الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 16

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 16

الفرضية الثالثة : التشيع فارسي المبدأ أو الصبغة
وهناك فرضية ثالثة اخترعها المستشرقون لتكون مذهب الشيعة في المجتمع
الإسلامي ، وهذه الفرضية كسابقتيها تعتمد اعتبار حداثة هذا المذهب قصدا أم
جهلا ، فقادها هذا التصور الخاطئ إلى اعتماد نظرية تقول بفارسية المبدأ أو الصبغة
لمذهب التشيع ، وهذا الترديد بين الأمرين مرجعه رأيان لأصحاب هذه النظرية في
المقام :
1 – إن التشيع من مخترعات الفرس ، اخترعوه لأغراض سياسية ولم يعتنقه
أحد من العرب قبل الفرس ، ولكنهم لما أسلموا اخترعوا تلك الفكرة لغاية
خاصة .
2 – إن التشيع عربي المبدأ ، وإن لفيفا من العرب اعتنقوه قبل أن يدخل الفرس
في الإسلام ، ولما أسلموا اعتنقوه وصبغوه بصبغة فارسية لم تكن من قبل .
وهذان الرأيان هما اللذان عبرنا عنهما في العنوان بما عرفت ، وإليك تفصيل
أمرهما :
أما النظرية الأولى : فقد اخترعها المستشرق دوزي ، وملخصها : أن للمذهب
الشيعي نزعة فارسية ، لأن العرب كانت تدين بالحرية ، والفرس تدين بالملك
والوراثة ، ولا يعرفون معنى الانتخاب ، ولما انتقل النبي إلى دار البقاء ولم يترك
ولدا ، قالوا : علي أولى بالخلافة من بعده .
وحاصله : أن الانسجام الفكري بين الفرس والشيعة – أعني : كون الخلافة
أمرا وراثيا – دليل على أن التشيع وليد الفرس .
وهذا التصور مردود لجملة واسعة من البديهيات ، منها :
أولا : أن التشيع حسبما عرفت ظهر في عصر النبي الأكرم ، وهو الذي سمى
أتباع علي بالشيعة ، وكانوا موجودين في عصر النبي وبعده ، إلى زمن لم يدخل أحد
من الفرس – سوى سلمان – في الإسلام .
بلى ، فإن رواد التشيع في عصر الرسول والوصي كانوا كلهم عربا ولم يكن
بينهم أي فارسي سوى سلمان المحمدي ، وكلهم كانوا يتبنون فكرة التشيع .
وكان لأبي الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أيام خلافته ثلاثة
حروب : حرب الجمل ، وصفين ، والنهروان . وكان جيشه كله عربا ينتمون إلى
أصول وقبائل عربية مشهورة بين عدنانية وقحطانية ، فقد انضم إلى جيشه
زرافات من قريش والأوس والخزرج ، ومن قبائل مذحج ، وهمدان ، وطي ،
وكندة ، وتميم ، ومضر ، بل كان زعماء جيشه من رؤوس هذه القبائل كعمار بن
ياسر ، وهاشم المرقال ، ومالك الأشتر ، وصعصعة بن صوحان وأخوه زيد ،
وقيس بن سعد بن عبادة ، وعبد الله بن عباس ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن
عدي ، وعدي بن حاتم ، وأضرابهم . وبهذا الجند وبأولئك الزعماء فتح أمير
المؤمنين البصرة ، وحارب القاسطين – معاوية وجنوده – يوم صفين ، وبهم قضى
على المارقين .
فأين الفرس في ذلك الجيش وأولئك القادة كي نحتمل أنهم كانوا الحجر
الأساس للتشيع ؟ ثم إن الفرس لم يكونوا الوحيدين ممن اعتنقوا هذا المذهب دون
غيرهم ، بل اعتنقه الأتراك والهنود وغيرهم من غير العرب .
شهادة المستشرقين على أن التشيع عربي المبدأ :
