زيارة الأربعين حجٌ الى كعبة الأحرار…
اكد الكاتب والمحلل السياسي د.حسين الديراني، ان مسيرة اربعين الامام الحسين (ع) هي حجٌ لقبلة الاحرار، ففيها كل معاني الدين والسياسة والثقافة والفلسفة والاقتصاد والفن والادب والاخلاق وكل معاني الحياة الانسانية السامية…
وكالة مهر للأنباء – د.حسين الديراني: لقد تحولت زيارة اربعين الامام الحسين (ع) الى ضريحه المقدس في مدينة كربلاء المقدسة في العراق في كل عام الى حدث عالمي تاريخي عظيم الشأن، مما اثار انظار العالم الاسلامي والغربي للتوجه نحوها لدراسة هذه الزيارة الدينية والروحية والعبادية والانسانية والعقائدية والسياسية، وكيف تحولت هذه الزيارة من بضعة افراد بعد استشهاد الامام الحسين (ع) الى عشرات الملايين بعد 1384 سنة من استشهاده سلام الله عليه؟..
بدأت زيارة الاربعين التي توافق في يوم العشرين من شهر صفر، وهو اليوم الذي ورد فيه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري الى كربلاء لزيارة قبر الامام الحسين (ع) فكان اول من زاره من الناس، وفي هذا اليوم وافق رجوع الامام زين العابدين (ع) من الشام الى كربلاء حيث التقى مع جابر عند قبر الامام الحسين (ع)، وهناك وقف جابر الانصاري على القبر الشريف لابي عبد الله الحسين (ع) واجهش بالبكاء وقال: ” يا حسين ثلاثاً، ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه وأنى لك بالجواب وقد شطحت اوداجك على انباجك، وفُرق بين رأسك وبدنك، فأشهد انك ابن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس اصحاب الكساء وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء، ومالك ما تكون كذلك وقد غذتك كف سيد المرسلين، وربيت في حجر المتقين، ورضعت من ثدي الايمان وقطمت بالاسلام فطبت حياً وطبت ميتاً غير ان قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد انك مضيت على ما مضى عليه اخوك المجتبى”.
ثم جال بصره حول القبر الشريف وقال: “السلام عليكم ايتها الارواح التي حلت بفناء الحسين واناخت برحله، واشهد انكم اقمتم الصلاة وآتيم الزكاة وامرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين”.
ومنذ انطلاق هذه الشعيرة العبادية الروحية زيارة الاربعين قبل 1384 عام، كان الزوار المؤمنون يتعرضون لابشع المجازر على ايدي الطغاة الحكام من بني امية وبني العباس، وتعرض الضريح المقدس الشريف الى انتهاكات واعتداءات متكررة عبر التاريخ، وصولا الى زمن الوهابية الارهابية التي شنت هجوما على المرقد الشريف عام 1802 ميلادي، وهدموا القبة الشريفة وقتلوا اكثر من 5000 شخصا واستباحوا المرقد الشريف، وسرقوا كل المحتويات النفيسة، وصولا الى حكم الطاغية الارهابي صدام التكريتي وسطوته على العراق، ومنعه الشعب العراقي من زيارة العتبات المقدسة وزيارة الاربعين بعد المجزرة التي ارتكبها بحق الزوار عام 1977..
ومنذ سقوط الطاغية صدام عام 2003 والى يومنا هذا تتزايد اعداد المشاركين في زيارة الاربعين الوافدين من جميع انحاء العالم حتى بلغت الاعداد خيالية ما فوق 25 مليون زائرا سنويا.. وهنا تتجسد الاية الكريمة بكل معانيها الكريمة ﴿ يُريدُونَ أن يُطفئُوا نُورَ اللهِ بِافواههِم ويأبَى اللهُ إلا ان يُتمَ نورهُ ولو كرِه الكافِرون ﴾، صدق الله العظيم…
وهنا تتجلى عظمة ونبوءة السيدة زينب عليها السلام عندما كانت اسيرة عند الطاغية يزيد بن معاوية لعنهما الله، ومفجوعة بمصرع اخوتها وابنائها وابناء اخوتها واصحاب اخيها وقفت بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب سلام الله عليه في مجلس الطاغية يزيد شامخة كالجبل الاشم, صابرة محتسبة وخطبت تلك الخطبة المزلزلة التاريخية، نذكر ما جاء بأخر خطبتها سلام الله عليها “
اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا”. فو الله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.
“وحسبك بالله حاكما، وبمحمد (ص) خصيما، وبجبريل ظهيرا، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا واضعف جندا، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، ولكن العيون عبرى، والصدور حرى.
ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول.
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، انه رحيم ودود، وحسبنا ونعم الوكيل.
فأين اليوم قبر يزيد لعنه الله؟ وأين ضريح الامام الحسين (ع) الذي اصبح مزارا ومحجاً لكل احرار العالم، وعشاق العدالة والحرية والانسانية.
