38
شرح قوله عليه السلام (وأجرِّ اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع)
نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة العبارة ونكاتها الدلالية وفي مقدمة ذلك دعاء الصباح للأمام علي(ع)، حيث يحفل الدعاء المذكور باستعارات ورموز وصور متنوعة تسهم بلا شك في تعميق معاني الدعاء وهو امر لا مناص لقارئ الدعاء من التوفر على معرفته حتى يصبح الدعاء محتفظاً لدى قارئه بفاعليته المطلوبة.
المهم: نتقدم الان بعرض فقرات منه، بعد ان قدمنا مقاطع متنوعة من الدعاء المذكور تقول فقرة الدعاء (وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع، وأدب اللهم نزف الخرق مني بأزمة القنوع …).
هذا النص يتضمن فقرة هي (وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع) … ومع ان هذه الفقرة بالقياس الى الفقرة اللاحقة اوالفقرات السابقة عليها تتميز بوضوحها التام وببساطة الصورة الاستعارية فيها الا انها في الآنِ ذاته تحفل بمعان عميقة وهو ما نبدأ بالقاء الاضاءة عليه الآن …
يقول النص – كما لاحظتم – بما معناه (اللهم اجعلني باكياً من هيبتك بكاءاً شديداً) … لكن كيف عبر النص عن الدلالة المذكورة؟
اولاً: جعل ظاهرة الدموع هي التعبير عن البكاء ولكناية دموع؟ واية كيفية منها؟
لقد اختار الدعاء كلمة “الآماق” وهي المجاري التي ينطلق منها الدمع هي التعبير الادق عن معنى البكاء حيث ان مجاري الدمع ما دامت هي منبع الدمع، حينئذ فان الدعاء يستهدف تأكيداً كبيراً على مسألة الدمع، هذا من جانب. ومن جانب آخر عبر عن جريان الدمع باستعارة طريفة هي: زفرات الدموع … وهذا تعبير عميق وطريف كما قلنا كيف ذلك؟
الزفير كما نعرف جمعياً هو التنفس مع مد النفس أي التنفس المقصود ولكن ثمة معنى آخر هوالتنفس الحار وليس العادي وهناك دلالة ثالثة هي النار التي يسمع صوتها.
والآن مع ملاحظتنا لهذه الدلالات ماذا نستخلص؟ لا نحتاج الى تأمل كبير حتى نتبين طرافة الدلالة وعمقها فالدموع عنما تكون بمثابة نفس حار او ممدود حينئذ تعني اننا امام استعارة ذات طرافة وهي خلع سمة الحرارة على الدمع وكونه مصحوباً بمدة حرارية بل اكثر من ذلك يسمع الصوت المنبعث من الدموع كما يسمع الصوت المنبعث من النار في حالة توقدها.
اذن: العبارة المذكورة تعبير عميق كل العمق عن حالة البكاء التي يتمناها كل قارئ للدعاء.
والسؤال هو: هل هذا البكاء الحاد من اجل الخوف من العقاب؟ ام هو تعبير عن الاحساس بعظمة الله تعالى؟ الدعاء يقرر التفسير الاخير أي الاحساس بعظمته تعالى ولكن الملاحظ ان النص قد اختار عنصر “الهيبة” لدى الله تعالى وطلب بان تجري دموعاً ساخنة حيال الظاهرة أي هيبة الله تعالى.
ومن ا لواضح ان قدراً من التفكير بعظمة الله تعالى بنحو دقيق يجعل الشخصية مذهولة ولا ادل على ذلك ما نعرفه من المعصومين عليهم السلام ومن الانبياء ومن الشخصيات السالكة عن حالات خاصة تصدر عنهم من خلال مجرد وقوفهم امام الله تعالى للوضوء او الصلاة او مجرد التفكير بعظمة الله تعالى.
لا عجب بان يكون الدمع الحار، والمنبثق من مجرى العين الخاص بالدمع، والمتسم بصوت مسموع من شدة حرارته لا عجب ان يكون هو التعبير الاشد لصوقاً بمفهوم الخشية من الله تعالى.
ولا نغفل من الاشارة الى ان البكاء بنحو عام يعبر بوضوح عن البعد الانساني النبيل في الشخصية ما عدا البكاء الساذج المنبعث من الذاتية.
لذلك، فان توسل الدعاء المذكور بالله تعالى بان يجعل دموعنا حارة بنحو يتناسب مع حرارة ايماننا بالله تعالى (وهذا يقتادنا الى ان نستثمر قراءتنا للدعاء) وذلك بأخذ العظة منه تمثلاً في التفكر بعظمة الله تعالى ونجسد ذلك في البكاء الحار ومن ثم الحرص الحار على ممارسة الطاعة.