إن عددا من المستشرقين وغيرهم صرحوا بأن العرب اعتنقت التشيع قبل
الفرس وإليك نصوصهم :
1 – قال الدكتور أحمد أمين : الذي أرى – كما يدلنا التاريخ – أن التشيع لعلي بدأ
قبل دخول الفرس إلى الإسلام ولكن بمعنى ساذج ، ولكن هذا التشيع أخذ صبغة
جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام ، وحيث إن أكبر عنصر دخل في
الإسلام الفرس فلهم أكبر الأثر في التشيع ( 1 ) . وسيوافيك الكلام على ما في ذيل
كلامه من أن التشيع أخذ صبغة جديدة بعد فترة من حدوثه .
2 – وقال المستشرق فلهوزن : كان جميع سكان العراق في عهد معاوية –
خصوصا أهل الكوفة – شيعة ، ولم يقتصر هذا على الأفراد ، بل شمل القبائل
ورؤساء العرب ( 1 ) .
3 – وقال المستشرق جولد تسيهر : إن من الخطأ القول بأن التشيع في نشأته
ومراحل نموه يمثل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانية في الإسلام
بعد أن اعتنقته ، أو خضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية ، وهذا الوهم
الشائع مبني على سوء فهم الحوادث التاريخية ، فالحركة العلوية نشأت في أرض
عربية بحتة ( 2 ) .
4 – وأما المستشرق آدم متز فإنه قال : إن مذهب الشيعة ليس كما يعتقد
البعض رد فعل من جانب الروح الإيرانية يخالف الإسلام ، فقد كانت جزيرة
العرب شيعة كلها عدا المدن الكبرى مثل مكة وتهامة وصنعاء ، وكان للشيعة غلبة
في بعض المدن أيضا مثل عمان ، وهجر ، وصعدة ، أما إيران فكانت كلها سنة ، ما
عدا قم ، وكان أهل إصفهان يغالون في معاوية حتى اعتقد بعض أهلها أنه
نبي مرسل ( 3 ) .
ولعل المتأمل في كلمات هؤلاء يجد بوضوح أنهم يقطعون بفساد الرأي الذاهب
إلى فارسية التشيع ، وأنهم لم يجدوا له تبريرا معقولا ، بالرغم من عدم تعاطفهم
أصلا مع التشيع ، فتأمل .
5 – يقول الشيخ أبو زهرة : إن الفرس تشيعوا على أيدي العرب وليس التشيع
مخلوقا لهم ، ويضيف : وأما فارس وخراسان وما وراءهما من بلدان الإسلام ، فقد
هاجر إليها كثيرون من علماء الإسلام الذين كانوا يتشيعون فرارا بعقيدتهم من
الأمويين أولا ، ثم العباسيين ثانيا ، وأن التشيع كان منتشرا في هذه البلاد انتشارا
عظيما قبل سقوط الدولة الأموية بفرار أتباع زيد ومن قبله إليها ( 1 ) .
6 – وقال السيد الأمين : إن الفرس الذين دخلوا الإسلام لم يكونوا شيعة في
أول الأمر إلا القليل ، وجل علماء السنة وأجلائهم من الفرس ، كالبخاري
والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم النيسابوري والبيهقي ، وهكذا غيرهم ممن
أتوا في الطبقة التالية ( 2 ) .
وأما النظرية الثانية فإن التاريخ يدلنا على أن الفرس دخلوا في الإسلام يوم
دخلوا بالصبغة السنية ، وهذا هو البلاذري يحدثنا في كتابه عن ذلك بقوله :
كان ابرويز وجه إلى الديلم فأتى بأربعة آلاف ، وكانوا خدمه وخاصته ، ثم
كانوا على تلك المنزلة بعده ، وشهدوا القادسية مع رستم ، ولما قتل وانهزم المجوس
اعتزلوا ، قالوا : ما نحن كهؤلاء ولا لنا ملجأ ، وأثرنا عندهم غير جميل ، والرأي لنا
