بيّنات في معرفة القرآن الكريم
1 مايو,2019
القرآن الكريم, صوتي ومرئي متنوع
716 زيارة
نظرة تفسيريّة موضوعيّة في خصائص القرآن الكريم
3- القرآن فيه بيان كلّ شيء:
قال الله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[1].
يصف القرآن الكريم نفسه في هذه الآية بكرائم صفاته، فصفته العامّة أنّه تبيان وبيان لكلّ شيء يرجع إلى أمر الهداية ممّا يحتاج إليه الناس في اهتدائهم، من المعارف الحقيقيّة المتعلّقة بالمبدأ والمعاد والأخلاق الفاضلة والشرائع الإلهيّة والقصص والمواعظ،
فالقرآن تبيان لذلك كلّه. ومن صفته الخاصّة، أنّه هداية للّذين يسلمون للحقّ ويهتدون به إلى مستقيم الصراط، ورحمة لهم من الله سبحانه، يحوزون بالعمل بما فيه خير الدنيا والآخرة، وينالون به ثواب الله ورضوانه، وبشرى لهم بمغفرة من الله ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم. وفي الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما يدلّ على أنّ القرآن فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة. فهي قرينة على أنّ المراد بالتبيان في الآية أعمّ ممّا يكون من طريق الدلالة اللفظيّة. فلعلّ هناك إشارات من غير طريق الدلالة اللفظية تكشف عن أسرار وخبايا لا سبيل للفهم المتعارف إليها وعلمها إلّا عند المعصوم عليه السلام. وبالرجوع إلى سياق الآيات المحتفّة بهذه الآية وهي مسوقة للاحتجاج على الأصول الثلاثة: التوحيد والنبوّة والمعاد، والكلام فيها ينعطف مرّة بعد أخرى عليها، يظهر أنّ الواو في قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ ليست استئنافيّة، بل حاليّة متعلّقة بضمير الخطاب في ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾, في قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء﴾, والمعنى: وجئنا بك شهيداً على هؤلاء يوم القيامة، والحال أنّا نزّلنا عليك من قبل في الدنيا الكتاب، وهو بيان لكلّ شيء من أمر الهداية، يُعلم به الحقّ من الباطل، فيتحمّل شهادة أعمالهم، فيشهد يوم القيامة على الظالمين بما ظلموا، وعلى المسلمين بما أسلموا، لأنّ الكتاب كان هدى ورحمة وبشرى لهم، وكنت أنت بذلك هادياً ورحمة ومبشّراً لهم. وعليه، فصدر الآية كالتوطئة لذيلها، كأنّه قيل: سيبعث اللّه شهداء يشهدون على الناس بأعمالهم، وأنت منهم، ولذلك نزّلنا عليك كتاباً يبيّن الحقّ والباطل، ويميّز بينهما، حتى تشهد به يوم القيامة على الظالمين بظلمهم، وعلى المسلمين بإسلامهم. وقد كان الكتاب هدى ورحمة وبشرى لهم، وكنت هادياً ورحمة ومبشرّاً به. ومن لطيف ما يؤيّد هذا المعنى مقارنة الكتاب بالشهادة في بعض آيات الشهادة: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾[2], والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ، وقد
تكرّر في كلامه تعالى أنّ القرآن من اللوح المحفوظ، كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾[3], ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾[4]، وشهادة اللوح المحفوظ وإنْ كانت غير شهادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، لكنّهما جميعاً متوقّفتان على قضاء الكتاب النازل[5].
[1]– سورة النحل، الآية 89.
[2]– سورة الزمر، الآية 69.
[3]– سورة الواقعة، الآيتان 77-78.
[4]– سورة البروج، الآيتان 21-22.
[5]– الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص324-326. (بتصرّف)
2019-05-01