الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

تدوين السنة الشريفة
بدايته المبكرة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ومصيره في عهود الخلفاء إلى نهاية القرن الأول
– السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

هذا البحث جدير بالقراءة والتمعن

التنبيه الأول

وبهذه المناسبة ننبه الأستاذ إلى أن صحيحي البخاري ومسلم لم يسلما من المآخذ التي أخذها على مناقب ابن شهرآشوب، مع ما أخذه الشيخان وسائر الستة من الشروط على أنفسهم التي لم يأخذ ابن شهرآشوب على نفسه شيئا منها، وحسب الأستاذ ما أوردناه في كتابنا أبو هريرة المنتشر، وقد قدمنا للمجمع لنقده، وبيان رأي المجمع فيه، وأظن الأستاذ وقف منه على الفصل 11 المنعقد لبيان

ص 66

كيفية حديث أبي هريرة، وهناك أربعون حديثا من سخافاته في الصحيحين، وقد علقنا على كل منها ما اقتضاه العلم، والدين، والأنصاف، والأمانة، فيجدر بكل علامة بحاثة أن يقف على ذلك الفصل، ولا يفوتنه شيء من الكتاب، وإليك الآن من تلك الأربعين خمسة، ومن غيرها خمسة، فتلك عشرة من سلسلة ما نظن عاقلا في الأرض يوافق على شيء منها.

الأول: تكلم بقرة وذئب بلسان عربي فصيح وإخبارهما بالغيب

ما أخرجه الشيخان وغيرهما (1) في فضل أبي بكر وعمر، بالإسناد إلى أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: بينا رجل يسوق بقرة إذ

(هامش)

(1) تجد الحديث في باب فضل أبي بكر من الجزء الثاني من صحيح البخاري، وتجده في فضائل أبي بكر من الجزء الثاني من صحيح مسلم، وقد أخرجناه في مواضع أخر من صحيحيهما وأخرجه أحمد في أول ص 246 من الجزء الثاني من مسنده عن أبي هريرة بطرق كثيرة. (*)

ص 67

ركبها فضربها. فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم. وبينا رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبها حتى استنقذها منه. فقال له الذئب: استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري؟. فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم قال صلى الله عليه وآله وسلم: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم قلت: ما أغنى أبا بكر وعمر، عن هذه الفضيلة، المستحيلة، وليت عمر سمع أبا هريرة يحدث بها. ولو فعل ذلك على عهده لأدمى ظهره وأعذر إلى الله فيه، ونحن نؤمن بآيات الله، وبجلالة أبي بكر وعمر، وعلو

(هامش)

(1) أي وما هما بحاضرين هناك. (*)

ص 68

منزلتها في الإسلام. لكنا ننكر هذا الحديث كل الإنكار، فإن سنة الله في خلقه تحيل كلام البقرة والذئب إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة، وبرهانا على الاتصال بالله عز وجل. ومقام الرجل حيث ساق بقرته إلى الحقل فركبها في الطريق لم يكن مقام تجدي وإعجاز لتصدر فيه الآيات الخارقة لنواميس الطبيعة وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه، فلا سبيل إلى القول بإمكان صحة هذا الحديث عقلا فإن المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثا بإجماع العقلاء من بني آدم كلهم.

الثاني: فرار الحجر الحجر بثياب موسى عليه السلام وهو يغتسل واشتداد موسى في اثره مكشوف العورة يقول: ثوبي حجر ثوبي حتى نظر بنو اسرائيل إلى سوأته.

ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، والإمام أحمد في مسنده وغيرهم في فضائل موسى عليه السلام عن أبي هريرة مرفوعا قال: كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى عليه السلام

ص 69

يغتسل وحده. فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر – ذو أدرة وهي الفتق – قال: فذهب مرة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه. فجمع موسى بأثره يقول: ثوبي حجر ! ثوبي حجر ! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى ! فقالوا: والله ما بموسى من بأس. فقام الحجر بعد حتى نظر إليه أخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضربا ! فوالله إن الحجر ندبا ستة (1) أو سبعة الحديث (2). قلت: وفي الصحيحين – عن أبي هريرة – إن هذه الواقعة هي التي أشار الله إليها بقوله تبارك اسمه

(هامش)

