المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 5
24 سبتمبر,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
694 زيارة
وأما ثانيا : فلأن الأخلاق الفاضلة أيضا تحتاج في ثباتها واستقرارها إلى ضامن
يضمن حفظها وكلاءتها وليس إلا التوحيد أعني القول بأن للعالم إلها واحدا ذا أسماء
حسنى خلق الخلق لغاية تكميلهم وسعادتهم وهو يحب الخير والصلاح ، ويبغض الشر
والفساد وسيجمع الجميع لفصل القضاء وتوفية الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه والمسئ
بإساءته ، ومن الواضح ان لولا الاعتقاد بالمعاد لم يكن هناك سبب أصيل رادع عن اتباع
الهوى والكف عن حظوظ النفس الطبيعية ، فإنما الطبيعة الإنسانية تريد وتشتهي مشتهيات
نفسها لا ما ينتفع به غيرها كطبيعة الفرد الآخر إلا إذا رجع بنحو إلى مشتهى
نفسها . ففيما كان للإنسان مثلا تمتع في إماتة حق من حقوق الغير ولا رادع يردعه
ولا مجازي يجازيه ولا لائم معاتب يلومه ويعاتبه ، فأي مانع يمنعه في اقتراف الخطيئة
وارتكاب المظلمة وإن عظمت ما عظمت ؟ وأما ما يتوهم – وكثيرا ما يخطئ فيه الباحث –
من الروادع المختلفة كالتعلق بالوطن وحب النوع والثناء الجميل ونحو ذلك ، فإنما هي
عواطف قلبية ونزوعات باطنية لا سبب حافظا عليها إلا التعليم والتربية من غير
استنادها إلى السبب الموجب فهي إذن أوصاف اتفاقية وأمور عادية لا مانع معها يمنع من
زوالها فلماذا يجب على الانسان أن يفدي بنفسه غيره ، ليتمتع بالعيش بعده وهو يرى أن
الموت فناء وبطلان ؟ والثناء الجميل إنما هو في لسان آخرين ولا لذة يلتذ به الفادي
بعد بطلان ذاته .
وبالجملة لا يرتاب المتفكر البصير في أن الانسان لا يقدم على حرمان لا يرجع إليه
فيه جزاء ولا يعود إليه منه نفع ، والذي يعده ويمنيه في هذه الموارد ببقاء الذكر
الحسن والثناء الجميل الخالد والفخر الباقي ببقاء الدهر ، فإنما هو غرور يغتر به
وخدعة ينخدع بها بهيجان إحساساته وعواطفه فيخيل إليه انه بعد موته وبطلان ذاته حاله
كحاله قبل موته فيشعر بذكره الجميل فيلتذ به وليس ذلك إلا من غلط الوهم كالسكران
يتسخر بهيجان إحساساته فيعفو ويبذل من نفسه وعرضه وماله أو كل كرامة له ما لو يقدم
عليه لو صحا وعقل ، وهو سكران لا يعقل ويعد ذلك فتوة وهو سفه وجنون .
فهذه العثرات وأمثالها مما لا حصن للإنسان يتحصن فيه منها غير التوحيد الذي ذكرناه
ولذلك وضع الاسلام الأخلاق الكريمة التي جعلها جزءا من طريقته الجارية على أساس
التوحيد الذي من شؤونه القول بالمعاد ، ولازمه أن يلتزم الانسان بالاحسان ويجتنب
الإساءة أينما كان ومتى ما كان سواء علم به أو لم يعلم ، وسواء حمده حامد أو لم
يحمد ، وسواء كان معه
من يحمله عليه أو يردعه عنه أو لم يكن فإن معه الله العليم الحفيظ القائم على كل
نفس ما كسبت ووراءه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء ، وفيه
تجزى كل نفس بما كسبت .
– 7 –
التعقل والإحساس
أما منطق الاحساس ، فهو يدعوا إلى النفع الدنيوي ، ويبعث إليه فإذا قارن الفعل نفع
وأحسن به الانسان فالإحساس متوقد شديد التوقان في بعثه وتحريكه ، وإذا لم يحس
الانسان بالنفع فهو خامد هامد ، وأما منطق التعقل فإنما يبعث إلى اتباع الحق ويرى
أنه أحسن ما ينتفع به الانسان أحس مع الفعل بنفع مادي أو لم يحس فإن ما عند الله
خير وأبقى ، وقس في ذلك بين قول عنترة ، وهو على منطق الاحساس :
وقولي كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي
يريد أني استثبت نفسي كلما تزلزلت في الهزاهز والمواقف المهولة من القتال بقولي لها
: اثبتي فإن قتلت يحمدك الناس على الثبات وعدم الانهزام ، وإن قتلت العدو استرحت
ونلت بغيتك فالثبات خير على أي حال ، وبين قوله تعالى . . . وهو على منطق التعقل ( قل
لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون * قل هل
تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو
بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ) ( 1 ) .
