المحتشدون : محال أن نقول : إن بعض الصنعة هو الذي صنع كل
الصنعة ، بل نتحقق من طريق العلم اليقيني والمشاهدة ، إن لكل صنعة صانعا
هو سواها بلا ريب .
الداعية : لا لا ، بل قلتم ذلك ، أما فيكم من يقول : ( نؤمن
بسافتري ) إله واحد ضابط الكل خالق السماوات والأرض ، وبابنه الوحيد
( آني ) نور من نور ، مولود غير مخلوق تجسد من ( فايو ) في بطن ( مايا )
العذراء ، ونؤمن ( بغايو ) الروح المنبثق من الأب والابن الذي هو مع الأب
والابن يسجد له ويمجد ( 1 ) ، أما فيكم من يقول إن الله روح محض لا تحل في
شئ ، ولكنها تتجلى وتشرق على من تشاء فيعبد لأجل ذلك .
أما فيكم من يعتقد أن الروح الحالة في الشمس هي الخالق العظيم ، أما
فيكم من يعتقد أن الخالق العظيم هو الروح المحض التي حلت في برهمة وسيفا
وفشنو ، ثم قلتم بعد ذلك إن هؤلاء الثلاثة ، إله واحد ، حيث انبثق بعضهم
من بعض قبل الدهور .
أما فيكم من قال : إن موجد هذا الكون روح حلت في الفيل الأبيض
أما فيكم من قال : إن صانع الوجود بقسميه المادي والروحي ، هو روح حالة
في طبيعة اليابان ؟ أليس فيكم من أنكر كل ذلك ، زاعما أن الصانع هو الروح
التي حلت في بوذا ، أليس فيكم من قال : بل الروح التي حلت في الباب . أليس
فيكم من جعل الصانع الأعظم لهذا الوجود روح الخير وروح الشر ، التي حلت في
( يزدان وأهرمن ) ، أليس فيكم من جعل الصانع روحا تحل في النوافع
كالثيران والعجول ، وطير أبي قردان ، أو المضار كالأفاعي والشياطين ، أو
الجميلة الوديعة كالحمام والغزلان والنساء ، أما فيكم من وصلت به سخافة الفكر
والمهانة ، أن أنكر الصانع لهذا الوجود زاعما أن العوالم المادية والروحية هي
التي خلقت نفسها بنفسها أي قال : إن الصانع هو الصنعة ، أما فيكم أما
فيكم . . .
وهنا تنهد الداعية قائلا : ويا ليت بعضكم مسلم لبعض ولم تختلفوا على
أنفسكم ، وتحتربوا من أجل هذه الأساطير والسخافات ، ولم ينكر كل فريق
منكم الروح التي ألهها الآخرون غير مصدق بسوى الروح التي آمن بها هو ،
واعتقدها وحدها هي التي صنعت عوالم الوجود . والمقصود أنكم اختلفتم على
أنفسكم وعلى العلم والحق والدين ، وجعلتم الأجيال تختلف باختلافكم وتمرض
بمرضكم وتتوارث سخافتكم وأساطيركم ، وتعتقدون أن ترهاتكم هذه هي وحي
الله المنزل الذي لا يأتيه الباطل .
وماذا أقول لكم : وفيكم جماعات كثيرة لها من عمق الفكر وسعة الحضارة
ما لم يكن لقدماء الفرس والروم واليونان والكلدان . . . ومع ذلك لا يزالون
يعبدون أشياء كثيرة ، متخيلين أن خالق الوجود هو الروح التي زعموا أنها تحل
فيها ولن يجدوا مثلا يصدق عليهم إلا كلمة الأديب ( جرجي زيدان ) التي قالها
حين درس تاريخ سكان مصر القدماء ورآهم يعتقدون أن الله روح تحل في الأشياء
التي يعبدونها . ( لقد عبدوا كل شئ إلا الله ) .
المحتشدون : قلت حقا ، فكيف النجاة من مضايق هذه البلايا وأغلال
هاتيك التقاليد ، وكابوس رحى المورثات والتعاليم والتربيات ؟
الداعية : النجاة هي في الرجوع إلى العلم والعقل ، إلى الحرية والفهم ،
إلى الانتصاف من النفس لوجه الحق وواقع المعرفة .
المحتشدون : إلا أن الأرواح التي زينتها تقاليدنا في أعيننا وجعلتنا نعتقدها هي الله
الخالق العظيم ، هي التي حملتنا ثقل هذه الأساطير وبلايا هذه الخرافات والترهات ،
لذلك نطلب إليك أيها الداعية الكريم أن تخرجنا منها ، وها نحن أولاء نعلنك
المساعدة .
الداعية : إنكم لا تستطيعون الخروج من أغلالها وخنادقها المظلمة
وقيودها الحديدية الثقيلة .
المحتشدون : بل في مقدورنا ، وهل في الوجود من ينكر الحق بعد
معرفته إياه ، ويؤثر عليه الجهل والخرافة ، ويحني عنقه للخرافات التي تضاد
العقل وتناقض العلم والمعرفة !
الداعية : نعم ذلك موجود وبينكم أيضا ، لأنكم أنتم ثلاث فرق : الفرقة
الأولى ، هي التي تؤمن بفطرتها وعقلها وعلمها ، وتعلم أن لهذه المصنوعات التي
تبدو ماثلة في الوجود صانعا تدل صنعته على مدا قدرته وعظمته ، وعلى جلال
صفاته التي تليق به سبحانه وتعالى ، وعلى مغايرته لها جميعا المادية والروحية ،
وهؤلاء يستطيعون أن يؤمنوا بالحقيقة متى أدركوها ، أي يستطيعون أن يؤمنوا
بما أوحاه الله على خاتم الأنبياء ، ويعلموا أن الصنعة غير الصانع ، وحينئذ
يمكنهم أن يأخذوا الوحي الإلهي من منبعه الصافي ، خاتم الكتب الإلهية
– القرآن المجيد – .
وهنا صرخت هذه الفرقة وقالت : نؤمن بوجود الصانع العظيم ، بمعارفنا
وعلومنا ، ونطلبه بإيمان وصدق وإخلاص ، ونضحي في سبيل طلبه بأنفسنا
وأولادنا ولا ندخر دون ذلك مالا أو جاها أو سلطانا ، وإن انحرفت بنا عنه
التقاليد والموروثات والتلقينات ، وأوصلتنا إلى اعتقاد أنه – تعالى – روح يحل
في مصنوعاته من إنسان وحيوان وشجرة وكواكب وشموس . . . نعم لا ندخر
وسعا دون معرفته العلمية الصحيحة ، لأننا نعتقد أن الانحراف عن واقع تلك
المعرفة والحق ، يغضب الخالق العظيم . لذلك نطلب منك أن تذكر لنا
الدلائل القطعية التي تثبت أن خاتم وحي السماء القرآن ، جاء بهذه الحقيقة
العلمية التي كشفتها في شجرتك ما دمنا تحققنا علميا أن الصنعة غير الصانع ،
وفهمنا أنه تعالى واحد أزلي أبدي ، من قبل جميع المخلوقات ، وأنه هو وحده
الذي لا أول له ولا آخر ، وجميع مخلوقاته الروحية والمادية ، لها بداية ونهاية
لأنها خلقه وصنعته وحده .