الرئيسية / شخصيات اسلامية / عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

 القسم الاول 

 

اسم ابنة الحسين عليه السلام آمنة و ليس سكينة

 على أن المتتبع لكتب الأنساب والسير ليجد شيئا أغفلته كتابات السير التي ترجمت للسيدة آمنة بنت الحسين ونسبتها إلى سكينة ، وهي غفلة متعمدة أكدتها مشاريع الزبيريين ، ومن ورائهم مشاريع الأمويين ، حتى صار ذلك أحد المرتكزات لدى العوام ، واستشرى ذلك إلى كتابات الآخرين ، فجعلوها من المسلمات غفلة منهم ، وقلة تحقيق لديهم في هذا المضمار .
إن الاسم الحقيقي للسيدة سكينة والتي اشتهرت على الألسن ، هو آمنة بنت الحسين ، وإنما سكينة لقب لقبته به أمها الرباب ، وذلك لسكينتها وهدوء في طبعها غلب عليها ، حتى كانت السكينة صفة لها .
اختلف المؤرخون في اسماها بين آمنة وأميمة ، واتفقوا على أن «سكينة» صفة لها ، وممن ذهب إلى ذلك :
1ـ ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» :
قال : أخبرنا الحسين بن الفراء وأبو غالب وأبو عبدالله ابنا البناء قالوا : انا أبو جعفر ، انا أبو طاهر ، انا أحمد بن سليمان ، انا الزبير [ابن أخ مصعب بن الزبير] قال في تسمية ولد الحسين :
وسكينة ، واسمها آمنة ، وإنما سكينة لقب لقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس . وتزوج سكينة بنة الحسين عبدالله بن حسن بن علي ، أمه بنت الشليل بن عبدالله البجلي … فقتل مع عمه الحسين بالطف قبل أن يبني بها …[1] .
2ـ ابن تغري بردي في«النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» :
قال : واسمها آمنة وأمها الرباب[2] .
3ـ ابن الجوزي في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»
قال : سكينة بنت الحسين واسمها آمنة ، وقيل : أميمة ، وسكينة لقب عرفت به[3] .
4ـ سبط ابن الجوزي في«تذكرة الخواص» :
اسمها آمنة ، وقيل : أميمة[4] .
5ـ النديم في «الفهرست» :
كما نقله عن محمد بن السائب الكلبي النسابة ، قال محمد بن السائب الكلبي : سألني عبد الله بن حسن [بن حسن] عن اسم سكينة بنة الحسين عليه السلام فقلت : أميمة[5] ، فقال : أصبت .
قال النديم في ترجمة محمد بن السائب الكلبي :
من علماء الكوفة بالتفسير والأخبار وأيام الناس ، ويتقدم الناس بالعلم بالأنساب[6] .
6ـ أبوالفرج الإصفهاني في «الأغاني» :
قال : اسم سكينة أميمة ، وقيل : أمينة ، وقيل : آمنة ، وسكينة لقب لقبت به[7] .
وقال أيضا : وروي أن رجلا سأل عبدالله بن الحسن [بن الحسن] عن اسم سكينة ، فقال : أمينة .
فقال له : إن ابن الكلبي يقول : أميمة . فقال : سل ابن الكلبي عن أمه ، وسلني عن أمي .
ونقل عن المدائني قوله : حدثني أبو إسحاق المالكي قال : سكينة لقب ، واسمها : آمنة .
ثم أردف الإصفهاني قوله : وهذا هو الصحيح[8] .
وقال في مقاتل الطالبين : واسم سكينة أمينة ، وقيل : أميمة ، وإنما غلب عليها سكينة وليس اسمها[9] .
7ـ ابن العماد الحنبلي في « شذرات الذهب» :
قال : اسمها أميمة ، وقيل : أمينة ، وسكينة لقب[10] .
8ـ اليافعي في«مرآة الجنان» :
قال : قيل : اسمها أمينة ، وقيل : أميمة ، وهو الراجح ، وسكينة لقب لها[11] .
9ـ ابن خلكان في «وفيات الأعيان» :
قال : اسمها آمنة ، وقيل : أمينة ، وقيل : أميمة ، وسكينة لقب لقبتها به أمها الرباب … وأورد سوال عبدالله بن الحسن لمحمد بن السائب الكلبي المذكور آنفا[12] .
10ـ عمر رضا كحالة في «أعلام النساء» :
قال : واسمها آمنة أو أميمة ، وسكينة لقبها[13] .
11ـ السيد محسن الأمين العاملي في «أعيان الشيعة» :
عنونها هكذا :
أميمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب المعروفة بسكينة .
ثم نقل بعض الأقوال المتقدمة وقال :
روى في الأغاني بسنده ، عن ابن الكلبي[14] ، عن أبيه ، قال : قال لي عبدالله بن الحسن [بن الحسن] : ما اسم سكينة بنت الحسين ؟ فقلت له : سكينة ، فقال : لا ، اسمها آمنة[15][16] .
والظاهر تعدد الحادثتين ، أحدها هذه ، ولعلها هي الأسبق زمانا ، والأخرى ما أوردناه عن النديم من أن محمد بن السائب الكلبي كان قد سأله عبدالله بن الحسن هذا عن اسم سكينة ، فقال : هي أميمة ، واستظهرنا هناك في التسلسل (5) في تعليقتنا على أميمة ، من أنها تصحيف آمنة .
واستظهارنا بتعدد الحادثتين ، كون رواية الأغاني هنا في صدد تصحيح ما علق بذهن محمد بن الكلبي ، وما اشتهر من لقبها بين الناس من أنها سكينة ، فصحح عبدالله اسمها بأنها آمنة .
ورواية النديم في الفهرست[17]  أن عبدالله بن الحسن سأل محمد بن الكلبي عن اسم سكينة ، فلما ذكر أن اسمها آمنة صوب له ذلك وأقره عليه حينما قال : أصبت ، وكأنه في صدد تذكيره على ما صححه من قبل والتأكيد عليه بأن اسمها آمنة وليس سكينة .
وتأكيد عبدالله بن الحسن على محمد بن الكلبي له خصوصيته ، فأن ابن الكلبي كونه نسابة ، وعبدالله بن الحسن حريص على تصحيح الاسم بواسطة محمد بن الكلبي لرجوع الناس إليه .
12ـ السيد عبدالرزاق الموسوي المقرم في«سكينة بنت الحسين عليهما السلام» :
قال : وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون أنه لقب من أمها الرباب ، وكأنه لسكونها وهدوئها ، وعليه فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف ، وهذا الرأي نسبه الصبان إلى المشهور . وأما اسمها ، فالذي اختاره ابن تغري بردي أنه آمنة[18] .
13ـ الشيخ محمد حسين الأعلمي في «تراجم أعلام النساء» :
قال : سكينة لقبها ، واسمها آمنة أو أمينة أو أميمة[19] .
14ـ المحدث الشيخ عباس القمي في «منتهى الآمال» :
قال : وكان اسم سكينة آمنة أو أميمة ، فلقبتها أمها رباب بسكينة ، فهي عقيلة قريش ، وذات عقل ورأي صائب[20] .
هذا اتفاق أهل الأخبار والمحققين من الفريقين ، أن سكينة هو لقب آمنة أو أميمة بنت الحسين .
على أنا نرجح ما رجحه أهل التحقيق بأن اسمها آمنة بنت الحسين وميلهم إلى ذلك . بل هو الأقرب على ما في رواية أبي إسحاق المالكي ، كما نقله أبو الفرج الإصفهاني في الأغاني عن المدائني ، قال : حدثني أبو إسحاق المالكي قال : سكينة لقب ، واسمها آمنة ، ثم تصحيح الإصفهاني عقيب الرواية بقوله : وهذا هو الصحيح . وقد أشرنا إليه آنفا .
كما أن أبا الفرج نقل في موضع من الأغاني [21] : قال مصعب فيما أخبرني به الطوسي ، عن زبير ، عنه : اسمها آمنة .
وهناك رواية أخرى للمدائني ، عن أبي إسحاق المالكي ، قال : قيل لسكينة ـ واسمها آمنة ، وسكينة لقب ـ : أختك فاطمة ناسكة ، وأنت تمزحين كثيرا ؟ … ثم جواب السيدة آمنة بأنكم : «سميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام» ، تعني آمنة بنت وهب ، أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[22] .
ومع مؤاخذاتنا على هذه الرواية ، إلا أن الذي يعنينا منها الآن هو ترجيح اسم آمنة على غيره من الأسماء .
وهذا ما حدى بالسيد محس الأمين العاملي في أعيان الشيعة[23] إلى القول بعد إيراده لهذه الرواية في أخبارها : هذا يدل على أن اسمها آمنة . رغم أنه عنونها باسم أميمة ، ولعل اختياره كان مسايرة لما عليه الأكثر ليس إلا .
من هنا يتأكد لنا الاسم الحقيقي للقب سكينة وهو آمنة بنت الحسين عليهما السلام ، لذا فالأمانة العلمية تدعونا إلى إثبات اسمها الصحيح ، والتعامل معه تعاملا جديا ، وذلك لغلق الطريق على الأكاذيب التي عهد إليها البعض للإساءة إلى بيت النبي الأطهر ، وتمحلات الآخرين الذين حسبوها أنها مرتكزات تاريخية ، دون أن يتكلفوا أدنى مطالب التحقيق في شأن هذه الحادثة الخطيرة ، لذا فإننا نأمل من ذوي التحقيق وأهل الإنصاف ، أن يرتكز في أذهانهم اسم آمنة بنت الحسين ، والتعامل معه تعاملا حقيقا ، والإعراض عن لقبها الذي استغله بعض أهل الأهواء ، والسذج من بسطاء العوام ، الذين لا خلاق لهم بتحقيق الوقائع ، ومعرفة الأحداث ، ومالهم بذلك إلا المطامع ، أو النعيق مع كل ناعق .

 

——————————————————————————–

[1] تاريخ دمشق ، قسم تراجم النساء : 156 ، طبع دمشق ، تحقيق سكينة الشهابي .

[2] النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 1 : 276 .

[3] المنتظم 7 : 175 حوادث سنة 117 هـ .

[4] تذكرة الخواص : 249 .

[5] لا نستبعد التصحيف في أميمة هنا ، وكونه في الأصل آمنة ، وذلك لما سيأتي بعد هذا من سؤال رجل لعبدالله ابن الحسن بن الحسن عن اسم سكينة ، وتخطئة عبدالله لابن الكلبي الذي كان يقول بأميمة ، كما في الشق الثاني من الرواية ، إذ كيف يصوب له أميمة هنا ، ولا يقبل منه أميمة هناك على قول نقل السائل ؟
على أننا لا نستبعد أيضا التصحيف في صدر الرواية بقوله : أمينة ، والأظهر في الأصل آمنة ، واستظهارنا هذا تؤيده الرواية الأخرى الأتية في التسلسل (11) عند نقل ما أورده صاحب الأعيان عن الأغاني من رواية ابن الكلبي ، عن أبيه ، وهي صريحة واضحة في هذا المعنى .
ثم أخيرا رواية المدائني ، عن أبي إسحاق المالكي التالية في الأغاني ، وتصحيح أبو الفرج الإصفهاني لاسم آمنة بعد الرواية مباشرة بقوله : وهذا هو الصحيح .
كل ذلك يدل صراحة أن أمية هنا مصحف عن آمنة .
وقوله : أصبت ، لآمنة لا أميمة . وإلا لزم التناقض في كلامه .

[6] الفهرست : 107 في أخبار محمد بن السائب .

[7] الأغاني 16: 146 .

[8] المصدر السابق : 147 .

[9] مقاتل الطالبيين : 94 .

[10] شذرات الذهب 2: 82 وفيات سنة 117 .

[11] مرآة الجنان 1: 251 .

[12] وفيات الأعيان 1: 378 في ترجمة سكينة .

[13] أعلام النساء 2 : 202 .

[14] ابن الكلبي ينصرف إلى هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وروايته عن أبيه أي عن محمد بن السائب الكلبي ، مما يدل أن الراوي واحد مع تعداد الحادثتين ، وهو الموافق لاستظهارنا .

[15] الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني 16 : 147 .

[16] أعيان الشيعة 3 : 491 .

[17] راجع صفحة(39) لتقف على الرواية وتقارنها برواية الأغاني .

[18] سكينة بنت الحسين : 140 .

[19] تراجم أعلام النساء 2 : 200 .

[20] منتهى الآمال 1 : 818 .

[21] الأغاني 16 : 146 .

[22] المصدر السابق : 149 .

[23] إعيان الشيعة 3 : 492 .

مصالح أموية ومطامع زبيرية

لم تزل الروايات التاريخية تحت مطرقة الأهواء والأغراض السياسية ، بل انجر ذلك حتى إلى رواية الحديث النبوي ، وقد أشرنا إلى ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا «تاريخ الحديث النبوي بين سلطة النص ونص السلطة» ، ولا يزال تاريخنا مخبوءا خلف ظروف روائية أسهم في إيجادها رواة وظفتهم السياسة ؛ لإيجاد حبكات قصصيةٍ وروايات توهم الآخرين بأنها ضمن تراثنا التاريخي الإسلامي ، في حين لم تكد مدونات التاريخ تستعرض واقعة تاريخية ، أو تسبر سيرة شخصية ، إلا وتجد مشكلة الوضع تخترق الحدث ، وتحيله إلى قراءة لتوجهات سياسية ، تحكم فيها أغراض الراوي الذي ينتسب إلى تلك الجهة المعنية ، أو تلك الرؤية المحسوبة ، وهكذا تتدخل هذه التوجهات لتأسيس تاريخ مشوه ، أو روايات موضوعة ، أو حدث مفتعل تجيد صياغته تارة أو تضطرب أخرى ، فتبدو القضية متناقضة غير حقيقية ، بأدنى تأمل ودقة نظر .
من هنا يمكننا أن نستعرض لهذه الظاهرة نموذجين من الوضع والتزوير ، تتدخل فيها عدة توجهات سياسية معينة :
أحدها : المصالح الأموية التي ما برحت تكيد لآل علي عليهم السلام منذ عهد معاوية بن أبي سفيان .
وثانيا : المطامع الزبيرية التي ما فتئت تلاحق المجد العلوي منذ حرب الجمل ، حتى ما ارتكبه آل الزبير من تأسيس مجدهم الزائل على جماجم شيعة علي عليه السلام وأصحابه ، ولاننسى ما بذله عبدالله بن الزبير وآله من محاربة العلويين وملاحقتهم ، كنفي محمد بن الحنيفة ، أو إخراج عبدالله بن عباس ، ومثلهم من بني هاشم عن مكة ، وإعلان العداء لهم منذ قيام دولتهم يومذاك . بمعنى أن الزبيريين عرفوا بمنافستهم الشديدة لآل علي عليه السلام ، وكانوا يحسدون ما يحرزه العلويون من تقدم في كل المجالات ، والأمة تتعامل مع العلويين بأنهم يمثلون الشرعية التي لا يمكن لأحد إغفالها أو تجاوزها ، وإذا لم تدم الجهود الزبيرية في تأسيس دولتهم يومذاك ، فلا بد أن يبحثوا عن مجد يحيلهم إلى أسياد الشرعية ، وقادة الأمة . حينئذ كيف يتم ذلك وملاحم العبث تملأ الأخبار ؟ وقصص عمر بن أبي ربيعة وسكينة بنت خالد بن مصعب يتداولها الناس ، ويتغنى بها أهل المجون والغناء ، وهذه مشكلة يستشعر منها الزبيريون إحدى المعضلات التي تعرقل دعاواهم في شرعيتهم المدعاة . إلى جانب ذلك ترى الأمة قداسة آل علي عليهم السلام ، وطهارة بيتهم النبوي الذي لم تدنسه محاولات الأعداء ، فبقي مشعا بعطائه ، شاهدة الأمة لهم بالقداسة والإيمان ، وهذا يعني أن جهود منافسيهم سوف تعرقلها هذه النظرة المقدسة الزكية لآل علي عليهم السلام .
فالأمويون عرفوا بعبث خلفائهم ، حتى صار ذلك من تشريفات البلاط الأموي ، وآل الزبير يقرأون ويشاهدون أمامهم ملاحم بطلة الغرام سكينة بنت خالد الزبيرية ، فيحالون إلى بيت عبث وغناء ، لا كما يدعون من أنهم أهل خلافة وإمرة وقيادة ، وفي مثل هذا الحال سيتاح لآل علي عليهم السلام المنافس الأقوى لآل أمية وآل الزبير من التحرك بشكل طبيعي ؛ من أجل تمثيل شرعيتهم الإلهية المتمثلة بأئمة آل البيت عليهم السلام .
إذن فعلى الأمويين والزبيريين أن يختلقوا قضية يرمون بها منافسيهم الأقوياء ، وقلنا من قبل : إن شخصية الإمام زين العابدين عليه السلام لا يمكن أن تنالها دعايات الأعداء ، وقداسة بنات علي عليهم السلام لا تدنسها محاولات الأقلام الجائرة والأهواء العابثة ، فلم يجدوا إذن إلا شخصية «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، التي لم تساهم ـ كما ذكرنا ـ في الإعلام العلوي يوم كان آل البيت يتولون مهمة التبليغ وبيان الحقائق ، وكان لصغر سنها أثر في تحجيم دورها يومذاك ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى وجدت الدعايات الزبيرية ، والإعلام الأموي ، أن لتشابه اسمي سكينة بنت خالد بن مصعب صاحبة ملاحم عمر بن أبي ربيعة واسم سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، محاولة ناجحة في الخلط والتدليس ، واختراع القصص الماجنة ، ورمي شخص «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، ووجدت هذه المحاولة نجاحها على أيدي رواة متخصصين في صياغة الحدث ، ووضع القضية موضعا يستسيغ تناقله العامة ، ويلهج به البسطاء ، ويتعامل معه السذج تعامل المسلمات .
وبهذا احتلت روايات «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما السلام مساحة واسعة من كتب الحكايات ، وملاحم الغزل ، ووسائل القصاصين ؛ ليحيلوا قداسة البيت العلوي إلى دناسة أموية وعبث زبيري ، ويأبى الله إلا ظهور الحقائق والإطاحة بمحاولات الشرذمة من أهل الأهواء السياسية فيحيلها ، إلى ملاحم تحكي حقيقة هؤلاء الوضاعين من الأمويين والزبيريين .

