تشرّفت هذه السيدة الطاهرة باحتضان ورضاعة أشرف خلق الله وسيد الكائنات محمد وقد خصّها الله بهذه الفضيلة فحازت الكرامة في الدنيا، وغاية الشرف في الآخرة، ووشّحت اسمها بأمومة النبي من الرضاعة إنها السيدة الجليلة حليمة السعدية (رضوان الله عليها)
تنتمي السيدة حليمة إلى بني سعد بن بكر من قبيلة هوازن، فهي حليمة بنت أبي ذؤيب بن عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وكانت متزوجة من الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن وهو من بادية الحديبية. ولها منه من الأبناء ثلاثة هم: عبد الله، وأنيسة، والشيماء.
أما قصة رضاعتها للنبي فهي كما وردت في التواريخ والسير المعتبرة:
(إن النبي (ص) لم يرضع من أمه آمنة بنت وهب (سلام الله عليها) سوى ثلاثة أيام وجفّ لبنها، وكانت عادة أهل مكة أنه إذا بلغ المولود لهم سبعة أيام طلبوا له مرضعة ترضعه، كما كان من عادتهم إرساله إلى البادية ليشب فصيحاً شجاعاً، وقد عزم عبد المطلب على ذلك فتطاولت النساء ليحظين بشرف رضاعة حفيد سيد مكة.
وفي ذلك العام كان النماء والخير قد عمّ مكة ببركة ولادة النبي فيما عمّ الجفاف البوادي المحيطة بها وكانت السيدة آمنة قد سمعت وهي نائمة هاتفاً يقول لها أن تعطي محمداً ابنها لمرضعة اسمها حليمة بنت أبي ذؤيب من بني سعد.
ولما جاءت نساء القبائل ــ كعادتهن ــ في كلّ سنة إلى مكّة المكرّمة، ليأخذن أبناء الأشراف للرضاعة أمر عبد المطّلب أن يُؤتى بالمرضعات، ليختار منهنّ واحدة لحفيده الميمون، فأتت النساء إلى عبد المطّلب فلم يقبل الوليد ــ وهو النبي ــ أن يرضع من ثدي أية امرأة منهنّ، وهكذا حتى لم تبق منهن سوى امرأة واحدة وهي السيدة الطاهرة النقية حليمة السعدية فرضع منها ..
ولمّا جاءت إلى عبد المطّلب بعد إرضاعه سألها عن اسمها، فقالت حليمة السعدية فتفاءل بذلك وقال: حلم وسعد.
وقيل إن عبد المطلب أرسل في طلبها ليسلم إليها حفيده لترضعه فأخذته إلى قومها وكانت ترعاه هي وزوجها وتقدّمه حتّى على أولادها، وقد وجدت فيه كلّ الخير والبركة.
وقد روي عنها أنّها قالت: قدمنا منازل بني سعد ومعي يتيم عبد المطلّب، ولا أعلم أرضاً أجدب من أرضنا، وكانت الأغنام تبقى جائعة لقلة الطعام. ولما سكن محمّد عندنا في البادية فكنّا نحلب منها ونشرب ويتدفّق الخير علينا، وأصبح جميع من في الحيّ يتمنّى ذلك اليتيم الذي يسَّر لنا الله ببركته الخير ودفع عنّا الفقر والبلاء.
وكلتا الروايتين تتفقان على جلالة هذه المرأة.
وهناك رواية ثالثة روتها المصادر تقول: (أنه جاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع وفيهن حليمة فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة فعُرض عليها رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يتيم ولا مال له وما عسى أمه أن تفعل فخرج النسوة وخلفنها، فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكة غلام يسترضع إلا هذا الغلام اليتيم فلو أنا أخذناه فإني أكره أن أرجع بغير شيء فقال لها: خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيراً فأخذته فوضعته في حجرها فدر ثدياها …)
وهذه الرواية هي عارية عن الصحة وتدحضها حقيقة أن النبي (ص) كان يكفله جده عبد المطلب سيد مكة وكل امرأة كانت تتمنى أن تحظى بشرف رضاعة حفيده.
كما يدحضها أيضاً أن السيدة حليمة قد خصّها الله لهذا الشرف فكيف ترفضه وهي من عُرفت بجلالها وشرفها وأخلاقها.
وقد وردت روايات عن إكرام النبي لها فكان يناديها: (أمي) فقد رُوي أنّها استأذنت عليه، فلما دخلت عليه قال: أمي أمي، وعمد إلى ردائه وبسطه لها، فجلست عليه.
كما روي أنّها جاءت إلى رسول الله بمكّة، وقد تزوّج النبي من خديجة، فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلّم (ص) خديجة (سلام الله عليها)، فأعطتها أربعين شاة وبعيراً، وانصرفت إلى أهلها.
وقد ذكرت المصادر أن السيدة حليمة كانت متعبّدة بدين ابراهيم الخليل ولم تكن تعبد الأصنام، وبعد البعثة الشريفة جاءت إلى مكة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث ووردت أحاديث شريفة في حقها منها قوله :
(قال لي جبرائيل: إنّ الله مشفّعك في ستّة: بطن حملتك ــ آمنة بنت وهب ــ، وصلب أنزلك ــ عبد الله بن عبد المطّلب ــ، وحجر كفلك ــ أبو طالب ــ، وبيت آواك ــ عبد المطّلب ــ، وأخ كان لك في الجاهلية … وثدي أرضعتك ــ حليمة بنت أبي ذؤيب) (1)
عرفت السيدة حليمة بالعفة والعقل والشرف فأكرمها الله بشرف رضاعة النبي قال أبو الفتح الكراجكي: (وشرّف الله تعالى حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية برضاعه، وخصّها بتربيته وكانت ذات عقل وفضل، فروت من آياته ما يبهر عقول السامعين، وأغناها الله ببركته في الدنيا والدين) (2)
ولما توفيت هذه السيدة سنة ثمان للهجرة وسمع النبي بخبر موتها ذرفت عيناه بالدموع
وقد جاء في زيارتها ما يدل على علو شأنها ومنزلتها عند الله والنبي فقد جاء فيها تحت عنوان: (زيارة السيدة حليمة (رضوان الله عليها) مرضعة النبي
السلام عليك يا أم رسول الله السلام عليك يا أم صفي الله السلام عليك يا أم حبيب الله السلام عليك يا أم المصطفى السلام عليك يا مرضعة رسول الله السلام عليك يا حليمة السعدية رضي الله تعالى عنك وأرضاك وجعل الجنة منزلك ومأواك ورحمة الله وبركاته
وروي للسيدة حليمة بعض الأشعار في مدح النبي منها:
يا ربِّ باركْ في الغلامِ الفاضلِ محمدٍ سليلِ ذي الأفاضلِ
وأبلغه فـي الأعـوامِ غـيـر آفـلٍ حـتـى يكون سيدَ المحافلِ
ومنها:
يا ربِّ إذْ أعطيتهُ فَأبقهِ وأعلهِ إلى العلى وأَرقهِ
وادحض أباطيلَ العدى بحقِّهِ
أما ما جاء في ذكرها فقد روى المجلسي أن السيدة آمنة بنت وهب عندما أرادت حليمة الرحيل بالنبي إلى ديارها سمعت هاتفاً يقول: