المنهج الجديد في تربية الطفل 10
August 5, 2022
بحوث اسلامية
1,701 Views
الدرس الحادي عشر: أسباب الامتناع عن إنجاب الأطفال – عرض ومناقشة – (2)
(مناقشة الامتناع بسبب طلب العلم والوضع الاقتصاديّ)
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يستطيع مناقشة من يتمسّك بمانعية طلب العلم عن الإنجاب.
2- يمتلك القدرة على نقد امتناع الإنجاب بسبب العامل الاقتصادي.
3- يتعرّف إلى أسباب الرزق في التربية الاقتصادية الإسلامية.
تمهيد
تحدّثنا في الدرس السابق عن الأسباب الموجِبة لاتّخاذ بعض المتزوّجين قراراً بالامتناع عن إنجاب الأطفال من وجهة نظرهم، وناقشنا معظم تلك الأسباب. بقي تسجيل الملاحظات ومناقشة الامتناع تمسّكاً بذريعة إتمام الرحلة العلمية أو بسبب العامل الاقتصاديّ للأب والأسرة. وقد عقد هذا الدرس لمناقشة هذين السببين تتمّة للدرس السابق.
مناقشة الامتناع عن الإنجاب بسبب طلب العلم
ممّا لا شك فيه أنّ العلم له موقعيّة خاصّة في مصفوفة القيم الإسلامية، يقول تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ﴾[1]. ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[2]. ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾[3]. ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[4]… إلخ.
وانطلاقاً من أهمّية العلم وفضله في الرؤية الإسلامية قدّمه بعض الفقهاء على الزواج عند التعارض والتزاحم فيما بينهما. يقول الشهيد الثاني عند البحث عن الآداب المختصّة بالمتعلّم: “آدابه في نفسه، وهي أمور:… الرابع: أن يترك التزويج حتّى يقضي وَطَرَه – أي حاجته – من العلم، فإنّه أكبر شاغل وأعظم مانع، بل هو المانع جملة… وهذا أمر وجدانيّ مجرّب واضح، لا يحتاج إلى الشواهد، كيف مع ما يترتّب عليه على تقدير السلامة فيه من تشويش الفكر بهمّ الأولاد والأسباب… ولا يغترّ الطالب بما ورد في النكاح من الترغيب، فإنّ
ذلك لا يُعارضه واجب أولى منه، ولا شيء أولى ولا أفضل ولا واجب أضيق من العلم…”[5].
وكذلك ذكر الشيخ الجواهري هذا المعنى في ذات السياق[6].
وبناءً عليه، يُمكن تطبيق كلام الفقهاء على المورد الذي نحن فيه وهو إنجاب الأطفال، فيكون تحصيل العلم أولى وأفضل وأوجب من الإنجاب للأطفال، وينبغي تقديم العلم على كلّ فضيلة، وإيثاره على كلّ طاعة، حتّى إنجاب الأطفال.
لكن في حقيقة الأمر، يقع النقاش حول مسألة المقارنة بين العلم وإنجاب الأطفال من عدّة جهات:
أولاً: إنّ الرؤية الإسلامية لا تقوم على النظر إلى الأعمال والمقارنة بينها من حيث الحسن الفعليّ فقط[7]، بل إنّ اعتبار أيّ عمل قيمياً يتبع الحسن الفاعليّ[8] أيضاً، بمعنى أنّ لنية العامل وقصده دوراً مهمّاً في إعطاء العمل قيمة محدّدة، فالعلم يتّصف بالحسن بمقدار ما ينوي به الإنسان التقرّب إلى الله تعالى، وكذا الإنجاب، وعليه فإنّ أفضلية العلم على إنجاب الأطفال لا ينظر إليها من حيث الحسن الفعليّ فقط، فقد يكون طلب العلم أفضل ذاتاً من طلب الولد، ولكن بالنيّة والقصد القربيّ يُصبح الثاني أفضل وأسمى وأكمل من الأول.
