الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / 17 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

17 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

 الفصل السادس عشر

بعد الصلاة وتناول العشاء تمدّد عليٌّ في فراشه لِـيستريح قليلاً، حيث شعر باحتياجه للنوم ساعة، استجماماً لبدنه واستعادةً لنشاطه، لكنّ اشتياق هدى للحوار اللطيف والمفيد، جعلها تتصنع الحجة كي تـُجلس زوجها مِنْ نومه، فهيأتْ له شيئاً يحبّه وهو الحليب الساخن المحلى بالعسل مع الكاكاو، ثم سكبته في كوبين مع كيكتين وشيءٌ من المُكسّرات وأقبلتْ نحوه، فنهض مِنْ فراشه فوراً حين شاهد شراباً ساخناً يحبّه بيدِ حبيبته، نجحتْ خطة هدى في إيقاظ زوجها، وما أنْ أكملا احتساءه حتى بدأتْ مباشرةً بطرح أسئلتها.

هدى: لماذا يذمُّ الشيعة الصحابة ويكرهونهم؟

علي: هذه مِنْ أكبر الأكاذيب التي يتهم الوهابيون بها الشيعة الإمامية.

هدى: ولكني سمعتُ ذلك كثيراً حتى أصبح مِنْ أشهر الأمور المنقولة عنكم.

علي: رُبَّ مشهور لا أصلَ له، وكلما أقسمنا بأننا نحترم الصحابة المؤمنين المجاهدين ونحبهم ونترضى عليهم، ونصدِّقُ بالآيات التي تمدح المؤمنين منهم مِنَ المهاجرين والأنصار، لم يصدِّقوا ويقولون: بإنكم تكذبون ولا تحبون الصحابة !!!

هدى: فما هو الاختلاف إذن بينكم وبين باقي المسلمين؟

علي: الاختلاف المهم هو، أنّ الآخرين لا يقبلون بآيات الله التي تقول بأنّ هناك مُنافقين بين الصحابة لا يعلمهم حتى النبي ص.

هدى: وأين قال الله ذلك؟

علي: قال تعالى: (ومِنْ أهل المدينة مَرَدوا على النفاق لا تعلمُهُم نحن نعلمهم).

هدى: سبحان الله، كأني لم أسمع بهذه الآية.

علي: فهم يَردّون على القرآن ويقولون: بل كلهم مؤمنون، ولا يوجد بينهم منافقون.

هدى: لو قيل من باب الفرض: بأنّ هذه الآية لا تشير إلى الصحابة، فكيف يمكن لكَ إثبات أنّه يوجد بين الصحابة منافقين؟

علي: ورد في المسند لأحمد بن حنبل ج5 ص273 حديث 21759: (بسنده عن أبِي مسعود قَال: خطبنا رسولُ الله ص خُطبة فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قَال: إِنَّ فيكم مُنافقين فمن سَمَّيْتُ فليَقـُمْ، ثمَّ قَالَ: قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى سمَّى ستة وثلاثين رجلاً).

هدى: ستة وثلاثون منافق!! ولكن لماذا لم يذكر الراوي أسماءهم لنتجنبهم؟

علي: حقاً إنها مُشكلة عويصة، فلماذا لم يذكر الرواة والمحدثون أسماءهم، ومَنْ هم هؤلاء المنافقون الذين كانوا بين الصحابة وفي مسجد النبي ص؟

هدى: وهل لديك غير هذا الحديث؟

علي: نعم، فقد روي عن النبي ص قوله: (في أصحابي إثنا عشر منافقاً).

هدى: وما قصة هؤلاء الاثني عشر منافقاً؟

علي: هم الذين حاولوا قتل النبي ص، وكان حذيفة يَعْرفُ أسماءَهم.

هدى: ماذا تقول؟ حاولوا قتل النبي ص، ومَنْ روى ذلك؟

علي: رواه مسلم في صحيحه ج8 ص122 طبع دار الفكر، وفي شرح مسلم للنووي ج17 ص125 – 126: (كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ فقال له القوم: أخبره إذا سألك، قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر فإنْ كنتَ منهم، فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهدُ بالله أنّ اثني عشر منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).

ثم يقول النووي: (وهذه العقبة ليست العقبة المشهورة بمنى التي كانت بها بيعة الأنصار رض، وإنما هذه عقبة على طريق تبوك، اجتمع المنافقون فيها للغدر برسول الله ص في غزوة تبوك فعصمه الله منهم).

