مواعظ شافية

10- سنن التاريخ

يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه:

﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾1

1- سورة آل عمران: الآية: 137.


ضرورة دراسة سنن التاريخ

 

من الأمور الّتي أكّد عليها الإسلام السير في الأرض ومتابعة أحوال الماضين وقراءة سنن التاريخ، لكن لا لمجرّد الاطّلاع والمعرفة، بل لفوائد عظيمة تتوقّف على هذه الدراسة.

 

وقد ذكر القرآن الكريم الكثيرَ من أحداث التاريخ والقصص المعبّرة ممّا جرى مع آدم وإبليس وهبوطه عليه السلام إلى الأرض، وتحدّث عن العديد من الأنبياء عليهم السلام وأقوامهم وما جرى عليهم، وما جرى على المؤمنين وأتباع الأنبياء عليهم السلام عبر التاريخ، وصولاً إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من بعثته صلى الله عليه وآله وسلم على مدى 23 عاماً إلى آخر الآيات الّتي نزلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته.

 

فلماذا تحدّث القرآن الكريم عن كلّ هذه القصص والحوادث؟ أليس لأجل استخلاص العبر والدروس، علماً أنّ القرآن ليس كتاب تاريخ وإنّما هو كتاب هداية وإرشاد، ولكن لأجل أنّ أحداث التاريخ وما جرى مع الماضين مؤثّرة جدّا في عمليّة التربية الإنسانيّة والهداية البشريّة نحو الكمال نجد ذلك حاضراً بشدّة في القرآن الكريم.

 

ويمكن القول إنّ الهدف من سرد هذه القصص والحوادث التاريخيّة هو الاستفادة

 من تجارب البشر عَبر التاريخ، حيث إنّه لا يصحّ أن يبدأ الإنسان من الصفر، بل من الواجب الاستفادة من الإيجابيّات الّتي تقدّمت من الجماعات البشريّة السابقة عبر التاريخ، وأيضاً يمكن ذكر هدف آخر وهو استخلاص الدروس والعبر وبالتالي الاهتداء إلى سواء السبيل.

 

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ2.

 

الأمر الأول: نحن الموجودون الآن لا نختلف عن من تقدّمنا من الناس إلى بدء الخليقة، أودع الله فينا قوى ماديّة ومعنوية وطموحات وتطلّعات وآمال و.. والّذي يختلف هو المفردات، الأساليب، الأدوات، فالمضمون الإنسانيّ هو واحد ولكن الأساليب تختلف.

 

الأمر الثاني: الحياة البشريّة والمجتمعات محكومة لقوانين ثابتة وسنن لا تتغيّر والعقل البشريّ بدأ باكتشافها، ونتيجة اطّلاع الإنسان على هذه القوانين يجد فرصة أكبر بالسيطرة على الكون، ولولا السنن والقوانين والمعادلات العلميّة لكان كلّ شيء في الحياة فوضى، ولا يمكن بناء شيء على شيء، ولما تطوّرت البشريّة، وكذلك بالنسبة للتاريخ فإنّ فيه سنناً ثابتة يمكن البناء عليها، وأخذ العبر منها، وما علينا إلّا دراسة التاريخ لاستخلاص هذه السنن وأخذ العبر منها.

 

﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ3. فلو لم تكن هذه ثابتة لما كان هناك معنى لأن يقول لنا الله سيروا في الأرض وتأمّلوا في عواقب المكذّبين والّذين من قبلنا، لكنّ الأمر بالتأمّل والتدبّر والنظر فرع وجود سنن قائمة وثابتة يمكن الاستفادة والاتّعاظ وأخذ العبر منها.

2- سورة يوسف، الآية: 111.

3- سورة آل عمران: الآية: 137.

يقول تعالى:

﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾4.

﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾5.

 

سنّة النصر

 

إنّ من السنن الإلهيّة التاريخيّة الّتي تسالم عليها في القرآن الكريم هي سنّة النصر الإلهيّ، فالأمّة المؤمنة الّتي تستطيع أن تصبر وتطيع قيادتها ستنتصر لا محالة. وفي المقابل الجماعة الّتي تتخاذل وتتنازع فيما بينها ولا تطيع قادتها، ولا تتوحّد على رأي واحد وعمل واحد وتتفرّق أهواؤها وآراؤها، وتتعدد قيادتها، تكون نتيجتها الفشل والهزيمة بشكل طبيعيّ.

 

قال تعالى:﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ6.

 

فوحدة كلمة الأمّة واجتماعها على رأي قيادة واحدة، في أيّ بلد كانت، من أسباب الانتصار.

