الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين15

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين15

الشكر لله :
عرف العلماء الشكر بأنه : ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ، ثناء
واعترافا ، وعلى قلبه شهودا ومحبة ، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة ، فالشاكر
من يكون لسانه مشتغلا بالثناء على ربه ، معترفا له بنعمته . ويكون قلبه
مملوء محبة لله على هذه النعم ، وشهودا بأنها منه فضل وإحسان ، وتكون
جوارحه مشتغلة بطاعة الله استسلاما له وانقيادا .

لهذا كان الشكر من مظاهر العبادة التي دعا إليها القرآن ، لأنه يجعل
العبد ذاكرا ربه عابدا متعلقا بخالقه ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا
كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ) .
وكلمة الشكر من الكلم الجوامع التي تنتظم كل خير وتشمل كل ما
يصلح به قلب الإنسان ولسانه وجوارحه . فالذي لا يحب الله ولا يشهد قلبه
بأن ما فيه من النعم إنما هو من الله فضلا وإحسانا ليس بشاكر ، والذي لا
يثني على ربه ولا يحمده بلسانه ويخوض في الباطل ويشتغل لسانه بلغو القول
ولهو الحديث ليس بشاكر . والذي يعطيه الله من العلم شيئا ولا يعمل به ولا
يعلمه الناس ليس بشاكر . والذي يعطيه من المال ما يستعين به على طاعته
بصرفه في وجوه الخير والبر ويبخل به أو يصرفه في معاصي الله ليس بشاكر .

لهذا دعا الله تعالى إلى التخلق بالشكر في كثير من الآيات ، ( بل الله
فاعبد وكن من الشاكرين ) ومدح نبيه إبراهيم لقيامه بواجب الشكر ،
( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ، شاكرا لأنعمه
اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . ( وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة
لمن الصالحين ) كما تفضل الله بعدم عذابهم ( ما يفعل الله بعذابكم إن
شكرتم وآمنتم ) . ووعد الشاكرين بأن يزيد لهم النعم في الدنيا ويحفظها
لهم ، فقال سبحانه : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم
إن عذابي لشديد ) .

والانسان عليه واجب الشكر نحو خالقه فإن لم يفعل كان بذلك مقترفا
أشنع أنواع الجحود والنكران . ألا ترى أننا ننكر على الشخص الذي لا
يسدي الشكر لمن أحسن إليه من البشر ، فما بالك بمن لا يسدي الشكر لله
خالقه مصدر كل النعم . ولا يمكن أن نكون مقربين إلى الله من غير شكره
وهذا ما أمر به الله في آيات متعددة بعد أن ذكر فيها بعض النعم التي أنعمها
على الإنسان ، ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم
السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) ويقول سبحانه : ( وآية لهم
الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون . وجعلنا فيها جنات
من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون . ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم
أفلا يشركون ) . ويقول سبحانه أيضا :

( الله الذي سخر لكم البحر لتجري
الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ، وسخر لكم ما في
السماوات وما في الأرض جميعا منه ) ويقول سبحانه في موضع آخر : ( قل
أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم
بضياء أفلا تسمعون ، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة
من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون . ومن رحمته جعل لكم
الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) .

ولكن الناس أمام هذه النعم وغيرها قليلا ما يشكرون . قال سبحانه :
( إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون )
ومنفعة الشكر لا تعود على الله ، فإنه لا ينتفع بشكر الشاكرين ، ولا
يتضرر بكفر الكافرين ، وإنما منفعة الشكر عائدة على الشاكرين ، فهو يطهر
النفوس ويقربها من الله ، ويوجه إرادتها إلى الوجهة الصالحة في إنفاق النعم في
وجوهها المشروعة : ولهذا يقول سبحانه : ( ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ،
ومن كفر فإن الله غني حميد ) .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ]

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ] إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: القضية الأساسية في ...