هدى: أكرر سؤالي لماذا لم يذكروا لنا أسماءهم لنتجنبهم ولا نروي عنهم؟

علي: وما هو رأيكِ حين تشاهدين التستر على أسمائِهم مِنْ قِبَل المؤرِّخين؟

هدى: لا أفهم السببَ الحقيقيّ، ولكنْ لابدّ أنهم كانوا يخافون أنْ يسمّوهم.

علي: ومِمَّنْ كانوا يخافون، حتى يمتنعوا عن ذِكر أسمائِهم؟

هدى: لا أدري، ولكنّ الذي أفهمه أنّ هناك سلطة لا تريدُ نشرَ أسمائِهم.

علي: فلو أنّ السلطة كانتْ مؤمنة، فهل سوف تخافُ مِنْ ذِكر أسماء المنافقين؟

هدى: كلا، لو كانوا مؤمنين حقاً، لأصرّوا على ذِكر أسمائِهم، كي يمتنع الناس عن أخذ دينهم منهم أو الرواية عنهم، فالمنافقون خطرٌ كبيرٌ مِنْ داخل الجسد الإسلامي، وهم الطابور الخامس كما نسميهم اليوم.

علي: أحسنتِ ثم أحسنتِ على هذا الاستنتاج.

هدى: وهل هناك أحاديث غير ما ذكرته لي؟

علي: ورد عن ‏‏أم سلمة ‏أنها قالت: سمعتُ رسولَ الله ص ‏يقول‏: (‏إنّ مِنْ أصحابي مَنْ لا يراني بعدَ أنْ أفارقه).

هدى: لا إله إلا الله، وهذا صَريحٌ في كونهم مِنْ أصحابه، وأنّ هناك مِنَ الصحابة مَنْ لا يرى النبي ص، ولكنْ من الذي رواه؟

علي: رواه ابن حنبل في مسنده ج6 ص290 وص307 وص317 طبع دار صادر بيروت، والهيثمي في مجمع الزوائد ج1 ص112 وج9 ص72 طبع دار الكتب العلمية، وقال عن الأخير: (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح)، وابن راهويه في مسنده ج4 ص140 حديث 1913 طبع مكتبة الإيمان بالمدينة المنورة، والمعجم الكبير ج23 ص318 طبع دار إحياء التراث العربي.

هدى: ما شاء الله، وهل مِنْ مَزيد؟

علي: وروى البخاري ج5 ص192 وج7 ص195 طبع دار الفكر بيروت، عن النبي ص: (…. ‏ألا وإنـّه يُجاء برجالٍ مِنْ أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح‏: وكنتُ عليهم شهيداً ما دُمْتُ فيهم، فلمّا توفيتني كنتَ أنتَ الرقيب عليهم، فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدِّين على أعقابهم منذ فارقتهم).

هدى: لعلّ قول النبي ص: (أصيحابي) بتصغير أصحابي، دليلٌ على أنّ هؤلاء المرتدين كانوا قِلة قليلة؟

علي: أولاً: لقد روى البخاري حديثين بنفس النصّ تقريباً في صحيحه ج7 ص208 وفيهما: (فأقول: يا رب أصحابي).

وثانياً: روى البخاري أيضاً في صحيحه ج7 ص208، حديثاً مشابها جاء في آخره: (ولا أراه يَخلـُص مِنهم إلا مثل همل النعم) وفسّرهُ ابنُ حجر في فتح الباري ج11 ص404 طبع دار المعرفة، نقلاً عن الخطابي بأنه لا يَردُ الحوضَ مِنهم إلا القليل.

هدى: عجيب، قليلٌ منهم ناجون!! وهل لأجل هذا السبب تكرهون الصحابة؟

علي: بل نكره المنافقين من الصحابة، ونحبُّ المؤمنين المخلصين مِنَ الصحابة.

هدى: ولكن ما هو الدليل على حبكم للصحابة؟

علي: قولي لي: مِنْ أينَ نأخذ نحن الشيعة ديننا وآراءنا وعقائدنا؟

هدى: حسبما فهمتُ مِنك أنكم تأخذونها مِنَ الأئمة مِنْ أهل بيت النبي ص.

علي: أحسنتِ، فيجبُ أنْ نعرفَ ما هو رأيُ أئمّتنا في الصحابة.

هدى: هذا صحيح، فما هو رأيهم؟

علي: أولاً: ما هو رأي الإمام علي ع في أصحاب النبي ص؟ ونبحث في نهج البلاغة، فهو من الكتب المهمة لدى الشيعة كما يعلم الجميع، يقول أمير المؤمنين علي ع وهو يتكلم عن نفسه وعن أصحاب النبي ص معه: (لقد رأيتُ أصحاب محمد ص، فما أرى أحداً يشبههم منكم! لقد كانوا يصبحون شعثاً غُبراً وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم رُكب المعزى مِنْ طول سجودهم، إذا ذكر الله هملتْ أعينهم حتى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب)، نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص143.

ويقول شوقاً لأصحاب النبي: (أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق أين عمار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبّروا الفرض فأقاموه أحيوا السنة وأماتوا البدعة، دُعوا إلى الجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتبعوه) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص264.

هدى: سبحان الله، ما أجملها مِنْ جُمَلٍ، وهي شهادة رائعة بحقِّ الصحابة.

علي: وأما رأيُ الإمام السجاد ع في أصحاب النبي ص، فإنه يدعو لهم كما في الصحيفة السجادية ص39 دعاء 4 قائلاً: (…. اللهمَّ وأصحابُ محمَّد خاصَّةً الـذين أحسنوا الصحبةَ، والذين أبلَوا البلاَءَ الحسنَ في نصرهِ، وكانفوهُ وأسرعوا إلَى وفادتهِ وسابقوا إلى دَعْوَتِهِ وﭐستجابوا لهُ حيثُ أسمعهم حُجَّةَ رسالاتِهِ، وفارقوا الأزواج والأولادَ في إظهار كلمتهِ، وقاتلوا الآباءَ والأبناءَ في تثبيتِ نبوّتهِ، وﭐنتصروا بهِ ومَنْ كانوا منطوينَ على محبَّتهِ، يَرجونَ تجارةً لَنْ تبورَ في مودَّتهِ، والذينَ هَجَرَتهم العَشَائِرُ إذ تعلقوا بعروتهِ، وﭐنتفتْ منهم القَراباتُ إذ سكنوا فِي ظِلِّ قَرابتهِ، فلاَ تنسَ لَهُمُ اللهمَّ ما تركوا لَكَ وفيكَ، وأرضهِمْ مِنْ رضوانِكَ وبما حَاشوا الخلقَ عليكَ، وكانوا مع رسولِكَ دُعَاةً لكَ إليكَ، وﭐشكرهم على هجرهم فيكَ ديارَ قَومهِم، وخروجهِم من سَعَةِ المعاشِ إلَى ضيقِهِ، ومَنْ كثرتَ في إِعزاز دينـكَ مِنْ مظلومهم).

هدى: ما أروع أدعية أئمتكم وأعظمها، ولا زلتُ أتذكر جمال كلمات دعاء الصباح للإمام علي، الذي تردِّدهُ بعد صلاة الصبح.

علي: فأهلُ البيت ع هم أئمتنا وقادتنا، والشيعة يأخذون دينهم منهم ويتمسكون بهديهم، وها هم يمدحون الصحابة ويثنون عليهم.

هدى: وبهذا يبطل ما يزعمُهُ الوهابيون ويرددونه في فضائياتهم، مِنْ أنّ الشيعة يبغضون أصحابَ النبي ص.

علي: بارك الله فيكِ، وكيف نبغضُ مَنْ نصرَ النبي ص؟

هدى: فلو قيل لكم: بأنكم تخالفون أئمتكم في ذلك، فما هو جوابكم؟

علي: عندها سنريهم آراء كبار علماء الشيعة الذين مَدَحوا ووثقوا الصحابة في مؤلفاتهم، وأضربُ لكِ مِثالاً واحداً على ذلك، وهو كتابٌ للشيخ المامقاني اسمه (تنقيح المقال) في علم الرجال، وذكر فيه قائمة طويلة بأصحاب النبي ص حسب حروف الهجاء تبلغ 533 صحابياً، ومدحهم ووثقهم.

هدى: هذا شيءٌ جميلٌ، وهل لديك أدلة أخرى على ما تقول؟

علي: بداية دعيني أسألكِ: هل تعلمين عدد الصحابة الذين كانوا مع الإمام علي ع في معركة صفين؟

هدى: كلا، ليس لديّ علمٌ بذلك.

