الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 08

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 08

فتبيّن في هذه الفاتحة أمور :
الأوّل : أنّ للطهارة سرّا وحكمة وأدبا ، وكلّ واحد منها يمتاز عن غيره ، ولكلّ منها درجات ، ولا ينال بدرجة خاصّة من السرّ إلَّا بما هو معادل للحكمة والأدب ، وهكذا .

الثاني : أنّ الطهارة تتمثّل بصور الملائكة العلميّة أو العمليّة ذوات تقديس وتسبيح وتكبير .
الثالث : أنّ الطهارة يكتب عليها وتوضع تحت العرش .
الرابع : أنّ الطهارة قد تنزّلت من فعل آدم – عليه السّلام – في الجنّة وتطهّره من تلك الخطيئة .
الخامس : أنّ الذنب ناقض للوضوء وناقص للطهارة باطنا وإن لم يكن كذلك ظاهرا في صناعة الفقه .
السادس : أنّ كيفيّة الوضوء وتحصيل الطهارة به قد قرّرت في المعراج .

السابع : أنّ الإخلاص المحض هو أن لا يشاهد الإنسان المخلص غير الله سبحانه ، وهذا هو كمال التوحيد كما قال أمير الموحّدين عليه السّلام « . وكمال توحيده الإخلاص له » أي : إخلاص الوجود كلَّه له « وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه . » « 1 » أي : نفي الصفات الزائدة عنه تعالى .
الثامن : أنّ الأمر في الطهارة الترابيّة كالمائيّة سرّا وحكمة وأدبا .

وإذ قد انكشف لك بعض أسرار شطر من مقدّمات الصلاة في الفاتحة حان إنجاز الوعد في بيان بعض أسرار نفس الصلاة في صلاة كافلة لنبذ من بطونها
وحكمها وآدابها ، بعد التنبّه بأنّ الأصل هو السرّ ، وأنّ الحكمة والأدب من الفروع الَّتي ينال بها الأصل وهو السرّ .
وليعلم : أنّ تبيين الأسرار الكونيّة وإن كان صعبا ولكنّه ليس بمستصعب ، حيث إنّ كلّ واحد منها أمر تكوينيّ ، وإرجاع الأمور الحقيقيّة بعضها إلى بعض نزولا أو صعودا ، وجعل بعضها سرّا لبعض ليس فيه كثير غموض ، وأنّ النيل والوصول إلى ذلك مستصعب ، إنّما الكلام في تبيين الأسرار الاعتباريّة ، بأن يبيّن ما هو السرّ للأمر الاعتباريّ ، إذ الاعتباريّ لا مجال له في سوق التكوين ، كما أنّ الأمر التكوينيّ أجلّ من أن يجعل في مساق الاعتبار ، مع أنّ الأمور العباديّة اعتباريّة لها أسرار تكوينيّة .

والذي يعالج به هذا العويص هو : أنّ الإنسان جامع للتكوين والاعتبار ، حيث إنّه موجود تكوينيّ وله قوى وشئون حقيقيّة ، وله أيضا قدرة الاعتبار ، بل يعيش ويحيى في غير واحد من مناطق الاعتبار ، فلو أريد الجمع بين الحقيقة والاعتبار فالإنسان نعم المجمع ، كما أنّه نعم الجامع . فلو أريد تنزّل الأمر الحقيقيّ إلى الاعتبار أمكن أن يكون ذلك في حيطة الإنسان ، كما أنّه لو أريد تصعّد الاعتبار إلى الحقيقة تيسّر ذلك في منطقة الإنسان ، والغرض : أنّ الإنسان سور باطنه التكوين وظاهره التشريع .

وليتنبّه بأنّ الأمر الاعتباريّ – كالطهارة ، والصلاة ونحو ذلك – ممّا له حكم فقهيّ ليس بعرض ، كما أنّه ليس بجوهر ؛ لأنّ ذلك كلَّه من أحكام الموجود الحقيقيّ ، والأمر الاعتباريّ ليس بموجود حقيقيّ فلا يوصف بالعرضيّة والجوهريّة .
ولا مجال للقول بأنّ العرض في الدنيا يصير جوهرا في الآخرة ، وأنّ الأعمال الاختياريّة من الطاعات والمعاصي أعراض في الدنيا وجواهر في الآخرة ، إذ العناوين الاعتباريّة الَّتي توصف بالطاعة أو العصيان ليست بموجود حقيقيّ .
وأمّا الحركات الخارجيّة : من القيام والقعود ونحو ذلك فما لم يطرأ على شيء منها عنوان اعتباريّ لا توصف بالطاعة أو المعصية .