(1) ألفت أولي الألباب إلى تردد أبي هريرة في عدة الندب. (2) راجعه في باب فضائل موسى من الجزء الثاني من صحيح مسلم، وأخرجه البخاري في باب من اغتسل عريانا من كتاب الغسل وفي مواضع أخر عديد، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة من طرق كثيرة فراجع ص 315 من الجزء الثاني من مسنده. (*)

ص 70

يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها. وأنت ترى ما في هذا الحديث من المحال الممتنع عقلا فإنه لا يجوز تشهير كليم الله بإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه لأن ذلك ينقصه ويسقط من مقامه ولا سيما إذا رأوه يشتد عاريا ينادي الحجر ! – والحجر لا يسمع ولا يبصر -: ثوبي حجر ! ثوبي حجر ! ثم يقف عليه وهو عاري أمام الناس يضر ولسان حال الحجر يقول له: ضربتني بكفها بنت معن * أوجعت كفها وما أوجعتني والناس تنظر إليه مكشوف العورة مرهقا، على أن فرار الحجر ككلام البقرة والذئب يخاف سنة الله في خلقه فلا يمكن صدوره إلا في مقام التحدي والإعجاز

ص 71

ومقام نبي الله موسى حين اغتسل لم يكن مقام تحد وتعجيز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات. ثم أن هرب الحجر بثيابه لا يبيح له هذا الطيش بإبداء عورته، وهتك حرمته، وقد كان في وسعه أن يبقى في مكانه حتى يؤتى بثيابه كما يفعله كل ذي لب إذا ابتلي بمثل هذه القصة. أما براءته من الأدرة فليس من الأمور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره، ولا هي من الأمور التي يمكن أن يصدر بسببها الآيات والمعجزات إذ يمكن العلم ببراءته منها يخبر نسائه، ولو فرض عدم إمكان براءته من الأدرة فأي ضرر يلحقه بذلك والأنبياء كلهم معرض لأمثالها. وقد أصيب شعيب عليه السلام ببصره وأيوب عليه السلام بجسمه، وأنبياء الله كافة تمرضوا وماتوا صلوات الله وسلامه عليهم، ولا يجب

ص 72

عقلا انتفاء مثل هذه العوارض عنهم، ولا سيما إذا كانت مستورة. نعم لا يجوز عليهم ما يوجب نقصا في مشاعرهم أو مرؤتهم أو يوجب نفرة الناس عنهم والأدرة ليست في شيء من ذلك. على أن القول بأن بني إسرائيل كانوا يظنون أن في موسى أدرة لم ينقل إلا عن أبي هريرة، فليعطف هذا على سائر غرائبه. إما الواقعة التي أشار الله إليها بقوله عز من قائل يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فالمروي عن علي عليه السلام وابن عباس أنها قضية ات هامشهم إياه، بقتل هرون، وهو الذي اختاره الحبائي وقيل هي قضية المومسة التي أغراها قارون بقذف، موسى بنفسها فبرأه الله تعالى إذ أنطقها بالحق، وقيل آذوه إذ نسبوا إليه السحر والكذب والجنون.

ص 73

الثالث: لطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأه

ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما بالإسناد إلى أبي هريرة قال: جاء ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فقال له: أجب ربك. قال أبو هريرة: فلطم موسى ففقأها ! فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني. قال: فرد الله عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، الحديث (1). وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في ص 315 من الجزء الثاني من مسنده ولفظه عنده: إن ملك

(هامش)

(1) أوردناه بلفظ مسلم في باب فضائل موسى من الجز الثاني من صحيحه، وأخرجه البخاري في باب وفاة موسى من الجزء الثاني من صحيحه وفي باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة من الجزء الأول. (*)

ص 74

الموت كان يأتي الناس عيانا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه الحديث. وأخرجه ابن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه عن أبي هريرة وذلك حيث ذكر وفاة موسى ولفظه عنده: إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه إلى أن قال: إن ملك الموت إنما جاء إلى الناس خفيا بعد موت موسى (1). وأنت ترى ما فيه مما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته، أيليق بالحق تبارك وتعالى أن يصطفي من عباده من يبطش على الغضب بطش الجبارين؟ ويوقع شره وأذاه حتى في ملائكة الله.

(هامش)

(1) لو كان الأمر كذلك لتواترت به الأخبار فما بال المحدثين والمؤرخين وأهل الأخبار من جميع الأمم أغفلوا هذا الخبر لو كان له أثر وما بال القصاصين والمخرفين ما حام خيالهم حوله ولعلهم تركوا الامتياز بهذه السخافة لأبي هريرة.

ص 75

المقربين؟ ويعمل عمل المتمردين ويكره الموت كراهة الجاهلين، وكيف يجوز ذلك على من اختاره الله لرسالته واصطفاه لوحيه، وآثاره بمناجاته، وجعله من سادة أنبيائه ورسله؟ ! وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه؟ ! وما ذنب الملك عليه السلام؟ وإنما هو رسول الله إليه وبما استحق الضرب والمثلة فيه بقلع عينه؟ ! وما جاءه إلا عن الله وما قال له: سوى أجب ربك، أيجوز على أولي العزم من الرسل أذى الكروبيين من الملائكة وضربهم حين يبلغونهم رسالة ربهم عز وجل؟ ! تعالى الله وتعالت أنبياؤه وملائكته عما يقول المخرفون علوا كبيرا. ونحن إنما برئنا من أصحاب الرس وفرعون موسى وأبي جهل وأمثالهم لأنهم صدوا عن أمر الله وآذوا رسله إذ

ص 76

جاؤوهم بأوامره، فكيف تجوز مثل فعلهم على أنبياء الله وصفوته؟ حاشا لله ومعاذ الله، إن هذا لبهتان عظيم. ثم أن قوة البشر بأسرهم بل قوة جميع الحيوانات لا تثبت أمام ملك الموت فكيف والحال هذه تمكن موسى من الوقيعة فيه؟ وهلا دفعه الملك عن نفسه مع قدرته على إزهاق روحه وكونه مأمورا من الله تعالى بذلك.؟ وهل للملك عين يجوز أن تفقأ؟ ! كلا ثم كلا.. ولا تنس حق الملك، وذهاب لطمته وعينه هدرا، إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسى صاحب التوراة التي كتب الله فيها: أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجراح قصاص بل لم يعاقب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه أذا خيره بسببه بين

ص 77

الموت والحياة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور. وأني لأعجب من الشيخين يخرجان هذه السخافة والتي قبلها في فضائل موسى، وما أدري أي فضيلة بالتمرد على الله وملائكته وأي منقبة بإبداء العورة للناظرين وأي وزن لهذه السخافات التي راقت حضرة الأستاذ محمد كرد علي رمضوأ نفسه ابن شهرآشوب بمناقب آل آبي طالب.

الرابع: إن داوود عليه السلام كان يأمر بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل الفراغ من إسراجه

ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال: خفف على داود القرآن فكان يأمره بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، الحديث (1 قلت: هذا محال من وجهين. أحدهما أن القرآن إنما أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين

(هامش)

(1) راجعه في باب قوله تعالى: وآتينا داود زبورا ص 101 من الجزء الثالث من صحيحه في كتاب تفسير القرآن. (*)

ص 78

محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقبله لم يكن، فكيف يقرؤن داود عليه السلام. أجابوا بأن المراد بالقرآن هنا إنما هو إنما هو الزبور والتوراة وأنه إنما سماه قرآنا لوقوع المعجزة بهما كوقوعها بالقرآن فيكون المراد به مصدر القراءة لا القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قلت: في هذا الجواب نظر إذ حملوا فيه كلام أبي هريرة على ما لم يقصده والله أعلم. ثانيهما: أن مدة إسراج الدابة لتضيق عن قراءة القرآن، سواء أريد به المنزل على رسول صلى الله عليه وآله وسلم أم أريد به الزبور والتوراة، ومن المقرر بحكم الضرورة العقلية امتناع وقوع الفعل في وقت لا يسعه، وهذا مما لا سبيل إلى التشكيك فيه فيه أبدا وإذا لا يؤبه بما ذكره العلامة القسطلاني في شرح

ص 79

هذا الحديث من إرشاد الساري إذ قال: وقد دل هذا الحديث على أن الله تعالى يطوي الزمان كما يطوي المكان لهم قال النوري: إن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعا بالنهار ولقد رأيت أبا الطاهر في القدس الشريف سنة سبع وستين وثمانمائة وسمعت عنه إذ ذاك أنه كان يقرأ فيهما أكثر من عشر ختمات بل قال لي شيخ الإسلام – البرهان ابن أبي شريف أدام الله النفع بعلومه – عنه: أنه كان يقرأ خمس عشرة ختمة في اليوم والليلة (قال): وهذا باب لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني، انتهى بلفظه. قلت: بل لا سبيل إلى تصديقه إلا إذا أمكن وضع الدنيا على سعتها في البيضة على ضيقها. وأولو الألباب يعملون أن طي الزمان وطي المكان

