الرئيسية / بحوث اسلامية / أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 17

أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم 17

تحليل النظرية :
إن هذه النظرية وإن كانت تعترف بأن التشيع عربي المولد والمنشأ ، ولكنها
تدعي أنه اصطبغ بصبغة فارسية بعد دخول الفرس في الإسلام ، وهذا هو الذي
اختاره الدكتور أحمد أمين كما عرفت ولفيف من المستشرقين ك‍ ” فلهوزن ” فيما
ذهبوا إليه في تفسير نشأة التشيع .
يقول الثاني : إن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين ، أما كون هذه الآراء قد
انبثقت من الإيرانيين فليست تلك الملاءمة دليلا عليه ، بل الروايات التاريخية
تقول بعكس ذلك ، إذ تقول إن التشيع الواضح الصريح كان قائما أولا في الأوساط
العربية ، ثم انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي ، وجمع بين هؤلاء وبين تلك الأوساط .
ولكن لما ارتبطت الشيعة العربية بالعناصر المضطهدة تخلت عن تربية القومية
العربية ، وكانت حلقة الارتباط هي الإسلام ، ولكنه لم يكن ذلك الإسلام القديم ،
بل نوعا جديدا من الدين ( 1 ) .
أقول : إن مراده أن التشيع كان في عصر الرسول وبعده بمعنى الحب والولاء
لعلي لكنه انتقل بيد الفرس إلى معنى آخر وهو كون الخلافة أمرا وراثيا في بيت
علي ( عليه السلام ) وهو الذي يصرح به الدكتور أحمد أمين في قوله : إن الفكر الفارسي استولى
على التشيع ، والمقصود من الاستيلاء هو جعل الخلافة أمرا وراثيا كما كان الأمر
كذلك بين الفرس في عهد ملوك بني ساسان وغيرهم .
إلا أنه يلاحظ عليه : أن كون الحكم والملك أمرا وراثيا لم يكن من خصائص
الفرس ، بل إن مبدأ وراثية الحكم كان سائدا في جميع المجتمعات ، فالنظام السائد
بين ملوك الحيرة وغسان وحمير في العراق والشام واليمن كان هو الوراثة ، والحكم
في الحياة القبلية في الجزيرة العربية كان وراثيا ، والمناصب المعروفة لدى قريش من
السقاية والرفادة وعمارة المسجد الحرام والسدانة كانت أمورا وراثية ، حتى أن
النبي الأكرم لم يغيرها بل إنه أمضاها كما في قضية دفعه لمفاتيح البيت إلى بني شيبة
وإقرارهم على منصبهم هذا إلى الأبد .
فإلصاق مسألة الوراثة بالفرس دون غيرهم أمر عجيب لا يقره العقلاء ، فعلى
ذلك يجب أن نقول : إن التشيع اصطبغ بصبغة فارسية وغسانية وحميرية وأخيرا
عربية ، وإلا فما معنى تخصيص فكرة الوصاية بالفرس مع كونها آنذاك فكرة عامة
عالمية ؟ !
إن النبوة والوصاية من الأمور الوراثية في الشرائع السماوية ، لا بمعنى أن
الوراثة هي الملاك المعين بل بمعنى أنه سبحانه جعل نور النبوة والإمامة في بيوتات
خاصة ، فكان يتوارث نبي نبيا ، ووصي وصيا ، يقول سبحانه :
{ ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب } ( 1 ) .
{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال
ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } ( 2 ) .
{ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم
الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } ( 3 ) .
لماذا لا يكون سبب تشيع الفرس مفاد هذه الآيات والروايات التي تصرح بأن
الوصاية بين الأنبياء كانت أمرا وراثيا ؟ وإن هذه سنة الله في الأمم كما هو ظاهر
قوله سبحانه : ” لا ينال عهدي الظالمين ” فسمى الإمامة عهد الله لا عهد الناس .
ثم إن من زعم أن التشيع من صنع الفرس مبدأ وصبغة فهو جاهل بتاريخ
الفرس ، وذلك لأن التسنن كان هو السائد فيهم إلى أوائل القرن العاشر حتى غلب
عليهم التشيع في عصر الصفويين ، نعم كانت مدن ري وقم وكاشان معقل التشيع
ومع ذلك يقول أبو زهرة : إن أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة ، وإن الشيعة
الأولين كانوا من فارس ( 1 ) .
أما غلبة التشيع عليهم في الأوان الأخير فلا ينكره أحد ، إنما الكلام في كونهم
كذلك في بداية دخولهم إلى الإسلام ، فالذي يظهر أن الرجل جاهل بتاريخ بلاد
إيران وليس له معرفة حقيقية بتفاصيل التركيبة المذهبية المختلفة التي كانت واضحة
في أطراف المجتمع الإيراني وبينة فيه .
وإليك ما ذكره أحد الكتاب القدامى في كتابه ” أحسن التقاسيم ” لتقف على أن
المذهب السائد في ذلك القرن ، هل كان هو التشيع أم التسنن ؟ يقول :
” إقليم خراسان للمعتزلة والشيعة ، والغلبة لأصحاب أبي حنيفة إلا في كورة
الشاش ، فأنهم شوافع وفيهم قوم على مذهب عبد الله السرخسي ، وإقليم الرحاب
مذاهبهم مستقيمة إلا أن أهل الحديث حنابلة والغالب بدبيل – لعله يريد أردبيل –
مذهب أبي حنيفة وبالجبال ، أما بالري فمذاهبهم مختلفة ، والغلبة فيهم للحنفية ،
وبالري حنابلة كثيرة ، وأهل قم شيعة ، والدينور غلبه مذهب سفيان الثوري ،
وإقليم خوزستان مذاهبهم مختلفة ، أكثر أهل الأهواز ورامهرمز والدورق حنابلة ،
ونصف أهل الأهواز شيعة ، وبه أصحاب أبي حنيفة كثير ، وبالأهواز مالكيون . . .
