطة كانت تخشى أن يتسامع الناس بما يحدث في
كربلاء فيؤدي ذلك إلى تدفق الأنصار على الحسين ، ولذا استعجلت إنهاء
المعركة والقضاء على الحسين وآله وصحبه ، فرفضت المضي في
المفاوضات ، ووجهت تأنيبا إلى عمر بن سعد لأنه يحاور الحسين ،
واستخدمت سلاح العطش لا لمجرد التعذيب الجسدي ، وإنما لغاية
أخرى أيضا هي خفض القدرة القتالية لدى الحسين وقوته الصغيرة ،
وإضعاف خيلهم ، وخلق مشكلة موجعة تنشأ من عطش النساء والأطفال .
ويبدو أن محاولة حبيب بن مظاهر قد نبهت قيادة الجيش الأموي إلى
إمكانية تسرب قوات موالية للحسين من جانب الفرات ، فعززت ، إثر هذه
المحاولة ، حصار العطش لحماية الضفة من تسرب أي إنسان موال
للحسين من خلالها ( 1 ) .
ويعزز هذا الرأي ملاحظة وردت عرضا في رواية للطبري على لسان
أحد المقاتلين في الجيش الأموي ، تصور مشهدا أليما وفاجعا من مشاهد
اليوم العاشر من المحرم ، جاء فيها :
( حدثني من شهد الحسين في عسكره أن حسينا حين غلب على
عسكره ركب المسناة يريد الفرات ، قال : فقال رجل من بني أبان بن
دارم : ويلكم حولوا بينه وبين الماء ، لا تتام إليه شيعته ) ( 2 ) .
إن ذكر هذه الملاحظة ( لا تتام إليه شيعته ) سببا للحيلولة بين
الحسين وبين الماء تدل على أن قيادة الجيش الأموي كانت تتوقع قدوم
نجدات موالية للحسين ، وكانت تقوم على الشاطئ بحصار حقيقي
يتجاوز الحيلولة دون الماء إلى الحيلولة دون عبور قوات موالية للحسين
كانت فيما يبدو جاهزة للعبور ، ولعلها كانت من الأسديين الذين فشلوا في
الوصول إلى معسكر الحسين حين قادهم حبيب بن مظاهر .
من هم ؟
فيما يلي نستعرض أسماء الشهداء الذين حفظ التاريخ أسماءهم ،
باذلين كل جهد ممكن في سبيل التعرف على شخصياتهم ، وقبائلهم ،
وأوضاعهم الاجتماعية .
هذا مع التنبيه إلى أن العدد قد لا يكون دقيقا تماما ، فقد تكون ثمة
أسماء لم تصل إلينا نتيجة لاهمال المؤرخين والرواة ، وقد يكون ثمة
رجال تكرر ذكرهم مرتين نتيجة لذكرهم مرة بالاسم وأخرى بالكنية أو
باللقب ، دون أن تكون لدينا وسيلة لمعرفة اسم صاحب اللقب أو النية أو
كنية ولقب صاحب الاسم ، ولكننا واثقون من أن إمكانية الخطأ من هذه
الجهة محدودة جدا .
والتصحيف في الأسماء والألقاب والنسب ، والخطأ في ذلك عند
المؤلفين القدماء والنساخ هو أكبر الآفات التي تواجهنا في استعراض
أسماء الشهداء والتحقق من شخصياتهم . ومن هنا ، فإننا حرصا منا على
الدقة وضعنا جدولين أحدهما بأسماء الشهداء رضوان الله عليهم ، والآخر
بأسماء الرجال الذين يفترض أنهم من شهداء كربلاء . الجدول الأول أثبتنا
فيه أسماء الشهداء الذين ورد ذكرهم في الزيارة المنسوبة إلى الناحية
المقدسة ، لأنها أقدم وثيقة تشتمل على ما يفترض أنه جميع الشهداء –
ونحن نعتبرها كوثيقة تاريخية فقط ، لان صفتها الدينية غير ثابتة كما
ذكرنا ، كما أننا أثبتنا في هذا الجدول أسماء الشهداء الذين لم يرد ذكرهم
في الزيارة ، ولكن ذكروا في أحد المصادر الأساسية الأخرى كرجال الشيخ
أو الطبري ، وكذلك الذين ذكروا في مصدرين اثنين من المصادر الثانوية
بعد التأكد من عدم أخذ إحداهما عن الآخر أو في مصدرين اثنين نص
أحدهما على الأقل على استشهاد المسمى ، وراعينا أن يكون أحد
المصدرين من المصادر الأساس في الموضوع . والجدول الثاني يشتمل
على ما تفرد به مصدر واحد من المصادر المتأخرة كالزيارة الرجبية أو كتاب
ابن شهرآشوب أو كتاب مثير الأحزان ، أو اللهوف وأمثالها .
وسنرى أن المعلومات المتاحة قليلة جدا ، وحتى هذا القليل لا
يتيسر الحصول عليه بسهولة نتيجة لاهمال المؤرخين من جهة ولتصحيف
النساخ من جهة أخرى ، هذا التصحيف ، الذي يضع اسما مكان اسم ونسبا
مكان نسب .
ولكن هذه المعلومات القليلة ستكون عظيمة القيمة إذا أحسنا تبويبها
وقراءة دلالاتها ، فسنرى أنها تكشف لنا عن أبعاد جديدة لهذه الثورة ما كنا
لنصل إليها لولا دراسة ما يمكن الوصول إليه من حياة هؤلاء الرجال
الابطال .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...