اكذوبتان : الأكذوبة الأولى :سكينة ومجالسة الشعراء واستماع الغناء

 

 

الأكذوبة الأولى


سكينة ومجالسة الشعراء واستماع الغناء
النموذج الأول :
قال أبو الفرج : أخبرني علي بن صالح قال : حدثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة بنت الحسين : أنا لكن به ، فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصورين ، وسمت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها. فوافاهن عمر على راحلته ، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة في مسجده ، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا ، ثم انصرف إلى مكة من مكانه ، وقال في ذلك :

 

قالت سكينة والدموع ذوارف       منها على الخـدين والجلباب
ليت المغيـري الذي لم أجزه       فيما أطال تصيدي وطلابي

كـانت ترد لنا المنـى أيامنا       إذ لا تُلام على هوى وتصابي[1]

رجال الخبر :
علي بن صالح : قال الذهبي : قال ابن الجوزي ضعفوه.
قلت [أي الذهبي] : لا أدري من هو[2].
أبوهفان : قال الذهبي : أبو هفان الشاعر حدث عن الأصمعي بخبر منكر.
قال ابن الجوزي : لا يعول عليه[3].
إذن فالخبر ساقط عن الاعتبار لضعف رواته ومجهوليتهم.
يعد هذا الخبر في صدارة أخبار سكينة المنسوب لها في مجالسة الشعراء خصوصا عمر بن أبي ربيعة ، والخبر مع غض النظر عن سقوط سنده عن الاعتبار ، فأن محاولة الوضع بادية عليه ؛ إذ افتتح الخبر بأن«نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف اجتمعن» ، ولم يتعرض الخبر إلى ذكر واحدة منهن ، واختص بذكر سكينة بنت الحسين ، وذلك دليل على أن صياغة الخبر بهذه الطريقة قصد منها التعرض للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ، ورتبت أحداثه لهذا الغرض ، والخبر في صدد ذكر ظرافة عمر بن أبي ربيعة ومحاولاته العبثية ، وهو ليس في صدد التعرض لسيرة أحد ، هكذا يعطي الخبر مسحة«البراءة» على ما يفتعله الوضاعون ، محاولين من خلاله الترسل لذكر وقائع أدبية صرفة ، وليس الغرض التعرض لسيرة أحد أو الإساءة للبيت العلوي الطاهر. وبهذا يحاول الوضاعون بعد أن أعيتهم الحيل في النيل من الشرف العلوي ، إلى ارتكاب هذه المجازفات الروائية ، التي وقع الكثير من المغفلين في التصديق بكل ما تدسه مشاريع الوضع ، واختلاق روايات من هذا القبيل ، تستهدف خصومهم وتوهم البسطاء بذلك.
على أن اجتماع هذه النسوة من الليل حتى طلوع الفجر يتنافى والحالة الاجتماعية التي تعيشها المدينة ، فالالتزامات التي تعيشها المرأة المدنية فضلا عن تعففها عما يشين سمعتها لدى الآخرين ، تختلف كثيرا عن غيرها من الأنحاء الإسلامية. فالمدينة تجد من نفسها مصدر إشعاع إسلامي للسيرة النبوية ، التي يمثلها أهلها القاطنون وقتذاك ، وهم لايزالون يعتزون بانتمائهم الإسلامي والتزامهم الديني ، كما أنها لا تزال تحتفظ بقداستها النبوية ، فضلا عما عرفته المدينة من أن القاطنين فيها بين مهاجر أو أنصاري ، والخبر لا يعد إساءة لخصوص البيت العلوي بقدر ما هو إساءة لأهل الهجرة من المهاجرين ، وأهل النصرة من الأنصار ، مما يعني أن الخبر قد سطرته أيد يهودية ، تتربص بالدين الإسلامي الذي يعيش تحت مطرقة نظام أموي مهزوز ؛ ليظهر بذلك انحلال المجتمع الإسلامي وهو قريب عهد بالنبوة ، فكيف بمجتمع ابتعد عن العهد النبوي وتطاولت عليه الدهور ، مما يعني أن لهذا المجتمع الإسلامي الذي يدعي الالتزام حياته العبثية الخاصة ، وتوجهات ترفه كذلك ، خلاف ما يدعيه المسلمون ليتقدموا بذلك على المجتمعات الأخر ، وبذلك استهدف الخبر قداسة الالتزام الإسلامي وطهارة مجتمعه.
واختيار عمر بن أبي ربيعة ليكون بطل هذه القصة له مغزاه ؛ إذ أن عمر ابن أبي ربيعة معروف بمجونه وخلعه ، حتى نقل ابن عبد ربه في العقد الفريد قولهم : ما عصي الله بشعر ما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة[4].
ويصف ابن جريج خطورة مجونه وعبثه حتى قال : ما دخل العواتق في حجالهن شيء أضر من شعر ابن أبي ربيعة[5].
ويصف هشام بن عروة عواقب أشعار ابن أبي ربيعة وفحشها بقوله : لاترووا فتيانكم شعر عمر بن أبي ربيعة لئلا يتورطوا في الزنا تورطا[6]. فكيف يستقيم هذا مع ما عرف من عفة البيت العلوي وطهارته وترفعه عن أدناس الجاهلية ؟! فتخصيص عمر بن أبي ربيعة إذن في هذه القصة يستهدف قداسة البيت العلوي وكرامته وليس غير ذلك.
تهافت الوضاع :
على أنا لو أردنا الإعراض عن مناقشة سند ودلالة هذه القصة ، فإننا نقطع بكونها موضوعة من قبل القصاصين ، الذين يستملحون كل شاذ ، ويروون كل غريب.
فالتهافت في نقل القصة إذا استقصينا مواردها ، وجدنا أنها في مصدر واحد يتهافت الكاتب في نقولاته ، مما يدل على أن القصة موضوعة ، فضلا عن كونها مكذوبة في نسبتها للسيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، وإليك تعدد القصة في كتاب «الأغاني» :
أولا : نقل أبو الفرج الإصفهاني حديث اجتماع عمر بن أبي ربيعة
بالنسوة ، وكانت سكينة بنت الحسين هي التي واعدته ، فقصدهن واجتمع بهن ، كما ذكرنا ذلك فيما سبق.
ثانيا : نقل أبو الفرج الإصفهاني القصة في مورد آخر قبيل القصة الأولى بـ(58) صفحة بعنوان سكينة ، وليس سكينة بنت الحسين.
فأي سكينة قصدها الراوي في قصته!
وكيف جزم أبو الفرج أن المقصود من سكينة في القصة الأولى ، هي سكينة بنت الحسين ؟!
وقد أورد الخبر هكذا :
اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه ، وتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة : أنا لكن به… إلى آخر الخبر[7].
ثم أكد أبو الفرج القصة باسم «سكينة» دون نسبتها إلى الحسين عليه السلام في موضع ثالث من كتابه[8].
وهذا التعدد في تكرار الرواية يزيدنا اطمئنانا أن «سكينة» دون أن ينسبها الراوي ، هي بطلة القصة التي رواها مصعب الزبيري ، ونسبها أبو هفان الشاعر إلى سكينة بنت الحسين ، وقد ذكرنا أبو هفان وترجمة الذهبي له برواية الحديث المنكر[9].
ثالثا : ذكر أبو الفرج الإصفهاني في مورد آخر الأبيات هكذا :

يا أم طلحة أن البيـن قد أفدا       قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

 

 

 

أمسى العراقي لا يدري إذا برزت       من ذا تطوف بالأركان أو سجدا

ثم ذكر القصة هكذا :
ولم يزل عمر ينسب بعائشة[10] أيام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها[11].
رابعا : على أن الأبيات التي ذكرتها القصة هي إحدى قصائد عمر بن أبي ربيعة متغزلا بزينب الجمحية ، إحدى شخصيات ملاحمه الغزلية ، وقد تكرر ذكرها مرارا في قصائده منها :

طـال من آل زينب الإعـراض       للتـعدي وما بـها الإبغـاض[12]

وله كذلك :

أيهـا الكـاشح المعبر بالصـر       م تزحـزح فمـا لهـا الهجران
لا مطـاع في آل زينب فارجع       أو تكلـم حتـى يمل اللسـان[13]

من هنا فإن التهافت في رواية القصة والاضطراب في أبياتها يوقفنا على أمر مهم وهو :
وضع الرواية ونسبتها إلى السيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام لدواع لا تخفي على القارئ اللبيب.
خامسا : والجدير ذكره أن أبا الفرج الإصفهاني حين ذكره لقصة اجتماع عمر بن أبي ربيعة بسكينة ، ذكر أبيات القصة في موضع آخر هكذا :

 

 

قالت سكـيـنـة والدموع ذوارف       مـنـهـا على الخدين والجلباب
لـيـت المغـيـري الذي لم أجزه       فـيـمـا أطال تصيدي وطلابي
كانـت تـرد لـنـا المنى أيامـنا       إذ لا نلـام على هوى وتصابي
خبـرت ما قالـت فبـت كـأنما       ترمـي الحشا بنوافـذ النشـاب
أسكيـن ما ماء الفـرات وطيبـه       مني علـى ظمأ وفقـد شـراب
بألـذ منـك وان نـأيت وقـلمـا       ترعـى النساء أمانة الغياب[14]

إلا أنه ذكر نص الأبيات بعينها في موضع آخر هكذا :

قالت سعيـدة والدمـوع ذوارف       منها علـى الخديـن والجلبـاب

إلى أن قال :

أسعيدَ ما ماءُ الفراتِ وطيبُه       مني على ظمأ وحب شرابِ[15] 

وذكره للأبيات هنا في صدد ذكر سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، والقصيدة منسوبة لهذه القصة[16] ، فكيف ركب الخبر من قصة سكينة وأبيات سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ؟!
وماذا يعني هذا الاضطراب والتهافت ؟
والطريف أن أبا الفرج نفسه يعترف بعد ذكره خبر التشبيب بسعدى ، أن المغنين غيروا لفظ سعدى إلى سكينة ، وسوف نأتي على بيانه بعيد هذا[17].
وإذا أردنا أن نحسن الظن بأبي الفرج الاصفهاني ، فترجع المشكلة إلى يد التحريف والتصحيف ، التي تدور في فلك الأنظمة والحكام ، الذين حاولوا فرض حالات العبث والتزييف في التراث الإسلامي ، فضلا عن التراث الأدبي ، الذي حاولوا تسخيره لتوجهاتهم ، دون أن تسلم مجالات الترويح الأدبي البريء ، الذي يستثمره القارئ دون أن تدخله القراءات الحاكمة ضمن دوائرها السياسية المقيتة.
النموذج الثاني :
أبو الفرج الاصفهاني ، أخبرني الحسن بن علي قال : حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال : أخبرني عيسى بن إسماعيل ، عن محمد بن سلام ، عن جرير المديني ، عن المدائني.
وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن محمد بن سلام.
وأخبرني به أحمد بن عبدالعزيز الجوهري ، عن عمر بن شبة موقوفا عليه ، قالوا :
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب ، فمكثوا أياما ، ثم أذنت لهم فدخلوا عليها ، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ، ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث ، فقالت : أيكم الفرزدق ؟ فقال لها : ها أنذا ، فقالت : أنت القائل :

همـا دلتانـي مـن ثمانيـن قامـة       كما انحط باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا       أحـي فيرجى أم قتيل نحـاذره
فقلت ارفعوا الأمـراس لا يشعروا بنا       وأقبلت فـي اعجـاز ليل أبادره

 

أبـادر بـوابيـن قـد وكـلا بنـا       وأحمر من ساج تبص مسامره

فقال : نعم ، فقالت : فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك ؟ هلا سترتها وسترت نفسك ؟ خذ هذه الألف ، والحق بأهلك[18].
وفي رواية أخرى لأبي الفرج عن أبي الزناد : أن الفرزدق لما قال ها أنذا ، قالت : أنت الذي تقول :

أبيت أمني النفس أن سوف نلتقـي       وهـل هو مقدور لنفسي لقاؤها
فـإن ألقها أو يجمع الدهـر بيننا       ففيها شفاء النفس منها وداؤها

فقال : نعم ، قالت : قولك أحسن من منظرك ، وأنت القائل :

ودعتنـي بـإشـارة وتـحيـة       وتركتنـي بين الديـار قتيـلا
لم أستطـع رد الجواب عليـهم       عنـد الوداع وما شفين غليـلا
لـو كنت أملكهم إذا لم يبرحـوا       حتـى أودع قلبـي المخبـولا

هال : نعم ، قالت : أحسنت أحسن الله إليك ، وأنت القائل :

همـا دلتاني مـن ثمانين قامـة       كما انقض باز أقثم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا       أحـي فيـرجـى أم قتيـل نحـاذره
فقلت ارفعوا الأسباب لا يشعروا بنا       ووليـت فـي أعجاز ليـل أبـادره
أحـاذر بوابـين قد وكـلا بها       وأحمر من ساج تبص مسامره
فأصبحت في القوم العقود وأصبحت       مغلـقة دونـي علـيـها دسـاكره

قال : نعم ، قالت : سوأة لك فشيت السر ، فضرب بيده على جبهته وقال : نعم ، فسوأة لي.
ثم دخلت الجارية على مولاتها وخرجت وقالت : أيكم جرير ؟ فقال :

 

 

ها أنذا ، قالت : أنت القائل :

رزقنا به الصيد الغزير ولم تكن       كمن نبله محرومة وحبائله[19] فهيهات هيهات العقـيق ومن به       وهيهات حي بالعقيق نواصله

قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وأنت القائل :

كأن عيون المجلتـين تعرضت       وشمسا تجلى يوم دحين سحابها
إذا ذكرت للقلب كاد لذكرها       يطير إليها واعتراه عذابها

قال : نعم ، قالت : أحسنت ، وأنت القائل :