ص 80

كليهما مما لا حقيقة له، ولو فرض وقوعهما فطي الزمان هنا يزيد في المسألة إشكالا ويوضحها محالا. ولا نعم لو قال بطي الكلام أو قال بتوسيع الوقت في هذا المقام لكان أنسب لهذه السخافة وإن كان كل منهما محالا. يمكن أن يكون ما نقله في هذا الحديث عن داود معجزة له عليه السلام لأن معجزات الأنبياء خوارق للعادة، وهذا خارق للعقل كما هو واضح لمن كان ذا عقل.

الخامس: الفأر أمة مسخت من بني اسرائيل

أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا (1) قال: فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت وإني لا أراها إلا الفأر، إذا وضع لها ألبان الإبل

(هامش)

(1) في ص 145 من الجزء الثاني من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وفي باب الفأر وأنه مسخ ص 536 من الجزء الثاني من صحيح مسلم. (*)

ص 81

لم تشرب وإذا وضع لها ألبان الشاة شربت، الحديث، قلت: هذا من السخافة بمثابة تربأ عنها الأمة الوكعاء، إلا أن تكون مدخولة العقل، فأين أولو الألباب ينظرون إلى ما فيها من التخريف في أصل الدعوى وفي دليلها، لكن الشيخين يلبسان هذه الخرافة على غثائتها، ويحتجان بمخرفها، على نزوعه إلى الغرائب، وولوعه بالعجائب، وهيامه بخوارق العادات وبما هو فوق النواميس الطبيعية، كفرار الحجر بثياب موسى، وكضربه ملك الموت حتى فقأ عينه، وككلام الذئب والبقرة بلسان عربي مبين يفصحان عن عقل وعلم وحكمة، والآن يحدثنا بأن أمة من بني إسرائيل مسخت فأرا إلى آخر ما حدث به مما لم يقع أصلا ولا هو واقع قطعا ولن يقع أبدا، وسنة الله في خلقه تحيل وقوعه

ص 82

إلا في مقام تحدي الأنبياء حيث يكون آية على اتصالهم بالله عز سلطانه كما أسلفناه. ولو أن هذه الخرافات لا تعود على الإسلام بوصمة لقلدنا الشيخين حبلهما، لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة عقلية وعلمية وعملية، فإن هذه الخرافات من أعظم ما مني به الإسلام من الآفات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

السادس: ما روه عن عائشة بما لا يجوز على رسول الله o

ما أسندوه إلى عائشة أم المؤمنين. قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم جبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فجاءه الملك. فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني

ص 83

حتى بلغ الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني. فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم. قالت عائشة: فرجع بها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرجف بها فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه. فقال لخديجة وقد أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. قالت عائشة: فانطلقت به خديجة حتى أتت به ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء

ص 84

الله أن يكتب، وكان شيخنا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من أخيك. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا شابا – ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال: أو مخرجي هم؟ الحديث (1). تراه نصا في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان – والعياذ بالله مرتابا في نبوته بعد نزوله عليه، وأنه كان من الخوف على نفسه في حاجة إلى زوجته تشجعه، وإلى ورقة الهم الأعمى الجاهلي

(هامش)

(1) تجده في باب بدء الوحي من الجزء الأول من صحيح البخاري، وفي تفسير سورة أقرأ من جزئه الثالث، وأخرجه أيضا في التعبير والإيمان وتجده في الإيمان من صحيح مسلم، وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير.

ص 85

المتنصر يثبت قدمه، ويربط على قلبه، ويخبره عن مستقبله إذ يخرجه قومه، وكل ذلك ممتنع محال. وقد أمعنا في أخذ الملك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغطه إياه مرتين يبلغ منه الجهد فيأخذ نفسه، ويرجف فؤاده، ويخيفه على مشاعره، فلم نجد له وجها يليق بالله تعالى، ولا بملائكته، ولا برسله ولا سيما مع اختصاص خاتم النبيين بهذا، إذ لم ينقل عن أحد منهم عليهم السلام أنه جرى له مثل ذلك عند ابتداء الوحي إليه، كما صرح به بعض شارحي هذا الحديث من صحيح البخاري (1). وقد وقفنا على المحاورة التي جرت – بمقتضى هذا الحديث السخيف – بين الملك والتي فرأينا النبي صلى

(هامش)

(1) راجع من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ص 171 من جزئه الأول.