ثانياً: أنّه أيّ علم هو الذي يُعتبر أفضل من إنجاب الأطفال؟ هل مطلق العلم الذي يشمل مثلاً تحصيل العلوم السياسية أو الاقتصاد أو الهندسة أو الطب أو المعلوماتية…؟ إنّ الذي يظهر من النصوص القرآنية والروائية أنّه ليس مطلق طلب العلم هو الذي يحظى بتلك الميزة، وإنّما هو خصوص نوع معيّن يُطلق عليه اسم العلم الدينيّ، وهو الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في قوله: “وجدت علم الناس كلّه في أربع: أولها: أن تعرف ربّك، والثاني: أن تعرف ما صنع بك، والثالث: أن تعرف ما أراد منك، والرابع: أن تعرف ما يُخرجك من دينك”[9].
وثالثاً: هذا كلّه على فرض التعارض، ولكن قد يُناقش في أصل كون إنجاب الأطفال يُشكّل عقبة في طريق طلب العلم، وبالتّالي يتمّ تقديم التحصيل العلميّ على الإنجاب لأنّه أولى وأهمّ، إذ يُمكن عملياً الجمع بين طلب العلم وبين بناء الأسرة وإنجاب الأطفال، وخير شاهد على ذلك هو التجربة العملية، فإنّ استقراء سيرة حياة أكثر كبار علمائنا يُفيد أنّهم قد تزوّجوا في سنٍّ مبكرة، ولم يحجبهم الزواج والإنجاب وتربية الأطفال عن طلب العلم والسعي فيه وبذل الجهد وشقّ طريقهم نحو تحصيل العلوم والبحث والتدريس والكتابة والتأليف بل والقيام بمسؤوليّات التبليغ والإمامة والدعوة…[10]. وهنا نعود للتذكير بقاعدة أنّ الجمع بين الخيارات التي تبدو متعارضة مهما أمكن هو أولى وأفضل من الطرح وتقديم بعض الخيارات بنحو يسدّ الباب أمام خيار آخر. وعليه فالجمع بين الاشتغال بالعلم والإنجاب أولى وأفضل، كيف والأطفال هم الأنيس الموافق، ومن دونهم يبقى الإنسان ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب. فعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “خمس خصال من فقد واحدةمنهنّ لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب:… والرابعة: الأنيس المُوافق. سُئِل عليه السلام: وما الأنيس الموافق؟ قال: الزوجة الصالحة والولد الصالح…”[11].
التزاحم بين طلب العلم الواجب وبين الإنجاب
ما تقدّم الحديث عنه هو في فرض صورة التعارض بين العلم المستحبّ وبين الإنجاب. أمّا في صورة التعارض بين العلم الواجب وبين الإنجاب فلا بدّ من معالجة المسألة من خلال عرض صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون طلب العلم واجباً على نحو عينيّ، فهنا ممّا لا شكّ فيه يُقدّم طلب العلم على الإنجاب. هذا في صورة وجود تعارض فعليّ مستحكم.
الصورة الثانية: أن يكون طلب العلم واجباً على نحو كفائيّ، وذلك لأنّ العلوم التي تُساهم في حفظ النظام العامّ وبه يكون قوام حياة المجتمع الإسلاميّ هي واجبة كفاية على عموم
المسلمين، فهنا قد يُقال إنّ طلب العلم على هذا النحو مقدّم على الإنجاب لكونه مستحبّاً، إلا أنّه في الواقع معالجة المسألة على هذا النحو ليس دقيقاً وشاملاً، لأنّ الحديث عن استحباب الإنجاب هو حديث عنه بالمعنى الفرديّ الخاصّ، أمّا الإنجاب بالمعنى النوعيّ، فقد صرّح بعض الفقهاء بخصوصه أن “توقيف نسل الأمّة إلى حدٍّ معيّن، المؤدّي إلى الانقراض بعد حين حرام شرعاً”[12]، وحينها يقع التزاحم نوعاً بين ما هو واجب كفائيّ وبين ما هو حرام شرعاً، وتخضع حينها لقواعد معالجة التزاحم في مثل هذه الصورة.
مناقشة الامتناع عن الإنجاب بسبب الوضع الاقتصاديّ
ذكرنا أنّ بعض الأزواج قد يمتنع عن الإنجاب إمّا تمسّكاً بسوء الحال الاقتصادية وإمّا خوفاً من الوقوع في الفقر بسبب دخول عناصر بشرية أخرى على الأسرة، ومناقشة هذه النقطة لأهمّيتها تحتاج إلى بيان بعض المقدّمات المختصرة التي توصل إلى رسم الجواب بشكل واضح.