سرت الهموم فبتن غير نيام       وأخو الهموم يروم كل مرام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا       وقت الزيـارة فارجعي بسـلام
لو كان عهدك كالذي حدثتـني       لوصلت ذاك فكان غير لمام
تجري السواك على أغر كأنه       برد تحدر من متـون غمـام

قال : نعم ، قالت : سوأة لك جعلتها صائدة القلوب حتى إذا أناخت ببابك جعلت دونها حجابها ، ألا قلت :

طرقت صائدة القلوب فمرحبا       نفسي فداؤك فادخـلي بسلام

قال : نعم ، فسوأة لي ، قالت : فخذ هذه الألف دينار والحق بأهلك.
ودخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم كثير عزة ؟ فقال : هاأنذا ، فقالت : أنت القائل :

وأعـجـبـني يا عز منك خلائق       حـسـان إذ عـد الـخـلائق أربع
دنوك حتى يطمع الصب في الصبا       وقطعك أسباب الصـبا حيث تقطع
فوالله ما يـدري كـريـم مطلته       أيـشـتر إن قـاضـاك أم يتضرع

 

قال : نعم ، قالت : أعطاك الله مناك ، وأنت القائل :

هنـيـئا مريئا غيـر داء مخامر       لـعـزة من أعراضنا ما استحلت
فما أنـا بالداعي لعزة في الورى       ولا شـامـت إن فعل عزة زلتِ
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة       و رجل رمى فيها الـزمان فشلتِ

قال : نعم ، قالت : أحسن الله إليك ، وفي رواية قالت : كثير أنت القائل :

يـقر بعيني مـا يـقر بعينها       وأحسن شيء ما به العين قرت

قال : نعم ، قالت : أفسدت الحب بهذا التعريض ، خذ ألف دينار وانصرف.
ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم نصيب ؟ فقال : هاأنذا ، قالت : أنت القائل :

ولـولا أن يقـال صبا نصيب       لقلت بنفسـي النشأ الصـغار
ألا ياليــتـني قامـرت عنها       وكان يحل للـناس القـمـار
فصارت في يدي وقمرت مالي       وذاك الربـح لو عـلم التجار
على الاعـراض منها والتواني       فإن وعدت فموعـدها ضمار

قال : نعم ، قالت : والله إن إحداهن لتقوم من نومتها فما تحسن أن تتوضأ فلا حاجة لنا في شعرك.
وفي رواية تذكرة الخواص[20] أنها قالت لنصيل : أنت القائل :

من عاشقين تواعدا وتراسلا       حتى إذا نجـم الثـريا حلقا
بـاتا بأنـعم ليـلة وألذهـا       حتى إذا وضح الصباح تفرقا

قال : نعم ، قالت : وهل في الحب تدانٍ ، خذ هذه ألف دينار وانصرف.
ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت : أيكم جميل ؟ قال : هاأنذا ،
قالت : أنت القائل :

لـقـد ذرفت عيني وطال سفوحها       وأصـبـح من نفسي سقيما صحيحها
ألا ليـتنا كنـا جميـعا وأنت نمت       يجاور في المـوتى ضريحي ضريحها
أظـل نـهاري مسـتهاما ويـلتقي       مع الليل روحي في المـنام وروحـها

إلى آخر الأبيات والقصة[21].
رجال الخبر :
محمد بن القاسم بن مهرويه : مهمل لم تتعرض له كتب الرجال ، غير معروف.
عيسى بن إسماعيل : كذلك مهمل أهملته كتب الرجال ، لا يعرف.
محمد بن سلام : قال ابن حجر : لا يكتب حديثه[22]. جرير المديني : لا يعرف ، مهمل ، تركته كتب الرجال.
محمد بن أبي الأزهر : غير معروف.
فالخبر ساقط لمجهولية بعض رواته ، وضعف غيرهم.
وأنت ترى ما للخبر من تكلف زائد وتهويلات مصطنعة ، تصاغ للحط من كرامة السيدة سكينة عليهما السلام ، فاجتماع الشعراء على بابها يعطي صبغة عبثية تمارسها هذه السيدة الكريمة في حياتها الخاصة ، وكأنها لا ترتبط بنواميس دينية ، أو مقدسات اجتماعية تأبى هذه الحياة العبثية ، أو كأنها غير مرتبطة بأسرة أو زوج يأنف من هذه الحياة التي تمارسها زوجته ابنتهم ، وآية أسرة هي تلك التي كانت لها سيادة قريش ، وسلطنة الشرف والكرامة ، فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا ؟!
أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليه السلام هذا.
وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي عليه السلام ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد.
قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلا عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جندا ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء.
كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب.. فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفا من قطع أعطيتهم ، فضلا عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم[23].
هذا هو ديدن بني أمية وأمثالهم ، وإذا أرادوا أن يدفعوا وصمة العطاء لموارد العبث والمجون من بيت المال وهو حال الخلفاء ، فإن آل علي عليه السلام لم يعرفوا بذلك ، بل كان عطاؤهم لله تعالى غير متجاوزين على غيرهم ، ويرون أن التعدي في صرف الأموال في غير حقها خيانة للمسلمين ، لذا وجد أعداؤهم أن يلصقوا بهم هذه التهمة للتخفيف عما ارتكبه أسيادهم ، الذين عاثوا في أموال المسلمين ، ومنعوا خيارهم ووصلوا فساقهم ، وقد عرف عن آل علي عليه السلام ورعهم في الأموال ، وزهدهم ومحاسبتهم في الأعطيات إلا لله تعالى.
النموذج الثالث :
روى أبو الفرج ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب ورواية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه ، وقال : صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين[24].
والخبر كسابقه ، إلا أنهم استبدلوا الشعراء برواتهم ، وهو أضعف من غيره كما ترى.
النموذج الرابع :
قال الزبير : وحدثني عمي ، عن الماجشون قال :
قالت سكينة لعائشة بنت طلحة : أنا أجمل منك ، وقالت عائشة : بل أنا ، فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة ، فقال : لأقضين بينكما ، أما أنت يا سكينة فأملح منها ، وأما أنت ياعائشة فأجمل منها[25].
رجال الخبر :
الزبير بن بكار : قال ابن أبي حاتم : رأيته ولم أكتب عنه ، وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث .
ثم ذكر ان سبب تضعيفه هو روايته عن الضعفاء ، مثل محمد بن حسن بن زبالة ، وعمرو بن ابي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة[26].
مصعب الزبيري عم الزبير بن بكار : الذي حدثه بالخبر.
نود التنويه إلى أن مصعب الزبيري هذا أساس روايات قصة سكينة بنت الحسين ، والتي أخذها منه أبو الفرج الإصفهاني المرواني ، وقد ضعفه أهل الجرح ولم يقروا له بوثاقة ، بل اتفقوا على ضعفه ، لذا فإن روايات سكينة مقطوعة الضعف لما أوردها مصعب الزبيري الضعيف المطعون بوثاقته ، وهذه جملة أقوالهم فيه :
قال النديم في الفهرست : [كان] راوية ، أديبا ، محدثا ، وهو عم الزبير ابن بكار ، وكان أبوه عبدالله من أشرار الناس ، متحاملا على ولد علي عليهم السلام ، وخبره مع يحيى بن عبدالله معروف[27].
قال عنه في تقريب التهذيب : لين الحديث[28]. وتوقف فيه مالك بن أنس كما عن المغني في الضعفاء[29].
وفي تهذيب الكمال : قال أبو حاتم : مصعب الزبيري لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث ، وقال في موضع آخر : في حديثه شيء ، وروى له الجماعة سوى البخاري[30].
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير قال في مصعب الزبيري : وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن علي عليه السلام[31] .
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عبدالله بن أحمد ، عن أبيه : أراه ضعيف الحديث ، لم أرَ الناس يحمدون حديثه. وقال عثمان الدارمي ، عن ابن معين : ضعيف. وقال معاوية بن صالح ، عن ابن معين : ليس بشيء . وقال النسائي : مصعب ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن حبان في الضعفاء : تفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه. وقال ابن سعد : كان كثير الحديث يستضعف. وقال الدار قطني : مدني ليس بالقوي[32].
وقد ورث مصعب تحامله وعداءه لآل علي عليه السلام من أبيه ، فأخذ يضع من الأخبار ما يحط به كرامة آل علي وقداستهم.
الماجشون : قال ابن حجر : الماجشون ، يعقوب بن أبي سلمة التميمي ، مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني ، قال مصعب الزبيري : إنما سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ، وكان يجالس عروة ابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز في إمرته ، وكان عمر يأنس إليه ، فلما استخلف عمر قدم عليه فقال له : إنا تركناك حين تركنا لبس الخز ، فانصرف عنه(1).
فالماجشون إذن صاحب لهو ومجون ، فكيف يؤخذ بخبره لا سيما هو صنيعة زبيرية وأموية ؟! فاحتفاء عروة بن الزبير ومصاحبته له ، أو مجالسته لعمر بن عبد العزيز الأموي أيام إمارته ، يغني عن حاله في الضعف واللامبالاة وعدم التحرج ، وهو يجاري توجهات بني أمية وآل الزبير في الحط من كرامة آل علي صلوات الله عليهم.
فالخبر ضعيف برجاله.
على أن الخبر يتنافى والمسلمات الشرعية التي نهت الشرعية عن الإتيان بها ومزاولتها ، كتعرض المرأة إلى الأجنبي وكشف وجهها وبيان محاسنها.

