يعتقد المراقبون والخبراء أن من اهم نتائج الإعلان عن تقرير (أمانو) بشأن البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية، هو انه حوّل ملف “بي أم دي”، (بشأن احتمال انطواء الانشطة النووية الايرانية على أبعاد عسكرية) الى جُملة من الإدعاءات الزائفة، فضلا عن الأكاذيب التي ثبت بُطلانها بعد نحو 12 سنة من التجاذبات المتبادلة بين ايران من جهة، والدول الغربية من جهة اخرى.
فقد برهن تقرير الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (الياباني)، يوكيا أمانو، على ان برنامج طهران النووي يتماشى مع المواصفات التنموية السلمية، ما دحض كل المزاعم والإفتراءات والشائعات التي اثيرت حوله في الماضي، والتي تحطمت على صخرة المواقف الإيرانية الحازمة والصادقة والجادة وتمسك الجمهورية الإسلامية بحقوقها المشروعة وثوابتها الوطنية العادلة، على الرغم من شدة الحملات وتوالي الضغوط الإستكبارية السياسية والإقتصادية والإعلامية المغرضة طيلة الأعوام المنصرمة.
على صعيد متصل من المتوقع ان يسفر اجتماع اللجنة المشتركة بين مساعد وزراء خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية الدكتور عراقجي ونظرائه بدول مجمومة 5+1 في فيينا اليوم الإثنين 7 ديسمبر 2015 عن التوافق على مسودة القرار التي ستعرضها دول المجموعة على مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي تعتقد طهران انه ستتم المصادقة عليه بالإجماع وبدعم كامل من مجلس الحكام، باعتباره اجراء ضروريا ومدخلا الى إسدال الستار على قضية “بي أم دي” في الوكالة.
ومع ان تقرير السيد أمانو حظي باهتمام كبار المسؤولين الإيرانيين السياسيين منهم والإختصاصيين، باعتباره أفضل من التقرير الذي اصدره عام 2011، إلا ان ذلك لم يمنع صانعو القرار والخبراء والمراقبون في البلاد من التأكيد بالقول أن “تقرير أمانو في ديسمبر 2015 لا يعتبر تقريرا مثاليا وليس جيدا في كلياته، بل هو خطوة متقدمة على التقرير السابق لهذا المسؤول الأممي”.
وعلى أية فقد أحال “يوكيا أمانو” الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريره الى “مجلس حكام الوكالة” يوم الأربعاء 2 ديسمبر ــ كانون الأول 2015، والذي سيعقد اجتماعه يوم 14 ديسمبر الجاري، وسط تأكيدات بأن يتخذ قراره الصائب باغلاق ملف الشكوك “بي أم دي” المثير للجدل، باعتبار ان اتخاذ هذا القرار يفترض به ان يمهد لتفعيل إتفاق فيينا النووي التاريخي بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ودول مجموعة 5+1 (اميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين إضافة الى المانيا) والذي أُبرم يوم 14 تموز ــ يوليو 2015.
يشار الى انه في ضوء هذا الإتفاق المهم، وقّعت ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خارطة طريق لـ “توضيح القضايا العالقة في الماضي والحاضر” في ما يخص البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية، في حين تتطلع الأنظار الى ان يؤدي الإتفاق الى رفع الحظر الإقتصادي الدولي على طهران، واغلاق قضية (بي أم دي) ذات الأهداف الابتزازية الى الأبد.
وهنا لابد من اثارة الملاحظات على الامور التي تكتنف تقرير امين عام الوكالة الدولية الأخير وهو انه وعلى الرغم من ايجابياته ووضوحه في جوانب، فإنه ما فتئ يراوح في مكانه في جوانب اخرى وسط استخدام عبارات ومصطلحات مبطنة ومطاطة يمكن تأويلها باكثر معنى، وتبعا لإحداثيات السياسة الغربية التي سوف نظل ننظر اليها بعين الريبة والشكك حتى يثبت العكس.
وربما يمكن القول ان(تقرير أمانو 2015) هو ايضا، وكما في امثاله، محكوم بابجديات هذه السياسة ـ شئنا ام أبينا ـ بيد ان التميّز سيتمثل هنا في كيفية إجبار الدول الغربية على تلبية تطلعاتنا المحقة بعيدا عن الإنخراط معها في مغامراتها الراهنة في الشرق الاوسط، بحجة ” محاربة الإرهاب” التي باتت موضة الموسم الاستكباري الراهن.
فمن الواضح أن دول (5 +1 باستثناء الصين) كلها قد انخرطت في حرب اقليمية مقلقة للغاية تحت ذريعة القضاء على دولة “داعش”. وثمة تطورات خطيرة طرأت بحكم تنافس القوى بين العواصم الغربية وموسكو، وادت الى قيام “تركيا الناتوية” بإسقاط قاذفة سوخوي 24 روسية عمدا، في علامة يمكن تفسيرها على أنها قد تكون بداية مرحلة عصيبة تريدها الولايات المتحدة، انطلاقا من اجنداتها الفوضوية لتنفيذ “مخطط الشرق الأوسط الجديد”.
وفي ضوء شكوكنا في ان التحركات الغربية التي كانت هي الباعث في دحرجة كرة النار التكفيرية الى احضان المنطقة، فإن ثمة هواجس ان تستغل اميركا وحليفاتها الزوايا المظلمة والرمادية (السلبية والقابلة لأكثر من تأويل) في تقرير أمانو النووي للممارسة مزيد من الإبتزاز على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ابتغاء ارغامها على القبول بالخارطة الشرق اوسطية الأميركية.
إذ من المؤكد ان هذا الأمر ترفضه طهران جملا وتفصيلا. فقد أكد كبار المسؤولين الإيرانيين على ان الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 لايعني التفاهم مع أميركا على مختلف قضايا المنطقة . ومن ابرز انعكاسات ذلك التباين القائم في وجهات النظر بين طهران وواشنطن بشأن آليات تسوية الأزمة السورية المتفاقمة منذ 5 أعوام والتي تشتد فصولها ضراوة يوما بعد آخر.
فالثابت ان المنطقة شعوبا وحكومات قد سقطت فريسة بين انياب تجار الحروب الإستكباريين، ولذلك ربما يكون ضربا من التسرع امتداح “تقرير أمانو” بالإجمال، وذلك على مافيه من ضبابيات كثيرة وتفاصيل تقنية وقانونية معقدة يحرص الغربيون على استغلالها وقت الحاجة.