الرئيسية / القرآن الكريم / بيّنات في معرفة القرآن الكريم

بيّنات في معرفة القرآن الكريم

نظرة تفسيريّة موضوعيّة في خصائص القرآن الكريم

5- القرآن شفاء للقلوب:

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾[1].

إذا أُخِذَت هذه النعوت الأربعة التي عدّها الله سبحانه للقرآن في هذه الآية، أي إنّه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة، وقيس بعضها إلى بعضها الآخر، ثمّ اعتُبرت مع القرآن، كانت الآية بياناً جامعاً لعامّة أثره الطيّب الجميل، وعلمه الزاكي الطاهر الذي يرسمه في نفوس المؤمنين، منذ أوّل ما يقرع أسماعهم إلى آخر ما يتمكّن من نفوسهم ويستقرّ في قلوبهم. حيث يتعهّدهم بموعظته التي توقظهم من الغفلة، ويدلّهم ويأخذ بيدهم في تطهير أنفسهم من الملكات الرديئة والصفات الخبيثة ويدلّهم على المعارف الحقّة والأخلاق الحميدة والأعمال الصالحة، ليرفعهم بها إلى أعلى درجات القرب ويلبسهم لباس الرحمة، ويقرّهم في مستقرّ السعادة الأبدية. فالقرآن واعظ شافٍ لما في الصدور،

هادٍ إلى مستقيم الصراط، مفيض للرحمة بإذن الله سبحانه. وإنّما يعظ بما فيه، ويشفي الصدور ويهدي ويبسط الرحمة بنفسه، لا بأمر آخر، فإنّه السبب الموصول بين الله وخلقه، فهو موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين[2].

ويوجد خصائص أخرى للقرآن الكريم تناولتها الآيات القرآنيّة، من قبيل: أنّه نور لمن استنار به في ظلمات الجهل والضلال، قاصداً المعرفة الحقّة، ثابتاً عليها في الصراط المستقيم: ﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾[3], وأنّه بيان وهدى وموعظة لمن اتّخذه إماماً ودليلاً في القول والعمل: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ[4]

الأفكار الرئيسة

1- القرآن الكريم يصدّق ما ورد في التوراة والإنجيل من التعاليم والمعارف والأحكام، بما يناسب حال هذه الأمّة، ويهيمن عليها بالنسخ والتكميل والزيادة، لما فيه صلاح الإنسانيّة في الترقّي إلى مقصدها الكماليّ، عبر التدرّج في الرسالات الإلهيّة.

2- ما يهدي إليه القرآن أقوم ممّا يهدي إليه غيره من الكتب السماويّة السابقة.

3- القرآن بيان لكلّ شيء من أمر الهداية، يُعلم به الحقّ من الباطل، فيتحمّل شهادة أعمال الناس، ويشهد يوم القيامة على الظالمين بما ظلموا، وعلى المسلمين بما أسلموا.

4- القرآن الكريم هو أحسن القول، لاشتماله على محض الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو كلامه المجيد.

5- القرآن واعظ شافٍ لما في الصدور، هادٍ إلى مستقيم الصراط، مفيض للرحمة بإذن الله سبحانه.

 

 

 

فكِّر وأجب

1- بيّن حقيقة هيمنة القرآن الكريم على الكتب السماويّة السابقة عليه.

2- ما المراد بقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾

3- لماذا يُعدّ القرآن الكريم أحسن القول؟

مطالعة

روايات في فضل القرآن الكريم ومنزلته:

وردت مجموعة من الروايات المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، في بيان فضل القرآن ومكانته ومنزلته، منها:

– ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنَّه شافع مشفّع، وماحل مصدّق، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار. وهو الدليل يدلّ‏ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيلٌ وبيانٌ وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم، لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة، فَلْيَجْلُ جال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينجُ من عطب، ويتخلّص من نشب، فإنّ التفكّر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلّص وقلّة التربّص”[5].

– ما رُوي عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام: “واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدّث الذي لا يكذب. وما جالس هذا القرآنَ أحدٌ إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان في عمى. واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإنّ فيه شفاءً من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال. فاسألوا الله به، وتوجّهوا إليه بحبّه، ولا تسألوا به خلقه، إنّه ما توجّه العباد إلى الله بمثله. واعلموا أنّه شافع مشفَّع، وقائل مصدَّق. وأنّه مَنْ شفع له القرآن يوم القيامة شُفّع فيه، ومَنْ محل به القرآن يوم القيامة صُدّق عليه، فإنّه ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا إنّ كلّ حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن. فكونوا من

حرثته وأتباعه، واستدلّوه على ربّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتّهموا عليه آراءكم، واستغشّوا فيه أهواءكم… وإنّ الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره”[6].

– ما رُوي عنه عليه السلام أيضاً: “ثمّ أنزل عليه (أي على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم)، الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقّده، وبحراً لا يُدرَك قعره، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه، وشعاعاً لا يُظلِم ضوؤه، وفرقاناً لا يُخمَد برهانه، وتبياناً لا تُهدَم أركانه، وشفاءً لا تُخشَى أسقامه، وعزّاً لا تُهزَم أنصاره، وحقّاً لا تُخذَل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافيّ الإسلام وبنيانه، وأودية الحقّ وغيطانه، وبحر لا يُنزفه المنتزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضلّ نهجها المسافرون، وأعلام لا يعمى عنها السائرون، وآكام لا يجوز عنها القاصدون، جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذروته، وعزّاً لمن تولّاه، وسلماً لمن دخله، وهدى لمن ائتمّ به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاجّ به، وحاملاً لمن حمله، ومطيّة لمن أعمله، وآيةً لمن توسّم، وجُنّة لمن استلأم، وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى”[7].

[1]–  سورة يونس، الآية 57.

[2]– الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج10، ص80-82. (بتصرّف)

[3]– سورة إبراهيم، الآية 1.

[4]– سورة آل عمران، الآية 138.

[5]– الكلينيّ، الكافي، م.س، ج2، كتاب فضل القرآن، باب في تمثّل القرآن وشفاعته لأهله، ح2، ص599.

[6]–  العلويّ، (محمّد بن الحسين الشريف الرضيّ): نهج البلاغة (الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح: محمّد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر، مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، ج2، الخطبة176، ص91-92.

[7]– م.ن، ج2، الخطبة198، ص177-178.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...