 

——————————————————————————–

[1] الأغاني171 :1.

[2] ميزان الاعتدال 130 :3.

[3] المصدر السابق 540 :4.

[4] العقد الفريد 6 : 199 .

[5] تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 281 .

[6] المصدر السابق.

[7] الأغاني 1 : 113.

[8] الأغاني 2 : 369 .

[9] راجع صفحة : 50 من كتابنا هذا.

[10] عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وأبو الفرج الإصفهاني هنا في صدد أخبار عمر بن أبي ربيعة مع عائشة بنت طلحة.

[11] الأغاني 1: 205 .

[12] المصدر السابق : 108.

[13] المصدر السابق : 109.

[14] الأغاني 1 : 172.

[15] الأغاني 17 : 162 .

[16] يأتي في صفحة 74و75 ذكر أبيات تشبيبه بسعدى ، فراجع.

[17] راجع صفحة 92 من هذا الكتاب.

[18] الأغاني 16 : 169 و170.

[19] الأبيات وما بعدها أوردها عن الأغاني السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 5 : 345 .

[20] تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي :279.

[21] والقصة والأشعار أوردها أبو الفرج في الأغاني 6 : 169 ـ 172 بنحو آخر.

[22] لسان الميزان 3 : 542 .

[23] تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 1 : 229 .

[24] الأغاني 16 : 173 .

[25] الأغاني 16 : 159 .

[26] تهذيب التهذيب 3 : 269 .

[27] تهذيب التهذيب 11 : 34 .

[28] تقريب التهذيب 1 : 533 .

[29] المغني في الضعفاء 2 : 660 .

[30] تهذيب الكمال 28 : 36 .

[31] الكامل في التاريخ 5 : 288 حوادث سنة 236.

[32] تهذيب التهذيب 10 : 159 .

حرمة نظر الأجنبي للأجنبية في الشريعة الإسلامية

نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية ، وكذلك نظرها إلى الأجنبي ، وذلك لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) وقد فسرت الآية بأن الزينة هي مواضع الزينة ، فالآية تحث على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة ، واحتج قوم بالإجماع ، وقد عرفت حاله ، فإن المنقول غير حجة ، والمحصل غير حاصل.
واستدل بوجوب غض النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن أبي جعفر عليه السلام قال : « استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما هذا ؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل عليه السلام بهذه الآية ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون )[1]  »[2].
فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة ، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر ، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول ، فإن الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذذ ، إلا أن المورد لا يخصص الوارد كما هو معلوم.
نعم ، في رواية أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال :
استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : « قوما فادخلا البيت» ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال : «إن لم يركما فانكما تريانه» [3].
وغير ذلك من الأخبار ، والملازمة تدل على ثبوت الحكم في الرجل كما تدل على ثبوته في المرأة كذلك. كما أن إرادة الشارع في الغض عن النظر عدم الوقوع في الافتتان المقتضي للإتيان بالزنا ونحوه ، لذا شدد على عدم جواز النظر العمدي مع الريبة.
من هنا أمكن دفع هذا الخبر المنافي لقواعد حرمة النظر إلى الأجنبية ، ومحادثتها بريبة ، فكيف بالسيدة « آمنة» سكينة بنت الحسين التي تربت في حجور العفة والورع والتقوى ، على أن تحكيم عمر بن أبي ربيعة «الخليع» والمشهور بالعبث في أيتها أجمل ، يتنافى وأحكام الشريعة ، فضلا عن سيرة المسلمين ، وأعراف المجتمع المدني وقتذاك.

 

——————————————————————————–

[1] النور 24 : 30 .

[2] الوسائل 20 : 192 ، ب 104 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 4.

[3] الوسائل 20 : 232 ، ب 129 من أبواب مقدمات النكاح ، ح1.

تنوية

اسمها آمنة ، وقيل: أمينة ، وقيل: أميمة ،
وسكينة لقب لقبتها به أمها
ابن خلكان في
وفيات الأعيان 1 : 378

 ورد في الكتاب اسم السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام ، بدل سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، توخيا لإثبات اسمها الصحيح ، وربما أشرنا إلى إثبات اسم السيدة آمنة إلى جانب اسم سكينة بنت الحسين ، إشارة إلى مسايرة بعض الأخبار الموضوعة بما تقتضيه سيرة البحث ، إمعانا في إرشاد القارئ وتنبيهه إلى استخدام اسم السيدة «آمنة»بدل«سكينة» ، وحرصا منا على تداول الاسم الصحيح وهو:

السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام

وراثة نبوية

  «وأما الحسين فله جودي وشجاعتي»[1]