التربية على عقيدة التوحيد في الرازقية
1- إنّ سلوك الإنسان في الحياة نتاج عقيدته الكونية. ومن جملة الأصول التربوية الإسلامية تربية الإنسان على عقيدة التوحيد الأفعاليّ، بمعنى أنّه لا فاعل ومؤثّر حقيقة في الكون وحياة الإنسان إلّا الله تعالى. ومقتضى ذلك التوحيد في الرازقية ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾[13].
2- إنّ الله تعالى جعل لكلّ إنسان قسماً معلوماً من الرزق. قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[14]. وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: “وجعل لكلّ روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه لا ينقص من زاده ناقص ولا يزيد من نقص منهم زائد”[15].
3- إنّه تعالى تكفّل بإيصال هذا الرزق المقسوم إلى الإنسان عاجلاً أم آجلاً، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي، أنّه لا تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتّقوا الله عزّ وجلّ، وأجملوافي الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله، فإنّ الله تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالاً، ولم يُقسّمها حراماً، فمن اتّقى الله عزّ وجلّ وصبر أتاه الله برزقه من حلّه، ومَنْ هتك حجاب الستر وعجّل فأخذهمن غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال، وحُوسب عليه يوم القيامة”[16].
فالخلق جميعهم عيال الله تعالى الذين ضمن أرزاقهم، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: “عياله الخلائق، ضمن أرزاقهم، وقدّر أقواتهم”[17]. فكيف إذا كانوا أطفالاً؟ فلا شكّ بأنّ رزقهم قد تكفّل به الله تعالى وضمنه، وقد أوضح لنا القرآن الكريم هذه المسألة، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا * وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا﴾[18]، وقال: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾[19].
4- إنّ مؤثّرية الله وفاعليّته في الكون لا تُلغي مؤثّرية غيره بإذنه تعالى، فالله خلق العالم بكيفية خاصّة خاضعاً لقانون السببية العامّ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: “أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب، فجعل لكلّ شيء سبباً…”[20]. وبناءً عليه: مع أنّ الرزّاق حقيقة هو الله تعالى، لكنّه عزّ وجلّ يُنزل رزقه على الإنسان بواسطة أسباب خاصة، فما هي هذه الأسباب التي إذا حقّقها الإنسان انفتحت عليه أبواب الرزق؟
العمل الاقتصاديّ من أهمّ أسباب تحصيل الرزق
يقول تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾[21]، ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾[22]،… إلخ من الآيات. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه النصوص الدينية وغيرها الكثير تُفيد أنّ نزول الرزق على الإنسان لا يحصل بشكل تلقائيّ من الله تعالى، بل يحتاج إلى السعي والكدّ والعمل وبذل الجهد والمشي في مناكب الأرض والانتشار فيها. وقد كان أئمة أهل البيت عليهم السلام يأكلون من كدِّ يدهم وعرقهم[23].
وهذا ممّا لا شكّ فيه كونه السبب الاعتياديّ في تحصيل الرزق، لكنّه لا يُلغي وجود جملة أسباب أخرى إذا تمسّك بها الإنسان فُتحت عليه أبواب البركات من السماء والأرض. فما هي تلك الأسباب؟
التربية الاقتصادية للنفس على أسباب الرازقية
إن قانون السببية العامّ لا يعني أحادية السبب في الحصول على النتائج المطلوبة، بل قد تتعدّد الأسباب في حصول مسبَّب واحد، فمثلاً إنّ التوحيد الأفعاليّ يقتضي كون الشفاء من الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾[24]، وقد جعل الله تعالى الطبيب وسيلة وسبباً للحصول على الشفاء، ولكن هذا لا يعني حصرية الطبيب في الاستشفاء، بل هناك أسباب أخرى إلى جانب هذا السبب، منها: القرآن، الدعاء، تربة الحسين، ماء زمزم، والصدقة… إلخ.
– قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء﴾[25].
– وعن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، قال: “شكا رجل إلى النبيّ وجعاً في صدره. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: استشفِ بالقرآن، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾[26]“[27].
– وعن علاء بن كامل قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: “عليك بالدعاء، فإنّه شفاء من كلّ داء”[28].
– وعن أبي الحسن عليه السلام: “… طين قبر الحسين عليه السلام فإنّ فيه شفاء من كلّ داء”[29].
– وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “داووا مرضاكم بالصدقة”[30].
وغيرها من الروايات الكثيرة. وفي نفس السياق إنّ العمل ليس هو السبب الوحيد والعلّة الحصرية للحصول على الرزق الإلهيّ، بل جعل الله تعالى بين الإنسان وبين الحصول على الرزق عدّة أسباب، كما جعل لعدم نزول الرزق عدّة موانع. ومن أسباب الرزق:
1- التقوى: قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[31], ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾[32].
2- التوكّل على الله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “لو أنّكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً”[33].
3- الاستغفار: قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾[34]. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من استبطأ عليه الرزق فليستغفر الله”[35].
4- الإكثار من التكبير: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من استبطأ الرزق فليُكثر من التكبير”[36].
5- الصدقة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أكثروا من الصدقة تُرزقوا”[37]. وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: “استنزلوا الرزق بالصدقة”[38].
6- صلة الرحم: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه”[39].
7- الدعاء للإخوان: عن الإمام الباقر عليه السلام: “عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب فإنّه يُهيل الرزق”[40].
8- المواظبة على بعض الأذكار: عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: “من قال في كلّ يوم ثلاثين مرّة: “لا إله إلا الله الحقّ المبين، استقبل الغنى، واستدبر الفقر…”[41]. وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: … من ألحّ عليه الفقر فليُكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، ينفي الله عنه الفقر…”[42]. وغيرها من الأذكار الكثيرة[43].
9- حسن البرّ بالزوجة والأطفال: عن الإمام الصادق عليه السلام: “من حسن برّه بأهل بيته زيد في رزقه”[44].
10- حسن الخلق: عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: “حسن الخلق من الدين وهو يزيد في الرزق”[45].
11- حسن الجوار: عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: “حسن الجوار يزيد في الرزق”[46].
12- زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام: عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: “مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام فإنّ إتيانه يزيد في الرزق…”[47].
13- إطعام الطعام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الرزق أسرع إلى من يُطعم الطعام، من السكّين في السنام”[48].
… إلى غيرها من الأسباب العديدة التي تناولتها النصوص الدينية.
حديث جامع في زيادة الرزق
وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: “… ألا أُنبّئكم بعد ذلك بما يزيد في الرزق؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال: الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق، والتعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق، وصلة الرحم تزيد في الرزق، وكسح الفنا يزيد فيالرزق، ومواساة الأخ في الله عزّ وجلّ يزيد في الرزق، والبكور في طلب الرزق يزيد في الرزق، والاستغفار يزيد في الرزق، واستعمال الأمانة يزيد في الرزق، وقول الحقّ يزيد في الرزق، وإجابة المؤذِّن يزيد في الرزق، وترك الكلام في الخلاءيزيد في الرزق، وترك الحرص يزيد في الرزق، وشكر المنعم يزيد في الرزق، واجتناب اليمين الكاذبة يزيد في الرزق، والوضوء قبل الطعام يزيد في الرزق، وأكل ما يسقط من الخوان يزيد في الرزق، ومن سبّح الله كلّ يوم ثلاثين مرة دفع الله عزّ وجلّ عنه سبعين نوعاً من البلاء أيسرها الفقر”[49].
من موانع الرزق
1- الذنوب: عن الإمام الباقر عليه السلام: “إنّ العبد ليُذنب الذنب فيزوي عنه الرزق”[50].
2- حبس الحقوق عن الناس: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من حبس عن أخيه المسلم شيئاً من حقّه حرم الله عليه بركة الرزق إلّا أن يتوب”[51].
3- السحت: عن الإمام الصادق عليه السلام: “كثرة السحت يمحق الرزق”[52].
4- الزنا: عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: “اتّقِ الزنا، فإنّه يمحق الرزق”[53].
…إلى غيرها من الموانع.
الاستنتاج
انطلاقاً من مجموع هذه المقدّمات، لا شكّ في أنّ الإنسان المؤمن إذا أحسن الظنّ بالله تعالى وأخلص النيّة وقام بالأعمال التي هي مقتضيات أو شروط لجلب الرزق، وابتعد عن الأعمال التي هي موانع تحجب الرزق، كان الله عند حسن ظنّ عبده به، فيفيض عليه من الرزق، وذلك مجرّب. فالتمسّك بالعامل الماليّ والاقتصاديّ للامتناع عن إنجاب الأطفال هو ضعف ثقة برازقية الله تعالى.
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال – وهو على منبره -: “… والذي لا إله إلا هو، لا يُحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلّا كان الله عند ظنّ عبده المؤمن، لأنّ الله كريم، بيده الخيرات، يستحيي أن يكون عبدهالمؤمن قد أحسن به الظنّ ثمّ يُخلف ظنّه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه”[54].
المفاهيم الرئيسة
– العلم له موقعيّة خاصّة في مصفوفة القيم الإسلامية، لذا قدّمه الفقهاء على ما صرّح الشهيد الثاني والشيخ الجواهريّ على الزواج عند التعارض والتزاحم بينهما. ويُمكن تطبيق كلامهم على مورد إنجاب الأطفال عيناً بعين.
– الرؤية الإسلامية تقوم على النظر إلى الأعمال والمقارنة بينها من حيث الحسن الفعليّ والفاعليّ معاً، فالعلم يتّصف بالحسن بمقدار ما ينوي به الإنسان التقرّب إلى الله تعالى، وكذا الإنجاب.
– إنّ الذي يظهر من النصوص القرآنية والروائية أنّه ليس مطلق طلب العلم هو الذي يحظى بتلك الميزة، وإنّما هو خصوص العلم الدينيّ.
– أوّل الكلام في كون إنجاب الأطفال يُشكّل عقبة في طريق طلب العلم، وبالتّالي يتمّ تقديم التحصيل العلميّ على الإنجاب لأنّه أولى وأهم، إذ يُمكن عملياً الجمع بين طلب العلم وبين بناء الأسرة وإنجاب الأطفال، وخير شاهد على ذلك هو التجربة العملية، فإنّ استقراء سيرة حياة أكثر كبار علمائنا تُفيد أنّهم قد تزوّجوا في سنٍّ مبكرة، ولم يحجبهم الزواج والإنجاب وتربية الأطفال عن طلب العلم والسعي فيه.
– أمّا فيما يتعلّق بالعامل الاقتصاديّ، فإن الرؤية الكونية الإسلامية تقوم على أنّ الله تعالى هو الرزاق، وأنّ الخلق جميعهم عيال الله تعالى، وقد ضمن وتكفّل تعالى بإيصال هذا الرزق المقسوم إلى الإنسان عاجلاً أم آجلاً.
– لكن، قانون السببية العامّ لا يعني أحادية السبب في الحصول على النتائج المطلوبة، بل قد تتعدّد الأسباب في حصول مسبَّب واحد، فالعمل ليس هو السبب الوحيد والعلّة الحصرية للحصول على الرزق الإلهيّ، بل جعل الله تعالى بين الإنسان وبين الحصول على الرزق عدّة أسباب، كما جعل لعدم نزول الرزق عدّة موانع.
– من أسباب الرزق الإلهيّ: التقوى، التوكّل على الله، الاستغفار، الإكثار من التكبير، الصدقة، صلة الرحم، الدعاء للأخوان، حسن البرّ بالزوجة والعيال، حسن الخلق مع الناس، حسن الجوار، زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام.