ص 86

الله عليه وآله وسلم بعيدا كل البعد عن فهم مراد الملك من تكليفه إياه بالقراءة. إذ قال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، فإن مراد الملك إن يتابعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتلوه عليه، لكن النبي إنما فهم منه أن ينشئ القراءة في حال أنه لم يكن قارئا وكأنه ظن – والعياذ بالله – أنه يكلفه بغير المقدور، وكل ذلك ممتنع ومحال، وما من شك لي أنه فرية ضلال، وهل يليق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يفهم خطاب الملك؟ أو يليق بالملك أن يكون قاصرا عن الأداء فيما يوحيه عن الله، تعالى الله وملائكته ورسله عن ذلك. فالحديث باطل من حيث متنه، وباطل من حيث سنده، وحسبك في بطلانه من هذه الحيثية كونه من المراسيل، بدليل أنه حديث عما قبل ولادة عائشة بسنين

ص 87

عديدة، فإنها إنما ولدت بعد المبعث بأربع سنين في أقل ما يفرض، فأين هي عن مبدأ الوحي؟ ! وأين كانت حين نزول الملك في غار حراء على رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإن قلت: أي مانع لها أن تسند هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمعته ممن حضر مبدأ الوحي. قلنا: لا مانع لها من ذلك، غير أن الحديث في هذه الصورة لا يكون حجة، ولا يوصف بالصحة، وإنما يكون مرسلا حتى نعرف الذي سمعته منه، ونحرز عدالته، فإن المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم كانوا كثرا، وكان فيهم من يخفى نفاقه على عائشة، بل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم

ص 88

والقرآن الكريم يثبت كثرة المنافقين على عهد النبي وإخواننا يوافقونا على ذلك، لكنهم يقولون إن الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأجمعهم عدول، حتى كأن وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم كان موجبا لنفاق المنافقين منهم، فلما لحق بالرفيق الأعلى، وانقطع الوحي، حسن إسلام المنافقين، وتم إيمانهم، فإذا هم أجمعون أكتعون أبصعون ثقاة عدول مجتهدون لا يسألون عما يفعلون، وإن خالفوا النصوص، ونقضوا محكماتها.

السابع: لعب الحبشة في المسجد بمرأى من رسول الله o على وجه مستحيل عليه o

ما أسندوه إلى عائشة، واللفظ لمسلم (1) قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(هامش)

(1) في باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد من الجزء الأول من صحيحه، وأخرجه البخاري أيضا في الصحيح وغير واحد من أهل الصحاح والمسانيد.

ص 89

وعند جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني. وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله. فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: دعهما. فلما غفل غمزتهما فخرجنا. (قاتل): وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب – في المسجد فأما سألت رسول الله وأما قال تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة حتى إذا ملن. قال: حسبك؟ ! قلت: نعم. قال: فاذهبي. إنا لله وإنا إليه راجعون. من عذيرنا من هؤلاء، يريدون ليثبتوا فضيلة لمن يوالون فيأتون بمثل هذه لعائشة غافلين عما يلزمها من اللوازم الباطلة المستحيلة على سيد رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكمل مخلوقاته.

ص 90

كما رووا في خصائص عمر: أنه ما انقطع الوحي عني مرة إلا خلته نزل في آل الخطاب. ورووا أيضا: لو نزل العذاب ما نجا منه إلا آل الخطاب. ذهولا عما وراء هذا الافتراء، من الداهية الدهياء والطامة العمياء، نعوذ بالله من سبات العقل. ودافعوا عن عتاة بني أمية ومنافقي آل أبي العاص كالحكم وابنه مروان وأمثالهما كانوا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحذر على الأمة من عبثهم ونفاقهم فاقتضت حكمته ونصحه لله ولعباده أن يعلن أمرهم لئلا يغتر بهم فيما بعد أحد من الناس فلعنهم في مقامات له مشهودة، وأقصاهم إقصاء المفسدين في الأرض سجل عليهم بذلك خزيا من الله مؤيدا، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...