هكذا كان ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم لولديه ، فورث الحسين عليه السلام جوده وشجاعته ، وورث الحسن عليه السلام هيبته وسؤدده . كان هذا الإرث النبوي يتقاسمه الوريثان من قبل ومن بعد ، فقبل وفاة جدهما كانت بوادر الإرث النبوي قد بدت على الغلاميين الهاشميين ، وهما يرفلان في عناية إلهية ما انفكت عنهم وعن أبويهما يوم جللهما بالكساء اليماني ، وقال : « اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد » وأنزل الله عز وجل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )[2] [3] . ولطالما كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم»[4] .
ولكم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينوه عن حبه لابنيه هذين حتى أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما ترك مناسبة إلا وأشهد المسلمين على حبه إياهما .
فما رواه أسامة بن زيد قال : طرقت باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة لبعض الحاجة ، فخرج إلي وهو مشتمل على شيء لا أدري ماهو ، فلما فرغت من حاجتي قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشف فإذا حسن وحسين على وركيه فقال : « هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما فأحبهما ، وأحب من يحبهما»[5] .
ولم يكن ذلك التنويه مقتصرا لأصحابه بل خص أهله وعمومته وأقرهم على حبهما وعظيم منزلتهما حتى صار ذلك مركوزا لدى الهاشميين من أهله كما هو مركوز عند المسلمين طرا .
وعن مدرك بن عمارة قال : رأيت ابن عباس آخذا بركاب الحسن والحسين فقيل له : أتأخذ بركابهما وأنت أسن منهما ؟ فقال : إن هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أوليس من سعادتي أن آخذ بركابهما[6] ؟!
هذه عناية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لولديه ، ولم تنقطع هذه الرعاية الخاصة بانقطاع الوحي ، عند رحيله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملكوت الله الأعلى ؛ ليكون قرير العين بسبطيه هذين وأبويهما ، وهم يحملون عيبة علمه ومكنون حكمته ، وضن عليهم من التخلف عنهم وتركهم ، فقال : « يا أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي ، أمرين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض و عترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»[7] .
ولم تكن أمته قد سمعت ما وعته بالأمس حتى تستعدي عليهم اليوم ، فهذا علي عليه السلام يهجره المهاجرون ، ويخذله الأنصار ، ويحيلونه إلى مأمور بعد ما كان أميرهم في غدير خم ، تلك الواقعة التي أكحلت عيون قوم وزكمت أنوف آخرين . فما كان من هؤلاء إلا ويسوقون عليا عليه السلام إلى بيعتهم مكثورا ، يخذله قومه وأهل مودته ، إلا نفر ثبت رغم بريق السيوف وشروع الأسنة ، وليس للحسن بن علي عليهما السلام شأن للنصرة عند هؤلاء القوم ، الذين آثروا ابن حرب على حربهم مع سبط الرسول فأسلموه عند الوقعة ، وأحبوا العافية عند نصرة الحق ، واختاروا الخضوع على العزة في ظل كتاب الله وعترة نبيهم ، ولم يحيلوا بينه وبين عدوه ، الذي جرعه غصص الفتن قبل أن يجرعه كأس المنون على يد زوجته جعدة بنت الأشعث ، فذهب صابرا محتسبا يشكو مالاقاه لربه ، ويبث ما عناه لجده .
وفي كربلاء موعد القوم مع آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث يناجزون سبطه الحبيب بكل خسيسة حرب ودخيلة صدور ، فينكفئون على آله بسيوف الحقد وسهام الغدر ، يرمونهم من كل ناحية ؛ ليكون لرضيعه سهم المنون كما كان له نصيب من الظمأ ، وانهالوا على أهله قتلا وتنكيلا . فأحرقوا خيامهم ، وأركبوهم أسارى بغير وطاء ولا غطاء .
لم تنته واقعة الطف بعد ، بل كأنها بدأت منذ لحظة تسييرهم سبايا ، فهذا الإمام زين العابدين عليه السلام يتصدى لخطط هؤلاء القوم ، الذين أذاعوا بين العامة أنهم أسرى خوارج ، فيقول عند دخوله الكوفة : «أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا تراث ، أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا .
أيها الناس ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهود والميثاق والبيعة وقاتلتموه ، فتبا لكم لما قدمتم لانفسكم ، وسوأة لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم : قتلتم عترتي ، وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي » . فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالو : هلكتم وما تعلمون[8] .
وهكذا يدأب الإمام على كشف الحقائق وفضح الأباطيل ، ثم هو بعد ذلك يتصدى لإحباط المحاولات في التمويه على الواقع ، ولم يقتصر الأمر على الإمام في جهده المقدس لكشف الحقائق ، فإن لربيبة الوحي دورا تلقيه ظروف الدعوة هذه .
بعد وصول الركب إلى الكوفة كانت زينب بنت علي عليهما السلام تلملم جراحها ، وترنو إلى الإمام لئلا يصيبه مكروه ، وإلى العائلة لئلا تكترث من هول الوقعة ، وفجيعة المصاب ، ثم هي تقف ثابتة بثبات المبدأ ، شامخة بشموخ الرأس الشريف ، الذي علا على رمح عال يتطلع إلى ما يجري حوله من تخاذل القوم وصمود الآل .
كانت زينب عليها السلام صامدة رغم ما تعانيه من تتابع الأهوال ، وهي في هذا تتابع الأحداث ، والخطب جلل ، والجرح لما يندمل ، فقالت من خطبة لها :
«ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ وأي حرمة له انتهكتم ؟ لقد جئتم شيئاً إداً ، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً .
ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض وملء السماء ، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ؟ فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثأر ، وإن ربكم لبالمرصاد»[9] .
كان أهل الكوفة على موعد مع صوت علي بن أبي طالب عليه السلام صوت العدالة الهادر .. فهذه هي ابنته تفرغ عن لسان أبيها كل ما كان يجلجل في خطرات القلوب ، وحبس الضمائر على باطل جلي ، يتضور منه الحق ، وتندك من خذلانه العزائم .
وكان علي عليه السلام كلما علا منبرا تطأطأت معه تلاع النفاق ، وخبت جذوة الفتن ، وأماط القناع عن أهل الضغائن ، وأطاح بمخلفات التحالف يوم كانت تتربص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قعودا عن كل نجدة في الدفاع عن الدين الحنيف . فهزيمة الأصحاب في أحد .. يرثها المخلفون من أهل النفاق يوم تغص صفين بحربها الضروس ، ويرتد أهل الفتنة في حرب الجمل الهزيل عن كل حق ، والبطين بكل خسيسة ؛ ليحمل أمهم الخرقاء ، فتقودهم إلى مساومات السياسة وتجارة المناصب .
هذه هي زينب عليها السلام في وقفتها الكوفية ، نطقت فأخرست ألسن النفاق ، وتجلببت فمزقت حجب الزور وهي ترنو إلى قصر الإمارة الخاوي عن كل حقيقة ، وقد أسس على جرف هار عندما شيدت يد الغدر جدران السقيفة ، وعقدت سداسية الشورى بمؤامراتها الهزيلة ، وصرح الخضراء الشامي تعقد فيه ليال حمراء على خرافة زهد الشيخين ، اللذين بعثا بالطليق ليطلق كل غدر على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ولم تدع ربات الحجال أن ينقطع صوت علي عليه السلام ، حتى لا يبيغ الباطل بأهله ، وتلتبس على الجاهل سبل الحق بطرائق الأهواء . فتلتحف فاطمة بثبات فاطمة ، لتقف أمام القوم كما وقفت أمها من قبل ، تجلجل بصرختها ممزقة أستار دسائس الغدر في دياجير العقبة الدامسة ، حتى صبيحة السقيفة ، ولتكشف بخطبتها خطط القوم ، وهم مقنعون بلباس الصحبة البالي الذي راح يرتديه قطاع طرق الأحداث ، ومحترفو مساومات الجاه ، ومتسكعو المناصب البليدة .
كانت فاطمة بنت الحسين عليهما السلام تحكي في خطبتها قصة تاريخ ملبد بالمكائد ، ومواقف النكوص . فبدأت في كلامها بحمد الله والثناء عليه ، والشهادة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة ، ثم عرفت القوم بأولاده حيث قالت :
«اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود والوصية لعلي بن أبي طالب المغلوب حقه من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله تعالى ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضه الله إليه محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه في الله لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته ـ اللهم ـ للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك ، زاهدا في الدنيا غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته وهديته إلى صراط مستقيم .
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم على كثير ممن خلق الله تفضيلا . فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم افتراء على الله ، ومكرا مكرتم ، والله خير الماكرين ، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور»[10] .
هكذا كان آل الحسين عليهم السلام بعد قفولهم من أرض الفداء كربلاء الشهادة ، يوضحون للأمة كل ما أخفاه حقد الأعداء وكيد أزلامهم ، فكانوا غصة في حلق هؤلاء ، وشجة في لسان نصرهم المزعوم . فلم يكد آل أمية يتبجحون بسوأتهم هذه حتى تصك أسماعهم واعية الحسين عليه السلام على لسان زينب بنت علي ، وفاطمة بنت الحسين عليهم السلام ، ولا زالت خطب الإمام السجاد عليه السلام تلعلع في خلوات الحق حينما ينطق كاظم الغاوين ، وينبغ خامل الأقلين ، ويهدر فنيق المبطلين ، كما شخصت ذلك سيدة النساء في ملحمتها الفدكية ، وسجلت بذلك ملاحم الفتن ، وموارد النكوص ، وبوائق الخذلان .
ولم يفتأ آل حرب عن حرب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فبين قتيل أو طريد أو شريد ، يحصون عليهم أنفاسهم ، ويتحينون كل ما وسعهم في تنكيلهم والوقيعة فيهم ، فكلما أوقدوا للحرب نارا أطفأها الله ، وكلما أرادوا إطفاء نورهم أبى الله إلا أن يتم نوره ، ووجد آل حرب أن حربهم لآل الله لا يزيد قدرهم إلا علوا ، ولا شأنهم إلا سموا ، ولا ذكرهم إلا رفعة . فعكفوا على تزوير الحق ، والكذب ، والطعن ، واختلاق كل ما من شأنه أن يظهر منقصة يقتنصونها ، وقبيحة يستقبحون بها أهل الطهر والفضائل ؛ ليساووهم بأهل العهر والرذائل .
هكذا أراد آل أمية أن يحاربوا آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فراحوا إلى كل ما لصق بهم من مساوئ وبوائق الرذيلة ، عاكفين أن يجعلوها في آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأبى الله إلا أن يظهر الحق ، ويميط النقاب عن كل إفك وكذب وتزوير ، فكانت قصة سكينة بنت الحسين عليهما السلام جهدا أمويا خالصا ، حرصوا فيه على تشويه الحقائق وتزويرها ، فكان الله من ورائهم محيط .