إقليم فارس العمل فيه على أصحاب الحديث وأصحاب أبي حنيفة . . . إقليم
كرمان المذاهب الغالبة للشافعي . . . إقليم السند مذاهبهم أكثرها أصحاب حديث ،
وأهل الملتان شيعة يهوعلون في الأذان – أي يقولون حي على خير العمل – ويثنون
في الإقامة – أي يقولون الله أكبر مرتين ، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين أيضا
وهكذا – ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة ( 1 ) .
وأما ابن بطوطة في رحلته فيقول : ” كان ملك العراق السلطان محمد
خدابنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الروافض الإمامية يسمى جمال الدين بن
مطهر – يعني العلامة الحلي ( 648 – 726 ه‍ ) – فلما أسلم السلطان
المذكور وأسلمت بإسلامه التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه ، فزين له مذهب
الروافض وفضله على غيره . . . فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض ، وكتب
بذلك إلى العراقين وفارس وآذربايجان وإصفهان وكرمان وخراسان ، وبعث
الرسل إلى البلاد ، فكان أول بلاد وصل إليها الأمر بغداد وشيراز وإصفهان ، فأما
أهل بغداد فخرج منهم أهل باب الأزج يقولون : لا سمعا ولا طاعة ، وجاءوا
للجامع وهددوا الخطيب بالقتل إن غير الخطبة ، وهكذا فعل أهل شيراز وأهل
إصفهان ( 2 ) .
وقال القاضي عياض في مقدمة ” ترتيب المدارك ” وهو يحكي انتشار مذهب
مالك : وأما خراسان وما وراء العراق من بلاد المشرق فدخلها هذا المذهب أولا
بيحيى بن يحيى التميمي ، وعبد الله بن المبارك ، وقتيبة بن سعيد ، فكان له هناك أئمة
على مر الأزمان ، وتفشى بقزوين وما والاها من بلاد الجبل . وكان آخر من
درس منه بنيسابور أبو إسحاق بن القطان ، وغلب على تلك البلاد مذهبا
أبي حنيفة والشافعي ( 1 ) .
قال ” بروكلمان ” : إن شاه إسماعيل الصفوي بعد انتصاره على ” الوند ” توجه
نحو تبريز فأعلمه علماء الشيعة التبريزيون أن ثلثي سكان المدينة – الذين يبلغ
عددهم ثلاثمائة ألف – من السنة ( 2 ) .
إذن فالنصوص المتقدمة تدل دلالة واضحة على أن مذهب التسنن كان هو
المذهب السائد إلى القرن العاشر بين الفرس ، فكيف يمكن أن يقال : إن بلاد فارس
كانت هي الموطن الأصلي للتشيع ؟
ومما يؤكد ذلك أيضا ما رواه ابن الأثير في تأريخه من أن أهل طوس كانوا سنة
إلى عصر محمود بن سبكتكين ، قال : إن محمود بن سبكتكين جدد عمارة المشهد
بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى الرضا وأحسن عمارته ، وكان أبوه سبكتكين
أخربه ، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره ، فمنعهم ابنه عن ذلك ، وكان سبب فعله
ذلك أنه رأى في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو يقول : إلى متى هذا ؟
فعلم أنه يريد أمر المشهد ، فأمر بعمارته ( 3 ) .
ويؤيد ذلك ما رواه البيهقي : أن المأمون العباسي هم بأن يكتب كتابا في الطعن
على معاوية ، فقال له يحيي بن أكثم : يا أمير المؤمنين ، العامة لا تتحمل هذا ولا سيما
أهل خراسان ، ولا تأمن أن يكون لهم نفرة ( 4 ) .
إلا أن المتوكل عمد وبصلافة وتهتك إلى هدم قبر الحسين ( عليه السلام ) وفي ذلك قال
الشاعر المعروف بالبسامي :
تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما ( 1 )
فقد بان مما ذكر أمران :
1 – إن التشيع ليس فارسي المبدأ ، وإنما هو حجازي المولد والمنشأ ، اعتنقه
العرب فترة طويلة لم يدخل فيها أحد من الفرس – سوى سلمان المحمدي – وإن
الإسلام دخل بين الفرس مثل دخوله بين سائر الشعوب ، وأنهم اعتنقوا الإسلام
بمذاهبه المختلفة مثل اعتناق سائر الأمم له ، وبقوا على ذلك طويلا إلى أن اشتد عود
التشيع وكثر معتنقوه في عهد بعض ملوك المغول أو عهد الصفوية ( 905 ه‍ ) .
2 – إن كون الإمامة منحصرة في علي وأولاده ليس صبغة عارضة على
التشيع ، بل هو جوهر التشيع وحقيقته ، ولولاه فقد التشيع روحه وجوهره ، فجعل
الولاء لآل محمد أو تفضيل علي على سائر الخلفاء أصله وجوهره ، واعتبار هذا
الأمر – كما يعتقده البعض – أمرا عرضيا دخيلا على مذهب التشيع ، تصور لا دليل
له إلا التخرص والاختلاق .
قال المفيد – رحمه الله – : الشيعي من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل
زمان وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ، ثم حصر الإمامة في ولد
الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وساقها إلى الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...