الوقت- على الرغم من انتشار أبناء الطائفة الشيعية في جميع الدول الخليجية بأعداد كبيرة ومنذ زمن طويل جداً حتى قبل تأسيس الدول الخليجية بشكلها الحالي، حيث يصل عدد أبناء هذه الطائفة بحسب إحصائيات غير رسمية إلى 7 ملايين مواطن شيعي، يتوزعون في (السعودية- الإمارات- قطر- البحرين- عمان- الكويت)، ومع ذلك فقد حُرم أبناء هذه الطائفة من الكثير من حقوقهم الطبيعية وتعرضوا لظلم كبير لم يتوقف حتى يومنا هذا، ويمكن تلمّس ذلك اليوم في كل من البحرين والسعودية بشكل واضح.
التاريخ الحديث
لا نريد التغلغل في عمق التاريخ والحديث عن أمور قديمة ولكن دعونا نقوم بقراءة تاريخية لطريقة التعاطي مع الشيعة في الدول الخليجية خلال القرن الماضي فقط، نبدأ من تأسيس الدولة السعودية بشكلها الحالي من قبل عبد العزيز آل سعود، فالملك المؤسس بدأ حكمه بنكث الوعود والمواثيق التي كان قد وقّعها مع الشيعة في مدينة الإحساء والقطيف والمدينة المنورة عام 1923، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، إذ سُلِب من الشيعة حقوق ممارسة طقوسهم الدينية والمدنية.
استمر الوضع على ما هو عليه إلى أن نجحت الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني في العام 1979م، وفي هذه المرحلة بالتحديد بدأ الخوف يجتاح عروش الملوك والسلاطين في منطقة الخليج خشية وصول الثورة إلى بلادهم، ويقال بأن الحرب العراقية – الإيرانية التي أعقبت ذلك كانت في جزئيتها تتعلق بإيقاف المد الثوري نحو الدول الخليجية إضافة إلى اشتداد الخلاف بين العراق وإيران حول ترسيم الحدود في منطقة شط العرب المطلة على الخليج الغني بالنفط، والاشتباكات العسكرية التي كانت تقع بين الفينة والأخرى بين البلدين.
بعد اندلاع هذه الحرب بدأت الدول الخليجية بدعم صدام حسين ضد الإيرانيين وكانت نقطة التحوّل بأن هذه الحكومات شككت بمواطنيها الشيعة واتهمتهم بالعمالة لإيران وهذا الأمر عزز مسألة إقصائهم وتهميشهم سياسياً ومدنياً، وكان من المستغرب حينها كيف يمكن لرئيس دولة بحجم مصر “حسني مبارك” في ذلك الوقت، بالقول بأن “الشيعة في كل هذه الدول (المنطقة الخليجية) يُشكّلون نسبة مهمة، والشيعة غالباً ما يكون ولاؤهم لإيران، وليس للبلدان التي يعيشون فيها”، كان مستهجناً مثل هذا التصريح حينها لدولة تدّعي العلمانية وتمارس الديمقراطية.
تهميش الشيعة في الخليج تعدّى ذلك ليشمل حرمانهم أيضاً من حقهم في النفط الذي تم اكتشافه في مناطقهم، وتمّ الحرص على إبقائهم فقراء يعانون بحجة العمالة للخارج، هل يعقل أن يكون 7 ملايين مواطن شيعي عميل لدولة خارجية، واستمر الظلم نحو هؤلاء المواطنين وتم منعهم من الوصول إلى مناصب سيادية، وتم إهمالهم بشكل متعمّد، لدرجة أن حكام الخليج بدؤوا بسحب الجنسيات من رموزهم، مثلما حدث في الكويت مع الشيخ ياسر الحبيب، المقيم في لندن، ولجأت إليه البحرين أيضاً مع آية الله حسين النجاتي ممثل المرجعية الشيعية آية الله علي السيستاني، بتهمة الإضرار بأمن الدولة.
السعودية
بعد ذلك أطلت رياح “الربيع العربي” وبدأ الخوف يدبّ في القصور الملكية بعد اندلاع ما يسمى “ثورات الربيع العربي” في عام 2011، ومن هنا وجدت الأقلية الشيعية فرصة جيدة للحصول على إصلاحات سياسية هي الأخرى، خاصةً وأنهم لم يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية طوال السنوات التي سبقت “الربيع العربي”، ففي عام 2007، أرسل رجل الدين الشيعي السعودي، الشيخ نمر باقر النمر، ما يُعرف بعريضة إصلاحية للحاكم الإداري للمنطقة الشرقية في السعودية، وذلك في سياق مشروعه السياسي المتدرج، وبحسب نشطاء شيعة، لم تعر الحكومة السعودية أي اهتمام لهذه العريضة المفصلة والكاشفة لتطلعات الأقلية الشيعية السياسية.
وفي عام 2011، ومع انتشار حمى “الربيع العربي”، خرجت التظاهرات في البحرين، وامتدت إلى المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في السعودية للمطالبة بالإصلاح وإسقاط النظام، وذلك في فبراير (شباط)، وقد اضطر الملك عبد الله آنذاك، وتحديداً في 18 مارس (آذار) إلى إعلان حزمة إصلاحات، وإنشاء هيئة مكافحة الفساد للحيلولة دون انتشار هذه المظاهرات، ولكن هذه الأنظمة لا تغيّر شيئاً من آلية تفكيرها ولا يمكنها أساساً الوصول لأدنى درجات الديمقراطية، ولأنهم يخافون على عروشهم، اعتقل النظام السعودي في يوليو (تموز) 2012، الشيخ نمر النمر، بتهم متعلقة بإثارة النعرة الطائفية والإرهاب، وحُكمِ عليه بالإعدام عام 2014، ونفذت السعودية الحكم عام 2016.
البحرين
الأمر نفسه حصل في البحرين وإن كان بصورة مختلفة حيث إن آل خليفة “الذين لا ينتمون أصلاً إلى البحرين” بدؤوا يخافون من أهل البلد الأصليين بعد بدء “الربيع العرب”، ولكون شيعة البحرين يشكلون نصف عدد السكان تقريباً، عمد آل خليفة للاستنجاد بأي قوى خارجية من أجل قمع أصحاب البلد (الشيعة)، مثلما حدث في حراك عام 2011، عندما استنجد آل خليفة بقوات “درع الجزيرة” لقمع تظاهرات البحارنة ذوي الأغلبية الشيعية، وحالياً تكتظ سجون البحرين بمعتقلي الرأي وتشهد أعداد المهجرين قسراً بذلك.