علي: لقد ذكر العلماء أسماء كثير منهم، مِمَّنْ جاهد معه ضدّ معاوية، وعلى رأس هؤلاء الصحابة، أويس القرني وعمار بن ياسر وهاشم المرقال.

هدى: حقاً إنّ هؤلاء من عُظماء الصحابة.

علي: وقال السيد شرف الدين في كتابه النص والاجتهاد هامش ص502: (قد ذكر العلامة الأميني 145 اسماً من أسماء الصحابة الذين كانوا مع الإمام أمير المؤمنين في حرب صفين، الغدير ج9 ص362 – 368) فهل يُعقل بأنْ يذمّهم الشيعة بعد موقفهم المشرِّف في نصرة الإمام علي ع؟

هدى: ولكنْ هذا عددٌ قليلٌ مِنَ بين كلّ الصحابة.

علي: يجب أنْ تعلمي بأنّ معركة صفين حدثتْ بعد ثلاثين سنة من وفاة النبي ص، حيث مات كثيرٌ منهم واستشهد آخرون، وتفرّق كثير منهم في مختلف البلدان.

هدى: هذا صحيح، ولكن كم كان مع معاوية مِنَ الصحابة؟

علي: حسب علمي أنه ليس معه من الصحابة إلا عمرو بن العاص وسمرة بن جندب وأبو العادية الجهني.

هدى: إذا كان مع معاوية صحابة أيضاً، فهذا معه صحابة وذاك معه صحابة كذلك؟

علي: أولاً: لقد كان مع الإمام علي ع صحابة كثيرون جداً، أما مع معاوية فقليلون، ثانياً: الصحابة الذين مع معاوية مذمومون، فأبو العادية الجهني هو قاتل عمار بن ياسر، وقد ورد عن النبي ص: (قاتل عمار في النار) وقال ص أيضاً: (عمار تقتله الفئة الباغية) والله سبحانه يقول: (فقاتلوا التي تبغي).

هدى: أما حديث قاتل عمار في النار، فقد سمعته ولا أعلم مدى صحته، كما إني لم أكن أعلم أنّ قاتل عمار مِنَ الصحابة.

علي: حديث قاتل عمار في النار رواه كثيرون، كالهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص244 وقال عنه: رجاله ثقات، وفي ج9 ص279 قال عنه: ورجاله رجال الصحيح، وأما كون قاتله صحابياً فقد ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ج4 ص172 رقم 3113 وقال عنه: أدرك النبي ص …. وروى عنه.

هدى: وأما عن حديث (عمار تقتله الفئة الباغية) فقد سمعتُ مِنْ أحد علماء الوهابية يأوِّلُ هذا الحديث، ويقول بأنّ معنى (باغية) هي التي تبغي الحق وتطلبه، وهذا مدحٌ لجيش معاوية، وليس ذمّاً له.

علي: ولكنّ تتمة الحديث تأبى هذا التأويل، حيث روى البخاري في صحيحه ج3 ص207 عن النبي ص قوله: (ويحَ عمّار تقتله الفئة الباغية، عمارٌ يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار).

هدى: الله أكبر، ما أوضح المعنى الآن بعد نقلِكَ لِتتمّة الحديث، فكيف يبتغي الحقَّ مَنْ يدعو إلى نار جهنم، فلماذا بتر هذا الوهابيّ تتمة حديث النبي ص؟

علي: لِتعرفي طريقة الوهابية في التدليس والتحريف دِفاعاً عن الظالمين.

هدى: وماذا عن الصحابي سمرة بن جندب؟

علي: روى الطبري في تاريخه سنة 50، ج5 ص237: (سُئِلَ أنسُ بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحداً؟ قال: وهل يُحصى مَنْ قتل سمرة بن جندب؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية الآف من الناس – وروى الطبري – عن أبي سوار العدوى قال: قتل سمرة من قومي في غداةٍ سبعة وأربعين رجلاً قد جَمَعَ القرآن)، وروى ابن الأثير في الكامل ج3 ص89: (…. ثم عزله معاوية، فقال سمرة: لعن الله معاوية، والله لو أطعتُ الله كما أطعتُ معاوية ما عذبني أبدا).

هدى: عجيب، أهؤلاء هُمُ الصحابة الذين كانوا مع معاوية؟ يبقى أنّك ذكرتَ قولَ أحد علمائكم عن عدد الصحابة مع الإمام علي، فهل لديك شهادات لعلمائِنا حولَ عدد الذين كانوا مع الإمام علي في صفين؟

علي: في كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص238 طبع ثاني بمصر: (أنّ عدد الصحابة الذين كانوا مع الإمام علي بصفين من أهل بدر هو 100 صحابي).

