الرئيسية / القرآن الكريم / 10 أسرار الآيات وأنوار البينات

10 أسرار الآيات وأنوار البينات

وأما الصفات

فالمجال للفكر فيها أفسح ونطاق النطق فيها أوسع لأنها مفهومات عقلية يقع فيها الاشتراك إلا أنها فيه على وجه أشرف وأعلى وأن مصداقها في الأول تعالى ذاته بذاته وفي غيره ليس كذلك .

ولأجل ذلك اشتمل القرآن على ذكر تفاصيلها في كثير من الآيات كما في

قوله :

« وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »

وقوله :

« هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »

وكقوله :

« الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ »

وقوله :

« هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَه ُ الأَسْماءُ الْحُسْنى » وفي هذا القسم أيضا غموض شديد وتعسر تام ولا يمكن معرفة بعض الصفات كالكلام والصفات التشبيهية إلا لأهل البصائر الثاقبة كالسمع والبصر والاستواء على العرش والابتلاء والمماكرة والتردد والذهاب والمجيء والكراهة والتأذي وكالوجه واليد والجنب
والقدم وغير ذلك مما لا يعرفه إلا الراسخون في العلم .

وأما الأفعال

فبحر متسع أطرافه ولكل أحد أن يخوض فيه ويسبح في غمراته بقدر غزارة علمه وقوة سباحته لكن لا ينال بالاستقصاء أطرافه لأنها مرتبطة بالصفات كالصفات بالذات بل ليس في الوجود إلا ذاته وصفاته وأفعاله التي هي صور أسمائه ومظاهر صفاته لكن القرآن مشتمل على الجلي منها الواقع في عالم الشهادة تصريحا وتفصيلا وعلى الخفي منها الواقع في عالم الغيب تلويحا وإجمالا .

فالأول كذكر السماوات والأرض والكواكب والشمس والقمر والجبال والبحار والسحب والأمطار وسائر أسباب الكائنات والحيوان والنبات .

لكن أشرف صنائع اللَّه وأعجبها وأعظمها وأدلها على جلال اللَّه وعلوه ومجده ما هو محجوب عن الحس بل هو من عالم الملكوت وهي الملائكة والروحانيات والروح والعقل والنفس واللوح والقلم بل العرش والكرسي عند بعض فإن هذه كلها خارجة من عالم الملك والشهادة ومن أداني عالم الملكوت هي الملائكة العمالة الموكلة بعالم الأرضين ومنهم كتبة الأعمال وملائكة جانب الشمال وكرام الكاتبين .

قوله :

« ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْه ِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

« وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ » فالسائق للعمل والشهيد للاعتقاد

« وَقالَ قَرِينُه ُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ »

وقوله :

« وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » ومنهم أعوان ملك الموت وسدنة النيران

« خُذُوه ُ فَغُلُّوه ُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه ُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوه ُ » ومنهم الساكنين في البراري والجبال ودونهم الجن والشياطين المسلطين على جنس الإنس الذين امتنعوا عن السجود لآدم عليه السلام ومن أعاليهم الملائكة السماويون أي

« الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه ِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَه ُ يَسْجُدُونَ . . . يُسَبِّحُونَ لَه ُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ » .

وأعلى منهم حملة العرش والكروبيون وهم العاكفون في حظيرة القدس لا الالتفات لهم إلى هذا العالم بل لا التفات لهم إلى غير اللَّه لذهولهم عن ذواتهم واستغراقهم في شهود الحضرة الإلهية وهم من أهل الفناء في التوحيد ويقال لهم الملائكة المهيمة ولا يستبعد أن يكون في
عباد اللَّه من يشغله مطالعة جلال اللَّه عن الالتفات إلى نفسه فضلا عن غيره .

وقد ورد في الحديث عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله :

« إن للَّه أرضا بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوما هي مثل أيام الدنيا ثلاثين مرة مشحونة خلقا لا يعلمون أن اللَّه يعصى في الأرض ولا يعلمون أن اللَّه خلق آدم وإبليس »

وأكثر الخلق إدراكهم مقصور على عالم الحس والتخيل وإنهما النتيجة الأخيرة من نتائج عالم الملكوت وهو القشر الأقصى من اللب الأصفى ومن لم يجاوز هذه الدرجة لا يعرف من القرآن إلا ما له نسبة القشر الأخير من الجوز والبشرة من الإنسان .

فهذه مجامع القسم الأول من الثلاثة للأصول وقد انقسم إلى ثلاثة أقسام فهي مع القسمين الأخيرين اللذين أحدهما معرفة النفس وأحوال الآخرة وكيفية صعودها إلى اللَّه ومرورها على الصراط المستقيم وسلوكها درجات طريق الحق وهبوطها وانحرافها عن الصراط وسقوطها عن الفطرة ومرورها على دركات الجحيم .

وثانيهما معرفة المعاد وأحوال يوم القيامة والبعث والحشر والصراط والميزان والحساب والكتاب والثواب والعقاب في الجنة والنار فالمجموع خمسة أقسام نذكرها في أطراف ثلاثة .

 

 

7f624f54-0b3f-42c6-8e70-aa7cc607b2d4

شاهد أيضاً

ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق

[ثواب سجدة الشكر] حدثني محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن ...