02 أخبار مصحف الإمام علي عليه السلام في كتب الجمهور:
روى الصنعاني (ت211هـ) بسنده عن عكرمة، قال: (لما بويع لأبي بكر تخلف علي في بيته فلقيه عمر فقال: تخلّفت عن بيعة ابي بكر؟ فقال: إني آليت بيمين حين قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى أجمع القرآن، فإني خشيت أن يتفلّت القرآن ثم خرج فبايعه) [المصنّف لعبد الرزاق: 5 / 450 / ح 9765 باب بيعة أبي بكر، شواهد التنزيل للحسكاني 1 / 37 / ح24 وفيه فإني خشيت أن ينقلب القرآن].
وروى ابن سعد (ت230هـ) في الطبقات الكبرى عن اسماعيل ابن ابراهيم عن أيوب وابن عون، عن محمد، قال: (نُبئت أن علياً أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا ولكنّني آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن. قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله، قال محمد: فلو اصيب ذلك الكتاب كان فيه علم قال ابن عون: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب، فلم يعرفه) [الطبقات الكبرى: 2 / 338].
وروى ابن ابي شيببة (ت235هـ) في مصنفه قال: (حدثنا يزيد بن هارون، قال: اخبرنا ابن عون، عن محمد قال: لما استخلف ابو بكر قعد علي في بيته، فقيل لأبي بكر، فأرسل اليه: أكرهت خلافتي؟
قال: لا، لم أكره خلافتك، ولكن كان القرآن يزاد فيه، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعلتُ علَيَّ أن لا أرتدي إلا الى الصلاة حتى أجمعه للناس. فقال أبو بكر: نِعْمَ ما رأيت) [المصنف لابن أبي شيبة 6 / 148 / ح 20230، باب 35 / ح2].
وفي شواهد التنزيل أن جماعة قالوا لأبي بكر: (ان علياً قد كرهك، فأرسل اليه، فقال: أكرهتني؟ فقال: والله ما كرهتك، غير أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض ولم يجمع القرآن، فكرهت أن يزاد فيه، فآليت بيمين أن لا أخرج إلا الى الصلاة حتى أجمعه فقال: نِعْمَ ما رأيت) [شواهد التنزيل: 1 / 37 / ح22].
وذكر البلاذري (ت279 هـ) في أنساب الأشراف ما نصّه: المدائني، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التيمي، وعن ابن عون: أن أبا بكر أرسل الى علي يريد البيعة، فلم يبايع.
فجاء عمر ومعه قبس، فتلقّته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يابن الخطّاب، أتراك محرّقاً عليّ بابي؟
قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك.
وجاء عليٌّ فبايع، وقال: كنتُ عزمت أن لا أخرج من منزلي حتى أجمع القرآن) [أنساب الأشراف: 1 / 586، أمر السقيفة وبيعة أبي بكر].
وفيه أيضاً: (حدّثنا سلمة بن الصقر، وروح بن عبد المؤمن قالا: ثنا عبدالوهاب الثقفي، أنبأ أيّوب، عن ابن سيرين، قال: قال أبو بكر لعلي عليه السلام: أكرهت إمارتي؟
قال: لا، ولكني حلفت أن لا أرتدي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) برداء حتى أجمع القرآن كما أنزل) [أنساب الأشراف: 2 / 269 / أمر السقيفة].
وقال اليعقوبي (ت292هـ) في تاريخه: (وروى بعضهم أن علي أبن أبي طالب كان جمعه لمّا قبض رسول الله وأتى به يحمله على جمل، فقال: هذا القرآن قد جمعته، وكان قد جزّأه سبعة أجزاء، فالجزء الأوّل البقرة…) [تاريخ اليعقوبي: 2 / 135].
وروى ابن الضريس (ت294 هـ) في فضائل القرآن: (أخبرنا أحمد، ثنا أبو علي بشر بن موسى، ثنا هوذة بن خليفة، ثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن عكرمة فيما أحسب، قال: لمّا كان بعد بيعة أبي بكر، قعد علي بن أبي طالب عليه السلام في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك. فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي؟ فقال: لا والله قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه، فحدّثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمعه، فقال له أبوبكر: فإنك نِعْمَ ما رأيت.
قال محمد [بن سيرين] فقلت له [أي لعكرمة] ألّفوه كما أنزل الأول فالأول؟ قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلّفوه ذلك التأليف [يعني به تأليف علي عليه السلام] ما استطاعوا. قال محمد: أراه صادقاً) [فضائل القرآن لمحمد بن أيوب بن الضريس: 36 / ح21].
وفي كتاب المصاحف للسجستاني (ت316هـ) بسنده عن ابن سيرين أنه قال: (لمّا توفّي النبي (صلى الله عليه وآله) أقسم علي أن لا يرتدي برداء الا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه ابو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال: لا والله، الا أني أقسمت أن لا ارتدي برداء الا لجمعة، فبايعه ثم رجع) [المصاحف للسجستاني: 1 / 169 / ح31، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 42 / 398 ، 399].
وروى الجوهري (ت 323 هـ) في كتاب (السقيفة وفدك) عن يعقوب، عن رجاله، قال: (لمّا بويع ابو بكر تخلف علي فلم يبايع فقيل لابي بكر: إنه كره إمارتك، فبعث اليه، وقال: أكرهت إمارتي؟ قال: لا، ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه، فحلفت أن لا أرتدي رداء حتى أجمعه، اللهم الا إلى صلاة الجمعة) [السقيفة وفدك: 66، وانظر مصنف بن أبي شيبة: 6 / 148 / ح 30230، وانظر شرح نهج البلاغة: 6 / 41].
وفي حلية الاولياء لأبي نعيم (ت 430 هـ): حدّثنا سعد بن محمد الصيرفي، حدثنا محمد بن عثمان بن ابي شيبة، حدثنا ابراهيم بن محمد ابن ميمون، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد خير، عن علي قال: (لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقسمت ـ او حلفت ـ ان لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي عن ظهري حتى جمعت القرآن) [حلية الأولياء: 1 / 67، ترجمة الامام علي، وانظر كنز العمال: 13 / 66 / ح36473].
وروى المستغفري (ت 432 هـ) في فضائل القرآن بإسناده عن كثير بن أفلح، قال: (اختلف الناس في القراءة في إمارة عثمان… الى أن قال فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزم علي بن أبي طالب بيته، فقيل لابي بكر: ان علياً كره امارتك، فارسل اليه ابو بكر فقال له: تكره امارتي؟ فقال: لا، ولكن كان النبي (صلى الله عليه وآله) حياً والوحي ينزل، والقرآن يزاد، فيه فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله)، جعلت على نفسي أن لا أرتدي بردائي حتى اجمعه للناس، فقال أبو بكر: أحسنت، قال محمد: فطلبت ما ألّف فأعياني، ولم أقدر عليه، ولو أصبته كان فيه علم كثير) [فضائل القرآن للمستغفري: 1 / 358 / ح420].
قال ابن عبد البر (ت 463 هـ) في الاستذكار: (وجَمْعُ علي بن أبي طالب للقرآن أيضاً عند موت النبي (صلى الله عليه وآله) وولاية أبي بكر فإنما كل ذلك على حسب الحروف السبعة لا كجمع عثمان على حرف واحد ـ حرف زيد بن ثابت ـ وهو الذي بأيدي الناس بين لوحي المصحف اليوم) [الاستذكار: 2 / 485].
وفي شواهد التنزيل للحسكاني (من أعلام القرن الخامس) بسنده عن السدي، عن عبد خير، عن علي عليه السلام انه قال: (رأى من الناس طيرةً عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقسم أن لا يضع على ظهره رداء حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن، جمعه من قلبه، وكان عند آل جعفر) [شواهد التنزيل: 1 / 37 / ح23، الصاحبي، لابن فارس: 326].
وفي خبر آخر عن السدي، عن عبد خير عن يمان، قال: (لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) أقسم علي ـ او حلف ـ أن لا يضع رداءه على ظهره حتى يجمع القرآن بين اللوحين، فلم يضع رداءه على ظهره حتى جمع القرآن) [شواهد التنزيل: 1 / 27 / ح25، وانظر المناقب للخوارزمي: 94 / ح93].
وروى الحسكاني في شواهد التنزيل بإسناده عن محمد بن سيرين انه قال: (لمّا مات النبي (صلى الله عليه وآله) جلس عليٌّ في بيته فلم يخرج فقيل لابي بكر: ان علياً لا يخرج من البيت كأنه كره إمارتك. فأرسل اليه فقال: أكرهت امارتي؟ فقال: ما كرهت إمارتك ولكني ارى القرآن يزاد فيه فحلفت أن لا ارتدي برداء الا للجمعة حتى اجمعه. قال ابن سيرين: فنبّئت انه كتب المنسوخ وكتب الناسخ في أثره) [شواهد التنزيل: 1 / 38 / ح27].
وقال محمد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت 548 هـ) في مقام التعليق على جمع الخلفاء للقرآن: (كيف لم يطلبوا جمع علي بن أبي طالب؟! أو ما كان أكتب من زيد بن ثابت؟! أو ما كان أعرب من سعيد بن العاص؟! أو ما كان أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جمعه واتخذوه مهجوراً ونبذوه ظهرياً وجعلوه نسياً منسياً وهو عليه السلام لما فرغ من تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، آلى أن لا يرتدي بُرداً الا لجمعة حتى يجمع القرآن؛ إذ كان مأموراً بذلك أمراً جزماً، فجمعه كما أنزل من غير تحريف وتبديل، وزيادةٍ ونقصانٍ. وقد كان أشار النبي (صلى الله عليه وآله) الى مواضع الترتيب والوضع، والتقديم والتأخير، قال أبو حاتم: إنه وضع كلّ آية الى جنب ما يشبهها.
ويروى عن محمد بن سيرين انه كان كثيراً ما يتمنّاه، ويقول: لو صادفنا ذلك التأليف لصادفنا فيه علماً كثيراً.
وقد قيل: انه كان في مصحفه المتن والحواشي؛ وما يعترض من الكلامين المقصودين كان يكتبه على العرض والحواشي) [مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار: 1 / 120].
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (ت571 هـ) عن ابن سيرين، قال: (قال علي عليه السلام: لمّا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) آليت أن لا آخذ عليّ ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه) [انظر تاريخ دمشق 42 / 398، 399].
وفي شرح النهج لابن أبي الحديد (ت656 هـ) قال أبو بكر [الجوهري]: (وقد روي في رواية اخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة عليها السلام والمقداد بن الاسود ايضاً، وانهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياً، فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت، فخرج اليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة عليها السلام تبكي وتصيح، فنهنهت من الناس، وقالوا: ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس، وانما اجتمعنا لنؤلّف القرآن في مصحف واحد، ثم بايعوا أبا بكر فاستقر الأمر واطمأنّ الناس) [شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 57].
وقال محمد بن جزي الكلبي (741 هـ) في التسهيل لعلوم التنزيل: (كان القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) متفرقاً في الصحف وفي صدور الرجال، فلمّا توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قعد علي بن أبي طالب عليه السلام في بيته فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد) [التسهيل لعلوم التنزيل 1 / 4].
وقال الذهبي (ت 748 هـ) في تاريخ الاسلام في ضمن عدّة روايات في فضائل الامام علي عليه السلام قال: (ومنها عن سليمان الاحمسي عن أبيه قال: قال علي: والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً) [تاريخ الإسلام 3 / 637، وذكره أيضاً ابن سعد في الطبقات الكبرى 2 / 338، والبلاذري في أنساب الأشراف 2 / 99 طبع مؤسسة الأعلمي].
وقال محمد بن سيرين (لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبطأ عليّ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا ولكن آليت لا أرتدي بردائي الا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن فزعموا أنه كتبه على تنزيله فقال محمد: لو اصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم) [الاستيعاب لابن عبد البر 3 / 974، شرح ابن أبي الحديد 6 / 41].
وقال سعيد بن المسيب: (لم يكن أحد من الصحابة يقول: (سلوني) الا علي) [تاريخ الإسلام 3 / 637 ـ 638].
هذه هي مجموعة من النصوص تنبئك عن اتفاق الفريقين على وجود هذا المصحف، وللمزيد يمكنك الرجوع الى كتاب البرهان للزركشي (ت 794 هـ) والفرقان لابن الخطيب (ت809 هـ) والاتقان للسيوطي (ت911هـ) ومناهل العرفان للزرقاني (ت1367هـ) وغيرهم كي ترى أن امتداد الاعتراف بوجود هذا المصحف كان سائداً حتى في العصور اللاحقة.
وهذه الروايات والأقوال وإن كنّا لا نقبل تفصيلاتها، لكنها متفقة على أمر واحد وهو أن علياً قد جمع القرآن مدوّناً كما تقول به الشيعة.
كما يلاحظ فيها سكوت أبي بكر عن عملية جمع الامام أمير المؤمنين عليه السلام للمصحف ـ مع تأويله وتفسيره ـ أيام خلافته وقوله للامام عليه السلام (نعم ما رأيت) وفي آخر: (أحسنت) وهما يشيران الى وجود هذا المصحف وكتابه قبل عهد أبي بكر لأن جمع القرآن لا يأتي بين عشية وضحاها، بل في النصوص الاخرى إشارة الى انه عليه السلام كتبه منذ عصر الرسول (صلى الله عليه وآله).
كما ان نصوص تدوين الإمام عليه السلام للمصحف عند الفريقين تخطّئ ما حكي عن ابن أبي قحافة من انه كلف زيداً بجمع القرآن؛ لأنه لو كان قد كلفه لما قبل عذر الإمام عليه السلام وتعليله ولقال له: لا أقبل تعليلك؛ لأني كلفت زيد بن ثابت بهذه المهمة.
نعم قد يقال بأنه كلف زيداً بعد الاشهر الستة التي جلس فيها الامام عليه السلام في بيته أي انه كلفه بعد أن رد مصحف الامام علي عليه السلام لاشتماله على فضائح القوم من لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تفسير الآيات؛ لأن في خبر الاحتجاج: (فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فضائح القوم…) [الاحتجاج 1 / 227].
فلو قلنا بهذا الاحتمال فهو يصحح ما جاء في الكتب الشيعية من أن الخليفة أراد بجمعه حذف تلك الاسماء لقول الراوي في تلك الاخبار: (ثم احضروا زيد بن ثابت ـ وكان قارئاً للقرآن ـ فقال له عمر: ان علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والانصار وقد رأينا أن نؤلّف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار فأجابه زيد إلى ذلك…) [الاحتجاج 1 / 228].
وكلامي هذا لا يعني بأني أريد أن اصحّح كلام الطبرسي في الاحتجاج لكني أقول: إن أردتم أن تقولوا بذلك فيترجح مدعى الشيعة الامامية.
بعد كل هذا علينا أن نلخص كلام الجمهور في نقاط:
تخلف الامام علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر واشتغاله بجمع القرآن.
2ـ قالوا لأبي بكر إن علياً كره مبايعتك او ان أبا بكر قال لعلي: كرهت خلافتي فأجاب الامام عليه السلام في بعض الاخبار بانه خشي (ان ينفلت القرآن) وفي آخر (رأيت كتاب الله يزاد فيه) وفي ثالث: (بأن النبي كان حياً والوحي ينزل عليه والقرآن يزاد فيه فلما قبض…) وفي كل ذلك يقول ابو بكر: (فانك نعم ما رأيت). وفي آخر: (لقد أحسنت).
حلف الامام عليه السلام ألا يرتدي برداء حتى يجمع القرآن كما أنزل، قال ابن سيرين: (نبئت بانه كتب المنسوخ وكتب الناسخ) وفي آخر عنه: (فزعموا أنه كتبه على تنزيله) وقال أيضاً: (طلبت ما ألف فأعياني). وفي كلام الجزي: (فجمعه على ترتيب نزوله ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كثير ولكنه لم يوجد).
حمل الامام علي مصحفه الى القوم على جمل ثم قال: (هذا القرآن قد جمعته). قال اليعقوبي: (كان قد جزأه سبعة أجزاء، فالجزء الأول البقرة…).
في كلام ابن عبد البر: (ان الامام عليه السلام جمع القرآن عند موت النبي (صلى الله عليه وآله) وولاية أبي بكر على حسب الأحرف السبعة، لا كجمع عثمان على حرف واحد ـ حرف زيد بن ثابتـ).
قال الامام عليه السلام ـ حسب رواية الذهبي ـ (والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت) [تاريخ الإسلام 3 / 637]، وعلى من نزلت. قال سعيد ابن المسيب: (لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا عليّ بن أبي طالب عليه السلام) [تاريخ دمشق 42 / 399].
إذاً مسألة جمع القرآن ترتبط بنحو وآخر بالإمام علي عليه السلام وأمّا سائر الجامعين للقرآن، فقد كانوا من الصحابة وهم ليسوا بمعصومين باعتراف الجميع، وخصوصاً زيد بن ثابت الذي خالفه كبار الصحابة أمثال ابن مسعود، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى لم يرد دليل من العقل أو الشرع على وجوب اتباع مصحف صحابي بعينه، لاحتمال وقوعه في الغلط والاشتباه، وأن يكون ممّن قدم ما أخّره الله أو أخّر ما قدمه الله. لهذا نرى الخلفاء اعتمدوا شاهدين عند تدوينهم المصحف، أي أنهم اعتمدوا البينة لا التواتر في عملهم ومعناه عدم اعتقادهم بوجود نسخة صحيحة عند أحد من الصحابة بحيث يمكن اعتمادها أصلاً في تدوين المصحف.
أو قل إنهم بادعائهم الخاطئ أرادوا أن يقولوا بشيء خطير وهو وجود تواتر اجمالي على عدم تحقق جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنهم بهذا الكلام ضربوا الدين في صميمه؛ لأنه لو ثبت ما قالوه لأمكن ادعاء وقوع التحريف في الكتاب العزيز؛ لأن العقل لا يمكنه أن يثبت بأن المجموع حالا هو جميع القرآن، وذلك لعدم تصدر المعصوم ـ وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ لتدوينه وترتيبه وجمعه بين اللوحين، بل أنّ جمعه قد حصل بعد وفاته وفي أيام الفتنة وظهور البدع و…
فمن الطبيعي أن يُشكّ بهكذا جمع للقرآن ولا يطمئن إليه، بل يحتمل الزيادة والنقصان فيه، إذ العقل والشرع يمنعان من اتباع غير العلم.
لكنّا لا نقبل هذا الكلام، ونرى فيه مساساً بالدين، مؤكّدين على أن القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو نفسه الذي نزل على النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، هو الذي أشرف على ترتيبه وتدوينه، وأن الناس كانوا يقرؤون بسوره وآياته في عهده ثم من بعده، بل زيادة ولا نقصان، ومعناه أن الاطروحة الآنفة هي اطروحة خاطئة وأن التواتر بقرآنية هذا القرآن هو الذي يصحح قرآنيته لا ما اعتبروه من شهادة الاثنين في طريقة جمع الخلفاء، فإنّا لا نقبل اطروحتهم لأنها أقرب الى التحريف من القول بحجية القرآن.
إذ أن للشيعة سنداً صحيحاً إلى مجموع هذا القرآن، خصوصاً أسنادهم من أمير المؤمنين علي عليه السلام الى الامام الصادق عليه السلام والذي رواه الجمهور أيضاً، كما لهم أسانيد للآيات آية آية موجودة في التفاسير الروائية؛ وإنّ أسانيد روايات أهل البيت القراءات السبع موجودة في تفسير التبيان للشيخ الطوسي يمكن للباحث مراجعتها.
ويضاف إليه بأن النسخة المطبوعة من القرآن في المدينة المنورة هي المروية عن حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فهي ليست نسخة عثمان بن عفان أو مصحفه كما يقولون؛ لأنه لم تثبت قراءته عليه وعلى أبيّ بن كعب حسبما سيأتي لاحقاً.
وباعتقادي أنهم أرادوا بأطروحتهم الخاطئة أن يرفعوا بضبع الخلفاء الثلاثة في مسألة جمع القرآن على حساب المساس بتواتر القرآن.
مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، العدد: 111ـ 112، ص 91ـ 108.