 

وفي المقابل إنّ اختلاف الأمّة وتنافرها وفرقتها، مهما كان دينها ومذهبها وانتماؤها وفي أيّ بلد كانت، كلّها أسباب الفشل والهزيمة. من هنا كان مثال معركة أحد في التاريخ الإسلاميّ، حيث إنّ المسلمين كانوا منتصرين في بداية المعركة، وما ذلك إلّا لاجتماعهم على كلمة قيادة واحدة، وإطاعتهم لنبيّهم والتزامهم لتكليفهم، ولكن بعد أن بدت ملامح الانتصار، وبدأ الجنود بأخذ الغنائم، تخاذل خمسون شخصاً عن أداء تكليفهم في المكوث والبقاء على الجبل الّذي أكّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبقاء عليه مهما كانت الظروف، وعند عدم إطاعتهم للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ونزولهم من مواقعهم استغلّ جيش قريش هذه الثغرة في معسكر المسلمين، والتفّوا عليهم وقلبوا المعركة من

 

 

 

4- سورة الأحزاب، الآية: 62.

5- سورة الإسراء، الآية: 77.

 نصر إلى هزيمة، وكسرت في هذه المعركة رباعيّة الرسول (مقدّمة أسنانه)، وأشاع الأعداء مقتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وصدّق بعض المسلمين هذه الكذبة الّتي هي إحدى أساليب الحرب النفسيّة، ولولا صمود بعض الخلّص حول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما استعاد المسلمون آنذاك زمام المبادرة.

 

﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ7.

 

ومن هذه الآية يُفهم بوضوح أنّ طلب الدنيا هي سبب التخلّف عن إرادة الرسول وإطاعته.

 

سنّة التغيير

 

يقول تعالى في محكم كتابه:﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ8.

 

وهذه سنّة إلهيّة تاريخيّة واضحة، تقول إنّه لا يمكن للأمّة أن تجلس في بيوتها وتشكو لله ما يحصل لها من ظلم وتعدّ واغتصاب للحقوق وإذلال للكرامات و.. ويستجيب الله لها، أبداً، إنّ هناك سنّة وقانونا ثابتاً: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ فلا بدّ للأمّة أن تغيّر حالة الخنوع إلى حالة النهوض والثورة والتضحية والعمل والجدّ والمواجهة، حتّى يستجيب الله سبحانه لها ويدحض عنها الظلم والعنوان، ويبدّل الذلّ عزّاً وكرامة، والهزيمة فوزاً وانتصاراً.

6- سورة الأنفال، الآية: 46.

7- سورة آل عمران، الآية: 152.

8- سورة الرعد الآية: 11.

خلاصة ما تقدّم: إنّ هناك دعوة قرآنيّة لفهم سنن التاريخ للاستفادة منها وأخذ العبر منها، ولكي نستفيد من عناصر القوّة في هذه السنن تماماً كما نستفيد من السنن الطبيعيّة. ومن هنا ننتقل للحديث عن مفصل تاريخيّ مهمّ جدّاً في حياة المسلمين، وهو كربلاء، ومرادنا بالمفصل التاريخيّ هو أنّ بعض الحوادث التاريخيّة كان لها دور كبير في التأريخ، وفي مجريات الأحداث، ، فهجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة كانت مفصلاً، ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت مفصلاً، كذلك كربلاء، وهي أعظم تجربة تاريخيّة في حياة الأمّة إن لم نقل في حياة البشريّة، تعدّ مفصلاً تاريخيّاً حسّاساً لا بدّ من الوقوف عنده ودراسته ضمن دائرة السنن الإلهيّة.

 

فمن وصيّة الإمام عليّ للإمام الحسن عليهما السلام : “أحيِ قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وذلّـله بذكر الموت، وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيّام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين، وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا وأين حلّوا ونزلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة، وحلّوا ديار الغربة، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم. فاصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلّف”9.

 

“أي بُنيّ، إنّي وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكّرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتّى عدت كأحدهم. بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدَره، ونفعَه من ضرره، فاستخلصت لك من كلّ أمرٍ نخيله(المختار المصفّى)، وتوخّيت (تخيّرت) لك جميله، وصرفت عنك مجهوله…”10.

9- نهج البلاغة، ج 3، ص 39.

10- م.ن، ج 3، ص 41.

الثبات في طريق الحقّ

 

الثبات في جبهة الحقّ مع نبيّ الحقّ مع إمام الحقّ، سواء الحقّ في المعتقد الدينيّ أم السياسيّ أم… وتحدّثنا الكتب عن القيادات والنخب والخواصّ من وعّاظ ومفكّرين وقادة عسكريّين، وعن عوامّ الناس أيضاً، أنّه ونتيجة التحدّيات كان هناك من يتزلزل، ومنهم من يتخلّف، ومنهم من يكفر بالحقّ، ومنهم من يصبح مناصراً للباطل ويحمل سيفه على الحقّ، فإنّ المحن تفرز الناس بحسب نتائجها، وهذا معنى قول الإمام عليّ عليه السلام: “والّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة، ولتغربلنّ غربلة، ولتساطنّ سوط القدر، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم، وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا، وليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا”11.

 

تقسيم الناس بعد المحنة

 

إنّ الناس الّذين هم من أهل الحقّ ومع الحقّ وفي جماعة الحقّ عندما تحلّ المحنة بهم تغربلهم إلى فئات:

1- فهناك أشخاص ينجحون في المحنة ويثبتون مع الحقّ ولا يتزلزلون.

2- وهناك أشخاص يجلسون على التلّ، يعرفون الحقّ ولا ينصرونه.

3- وهناك من يتزلزل إيمانه ويتخلّى عن الحقّ وهو خائف.

4- وهناك من يرتدّ عن الحقّ من الأساس، ويعتقد أنّه كان مخطئاً.

5- وهناك من يرتدّ عن الحقّ ويحمل السيف في وجه الحقّ.

لماذا ثبت أشخاص وارتدّ آخرون؟ ألسنا جماعة وبشراً مثلهم؟ وقد تحلّ بنا المحن مثلهم بين الفينة والأخرى؟ كيف نكون محصّنين في المحنة، ولأجل أن نأخذ

11- م.ن، ج 1، ص 47.

 العبرة؟ وكيف يكون الإنسان ثابتاً في طريق الحقّ، وكيف يبقى محصّنا؟ وما هي العوامل المساعدة على الثبات في طريق الحقّ وفي جبهة الحقّ؟

هذا ما سنقدّم الأجوبة عليه في الدرس التالي.


للمطالعة

الحوادث المرّة ميدان تربية12

 

إنّ لمعركة “أحد” وما لحق بالمسلمين فيها من هزيمة نتائج وآثارا، ومن نتائجها وآثارها الطبيعيّة أنّها كشفت عن نقاط الضعف في الجماعة والثغرات الموجودة في كيانها، وهي وسيلة فعّالة ومفيدة لغسل تلك العيوب والتخلّص من تلك النواقص والثغرات، ولهذا قال سبحانه: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ13 أي أنّ الله أراد – في هذه الواقعة – أن يتخلّص المؤمنون من العيوب، ويريهم ما هم مبتلون به من نقاط الضعف. إذ يجب لتحقيق الانتصارات في المستقبل أن يمتحنوا في بوتقة الاختبار، ويزنوا فيها أنفسهم كما قال الإمام عليّ عليه السلام: “في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال”.

 

ولهذا قد يكون لبعض الهزائم والنكسات من الأثر في صياغة المجتمعات الإنسانيّة وتربيتها ما يفوق أثر الانتصارات الظاهريّة. والجدير بالذكر أنّ مؤلف تفسير المنار نقل عن أستاذه مفتي مصر الأكبر الشيخ محمّد عبده أنّه قال: ” رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الخميس الماضية (غرّة ذي القعدة سنة 1320) في الرؤيا منصرفاً مع أصحابه من أحد وهو يقول: “لو خيّرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة” أي لما في الهزيمة من التأديب الإلهيّ للمؤمنين وتعليمهم أن يأخذوا بالاحتياط ولا يغترّوا بشيء

 

12- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 2، ص 712 -714.

13- التمحيص والمحص أصله: تخليص الشيء ممّا فيه من عيب.


يشغلهم عن الاستعداد وتسديد النظر14. وأمّا نتيجة هذه التربية والصياغة الّتي يتلقّاها المؤمنون في خضمّ المحن والمصائب وأتون الحوادث المرّة فهو حصول القدرة الكافية لدحر الشرك والكفر دحراً ساحقاً وكاملاً. وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ15. فإنّ المؤمنين بعد أن تخلّصوا – في دوّامة الحوادث – من الشوائب يحصلون على القدرة الكافية للقضاء التدريجي على الشرك والكفر، وتطهير مجتمعهم من هذه الأقذار والشوائب، وهذا يعني أنّه لابدّ أوّلاً من تطهير النفس ثمّ تطهير الغير. أي التطهّر ثمّ التطهير. وفي الحقيقة كما أنّ القمر – مع ما هو عليه من النور والبهاء الخاصّين به – يفقد نوره شيئاً فشيئا أمام وهج الشمس وبياض النهار حتّى يغيب في ظلمة المحاق فلا يعود يرى إلّا عندما تنسحب الشمس من الأفق، كذلك يأفل نجم الشرك وأهله وتتضاءل قوّة الكفر وأشياعه كلّما ازداد صفاء المسلمين المؤمنين، وخلصوا من رواسب الضعف والاعوجاج والانحراف. فهناك علاقة متقابلة بين تمحيص المؤمنين وارتقائهم في مدارج الخلوص والطهر، ومراتب الصفاء والتقوى ، وبين انزياح الكفر والشرك واندثار معالمهما وآثارهما عن ساحة الحياة الاجتماعيّة. هذه هي الحقيقة الكبرى والخالدة الّتي يلخصها القرآن في هاتين الجملتين اللتين تشكل الأولى منها المقدّمة والثانية النتيجة:

﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ16.

14- المنار: ج 4 ص 46.

15- المحق: النقصان ومنه المحاق لآخر الشهر إذا انمحق الهلال وامتحق وقلّ ضياؤه.

16- سورة آل عمران، الآيتان: 141-142.

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...