والحاصل : أنّ الموجود الحقيقيّ وإن يوصف بالعرضيّة أو الجوهريّة ولكنّه ليس بطاعة ولا عصيان ، والموجود الاعتباريّ الموصوف بشيء منهما لا يوصف بالعرضيّة ولا بالجوهريّة ، فعليه لا مجال للقول بنسبيّة العرضيّة والجوهريّة .
نعم ، يمكن أن يكون الشيء الواحد جوهرا بالحمل الأوّليّ ، وعرضا بالحمل الشائع كما قيل في حلّ صعوبة الوجود الذهنيّ . كما أنّه يمكن أن يصير الوجود العرضيّ من شؤون الجوهر بالحركة الجوهريّة ، فيصير الحال ملكة ، ثمّ تصير الملكة فصلا مقوّما جوهريا كما قرّر في موطنه ، ولكن لا مساس لشيء من ذلك بكون الطاعة أو المعصية عرضا في الدنيا وجوهرا في الآخرة . والغرض : أنّ الوصف النفسانيّ يمكن أن يكون عرضا في نشأة وجوهرا في نشأة أخرى ، ولكنّ العمل الاعتباريّ خارج عن المقال .

وليلفت النظر إلى أنّ السرّ أمر نسبيّ لا نفسيّ ، يعني : أنّ السرّ لا يكون سرّا مطلقا حتّى بلحاظ نفسه ، كما أنّ الغيب أيضا كذلك ، إذ الغيب المطلق وكذا السرّ المطلق الذي هو اللَّه سبحانه لا يكون غيبا ولا سرّا لنفسه وإن كانت ذاته سرّا لصفاته ، وأمّ الأسماء سرّا لسائرها ، والأسماء الذاتيّة سرّا للفعليّة منها . ، وهذه النكتة ينبغي أن تذكر في المدخل .

فإذا تقرّر لديك أنّ سرّ الصلاة كغيرها من العبادات كان موجودا في القوس النزوليّ ، وسيتمثّل تكوينا في القوس الصعوديّ ، وإنّما لها من الوجود الاعتباريّ المحفوف بالتكوينين في نشأة الاعتبار ، وتبيّن أنّ السرّ لا يختصّ بنفس الصلاة ، بل يعمّ مقدّماتها ومؤخّراتها ، وقد مضى نبذ ممّا يرجع إلى مقدّماتها ،
فلنأخذ في إسرارها من الافتتاح إلى الاختتام في طيّ صلات عديدة بعونه تعالى .

الصلة الأولى في أسرار التكبيرات الافتتاحيّة
وليعلم : أنّ صورة الصلاة واحدة يشترك فيها المصلَّون ، ولكنّ سيرتها وسرّها متفاوت ، ولذا يتفاوت المصلَّون ، كما روي النبيّ صلَّى اللَّه عليه وآله : « أنّ الرجلين من أمّتي يقومان في الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد ، وأنّ ما بين صلاتيهما مثل ما بين السماء والأرض » « 1 » ، والمهمّ هو : التفاوت في أدب الصلاة المتفرّع على حكمتها المعادلة لسرّها . وحيث إنّ الصلاة بما لها من الآداب قد شرّعت في المعراج وكان السرّ هنالك متجلَّيا فعند الالتفات إلى ما في المعراج يتبيّن غير واحد من إسرارها .

وقد روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر – عليهما السّلام – علَّة للتكبيرات الافتتاحيّة ، وهي : « أنّ النبيّ – صلَّى الله عليه وآله – لمّا أسري به إلى السماء قطع سبعة حجب ، فكبّر عند كلّ حجاب تكبيرة فأوصله اللَّه – عزّ وجلّ – بذلك إلى منتهى الكرامة » « 2 » . وليعلم : أنّ الحجاب قد يكون مظلما ، وقد يكون نورانيّا ، والحجاب المظلم هو الموجود المادّيّ وما يتعلَّق به ، والحجاب النوريّ هو الموجود النوريّ الذي له نور قاهر مانع عن إدراكه أو إدراك ما وراءه ، والسالك إذا ارتفع عن المادّة وشئونها وتعالى عن الموجود النوريّ القاهر تيسّر له إدراك ذلك الحجاب ونيل
ما وراءه ، وهذا هو معنى خرق الحجاب ؛ لأنّ خرق كلّ حجاب بحسبه .

وحيث إنّ المعراج كان في ساحة النور وقرب الجوار فلا حجاب هناك إلَّا الحجاب النوريّ ، ولا يخرق الحجاب النوريّ إلَّا بالنور المسيطر ، ولمّا كان النور الحاجب هنالك أمرا موجودا تكوينيّا فلا بدّ وأن يكون خارقة أيضا أمرا موجودا تكوينيّا لا تناله يد الجعل الاعتباريّ .

شاهد أيضاً

منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

ما الذي يحملني على الإعتقاد – إلى حد التسليم – بأن مذهبي الذي ورثته عن ...