الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / 9 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

9 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

الفصل الثامن

يصليان المغرب والعشاء ثم يتناولان طعام العشاء، وبعدها تغط هدى في نوم عميق، يتركها علي كي تستريح، ويقضي هو بعض الوقت بالمطالعة، ثم ينام هو أيضاً، استيقظتْ هدى فجراً ففزعتْ حينما علمتْ أنها نامتْ مدة طويلة، توضأتْ وصلتْ الصبح ثم أيقظتْ زوجها فصلى هو أيضاً، وأخذا يعقبان بعد الصلاة بالدعاء والمناجاة وتلاوة القرآن، أطال عليٌّ هذه المرة بأدعيته حتى سئِمت هدى مِنَ الانتظار، وشعر هو أيضاً بذلك، فما أنْ أكمل تعقيباته حتى التفتَ إليها فوراً وطالبها بطرح ما تحبّ مِنْ مواضيع.

هدى: بعد كلِّ صلاة تكبِّر ثلاث مرات، فما قصة هذه التكبيرات؟

علي: (يبتسم وينظر إليها نظرة ذات مغزى) لكن هناك اتهامٌ آخر للشيعة في ذلك مِنْ قِبَل الوهابية، وأنهم ينقلون عنا شيئاً آخر غير التكبير.

هدى: (يرتفع صوتها بالضحك عالياً) ما دُمتَ تعلم باتهامات الوهابية لكم، فدعني أصارحك بأني قبل الزواج منك، كنتُ مصدِّقة لهذهِ الاتهامات، لأنّ كِبار علمائِهم يذكرون في كتبهم بأنّ الشيعة تقول بعد نهاية كل صلاة: خان الأمين، ثلاث مرات.

علي: وهل تعلمين ما معنى هذا الاتهام؟

هدى: نعم، يقصدون به أنّ الشيعة يعتقدون بأنّ الله كلف جبرئيل بإنزال الرسالة على عليّ بن أبي طالب، لكنه خانَ الأمانة وبلغها لمحمد ص.

علي: وهل لا زلتِ تعتقدين أننا نقول ذلك؟

هدى: كلا، فقد راقبتك في أول زواجنا، فوجدتك تكبر الله ثلاثاً بعد كلِّ صلاة.

علي: وهل تتصورين أننا نقرأ القرآن ليل نهار، وهو يقول في آياته: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) و(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين) وأمثالها، فكيف يُمكن لنا أنْ نعتقدَ خلافاً للقرآن بأنّ علياً هو النبي؟!

هدى: بعد مُعاشرتي لك ومشاهدتي اهتمامك الكبير بتلاوة القرآن، حتى تفيض عيناك خشوعاً، فقد زالتْ كثيرٌ مِنْ هذه الشبهات والإشكالات ضدّكم.

علي: الحمد لله على نعمه الكبرى، حيث أزالها دون حاجةٍ لِجدال أو نزاع، وهذه التهمة الوهابية تضاف لقائمة طويلة مِنْ أكاذيبهم وتحريفاتهم.

هدى: نعم وقبل ذلك كِذبة الغنيمان للحديث الذي نسبه لصحيح مسلم، والآن لِنعود إلى التكبيرات، فما هو دليلها؟

علي: يوجدُ بابٌ في سنن أبي داود باسم باب التكبير بعد الصلاة، وهو الباب 191 في ج1 ص226، حيث روى في الحديث رقم 1002 عن ابن عباس قال: (كان يُعلم انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير).

هدى: ولكنه غير واضح في مقصوده.

علي: وفي كتاب عون المعبود ج3 ص212، علق بعد روايته لهذا الحديث قائلا: (أي بعد الصلاة).

هدى: وهل ورد في غير سنن أبي داود؟

علي: نعم، رواه البخاري في صحيحه ج1 ص204 باب الذكر بعد الصلاة، ورواه مسلم في صحيحه ج2 ص91 عن ابن عباس هكذا: (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير)، ثم روى بعده مباشرةً عن ابن عباس: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله إلا بالتكبير).

هدى: أتصوّر بأنّ هذا الحديث الأخير أوضح في دلالته على المطلوب.

علي: صدقتِ، ولكنّ راوي الحديث أبو معبد أنكر روايته للحديث، إلا أنّ عمرو بن دينار يؤكـِّد بأنّ أبا معبد كان قد أخبره بهذا الحديث.