وذكر ابن حجر في الإصابة ج2 ص381 طبع مصطفى محمد و ج2 ص389 طبع السعادة، والاستيعاب بذيل الإصابة في ترجمة عمار ج2 ص471 طبع مصطفى محمد: (أنّ عدد الصحابة مِنْ أهل بيعة الشجرة مع الإمام علي هو 800، وقد قتل منهم 360 نفساً).

هدى: هذا شيءٌ مذهلٌ جداً، فالعدد هنا أكثر بكثير ممّا ذكره علماؤكم، وكنتُ أظنّ العكس مِنْ ذلك، وهنا يَردُ سؤالٌ مهمٌ للذهن، وهو لماذا لا تأخذون عن الصحابة دينكم، إذا كنتم تحبونهم وتحترمونهم؟

علي: الجواب عن ذلك، هو أنّ احترامنا لهم شيءٌ، وأخذ الدين عنهم شيءٌ آخر.

هدى: ولماذا هذا التفريق؟

علي: لأنّنا التزمنا بوصية نبيِّنا ص بأخذ الدين عن أهل بيته كي لا نضلّ، كما مرّ علينا في حديث الثقلين: (إني مخلفٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

هدى: أوووه .. صحيح، لقد تذكرته الآن، إنه حديث الثقلين المتواتر، ولكنْ ما الضرر مِنَ الأخذ عن باقي الصحابة؟

علي: لقد ذكرنا قبل قليل بأنّ فيهم منافقين، وهم أخطر على الدين مِنَ الكفار، لأنهم يريدون ضربَ الإسلام مِنْ داخله، فيضعون الأحاديث التي تنفعهم وتضرّ بالمسلمين، كما في الإسرائيليات التي سرّبها اليهود إلينا.

هدى: كلامُك صحيحٌ، فلو أنهم ذكروا أسماءَ المنافقين لنا، لما اختلط الأمرُ علينا.

علي: وكذلك فإنّ الصحابة المؤمنين الطيبين لمّا لم يكونوا معصومين، فإنهم قد ينسون الحديث أو يسمعون بعضه فينقلونه ناقصاً، أو يسمعون المنسوخ من الأحاديث دون الناسخ أو العام دون الخاص.

هدى: وهذا أيضاً صحيح، لذلك تعتقدون بأنّ أئمة أهل البيت معصومون، حتى ينقلوا الدين للناس كاملاً غيرَ ناقصٍ ولا مُحرّف.

علي: صدقتِ، فعدم الأخذ عن باقي الصحابة لا يعني بُغضهم أو عدم احترامهم.

هدى: حتى الآن رَفعتَ عني شبهة قوية حول اعتقادكم في الصحابة، ولكنْ يبقى لديّ سؤالٌ يلحُّ عليّ بأنْ أطرحه لأفهم جوابه، وهو أنّ الشيعة يتهمون الصحابة بالارتداد بعد النبي ص إلا أربعة منهم.

علي: أما عن ارتداد الكثيرين منهم، فإنّ القرآن يُصَرّحُ قائلاً في سورة آل عمران آية 144: (وما محمد إلا رسولٌ قد خلتْ مِنْ قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومَنْ ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). وقد صرّح القرآن بقلة الشاكرين في عدة آيات.

هدى: سبحان الله، إنها تخاطب المسلمين وتقول لهم: (انقلبتم)، ولم تقل: انقلب بعضكم، كم مرّة قرأتُ هذه الآية في حياتي، لكني لم أدرك معناها كما فهمتـُها الآن.

علي: وأما في السنة النبوية، فقد ذكرتُ لكِ أحاديث البخاري التي يقول فيها النبي: (أصحابي أصحابي، فيُقالُ له: إنهم ما زالوا مرتدِّين مُنذ فارقتهم).

هدى: وقد قلتَ في حينها بأنّ قوله ص: (فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) يدلّ على قلة الناجين منهم، ولكنْ كيف تقولون بأنّ الثابتين الذين لم يرتدّوا أربعة فقط؟

علي: في البداية لابدّ أنْ نعلمَ بأنّ الكفرَ والارتدادَ له معاني عديدة، وهنا المقصود منه هو الارتداد عن ولاية الإمام علي ع، وليس ارتداداً عن الإسلام.