فإذا كان الحجُ الى بيت الله الحرام في مكة المكرمة أوجبه الله بقوله تعالى “وَللهِ على الناسِ حِجُ البيتِ مَنِ إستطاع اليه سبيلا” وفرضه الله على المسلمين فقط، ولا يجوز لغير المسلم دخول مكة والكعبة المشرفة، وحتى كثير من المسلمين الذين يذهبون الى اداء فريضة الحج يتعرضون للمضايقة والتشكيك في اسلامهم ودينهم وعقيدتهم ويتم تكفيرهم من قبل الجماعات الاسلامية الوهابية التي تسيطر فقهيا واداريا على المشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولا يتجاوز عدد الحجاج اكثر من 3 ملايين حاج بأكثر التقديرات في كل عام، والمشاكل التي يتعرض لها الحجاج من حوادث كارثية تودي احيانا بحياة ألاف الحجاج والمعتمرين نظرا لسوء الادارة والتنظيم رغم الامكانيات المالية الضخمة المتوفرة عند الدولة السعودية التي ترعى اداء فريضة الحج والعمرة…
زيارة الاربعين لضريح سيد الشهداء الامام الحسين (ع) اصبحت محجاً لعشرات الملايين في كل عام من كافة المذاهب والاديان والاعراق والقوميات والجنسيات، كلها تهفو الى كعبة الاحرار، امنين مطمئنين…
بينما زيارة الاربعين لضريح سيد الشهداء الامام الحسين (ع) اصبحت محجاً لعشرات الملايين في كل عام من كافة المذاهب والاديان والاعراق والقوميات والجنسيات، كلها تهفو الى كعبة الاحرار، امنين مطمئنين، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويسعون مشياً على الاقدام للوصول الى قبة المولى ليلقوا السلام على من حبله موصول الى خالق السموات والارض، الرب العظيم الملك القدوس المؤمن المهيمن العزيز الجبار، له كل الاسماء الحسنى…
وهناك يتجلى العشق الروحي مع سيد الشهداء واخيه ابا الفضل العباس عليهم السلام، هناك تتجلى صورة مأساة كربلاء، وحجم التضحيات في سبيل الوصول الى مرضاة الله، واي تضحية وصبر عندما يذبح طفله الرضيع علي الاصغر من الوريد الى الوريد يأخذ بكفه الشريفة قطرات من الدماء من نحر طفله الرضيع ويرمي بها الى السماء ويقول: ” ارضيت يا رب، خذ حتى ترضى “.
فكل مظلوم في العالم، وكل حر ابي، وكل قائد شعبي يسعى الى مكافحة الظلم والجور والطغيان يتخذون من الامام الحسين (ع) قدوة ونبراسا للوصول الى الانتصار على الظلم والعدوان، ولو اردنا كتابة ما ذكره غير المسلمين من العظماء والفلاسفة والثوار بحق الامام الحسين (ع) وثورته وملحمته الكربلائية المقدسة لكنا بحاجة الة مجلد خاص.
وقد بين سماحة قائد الثورة الاسلامية الامام السيد علي الخامنئي في احد خطبه حول مسيرة الاربعين بانها من مصاديق القوة التي يشهدها العالم الاسلامي اليوم، وتتجلى بها الاية المباركة ﴿ واَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة ﴾، والمسيرة قوة للاسلام وقوة للحق والعدالة، وقوة لجبهة المقاومة الاسلامية وكل محورها، وبين سماحته “ان تنطلق هذه الحشود المليونية هكذا نحو كربلاء ونحو الحسين ومنذ اليوم الاول حين ظهر الاربعين كانت اهميته بهذه الدرجة، واصبح الاربعين وسيلة اعلامية قوية لصالح عاشوراء”.
وقد قال مفجر الثورة الاسلامية الامام الراحل السيد روح الله الموسوي الخميني قدس سره في مناسبة انتصار الثورة الاسلامية في ايران “إن كل مل لدينا من محرم وعاشوراء”.
والروح التي قاتلت وهزمت الكيان الصهيوني في لبنان ومعها جحافل مئات الالاف من التكفيريين الدواعش في سوريا والعراق ولبنان انها الروح الحسينية والكربلائية الممتدة من الجمهورية الاسلامية الايرانية الى العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، فكان الحسين (ع) يسكن في قلوب المجاهدين حتى كتب الله لهم احد الحسنيين النصر او الشهادة، ومنّ الله على الامة الحسينية بالنصر العظيم.
** المخاطر المحدقة بمسيرة الاربعين…
مسيرة الاربعين هي حجٌ لقبلة الاحرار…
لا شك ان دوائر الاستخبارات العالمية والكيان الصهيوني المعادين لقوة الاسلام والتشيع يرون في تعاظم هذه المسيرة المليونية خطر على مشاريعهم وخططهم واهدافهم وافكارهم في الوصول الى اضعاف حركة الاسلام المقاوم المنبثق من سيرة كربلاء وعاشوراء، ولا شك انهم يرسلون عملائهم للسير مع السائرين الى مرقد سيد الشهداء (ع) بصورة باحثين او اعلاميين او حتى اسلاميين يستطلعون اراء الزوار وسلوكياتهم وافكارهم وكيف يمكن رصد السلبيات التي تصدر خلال المسيرة بقصد او دون قصد، والعمل في مركز دراسات استراتيجية حول كيفية تشويه سمعة مسيرة الاربعين، ويبقى الكرم العراقي والشغف في تقديم الخدمات للزوار يقف سدا منيعا امام كل التشويهات والاختراقات التي يعمل عليها اعداء الدين والتشيع.
لا شك ان مسيرة الاربعين هي حجٌ لقبلة الاحرار مرقد ابي عبد الله الحسين (ع) فيها كل معاني الدين والسياسة والثقافة والفلسفة والاقتصاد والفن والادب والاخلاق وكل معاني الحياة الانسانية السامية…