الباب الثاني :
سيرة الحسين عليه السلام قبل كربلاء .
أولا : في حماية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ثانيا : بعد غياب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ثالثا : في مقام الإمامة
أولا : في حماية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
8 – رواية الحديث الشريف
9 – بيعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
10 – الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعمل
11 – الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول
12 – الحسين عليه السلام والبكاء
13 – الحب والبغض
14 – السلم والحرب
15 – وديعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
8 – رواية الحديث الشريف
ولد الحسين عليه السلام ، وجده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهمك
في بث الرسالة الإسلامية ، والدولة آخذة بالأوج والرفعة ، والرسول القائد لا ينفك يدبر أمورها ، ويرعى مصالحها ، ويعالج شؤونها ، ويخطط لها .
فالحسين السبط ، الذي يدور في فلك جده الرسول ، ويجلس في حجره ،
ويصعد على ظهره ، ويرتقي عاتقه وكاهله ، لا بد وأن يمتلئ بكل وجوده من كلام الرسول وحديثه ، فهو يسمع كل ما يقول ، ويرى كل ما يفعل ، وقد عاشر جده سبعا من السنين ، تكفيه لأن يعي منه الكثير من الأمور التي تعد في اصطلاح العلماء حديثا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسنة له .
وقد ابتدأ ابن عساكر برواية بعض الأحاديث التي سمعها الحسين من جده ، وأول حديث ذكره هو
[ 1 ] : قال عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم يقول : ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة وإن
قدم عهدها ، فيحدث لها استرجاعا ، إلا أحدث الله له عند
ذلك ، وأعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها ( 1 ) .
أو من القدر أن يكون هذا أول حديث يروى في ترجمة الإمام الحسين عليه
السلام ؟ أو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يلقن الحسين في أول دروسه له ، درسا في الصبر على المصيبة ، التي تكون قطب رحى سيرته ،
ومقرونة باسمه مدى التاريخ ؟
إن في ذلك – حقا – لعبرة
وحديث ثان نقله ابن عساكر في ترجمة الإمام عليه السلام :
[ 2 ] قال : إن أبي حدثني – يرفع الحديث إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم – أنه قال : المغبون : لا محمود ، ولا
مأجور ( 2 ) .
وهذا درس نبوي عظيم : فإن عمل الإنسان لدنياه يستتبع الحمد ، وعمله
لآخرته يستتبع الأجر ، والأعمال بالنيات .
أما أن يحتال عليه ويغبن ، فيؤخذ منه ما لا نية له في إعطائه ، فهذا هو المغبون
الذي لا يحمد على فعله إن لم يعاتب ، ولا يؤجر على شئ لم يقصد به وجه الله
والخير ، بل هو أداة لتجرؤ الغابنين واستهتارهم ، كما يؤدي إلى الاستهزاء بالقيم
واستحماق الناس .
ففي هذا الحديث دعوة إلى التنبه والحذر واليقظة ، حتى في الأمور البسيطة
الفردية ، فكيف بالأمور المصيرية التي ترتبط بحياة الأمة ؟
إن في ذلك – أيضا – عبرة ، لقنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لحفيده
9 – بيعة الرسول
الذين لم يبلغوا الحلم لم يكلفوا في الدين الإسلامي بما يشق عليهم ، ولم
يعاملوا إلا بما يلائم طفولتهم من الآداب .
فأمر مثل البيعة ، التي تعني الالتزام بما يقع عليه عقدها ، لا يصدر إلا من
الكبار ، لأنها تقتضي الوعي الكامل ، ومعرفة المسؤولية ، والشعور بها ، وتحمل ما تستتبعه من أمور ، وكل ذلك ليس للصغار قبل البلوغ فيه شأن .
إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميز بعض من كان في عمر الصغار من أهل البيت عليهم السلام بقبول البيعة منهم .
وهذا يستلزم أن يكون عملهم بمستوى عمل الكبار ، وإلا لنافى الحكمة ، التي انطوى فعل الرسول عليها بأتم شكل وبلا ريب فالمسلمون يربأون بالنبي وحكمته ، أن يقوم بأمر لغو .
وجاء الحديث عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام
: [ 194 ] أنه قال : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بايع
الحسن والحسين ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وهم صغار لم يبلغوا .
قال : ولم يبايع صغيرا إلا منا ( 1 ) .
وتدل هذه البيعة على أن قلة الأعوام في أولاد هذا البيت الطاهر ، ليست مانعة عن بلوغهم سن الرشد المؤهل للأعمال الكبيرة المفروضة على الكبار ، ما دام فعل الرسول المعصوم يدعم ذلك ، وما دام تصرفهم يكشف عن أهليتهم وما دام الغيب ، والمعجز الإلهي يبين ذلك .
فليس صغر عمر عيسى عليه السلام مانعا من نبوته ما دام المعجز يرفده فيالمهد يكلم الناس صبيا ، وليس الصغر في عمر الحسين مانعا من أن يبايعه جدهالرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
10 – الرسول يعمل
وجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سبطه الحسين ، يلعب مع غلمان فيالطريق ، فأسرع الجد أمام القوم ، وبسط يديه ليحتضنه ، فطفق الحسين يمر هاهنا مرة ، وهاهنا مرة ، يداعب جده ، يفر منه دلالا ، كما يفعل الأطفال ، فجعل الرسول العظيم يضاحكه حتى أخذه .
ذكر هذا في الحديث ، وأضاف الراوي له ، قال: [ 112 و 115 ] فوضع الرسول إحدى يديه تحت قفاه ،والأخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه ، فقبله ، وقال :حسين مني ، وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ،
حسين سبط من الأسباط ( 1 ) .
