شرح لدعاء الصباح المروي عن أمير المؤمنين في حلقات
28 فبراير,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
784 زيارة
12
شرح فقرة (الهي ان لم تبتدئني منك الرحمة بحسن التوفيق)
ووقفنا عند المقطع القائل (الهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك في واضح الطريق)، وفي حينه حدثناكم عن القسم الاول من المقطع وهو الفقرة القائلة (الهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق)، وقلنا ان هذه الفقرة قد استهلت الكلام بالاشارة الى رحمة الله تعالى واوضحنا ان الرحمة هي الصفة المفسرة لنا احد جوانب العظمة لله تعالى وانها تشمل العام والخاص ولا تقتصر على الاجر …
ولكننا تساؤلنا قائلين: لماذا سبقت الرحمة كل شيء بالنسبة الى سلوكنا بحيث ابتدأ الله تعالى بها قبل ان نسأله ذلك؟
ونحاول الاجابة على السؤال المتقدم فنقول: مما لاشك فيه ان الله تعالى يتعامل مع العبد بمقدار ما يمارس من الطاعة أي بمقدار ما يعرفه سلفا مما يصدر عن العبد من الطاعة بالاضافة الى انه تعالى يرتب اثرا على العبد ايضا بعدما يمارس الطاعة، ونضرب مثلا على ذلك … لنفترض ان الله تعالى قد عرف سلفا قبل ولادة العبد او قبل بلوغه انه سيمارس الطاعة بنحوها المطلوب، حينئذ سوف يكيف شخصيته بما يتناسب مع الطاعة المذكورة وسوف يفتح له طرقاً تيسر له ممارسة العبادة ويهديه الى ما هو خير له من اقصر الطرق الى بلوغ ذلك … والعكس هو الصحيح ايضاً وهو ما يفسر لنا قوله تعالى (يضل من يشاء) أي بما ان العبد قد اختار السلبي من السلوك فان الله تعالى سوف لا يفتح له طرق الخير كأن يختم على قلبه بحيث لا يفلح ابدا وهو امر اشارت التوصيات الاسلامية اليه …
لكن: بغض النظر عن ذلك كله نجد ان رحمة الله تعالى تبدأ مع العبد حتى في حالته السلبية … كيف ذلك؟
ان العبد ليذنب ويتوب او يذنب ولا يتوب بداية بل يؤجل ذلك، او يذنب ويتوب ويستمر في ذلك .. لكن مع هذا الاستمرار نجد ان الله تعالى يفسح له المجال ليتوب في النهاية او يهيء له سبلاً لادراك الخير فيتوب في النهاية، وهذا يعني ان الله تعالى قد ابتدأ بالرحمة قبل ان يصدر من العبد ما يستحقه من ذلك.
اذن: الرحمة عندما تسبق السلوك سواءً أكان العبد ابتداءً قد مارس الطاعة او مارسها بعد المعصية ففي الحالتين نجدا ن الرحمة هي السابقة من الله تعالى للعبد وهو امر يكشف ـ كما قلنا ـ عن احد جوانب عظمة الله تعالى بالاضافة الى الجانب الذي يتمثل في وجود الرحمة المطلقة اساساً للعامة وللخاصة.
واذا عرفنا ذلك نتجه الى الفقرة ذاتها لنواجه موضوعاً هو التوفيق … فماذا تعني هذه العبارة؟
لنقرأ من جديد (الهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق …). الرحمة هنا يحددها الدعاء في موضوع خاص هو التوفيق لممارسة الطاعة وكما سنرى عندما نصل الى الفقرة الثانية القائلة فمن السالك بي اليك في واضح الطريق.
هنا لا نجدها بحاجة الى التذكير بان نجاح العبد في ممارسة وظيفته العبادية تبعا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) انما يعتمد على توصيفه الى الممارسة المذكورة … ان الله تعالى طالما يؤكد لنا بان اكثر الناس (لا يعلمون، لايفهمون، لا يشكرون …)، مما يعني ان القلة من الناس وليس “الكثرة” هم الذين يوفقون الى ممارسة الطاعة بنحوها المطلوب.
لذلك: فان “التوفيق” الى الطاعة يجسد اهمية عظمى بل هي المطلوب الرئيس من العبد في تجربة خلقه اساساً وهذا يقتادنا الى ادراك الاهمية العظمى للرحمة من الله تعالى حيث تتجسد الرحمة هنا في تحقيق التوفيق الى الطاعة … وهل ثمة مطلوب آخر غير الطاعة؟
اذن: تبين لنا جانبا من النكات الكامنة وراء الفقرة المقررة بان الله تعالى هو البادئ برحمته بالنسبة الى جعل عبده يوفق الى ممارسة الطاعة، وهو امر يدعونا الى مزيد من عمليات الشكر لله تعالى وتدريب ذواتنا على مزيد من الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
2019-02-28