أعترف أن قبول مفهوم الولاية بهذا المعنى ليس من السهولة بمكان، وكذلك هو تصديقه، خاصة وأن طبقة المتنورين عندنا لا يعجبها الخوض في أمثال هذه المسائل، فهم يعرفون صعوبة الموضوع وسهولة إنكاره بهذا الشكل:
(بالنظر لكثرة المسائل الضرورية والآية المطروحة أمام المسلمين في الوقت الحاضر، فليس هناك ما يدعو إلى تناول موضوع إن كان للنبي والإمام ولاية تكوينية أم لا).
ويطرح آخرون إنكارهم واعتراضهم بشكل آخر يصطبغ بالصيغة الدينية، فيقولون: هذا غلو، ويعني القول بمقام فوق بشري ونصف إلهي للبشر، ونسبة عمل الله إلى غير الله، وعليه فإنه شرك ويتنافى مع أول أصول الإسلام وهو التوحيد.
والحقيقة هي إننا لا نستطيع بأنفسنا أن نتقبل أمراً أو أن نرده. إنّ كون قضية من القضايا شركاً أو توحيداً لا يتأكد أو ينتفي برغبتنا بحيث إننا يمكن أن نقول إن هذه النظرية شرك وتلك توحيد بحسب ميولنا. هنالك مقاييس دقيقة قرآنية وبرهانية لذلك. إنّ في المعارف الإسلامية من المسائل المتعلقة بالشرك والتوحيد ما يبلغ بها أوج العظمة التي تفوق قصور الإنسان العادي, كما أن مسألة ضرورة بعض المسائل وآنيتها بالنسبة لمسائل أخرى تعتبر من المسائل الرئيسة، ولكن معيار ضرورتها لا ينحصر في كون بعض المسائل تطرح في زمان ما أكثر ويحس الناس بالحاجة إليها أكثر. إنّ من الخطأ التصور بأن الإحساس بالحاجة يكون دائماً مطابقاً للحاجة فعلاً.
إنّ مقدار توكيد القرآن على موضوع ما ضمن عرضه المسائل يعتبر بحد ذاته معياراً ينبغي أن يؤخذ بنظر الإعتبار في كل زمان. ومسألة الولاية التكوينية من المسائل المتعلقة بالإنسان ومواهبه. إنّ القرآن يولي أهمية كبرى للإنسان ولمواهبه وللجوانب غير العادية في الخلق. وهذا ما سوف نتناوله إن شاء الله في كتابنا(القرآن والإنسان).
يكفي هنا أن نشير بصورة إجمالية إلى هذا الموضوع لتوضيح أسسه إستناداً إلى المفاهيم القرآنية، لئلا يقول بعضهم إنّ هذا الكلام من (عندياتنا).
إننا في أمثال هذه المسائل التي تثقل على أفهامنا أحياناً، نكون أقرب إلى الحقيقة إذا خطأنا أنفسنا من أن ننكرها.
لا شك إن مسألة (الولاية) بمفهومها الرابع تكون من المسائل العرفانية الصوفية، ولكن هذا لا يعطينا الحق في أن ننبذ المسألة على هذا الإعتبار. إنّ هذه المسألة العرفانية تعتبر مسألة إسلامية من وجهة نظر التشيع. والتشيع مذهب والصوفية مسلك(بصرف النظر عن الخرافات التي دخلت فيها).
ولكنهما يلتقيان في هذه النقطة، وإذا كان لابد من القول أيهما أقدر في تبني تلك المقولة فالذي لا شك فيه بدلائل من القرآن والتاريخ, إن التصوف هو الذي اقتبس ذلك من التشيع، وليس العكس, على كل حال، سوف نستعرض بصورة موجزة جذور هذه الفكرة:
أهم مسألة ينبغي أن تعرض هنا هي مسألة (التقرب من الله) من المعلوم في الإسلام، بل وفي كل دين سماوي، أن روح التشريع هو قصد التقرب إلى الله، وأن النتيجة النهائية المتوقعة من كل عمل هي التقرب إلى الله أيضاً.
إذن سوف نبدأ كلامنا على معنى (التقرب) ومفهومه.