مواعظ شافية

أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ18 بالفقير فقره، فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء”19.

خامساً: الحفاظ على النِّعم وعدم التفريط بها وإهدارها هو من الواجبات تجاه الله عزّ وجلّ. فلا يجوز، مثلاً، أن يقتل الإنسان نفسه أو يُلحق بها الضرر.

كذلك عندما نذهب إلى النِّعم العامَّة الّتي تُفيد الناس جميعاً كالبيئة وسلامتها، فعلينا جميعاً أن نحافظ عليها. أمّا تخريب البيئة فهو كُفران بهذه النعمة. لذا لا يجوز إهدار الثروات الطبيعيّة الّتي هي ملكٌ لجميع الناس. والإسراف بالماء وإهداره غير جائز، وقِسْ على ذلك.

كيف نحافظ على النِّعَم؟

سادساً: عدم استخدام النِّعم بالمعاصي: إذا أردت أن تختم آخرتك بخير، فعظِّم آلاء ربِّك، وحافظ على نعمائه، ولا تستبدلها بالمعاصي.

في الحديث القدسيّ: “يا بن آدم، تسألني فأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثمّ تلحّ عليّ بالمسألة فأعطيك ما سألت فتستعين به على معصيتي، فأهمّ بهتك سترك، فتدعوني فأستر عليك، فكم من جميلٍ أصنع معك وكم من قبيحٍ تصنع معي”20.

علينا أن نحافظ على نعمة الصحّة والعافية، فلا نأكل الحرام. وإنّ من يملك المال لا يجوز له استغلاله في الفتنة والنميمة وقتل الناس. ويجب ألَّا يستخدم الإنسان قوّته وجاهه وماله في معصية الله؛ فإنّ هذا يسلب النِّعم.

سابعاً: إنّ استعمال النِّعم في طاعة الله وإعمار الدنيا والآخرة، من أعظم مصاديق الشكر، منها: خدمة الناس وقضاء حوائجهم، إغاثة الملهوف، كفالة

________________________________________18- تَبَيَّغَ الدمُ بفلان: ثار به حتى غلبه.
19- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 410.
20- الجواهر السنيّة، الحر العاملي، ص 88.

اليتيم، الدفاع عن المظلومين والمضطهدين والمعذَّبين، إصلاح ذات البين، توحيد الكلمة ودفع الكيد. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ لله عباداً خصَّهم بالنِّعم، يُقرُّها فيهم (يجعلها عندهم) ما بذلوها في خدمة الناس، فإذا منعوها عن الناس حوَّلها عنهم إلى غيرهم”21.

الدنيا المذمومة

ثامناً: إنّ الله تعالى قال: أنا مَنْ أعطاكم النِّعم، فاشكروها بألسنتكم، واذكروها واحفظوها وحدِّثوا الناس بها، وَلْتَظْهَرْ في وجودكم، وحياتكم، واستخدموها في الطاعات.

والنِّعَم كثيرة كذلك، فإنّ نسبةَ ما حرَّمه الله علينا مقارَنةً بما حلَّله لنا ضئيلةٌ جدّاً لا تُذكَر. فالأصل هو الحلِّيَّة. ولكنَّ الله تعالى يُحذّرنا من أن نتعلَّق روحيّاً وجسديّاً بهذه النِّعم. يجب أن لا نصبح أسارى وعبيداً لها وأن لا نحوّل السلطة والمال إلى إلهٍ يُعبَد.

هذا هو المعنى الحقيقي للدنيا الّتي يحذِّرنا منها الله.سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليه السلام. التحذير من الدنيا ليس بمعنى ألّا نملك المال والدار أو أن لا يكون لدينا زوجة وأولاد.. بل كلّ هذا مطلوب وُمستحبّ وفي بعض الأحيان واجب، فإنّه كما قيل في تفسير الزهد: “ليس الزهد أن لا تملك شيئاً، بل الزهد أن لا يملكَكَ شيء”.

يُكتب على بعض القصور: “لو دامت لغيرك ما وصلَتْ إليك”. ومع ذلك فإنّ كثيراً من السلاطين والحكّام يعيشون حياة الخالدين. ولكنَّ السلطة لا تدوم، وكذلك الصحّة والمال.. هذه هي الدنيا المتقلِّبة من حالٍ إلى حال: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾22.

________________________________________
21- الرسالة السعديّة، العلّامة الحلّي، ص 163.
22- سورة آل عمران، الآية: 140.

شاهد أيضاً

مواعظ شافية

قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وإنّه اشترى بيعا، فجاؤوا إلى أبيه ...