هدى: إذا كان بهذا المعنى فهو سهلٌ، لأنّ أكثرُ المسلمين لا يؤمنون بإمامة أئمتكم.

علي: ومع ذلك فنحن نعتقدُ بأنهم مسلمون، ولكنّ الأكثر غرابة هو أنكم تروون في مصادركم بأنّ الناس ارتدوا إلا أربعة، ولم تفسروها بارتدادهم عن ولاية أهل بيت النبي ص، بل ارتداداً عن الإسلام.

هدى: (تندهش مِنْ هذا الكلام) ما لنا كلما ذكرنا ما يتهمكم به الوهابيون من اتهامات، نجدُ بعد البحث براءتكم منها وارتداد هذه الاتهامات على مَنْ اتهمكم بها، أليس هذا مِنْ أعجب الأمور؟!

علي: ولكي تصدّقي ما أقول، فإنّ هناك رواية عن عائشه رواها ابن کثير الدمشقي تلميذ ابن تيمية حيث قال: (عَنْ عائشةَ قَالتْ: لَمَّا قـُبِضَ رسولُ اللهِ ص ارتدّتْ العربُ قاطبة وأشرأبَّتْ النفاق) كما في البداية والنهاية ج6 ص366 تحقيق علي شيري طبع دار إحياء التراث العربي.

هدى: وهل هي صحيحة السند؟

علي: يقول الشوکاني بأنها رواية صحيحة، كما في نيل الأوطار ج1 ص36.

هدى: ولكنّ مِثلَ هذه الأمور لا تثبت برواية أو روايتين.

علي: لقد أكد هذه الحقيقة الحاکم النيشابوري في المستدرك ج3 ص260، والقرطبي في معجمه ج8 ص147، وعبد الرزاق الصنعاني في المصنف ج1 ص152، وابن سعد في الطبقات ج2 ص191.

هدى: أكلُّ هؤلاء أكـّدوا بأنّ جميع العرب ارتدّوا بعد النبي ص؟

علي: نعم، كلهم صرّحوا بذلك.

هدى: اُذكرْ لي بعض ما رَوَوْهُ لِيَطمَئِنّ قلبي.

علي: حُباً وكرامة، في مستدرك الحاكم ج1 ص544 حديث 1427، روى بسنده عن الزهريِّ عن أنس بن مالك قَالَ: (لَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ ص ارتدَّتْ العَرَبُ).

وأما الذهبي فينقل في تاريخ الإسلام ج4 ص177 عن وکيع قوله: (سلم مِنَ الفتنة مِنَ المعروفين أربعة، سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة)، وروى مثلها الصفدي في الوافي بالوفيات ج8 ص243، وكذلك رواها صاحب الاستيعاب ج1 ص77.

هدى: والعجيب بأنّ هذه الرواية تتفق مع ما انتقدَكم بهِ الوهابيون وأنكروا على الشيعة، مِنْ أنّ عدد مَنْ سَلِمَ مِنَ الفتنة أربعة صحابة فقط!!!

علي: نعم هذا صحيح، وأما البخاري فينقل روايات متعددة في ذلك، فقد جاء في صحيحه ج8 ص140 حديث 6924، وج2 ص109 حديث 1399، عن أبي‌ هريرة قائلا: (لمّا توفي النبي ص واستُخلف أبو بكر وكفر مَنْ كفرَ مِنَ العرب ….).

وكذلك جاء في السنن والمسانيد كصحيح مسلم ج1 ص38، وسنن النسائي ج6 ص5، مثل هذه العبارات بأنه بعد النبي الأكرم (كفرَ مَنْ كفرَ مِنَ العرب).

هدى: لم أتوقع وجود مثل هذا الكمّ الكبير مِنَ الروايات في مصادرنا حول هذا الموضوع، والآن لننتقل إلى موضوع آخر لو سمحت.

علي: لا لن أسمح لكِ بطرح أيّ موضوعٍ آخر.

هدى: (مستغربة) ولماذا يا علي؟

علي: لأننا جاوزنا منتصف الليل منذ مدة، وإذا فتحنا موضوعاً آخر فسوف لا نستطيع القيام لأداء صلاة الصبح.

هدى: (تنظر للساعة) هاااا، إنها الواحدة والربع بعد منتصف الليل، لماذا لم تخبرْني كي ننهي حوارنا.

علي: لم أنتبه لِتأخّر الوقت إلا الآن.

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...