أسئلة الدرس
1- هل إعطاء طلب العلم قيمة خاصة في الإسلام ينبغي أن يشكّل عائقاً وحجر عثرة أمام إقدام الإنسان على الإنجاب؟ ولماذا؟
2- كيف تناقش من يقول إن الإنجاب أمر مرغوب ومهمّ، ولكن طلب العلم أهمّ، وإذا اعتمدت في حياتي القاعدة العقلائية التي تقول بتقديم الأهمّ على المهمّ، فأمتنع عن الإنجاب؟
3- ما هو الدور الذي تلعبه العقيدة التوحيدية الاقتصادية من أنّ الله تعالى هو الرزاق في تنشيط الدافع نحو الإنجاب بتجاوز التمسك بمانعية الوضع الاقتصاديّ؟
4- هل أسباب حصول الإنسان على الرزق الإلهيّ المقسوم تنحصر بالعمل الاقتصاديّ أم هناك جملة أسباب أخرى لها دخالة أساسية في هذا المجال؟ وكيف يؤثّر الاعتقاد بهذه الأسباب على مسألة الإنجاب للأطفال؟
[1] سورة آل عمران، الآية 18.
[2] سورة المجادلة، الآية 11.
[3] سورة فاطر، الآية 28.
[4] سورة الزمر، الآية 9.
[5] العاملي، زين الدين بن علي، المعروف بالشهيد الثاني، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد، 227-228.
[6] الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج29، ص31-32.
[7] الحسن الفعلي: هو الحسن بلحاظ الفعل نفسه، أي أن يكون الفعل بنفسه بغض النظر عن فاعله حسناً، كالقيام بالقسط والعدل، والابتعاد عن الظلم والجور، فهي أفعال حسنة بحد ذاتها من أي فاعل صدرت عنه.
[8] الحسن الفاعلي: هو الحسن بلحاظ قصد الفاعل الحسن حين قيامه بالفعل الحسن، كقصده بالفعل التقرب إلى الله تعالى.
[9] الكافي، ج1، ص50.
[10] يراجع: الهاشمي، محمود، التعليم والتزكية وظيفة المتعلمين، مجلة المنهاج، مركز الغدير للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، صيف السنة التاسعة عشر، 1436هـ-2014م، العدد74، ص16. ويراجع: النراقي، جامع السعادات، ص281.
[11] الخصال، ص284.
[12] الروحاني، المسائل المستحدثة، ص143.
[13] سورة الذاريات، الآية 58.
[14] سورة الزخرف، الآية 32.
[15] الصحيفة السجادية، الدعاء الأول، ص22.
[16] الكافي، ج5، ص80.
[17] نهج البلاغة، خطبة الأشباح، ص124.
[18] سورة الإسراء، الآيتان 30-31.
[19] سورة الأنعام، الآية 151.
[20] الكافي، ج1، ص183.
[21] سورة الحجر، الآيتان 19-20.
[22] سورة الملك، الآية 15.
[23] يراجع: الكافي، ج5، ص73.
[24] سورة الشعراء، الآية 80.
[25] سورة الإسراء، الآية 82.
[26] سورة يونس، الآية 57.
[27] الكافي، ج2، ص600. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “من لم يستشفِ بالقرآن فلا شفاه الله”. وعن العالم عليه السلام: “في القرآن شفاء من كل داء”. مكارم الأخلاق، ص363.
[28] الكافي، ج2، ص470.
[29] الكافي، ج6، ص266.
[30] الكافي، ج4، ص3.
[31] سورة الطلاق، الآيات 2-3.
[32] سورة الطلاق، الآية 4.
[33] عوالي اللئالي، ج4، ص57.
[34] سورة نوح، الآيات 10-12.
[35] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، ج2، ص50، ح171.
[36] ميزان الحكمة، ج2، ص1072.
[37] الديلمي، الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، ج1، ص45.
[38] نهج البلاغة، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، ح137.
[39] الخصال، ص32.
[40] ابن ادريس الحلي، محمد بن منصور، مستطرفات السرائر، ص637.
[41] الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص8.
[42] الكافي، ج8، ص93.
[43] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، ص355.
[44] بحار الأنوار، ج71، ص104.
[45] تحف العقول، ص373.
[46] الكافي، ج2، ص666.
[47] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، ص284.
[48] البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن الأخلاق والآداب-، ج2، ص390.
[49] الخصال، ص505.
[50] الكافي، ج2، ص270.
[51] من لا يحضره الفقيه، ج4، ص15.
[52] تحف العقول، ص372.
[53] الكليني، الكافي، ج5، ص541.
[54] م.ن، ج2، ص72.
2022-08-05