الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 03

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 03

وممّا يدلّ أيضا على أنّ للصلاة كغيرها من العبادات سرّا هو : أنّها من الموجودات المعدودة جزءا من السماوات والأرض ، أي : النظام العينيّ ، وكلّ موجود هو جزء من النظام العينيّ العامّ فله غيب ، كما أنّ له شهادة . وقال سبحانه :
* ( « وَلِلَّه ِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْه ِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه ُ » ) * « 2 » ، وليس المراد هو خصوص ما غاب عنهما ، بل يشمل غيبتهما أيضا .

والذي أنتجه هذا القياس أيضا هو : أنّ للصلاة غيبا كما أنّ لها شهادة ، وحيث إنّ للظاهر بطونا – وكلّ باطن فهو غيب للظاهر – فللصلاة غيوب متراقية بعضها فوق بعض ، فينطبق على ما تقدّم من معقول البرهان ومشهود العرفان .
وممّا يدلّ أيضا على أنّ للصلاة ولغيرها سرّا بالتقريب المتقدّم قوله سبحانه :
* ( « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُه ُ وَما نُنَزِّلُه ُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » ) * « 3 » ، وقوله سبحانه :
« * ( وَلِلَّه ِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ ) * . » « 4 » ؛ وذلك لأنّ الصلاة شيء خارجيّ على ما يأتي ، فهي ممّا له خزينة ، بل خزائن ؛ لأنّ ظاهر الآية هو : أنّ لكلّ شيء خزائن ، لا أنّ لمجموع الأشياء خزائن حتّى يكون من باب وقوع المجموع قبال المجموع الآخر ، فعليه يكون لكلّ موجود طبيعيّ خزائن بعضها فوق بعض ، فينطبق على تعدّد العوالم حسبما قرّر .

وحيث إنّ القرآن الحاوي للصلاة وغيرها أيضا شيء خارجيّ في عالم الطبيعة
فله بما فيه من المضامين خزائن إلهيّة ، قد تنزّل القرآن من تلك الخزائن الطوليّة ، كما أنّ الصلاة وغيرها معدودة من النظام الكيانيّ المعبّر عنه بالسماوات والأرض فلها أيضا خزائن ، إذ للسماوات والأرض خزائن ، ولمّا كانت تلك الخزائن عند الله سبحانه – * ( وَما عِنْدَ ا للهِ باقٍ ) * ، وما عند غيره فان كما قال سبحانه * ( « ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ ا للهِ باقٍ » ) * « 1 » – فأسرار السماوات والأرض الَّتي منها الصلاة موجودات خارجيّة مصونة عن النفاد ، ولا تنال إلَّا بالصعود إليها بعد هجران النافد الزائل ، إذ لا يمكن الوصول إلى الباقي إلَّا بعد هجرة الفاني ؛ لأنّه حجاب لا محيص عن تركه .
وممّا يدلّ أيضا على أنّ للصلاة – كغيرها – سرّا قوله تعالى

* ( « فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِه ِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ » ) * « 2 » لدلالته على أنّ لكلّ شيء ملكوتا يلائمه التسبيح ، بخلاف الملك الذي يناسبه التبارك كما قال تعالى * ( « تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِه ِ الْمُلْكُ » ) * ، حيث إنّ التبارك من الأسماء التشبيهيّة ، والسبحان من الأسماء التنزيهيّة . ولمّا كان لكلّ شيء ملكوت – وهي أمر وراء الملك ، ومن شاهدها كان من أصحاب اليقين كما قال تعالى في إبراهيم عليه السّلام * ( « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » ) * « 3 » – فللصلاة أيضا ملكوت تكون هي سرّها ، وتلك الملكوت ثابتة ؛ لأنّها بيد الله تعالى لا بيد المصلَّي ، ولا تنال تلك الملكوت السرّيّة إلَّا بعد السفر من الملك .

ولعلّ قوله تعالى * ( « قُلْ أَنْزَلَه ُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ » ) * « 4 » تلميح إلى بعض ما مرّ ؛ وذلك لأنّ وصف الله الذي أنزل القرآن بأنّه عالم السرّ يشعر بأنّ للقرآن المشتمل على ما فيه من المعارف والأخلاق والأحكام سرّا فلجميع ما فيه أيضا أسرار .

نعم ، فرق بين أن يقال : إنّه عالم سرّ السماوات والأرض ، وأن يقال : هو عالم
السرّ فيهما ؛ إذ الأوّل دالّ على أنّ لهما سرّا دون الثاني ، ولكنّ وصف الباري المنزل للقرآن بأنّه عالم السرّ يشعر بأنّ للقرآن سرّا ، وإن كان فيما مضى غنى وكفاية .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...