هدى: ولماذا أنكره؟

علي: في سنن البيهقي ج2 ص184، وفتح الباري ج2 ص270، قال الشافعي: كأنه نسيه بعدما حدَّثه إياه.

هدى: وهل تعتقد أنت بأنّ النسيان هو سبب إنكاره؟

علي: أما أنا فأتصور بأنه كان يخشى مِنَ السلطة الحاكمة على نفسه، لذلك أنكره.

هدى: وهل لديك ما يدلُّ على هذا التصور؟

علي: نعم، فقد روى الحميدي في مسنده ج1 ص225، بعد نقله لهذا الحديث، عن سفيان أنه قال: (كان يخشى على نفسه).

هدى: وهذا يؤكد لنا ما مرّ بنا سابقاً، مِنْ أنّ بني أمية قد بدّلوا كثيراً مِنَ السنة النبوية بُغضاً لِعلي بن أبي طالب.

علي: صدقتِ والله يا عزيزتي، وتتمة للبحث فقد روى البخاري في صحيحه ج1 ص204 عن ابن عباس أيضاً في الحديث 1003: (إنّ رفع الصوت للذكر حين ينصرف الناس مِنَ المكتوبة، كان ذلك على عهد رسول الله ص).

هدى: ولكنه لم يحدِّد نوع الذكر في هذا الحديث؟

علي: صحيح، ولكنّ الحديث الأول حدّده بالتكبير، فالأول خاص والثاني عامٌّ، ومعلوم بأنّ الخاص يخصِّص العام، أي أنّ الخاص يُفسِّـر العام.

هدى: ومَنْ ذكر هذه القاعدة مِنَ العلماء؟

علي: هذه القاعدة مما اتفق عليها العلماء مِنَ السنة والشيعة.

هدى: كلامنا عن مورد التكبير بعد الصلاة.

علي: أتصور بأنّ كلّ مَنْ ذكر حديثي ابن عباس، قد ذكر هذه القاعدة.

هدى: اُذكر لي بعضهم.

علي: قال العظيم آبادي في عون المعبود ج3 ص212، بعد ذكره الحديث: (وفي الرواية الآتية بالذكر، وهو أعمّ مِنَ التكبير، والتكبير أخصّ، وهذا مُفسِّرٌ لِلأعم)، وقال العسقلاني بفتح الباري ج2 ص269: (قوله بالتكبير هو أخص مِنْ رواية ابن جريدة التي قبلها، لأنّ الذكر أعمّ مِنَ التكبير، ويحتمل أنْ تكون هذه مفسرة لذلك، فكان المراد أنّ رفع الصوت بالذكر، أي التكبير بعد الصلاة، قبل التسبيح والتمجيد).

هدى: ما شاء الله، فعندك يا علي لكلِّ سؤال أطرحه جوابٌ حاضر، يبقى السؤال المهم وهو: لماذا لم يلتزم بهذا التكبير باقي المسلمين غير الشيعة؟

علي: لأنّ بعض علمائِكم تصوّروا بأنّ النبي ص إنما كان يرفع صوته بالتكبير، وذلك لِغرض التعليم وليس لأنه سنة ثابتة، أو أنه ص فعله لمدة مِنَ الزمن ثم تركه.

هدى: وكيف عرفوا بأنها لم تكن سنة ثابتة، بل هي لِغرض التعليم؟

علي: لا أعلم كيف عرفوا نيّة النبي ص.

هدى: وهل لدينا في مصادرنا أحاديث تقول بأنّ النبي ص فعله لمدةً يسيرة ثم تركه؟

علي: لم أجدهم يروون في ذلك أحاديث، وإنما هي ظنون، بل إنّ بعض علمائِكم حكم باستحباب التكبير بعد الصلاة.

هدى: فهو يعتقد أنها سنة ثابتة حتى يحكم باستحبابه، وليس كما قالوا مِنْ أنها للتعليم.

علي: صحيح، فقد قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج5 ص83، بعد نقله لحديثي ابن عباس: (هذا دليلٌ لِمَا قاله بعضُ السلف أنه يُستحب رفع الصوت بالتكبير عقب المكتوبة، ثم قال: ومِمَّن استحبّه مِنَ المتأخرين ابن حزم الظاهري).