يريد أن أمر ولايتنا وأنصارنا إلى الله سبحانه لا نريد في شئ مما يصيبنا من ضر
أو شر إلا ما وعدنا من الثواب على الاسلام له والالتزام لدينه
كما قال تعالى : ( لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا
يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر
المحسنين * ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) ( 1 ) .
وإذا كان كذلك فإن قتلتمونا أو أصابنا منكم شئ كان لنا عظيم الأجر والعاقبة
الحسنى عند ربنا فإن قتلناكم أو أصبنا منكم شيئا كان لنا عظيم الثواب والعاقبة
الحسنى والتمكن في الدنيا من عدونا ، فنحن على أي حال سعداء مغبوطون ولا تتحفون لنا
في قتالنا ولا تتربصون بنا في أمرنا إلا إحدى الحسنيين فنحن على الحسنى والسعادة
على أي حال ، وأنت على السعادة ونيل البغية بعقيدتكم على أحد التقديرين ، وفي إحدى
الحالين وهو كون الدائرة لكم علينا فنحن نتربص بكم ما يسوؤكم وأنتم لا تتربصون بنا
إلا ما يسرنا ويسعدنا .
فهذان منطقان أحدهما يعني الثبات وعدم الزوال على مبنى احساسي وهو أن الثابت أحد
نفعين ، إما حمد الناس وإما الراحة من العدو ، هذا إذا كان هناك نفع عائد إلى
الانسان المقاتل الذي يلقي بنفسه إلى التهلكة ، أما إذا لم يكن هناك نفع عائد كما
لو لم يحمده الناس لعدم تقديرهم قدر الجهاد وتساوى عندهم الخدمة والخيانة ، أو كانت
الخدمة مما ليس من شأنه أن يظهر لهم البتة أو لا هي ولا الخيانة ، أو لم يسترح
الاحساس بفناء العدو بل إنما يستريح به الحق فليس لهذا المنطق إلا العي واللكنة .
وهذه الموارد المعدودة هي الأسباب العامة في كل بغي وخيانة وجناية يقول الخائن
المساهل في أمر القانون : إن خدمته لا تقدر عند الناس بما يعد
لها وإن الخادم والخائن عندهم سواء بل الخائن أحسن حالا وأنعم عيشا ، ويرى كل باغ
وجان انه سيتخلص من قهر القانون وأن القوى المراقبة لا يقدرون على الحصول عليه
فيخفى أمره ويلتبس على الناس شخصه ويعتذر كل من يتثبط ويتثاقل في إقامة الحق
والثورة على أعدائه ويداهنهم بأن القيام على الحق يذلله بين الناس ، ويضحك منه
الدنيا الحاضرة ، ويعدونه من بقايا القرون الوسطى أو أعصار الأساطير فإن ذكرته
بشرافة النفس وطهارة الباطن رد عليك قائلا : ما أصنع بشرافة النفس إذا جرت إلى نكد
العيش وذلة الحياة .
وأما المنطق الآخر ، وهو منطق الاسلام فهو يبني أساسه على اتباع الحق وابتغاء
الأجر والجزاء من الله سبحانه ، وإنما يتعلق الغرض بالغايات والمقاصد الدنيوية في
المرتبة التالية وبالقصد الثاني ، ومن المعلوم أنه لا يشذ عن شموله مورد من الموارد
، ولا يسقط كليته من العموم والإطراد ، فالعمل – أعم من الفعل والترك – إنما يقع
لوجهه تعالى ، وإسلاما له واتباعا للحق الذي أراده وهو الحفيظ العليم الذي لا
تأخذه سنة ولا نوم ، ولا عاصم منه ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء ،
والله بما تعملون خبير .
فعلى كل نفس فيما وردت مورد عمل أو صدرت ، رقيب شهيد قائم بما كسبت ، سواء شهده
الناس أو لا ، حمدوه أو لا ، قدروا فيه على شئ أو لا .
وقد بلغ من حسن تأثير التربية الاسلامية أن الناس كانوا يأتون رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فيعترفون عنده بجرائمهم وجناياتهم بالتوبة ، ويذوقون مر الحدود التي
تقام عليهم ( القتل فما دونه ) ابتغاء رضوان الله وتطهيرا لأنفسهم من قذارة الذنوب
ودرن السيئات . وبالتأمل في هذه النوادر الواقعة يمكن للباحث أن ينتقل إلى عجيب
تأثير البيان الديني في نفوس الناس وتعويده لهم السماحة في ألذ الأشياء وأعزها
عندهم ، وهي الحياة وما في تلوها ، ولولا أن البحث قرآني لأوردنا طرفا من الأمثلة
التاريخية فيه .
https://t.me/wilayahinfo
https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC
X #المجتمع_ والأسرة_ والزواج 2019-09-24