أن ندخل معهم في دينهم ، فاعتزلوا . فقال سعد : ما لهؤلاء ؟ فأتاهم المغيرة بن شعبة
فسألهم عن أمرهم ، فأخبروا بخبرهم ، وقالوا : ندخل في دينكم ، فرجع إلى سعد
فأخبره فآمنهم ، فأسلموا وشهدوا فتح المدائن مع سعد ، وشهدوا فتح جلولاء ، ثم
تحولوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين ( 3 ) .
لم يكن إسلامهم – يوم ذاك – إلا كإسلام سائر الشعوب ، فهل يمكن أن يقال : إن
إسلامهم يوم ذاك كان إسلاما شيعيا ؟
وأما النظرية الثالثة : فإن الإسلام كان ينتشر بين الفرس بالمعنى الذي كان
ينتشر به في سائر الشعوب ، ولم يكن بلد من بلاد إيران معروفا بالتشيع إلى أن
انتقل قسم من الأشعريين الشيعة إلى قم وكاشان ، فبذروا بذرة التشيع ، وكان ذلك
في أواخر القرن الأول ، مع أن الفرس دخلوا في الإسلام في عهد الخليفة الثاني ، أي
ابتداء من عام ( 17 ه‍ ) ، وهذا يعني أنه قد انقضت أعوام كثيرة قبل أن يدركوا
ويعلموا معنى ومفهوم التشيع ، فأين هذا من ذاك . وهذا هو ياقوت الحموي يحدثنا
في معجم البلدان بقوله :
قم ، مدينة تذكر مع قاشان ، وهي مدينة مستحدثة إسلامية لا أثر للأعاجم
فيها ، وأول من مصرها طلحة بن الأحوص الأشعري ، وكان بدو تمصيرها في أيام
الحجاج بن يوسف سنة ( 83 ه‍ ) ، وذلك أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن
قيس ، كان أمير سجستان من جهة الحجاج ، ثم خرج عليه ، وكان في عسكره
سبعة عشر نفسا من علماء التابعين من العراقيين ، فلما انهزم ابن الأشعث ورجع إلى
كابل منهزما كان في جملة إخوة يقال لهم : عبد الله ، والأحوص ، وعبد الرحمن ،
وإسحاق ، ونعيم ، وهم بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري ، وقعوا في ناحية قم ،
وكان هناك سبع قرى اسم إحداها ” كمندان ” فنزل هؤلاء الأخوة على هذه القرى
حتى افتتحوها واستولوا عليها ، وانتقلوا إليها واستوطنوها ، واجتمع عليهم بنو
عمهم وصارت السبع قرى سبع محال بها ، وسميت باسم إحداها ” كمندان ” ،
فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم قما ، وكان متقدم هؤلاء الأخوة عبد الله
ابن سعد ، وكان له ولد قد ربي بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم ، وكان إماميا ، وهو
الذي نقل التشيع إلى أهلها ، فلا يوجد بها سني قط ( 1 ) .إذن فهذا كله راجع إلى تحليل النظرية من منظار التاريخ ، وأما دليله فهو
أوهن من بيت العنكبوت ، فإذا كان الفرس لا يعرفون معنى الانتخاب والحرية ،
فإن العرب أيضا مثلهم ، فالعربي الذي كان يعيش بالبادية عيشة فردية كان يحب
الحرية ويمارسها ، وأما العربي الذي يعيش عيشة قبلية ، فقد كان شيخ القبيلة يملك
زمام أمورهم وشؤونهم وعند موته يقوم أبناؤه وأولاده مكانه واحدا بعد الآخر ،
فما معنى الحرية بعد هذا ؟ !

شاهد أيضاً

السيّد الخامنئي (دام ظله) هو قائد الأمة وصاحب الأثر الأكبر في مواجهة الاستكبار

أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله، سماحة السيّد، سامي خضرا، أن “فتاوى وخطب قائد ...