هدى: فيما مرّ مِنْ أحاديث قد ذكر التكبير مرة واحدة، فلماذا تكبرون ثلاثاً؟

علي: روى ابن أبي شيبة في المصنف ج1 ص338 باب (ماذا يقول الرجل إذا انصرف) حديث 10: (حدثنا الثقفي عن يحيى بن سعيد قال: ذكرتُ للقاسم أنّ رجلاً مِنْ أهل اليمن ذكر لي أنّ الناس كانوا إذا سلم الإمام مِنَ صلاة المكتوبة، كبّروا ثلاث تكبيرات أو تهليلات، فقال القاسم: والله إنْ كان ابن الزبير ليصنع ذلك)، وفي معرفة السنن والآثار ج2 ص67: (إنْ كان ابن الزبير ليصنعه).

هدى: إذن يوجد مِنَ الصحابة مَنْ يُكبِّر ثلاثاً.
علي: وكذلك ورد عن بعض التابعين أنه كان يفعل ذلك.

هدى: ومَنْ هو؟

علي: يروي ابن سعد في طبقاته ج5 ص362، بسنده عن عبد الله بن العلاء قال: (سمعتُ عمر بن عبد العزيز يكبّر الله أكبر ولله الحمد ثلاثاً دُبُرَ كلّ صلاة).

هدى: عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل، الذي يعتبره بعض علمائنا بمنزلة الخلفاء الراشدين، فعمله يكون حُجّة قوية ودليلاً جيداً.

علي: وقال ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لحديث ابن عباس: (وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة، قال الطبري: فيه الإبانة عن صِحّة ما كان يفعله الاُمراء بالصلاة من التكبير عقب الصلاة).

هدى: إذن فهناك سيرة لدى اُمراء الجيوش في التكبير عقب كلّ صلاة، ولكني أراك ترفع يديك عند كل تكبيرة منها، فهل هي سنة أيضاً؟

علي: روى ابن ماجة في سننه بطريقين ج1 ص280 قال: (كان رسول الله ص يرفع يديه مع كلّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة).

هدى: لكنها رواية واحدة بطريقين.

علي: وروى الطبراني في الأوسط ج9 ص105، عن قتادة قال: (قلتُ لأنس بن مالك: أرنا كيف صلاة رسول الله ص، فقام فصلى فكان يرفعُ يديه مع كلّ تكبيرة، فلما انصرف قال: هكذا كانتْ صلاة رسول الله ص)، وفي مسند أحمد بن حنبل ج3 ص310، قال جابر الأنصاري: (وكان يرفع يديه في كلّ تكبيرة مِنَ الصلاة).

هدى: سبحان الله وما شاء الله، فكلُّ حركةٍ تقومون بها في الصلاة، لديكم عليها دليلٌ واضحٌ مِنْ كتبنا، وحُجّة لا يُمكن ردّها.

علي: لا تخجليني بمدحك، فأنا أقلّ مما تتصورين.

هدى: اسمح لي بطرح آخر سؤال عن الصلاة، فما هذه المسبحة التي تأخذها بيدك بعد الصلاة، وتارة تكبر وأخرى تحمد وأخرى تسبح الله، وما عدد كلٍّ منها؟

علي: هذا يُعرف عندنا بتسبيح فاطمة الزهراء ع، الذي علمه النبي ص إياها، وهو: 34 تكبيرة، ثم 33 تحميدة، ثم 33 تسبيحة.

هدى: وهل ورد حديثٌ في ذلك؟

علي: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن علي ع، (أنّ فاطمة ع شكتْ إلى النبي ص ما تلقى مِنْ أثر الرحى، فأتى النبي ص سبيٌ …. قال: ألا أعلمكما خيراً مما سألتماني، إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعاً وثلاثين، وتسبّحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خيرٌ لكم مِن خادم). راجعيه في صحيح البخاري ج4 ص208 طبع دار الفكر بيروت، وصحيح مسلم ج4 ص2091 – 2092.

هدى: سبحان الله، وهذه في الصحيحين أيضاً، كنتُ أتصور بأنها مِنْ مختصّات الشيعة، ولكنّ الحديث جعل وقته قبل النوم؟

علي: نعم، هو أحدُ الأوقات التي يُستحبُّ فيها، وكذلك وردَ استحبابه بعد الصلاة، حيث صرّح بذلك بعض علمائكم.