إن الرسول – وهو يحمل كرامة الرسالة ، وثقل النبوة ، وعظمة الأخلاق ،
وهيبة القيادة – يلاعب الطفل على الطريق . فلا بد أن يكون لهذا الطفل شأن كريم ،وثقيل ، وعظيم ، ومهيب ، مناسب لشأن الرسول نفسه ، ويعلن عن سبب ذلكفيقول : حسين مني وأنا من حسين ، ليؤكد على هذا الشأن ، وأنهما – : الحسين
والرسول – وفقان ، كما سنراه في الفقرة التالية [ 11 ] .
ومنظر آخر :حيث الرسول ، الذي هو أشرف الخلق وأقدسهم ، فهو الوسيط بين الأرضوبين السماء ، فهو أعلى القمم البشرية التي يمكن الاتصال بالسماء مباشرة ،بالاتصال بها .
ومن له أن يرقى هذا المرتقى العالي ، الرهيب ؟
لا أحد ، غير الحسن ، وأخيه الحسين ، فإنهما كانا يستغلان سجود النبي
صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى ، فيثبان على ظهره ، فإذا استعظم الأصحابذلك وأرادوا منعهما ، أشار النبي إليهم أن : دعوهما .
ثم لا يرفع الرسول رأسه من سجوده حتى يقضيا وطرهما ، فينزلان
برغبتهما .
وفي نص الحديث [ 116 و 142 و 143 ] : فلما أن قضى الرسول الصلاة ،
وضعهما في حجره ، فقال :من أحبني ، فليحب هذين .
إن عملهما مع لطافته لا يستند إلى طفولة تفقد الوعي والقصد ، لأنهما أجل
من أن لا يميزا بين حالة الصلاة وغيرها ، وموقف الرسول العظيم تجاههما لا
يستند إلى عاطفة بشرية فهو في أعظم الحالات قربا من الله .
فهما يصعدان على هذه القمة الشماء ، وهو في حالة العروج إلى السماء ، فإنالصلاة معراج المؤمن ، والرسول سيد المؤمنين .
فأي تعبير يمكن أن يستوفي وصف هذه العظمة ، وهذا العلو ؟ ؟ وهذا
الشموخ ؟ الذي لا يشك في تقرير الرسول له ، وعدم معارضته إياه بل إظهارهالرضا والسرور به .
وهل حظي أحد بعدهما بهذه الحظوة الرفيعة ؟
كلا ، لا أحد .
أما قبلهما ، فنعم :
أبوهما علي ، الذي هو خير منهما ، قد رقي – بأمر من الرسول – ظهره
الشريف ، يوم فتح مكة ، فصعد على سطح الكعبة وكسر الأصنام ،
وفي ذلك المقام قال الإمام عليه السلام : خيل إلي لو شئت نلت أفق
السماء ( 1 ) .
إن الشرف في الرقي على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم – وهو المثالالمجسد للقدس والعلو – لا يزيد على شرف الصاعد ، إذا كان مثل علي والحسنوالحسين ، ممن هو نفس النبي أو فلذة منه .
وقد عبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الحقيقة في حديثه مع
عمر ، لما قال :
[ 148 ] رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ، فقلت : نعم الفرس تحتكما فقال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم : ونعم الفارسان هما ( 1 ) .
إنه نفث لروح الفروسية ، وتعبير عن أصالة الشرف ، بلا حدود
11 – الرسول يقول
ولاحظنا أن الرسول – بعد أن يعمل – يقول :حسين مني وأنا من حسين .
فأما أن الحسين من الرسول ، فأمر واضح واقع ، فهو سبطه : ابن بنته ، ولدتهالزهراء وحيدة الرسول ، من زوجها علي ابن عم الرسول .
ومع وضوح هذه المعلومة ، فلماذا يعلنها الرسول ، وماذا يريد أن يعلن بها ؟
هل هذا تأكيد منه صلى الله عليه وآله وسلم على أن عليا والد الحسين هو
نفس الرسول ، تلك الحقيقة التي أعلنتها آية المباهلة ؟ كما سبق في الفقرة [ 5 ] ؟
أو أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يمهد بهذه الجملة : حسين
مني ، لما يليها من قوله : وأنا من حسين ؟ تلك الجملة المثيرة للتساؤل : كيف يكون الرسول من الحسين ؟
والجواب : أن الرسول ، لم يعد بعد الرسالة – شخصا ، بل أصبح مثالا ،
ورمزا ، وأنموذجا ، تتمثل فيه الرسالة بكل أبعادها وأمجادها ، فحياته هي
رسالته ، ورسالته هي حياته .
ومن الواضح أن أي والد إنما يسعى في الحياة ليكون له ولد ، كي يخلفه ،
ويحافظ على وجوده ليكون استمرارا له .
فهو يدافع عنه حتى الموت ويحرص على سلامته وراحته ، لأنه يعتبره
وجودا آخر لنفسهإذا كانت هذه رابطة الوالد والولد في الحياة المادية ، فإن الحسين عليه السلام
قد سعى من أجل إحياء الرسالة المحمدية بأكبر من ذلك ، وأعطاها أكثر مما يعطيوالد ولده ، بل قدم الحسين في سبيل الحفاظ على الرسالة كل ما يملك من غال ،
حتى فلذات أكباده : أولاده الصغار والكبار ، وروى جذورها بدمه ودمائهم ،
فقد قدم الحسين عليه السلام للرسالة أكثر مما يقدم الوالد لولده ، فهي إذنأعز من ولده ، فلا غرو أن تكون هي منه .
وقد ثبت للجميع – بعد كربلاء – أن الرسالة التي كانت محمدية الوجود ، إنما
صارت حسينية البقاء
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...