الرئيسية / الاسلام والحياة / اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 17

اخلاق أهل البيت – السيد مهدي الصدر 17

محاسن القناعة :

للقناعة أهمية كبرى ، وأثر بالغ في حياة الانسان ، وتحقيق رخائه النفسي والجسمي ، فهي
تحرره من عبودية المادة ، واسترقاق الحرص والطمع ، وعنائهما المرهق ، وهوانهما المُذل
، وتنفخ فيه روح العزة ، والكرامة ، والإباء ، والعفة ، والترفع عن الدنايا ، واستدرار عطف اللئام .
والقانع بالكفاف أسعد حياة ، وأرخى بالاً ، وأكثر دعة واستقراراً ، من الحريص المتفاني
في سبيل أطماعه وحرصه ، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم .
والقناعة بعد هذا تمدّ صاحبها بيقظة روحية ، وبصيرة نافذة ، وتحفّزه على التأهب
للآخرة ، بالأعمال الصالحة ، وتوفير بواعث السعادة فيها .
ومن طريف ما أثر في القناعة :
أن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يقاسي الضُّر بين أخصاص البصرة ، وأصحابه يقتسمون
الرغائب بعلمه في النواحي .

ذكروا أن سليمان بن علي العباسي ، وجه إليه من الأهواز لتأديب ولده ، فأخرج الخليل
إلى رسول سليمان خبزاً يابساً ، وقال : كل فما عندي غيره ، وما دمت أجده فلا حاجة لي
إلى سليمان . فقال الرسول : فما أبلغه ؟ فقال :
أبلغ سليمان أني عنه في سعة * وفي غنىً غير أني لست ذا مال
والفقر في النفس لا في المال فاعرفه * ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه * ولا يزيدك فيه حول محتال ( 1 )

وفي كشكول البهائي « أنه أرسل عثمان بن عفان مع عبد له كيساً من الدراهم إلى أبي ذر
وقال له : إن قبل هذا فأنت حُرّ ، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذر ، وألح عليه في
قبوله ، فلم يقبل ، فقال له : أقبله فإن فيه عتقي . فقال : نعم ولكن فيه رقّي » ( 2 ) .

« وكان ديوجانس الكلبي من أساطين حكماء اليونان ، وكان متقشفاً . زاهداً ، لا يقتني
شيئاً ، ولا يأوي إلى منزل ، دعاه الإسكندر إلى مجلسه ، فقال للرسول قل له : إن الذي
منعك من المسير إلينا ، هو الذي منعنا من المسير إليك ، منعك استغناؤك عنّا بسلطانك ،
ومنعني استغنائي عنك بقناعتي » ( 1 ) .

وكتب المنصور العباسي إلى أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام : لِمَ لا تغشانا كما
يغشانا الناس ؟ فأجابه : ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه ، ولا عندك من الآخرة ما
نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنيك بها ، ولا في نقمة فنعزيك بها . فكتب المنصور :
تصحبنا لتنصحنا . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « من يطلب الدنيا لا ينصحك ، ومن
يطلب الآخرة لا يصحبك » ( 2 ) .

وما أحلى قول أبي فراس الحمداني في القناعة :
إنّ الغني هو الغني بنفسه * ولو أنّه عار المناكب حاف
ما كل ما فوق البسيطة كافياً * فإذا قنعت فكل شيء كاف

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...