هدى: أين صرّحوا؟

علي: روى النسائي في السنن الكبرى ج6 ص43 بسنده عن أبي الدرداء قال: (قلتُ: يا رسول الله ص، ذهب أهل الأموال بالدنيا والآخرة …. قال ص: ألا أخبرك بشيءٍ إذا أنت فعلته أدركتَ مَنْ كان قبلك ولم يلحقك مَنْ كان بعدك، إلا مَنْ قال مثلَ ما قلتَ، تسبّح الله في دبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتكبر أربعاً وثلاثين تكبيرة)، ورواه العيني في عمدة القاري ج6 ص129، والمتقي في كنز العمال ج2 ص133 حديث 3473.

هدى: الله أكبر، ما أعظمه مِنْ ثواب، ولكنْ ذكر في هذا الحديث التسبيح أولا ثم التحميد ثم التكبير.

علي: صحيح، ولكن المتقي نفسه روى عن أبي الدرداء في ج2 ص132 حديث 3471، أنّ النبي ص قال له: (تكبِّر في دبر كلّ صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة وتسبِّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وتحمد ثلاثاً وثلاثين تحميدة).

هدى: وهل هناك روايات أخرى ذكرتْ التكبير أولاً؟

علي: نعم، روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة أنّ أبا ذر سأل النبي ص مثل سؤال أبي الدرداء، فأجابه ص: (أفلا أدلك على كلمات إذا عملتَ بهنّ، أدركتَ مَنْ سبقك ولا يلحقك إلا مَنْ أخذ بمثل عملك، قال: بلى يا رسول الله، قال: تكبّر دبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين وتسبّح ثلاثاً وثلاثين وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير).

هدى: هنا التكبير ثلاثاً وثلاثين، لكنّ الأمر سهلٌ، ما دامت أكثر الروايات السابقة ذكرتْ أربعاً وثلاثين.

علي: وهذا الاختلاف إما بسبب نسيان الراوي أو خطأ النساخ أو الأخطاء المطبعية، وهي كثيرة في العادة.

هدى: لقد أصبحتُ الآن أغبطك على التزامك المستمر بتسبيح الزهراء، وفيه هذا الثواب العظيم الذي ذكرته الأحاديث، بحيث يُدرك مَنْ سبقه ولا يلحقه أحدٌ إلا مَنْ فعلَ مِثل فعله.

علي: لذا ورد في مفتاح الفلاح للبهائي ص49، عن إمامنا الصادق ع قوله: (إنّ تسبيح جدتي فاطمة ع دبر كلّ صلاة، أحبّ إليّ مِنْ ألفِ ركعة كلّ يوم).

هدى: سبحان الله .. كم له من الثواب العظيم ونحن عنه غافلون.

علي: يمكنكِ مِنَ الآن فصاعداً الالتزام به يا عزيزتي، لِتدركي هذا الثواب.

هدى: إن شاء الله تعالى، وأدعوه سبحانه أنْ يوفقني وإياك وجميع المؤمنين إلى كلّ خير ويجنبنا جميعاً كلّ شر.

علي: أشكرك على هذا الدعاء اللطيف.

هدى: وأشكرك على جميع جهودك وتوضيحاتك، وعلى صبرك الجميل معي، وتحمّلك تدقيقي وتحقيقي ونقنقتي وكثرة أسئلتي.

علي: قال النبي ص: (العلم خزائن مفتاحها السؤال، اسألوا يرحمكم الله فإنه يؤجر في العلم أربعة، السائل والمسئول والمستمع لهما والمحب لهم)

هدى: الله أكبر ما أجمله من حديث، ومن رواه؟

علي: أما عندنا فقد رواه كثيرون، كالصدوق في الخصال ص245، وأما من طرقكم فقد روى الدارمي في سننه ج1 ص137 وغيره، الفقرة الأولى منه وهي: (العلم خزائن مفتاحها السؤال).

هدى: لقد اقترب وقت صلاة الظهر، فلنتهيّأ لأدائها.

علي: صدقتِ، هيا بنا نتهيأ لأدائها.


 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...