 

——————————————————————————–

[1] الإرشاد للمفيد 7 : 2 ، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي : 210 ، الخصال للصدوق77 : 1 وفيه : جرأتي وجودي وفي رواية أخرى : سخائي وشجاعتي ، بحار الأنوار 293 : 43 ، مقتل الحسين للخوارزمي 105 : 1 ، الإصابة لا بن حجر 316 : 4 رقم 481 ترجمة زينب بنت أبي رافع ، أسد الغابة130 : 7 رقم 6955 ، البداية والنهاية 161 : 8 ، ذخائرالعقبى لمحب الدين الطبري : 129 ، المعجم الأوسط للطبراني 136 : 7 ح 6241 وفيه : كرامتي وجودي ، مجمع الزوائد 185 : 9 ، وأخرجه ابن منده ، وابن عساكر في تاريخه ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، وأبو نعيم وغيرهم .

[2] الأحزاب 33 : 33 .

[3] المستدرك على الصحيحين 160 : 3 ح 4709 ، دار الكتب العلمية .

[4] المستدرك على الصحيحين 3 : 161 ح 4713 .

[5] سنن الترمذي 5 : 656 ح 3769 كتاب المناقب ، ب31 مناقب الحسن والحسين .

[6] ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر من تاريخ دمشق ، تحقيق المحمودي : 146 ح188 .

[7] المعجم الكبير للطبراني 3 : 65 .

[8] مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم : 316 و317 .

[9] مقتل الحسين للمقرم : 312 .

[10] مقتل الحسين للمقرم : 314 .

قصة سكينة بنت الحسين عليه السلام

 قلنا : إن آل الرسول صلوات الله عليهم ، لم ينهوا معركتهم مع الكفر والظلال بقتل الحسين عليه السلام ، وسفك دماء آله الأطهار ، بل توهجت ثورتهم واشتد ضراها بعد رجوعهم من واقعة الطف الدامية ، فكان لعلي بن الحسين عليهما السلام وقع في خطبه وبياناته ، وكان لسيدات بيت النبوة زينب وأم كلثوم وفاطة بنت الحسين أثر في بيان الحقائق ، وذاكرة الأمة قد سجلت كل شيء ، ووعت كل صغيرة وكبيرة ، وارتسمت في أذهانها صور الكفاح والجهاد لهذا الجمع العلوي المقدس ، وهم يهتفون بالحق ، ويميطون الأستار عن كل ما أخفاه آل أبي سفيان من حقائق وأحداث ، كما أن الأمة تحتفظ كذلك بقداسة هؤلاء أمناء الحق ، فهم قديسون كما هم مجاهدون ، وهم مظلومون كما هم مقارعون أقوياء ، يزلزلون الأرض تحت أقدام أعدائهم بصيحات الحق التي لا تقر ، فكيف بعد ذلك يتاح لأعدائهم أن يغمزوهم ، أويطعنوا عليهم ، أويسوموهم بما تأباه قداسة الطهر ، وكرائم النبوة ؟!

لم يتح لسكينة الحسين عليهما السلام ما أتيح لآل الحسين من الظهور على ساحة أحداث كربلاء ؛ لتلهب الأجواء بالخطب والبيانات ، فإن مهمة ذلك موكول إلى الكبار من أهل هذا البيت الطاهر . فمع وجود أخيها الإمام ، وعمتها العقيلة ، وأم كلثوم ، وأختها فاطمة ، فإن سكينة كانت في عداد الهاشميات الصغيرات ، والمخدرات اللواتي لم يتحملن مهمة التبليغ بعد ، ولم تظهر إلا بعد أن حط الآل ركبهم في المدينة ، وأخذت تستذكر فيما بعد أحداث الفاجعة ؛ لتروي لنا نتفا مما علقت بها ذاكرتها من محن وأحداث .
وإذا كانت سكينة بنت الحسين عليهما السلام لم تسلط عليها أضواء أحداث الفاجعة ؛ يتعامل معها وجدان الأمة كأحد مظلومي هذا البيت الطاهر ، ولم تستطع الأمة أن تستعرض السيدة سكينة في ركب المظلومين من آل الحسين عليهم السلام ، الذين شاهدوا مصارع ذويهم الأبرار ، كما أن اسم السيدة سكينة لم تتعاطف معه الضمائر والوجدانيات بعد ، مع الذين يعدهم الناس من آل الحسين عليهم السلام المظلومين .. أمكن للدعايات الأموية ، والطعون الزبيرية ان تأخذ دورها في إدخال اسم « سكينة » ضمن مسلسل الأقاصيص ، التي تسيء الى أهل بيت الحسين الأقدس ، الذين ما فتأت الأمة تستذكر فيهم طهارة الرسالة ، وقداسة الحق العلوي ، ومن ثم تحتفظ في ذاكرتها صور المأساة التي أقدمت عليها يد البطش الأموي ، التي لم تحفظ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمته في أهل بيته المطهرين من كل دنس ، والمبرئين من كل عيب .
عمدت الدعاية الأموية إلى تدنيس سمعة أهل هذا البيت الطاهر ؛ لتقلل من عبء وزر جناياتها ، وتخفف من ثقل ما ارتكبه الأمويون في حق أهل هذا البيت ، ولتصرف الأذهان عن مظلوميتهم إلى حياة ترفهم المزعوم ، التي كانت تمثله السيدة سكينة حسب دعواهم ، وبهذا يستطيع الأمويون التقليل من شأن أهل هذا البيت ، وحجم مظلوميتهم ، وانصراف الناس إلى التحدث بما فعلته السيدة سكينة من مجالس اللهو ، ومنادمة الشعراء ، وما قيل فيها ، وما قالته ، ليستملح ذلك السذج من الناس ، وتلقى بذلك مظلوميتهم من أذهان هؤلاء ؛ لتنصرف إلى حياة خاصة يعيشها أهل هذا البيت كما يزعمون .
ولم يكن آل الزبير بأقل مما عمده الأمويون من الإساءة إلى أهل البيت عليهم السلام ، فقد كان لآل الزبير طموح سياسي جامح ، ارتكبوا من خلاله أبشع المجازر من أجل الوصول إلى مناصب مؤقتة ، وإمارات محدودة ، كلفت الأمة فتنا ودماء وأموالا ، ثم هي لم تدم طويلا حتى قطع الله شأفتهم ، وأسكت عقيرة النفاق ، وأذهب عادية الشقاق ، وأطفأ الله نائرتهم من الجمل وما سفكوه من الدماء ، إلى مكة وما سببوه من هدم الكعبة وهتك حرمة البيت الحرام ، إلى الكوفة وما أباحوا فيها من حرم الآخذين بثأر الحسين ، والمنتقمين من أعداء الله ، وهم يجدون أن أهل البيت عليهم السلام يعدون المنافسين الأقوياء لوجودهم ، وأن أية محاولة من آل الزبير لم تعد تلقى قبولا مع وجود الشرعية المتمثلة بأئمة آل البيت عليهم السلام ، إضافة إلى ما لحقت آل الزبير سمعة الأحاديث السيئة لسكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير ، التي كانت تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محافل الغناء ، ومجالس الشعراء ، وهم بذلك سيفقدون من سمعتهم الشيء الكثير ، فاولوا إحالة هذه التهمة إلى عقيلة بيت الوحي سكينة بنت الحسين عليهما السلام وسيأتي مزيد تفصيل ذلك .

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

شاهد أيضاً

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي بين نمط د. هشام الهاشمي للقصف الإيراني لقاعدة ...