أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 01
10 سبتمبر,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
870 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
وإيّاه نستعين
الحمد للَّه الذي يعلم السرّ وأخفى ، والصلاة على صاحب سرّه الذي دنا فتدلَّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، وعلى أهل بيته الَّذين هم مواضع سرّه ، وحماة أمره ، وعياب علمه ، وموائل حكمه ، وكهوف كتبه ، وحبال دينه ، بهم نتولَّى ، ومن أعدائهم نتبرّأ إلى الله الذي كلّ سرّ عنده علانية .
وبعد ، فيقول العبد المفتاق إلى الله الجواد ، عبد الله الجواديّ الطبريّ الآمليّ :
هذه وجيزة حول أسرار الصلاة ، معمولة ممّا ورثتها من السلف الصالح ، أو سنح لي وأورثته للخلف الفالح ، لتكون ذكري لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، راجيا منه سبحانه أن يصونها عن شوب طلب ما سواه ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الذي لا بقاء لما عداه ، وأن يصحّح عيبها ، ويكمل نقصها ، ويتمّ قصرها ، ويقرّب بعدها ، حتّى تصير كلما طيّبا يصعد اليه .
وحيث إنّ الصلاة عمود الدين : إن قبلت قبل ما سواها ، وإن ردّت ردّ ما سواها ، وكلّ عمل تابع للصلاة « 1 » تكون إسرارها أعمدة أسرار الدين ، إن نيلت وشوهدت إسرارها تنال وتشاهد أسرار ما عداها ، فبالحري أن يجاهد السالك ويجتهد العارف لأن ينال ويشهد ما هو عمود أسرار الدين ، حتّى ينال الدين كلَّه ويشهده تمامه ، ويستظلّ تحت ولائه جلّ شأنه ، يوم لا ظلّ إلَّا ظلَّه .
وليعلم : أنّ السرّ في قبال العلن ، كما أنّ الغيب في قبال الشهادة ، وهو على قسمين :
أحدهما : هو السرّ البحت ، كالغيب المطلق .
وثانيهما : هو السرّ المقيّد والمقيس ، كالغيب المضاف ، كما أنّ العلن كالشهادة على قسمين : مطلق ومقيّد مقيس .
ولمّا كان معنى السرّ المقابل للعلن واضحا بحسب المفهوم لم يحتج إلى التفسير وإن كان بحسب الكنه في غاية الخفاء ، وإذا أحرز وجوده ينتظم البحث الصناعيّ – حينئذ – من أنّ السرّ ما هو ؟ وأنّه هل هو ؟ وأنّه كم هو ؟ وما دام لم يثبت وجوده لا يصحّ تقسيمه ، كما لا يصحّ ترتيب سائر ما يتفرّع على وجوده .
والذي يدلّ على وجود السّر للصلاة أمران :
الأوّل : ما يعمّها وما عداها بلا اختصاص لشيء من ذلك .
والثاني : ما يختصّ بها ، أو يختصّ بالأمر العباديّ ، سواء كان صلاة أو غيرها .
ثمّ الذي يدلّ على وجود السرّ لكلّ شيء : إمّا عقليّ مشفوع بالنقليّ ، وإمّا نقليّ مؤيّد بالعقليّ .
فالبحث في مقامين :
المقام الأوّل : في الدليل العقليّ .
والمقام الثاني : في الدليل النقليّ .
أمّا المقام الأوّل ففي الدليل العقليّ المشفوع بالدليل النقليّ
فهو : أنّ لكلّ شيء موجود في العالم الطبيعيّ له وجودات أخر في العوالم الثلاثة السابقة عليه : من عالم المثال ، وعالم العقل ، وعالم الإله ، يعني : أنّ لكلّ شيء طبيعيّ وجودا مثاليّا يشاهد بصورته المثالية ، ووجودا عقليّا ينال بحقيقته ، ووجودا إلهيّا ، إذ الإله هو بسيط الحقيقة ، وهو كلّ الأشياء ، وليس بشيء منها ، ولا ينال
الوجود الإلهيّ للأشياء إلَّا للَّه سبحانه ولمن فنى فيه ، يشاهد – حينئذ – تلك الأشياء أيضا ، ولكن بلا شهود تعيّنها ، كما لا يشهد تعيّن نفسه .
والمعهود من غير واحد من آل الحكمة هو : تثليث العوالم من الطبيعة والمثال والعقل ؛ لعدم اتّضاح قاعدة بسيط الحقيقة كلّ الأشياء لديهم ، وأمّا المشهود للأوحديّ منهم هو التربيع بعد اتّضاح تلك القاعدة . فكلّ عال هو سرّ للداني ، كما أنّه غيب له ، إلى أن ينتهي الأمر إلى السرّ الصرف الذي هو الغيب البحت .
ثمّ إنّ المثال الحقّ قد يكون مقيّدا ، وقد يكون مطلقا ؛ وذلك : إمّا بنحو الاتّصال بالنفس ، أو الانفصال عنه ، أو بنحو آخر ، وهكذا العقل : قد يكون مقيّدا وقد يكون مطلقا ، وكلّ ذلك إنّما يصحّ أن يكون سرّا إذا كان حقّا موجودا في نفس الأمر ، تناله النفس المتحرّكة بجوهرها ، لا ما نسجته يد الوهم أو لفّقته يد الخيال ؛ لأنّه باطل ولا سرّ له . وحيث إنّ البيان العرفانيّ موافق للبيان البرهانيّ يكون هذا التربيع مشهودا لدى العارف الواصل ، كما أنّه يكون معقولا للحكيم الكامل ، وتفصيل ذلك على ذمّة الحكمة المتعالية ، وعلى كأهل العرفان النظريّ ، وسيأتي الدليل القرآنيّ المؤيّد لما نطق به البرهان وشاهده العرفان .
وأمّا المقام الثاني ففي الدليل النقلي المؤيّد بالدليل العقلي
فهو : أنّ أن الصلاة كغيرها من العبادات ممّا بيّنه القرآن الحكيم ، وكلّ ما بيّنه القرآن فله تأويل كما له تفسير ، وله باطن كما له ظاهر ، ولا بدّ أن يكون التأويل ملائما للتفسير ، والباطن موافقا للظاهر . والتأويل إنّما هو : أمر عينيّ لا ذهنيّ ، ومصداق خارجيّ لا مفهوم نفسيّ ، وسيظهر ذلك التأويل يوم تبلى السرائر ، كما قال سبحانه * ( « هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَه ُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُه ُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوه ُ مِنْ قَبْلُ قَدْ
جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ » ) * « 1 » .
والذي أنتجه هذا القياس الاقترانيّ المسوق على الشكل الأوّل البديهيّ الإنتاج هو : أنّ للصلاة تأويلا يأتي ذلك التأويل يوم القيامة ، وحيث إنّ للظاهر بطونا متراقية بعضها فوق بعض فللصلاة بطون وتأويلات متدارجة بعضها فوق بعض ، فينطبق على ما نظر إليه البرهان ، وأبصره العرفان .
2019-09-10