آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 04
4 فبراير,2020
القرآن الكريم, صوتي ومرئي متنوع
616 زيارة
هذا ولنعد إلى ما بقي من الأبحاث والتنبيه على الأحكام .
فاعلم أنّ ظاهر الأمر الوجوب ، وإذا تفيد العموم عرفا ، فقد يلزم وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، لكن الحقّ أنه هنا مقيّد بالمحدثين ، لما قدّمنا ، وللإجماع والاخبار ، وقيل : كان الوضوء واجبا لكلّ صلاة أوّل ما فرض ، ثمّ نسخ وهو مع ما ضعّف به من أنّه
لا يظهر له ناسخ وإطباق الجمهور على أنّ المائدة ثابتة لا نسخ فيها ، وما روي عنه عليه السّلام « إنّ المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلَّوا حلالها وحرّموا حرامها » يدفعه ( 1 )
اعتبار الحدث في التيمم في الآية ، فإنّه لا يكون إلَّا مع اعتباره في الوضوء كما لا يخفى .
وقيل للندب مستشهدا بما روي في استحباب الوضوء لكلّ صلاة من فعله عليه السّلام وغيره ، ويدفعه مع ما تقدّم من اعتبار الحدث في التيمّم في الآية قوله : « وإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا » إذ لا مجال للندب فيه مع أنّ الظاهر اتحاد الأمرين في الوجوب أو الندب ، وأيضا الوضوء على المحدثين للصلاة واجب فكيف يصحّ الندب مطلقا ولو أريد بالصلاة مطلقها فاستحباب الوضوء لكلّ صلاة سنّة أو مستحبّة للمتوضّئ غير واضح ، وكأنّ الباعث على هذين القولين الفرار من محذور العموم ، وقد عرفت أنّ التقيد بالمحدثين أوضح .
وما يقال من حمل الأمر على ما يعمّ الوجوب والندب من الرجحان المطلق ( 2 )
ويكون الندب بالنسبة إلى المتوضّئين والوجوب بالنسبة إلى المحدثين ، فيقال : إن قصد ذلك بالأمر فلا ريب أنه استعمال له في معنيي الوجوب والندب ، وهذا وإن كان
مجازا جائزا مع البيان النبويّ ، لكن بدون قرينة في الكلام بعيد جدا ، وإن لم يقصد به ذلك فلا يكون المنع من الترك مطلوبا به ، وهو مع كونه خلاف الظاهر من كون الأمر للوجوب لا يناسب حمل بقية الأوامر على الوجوب ، كما لا يخفى .
وينافي سياق الآية ، فإنّ الظاهر كما يدلّ عليه عجز الآية أنّه مسوق لأمر عظيم ولذلك لم يذكر فيها إلَّا ما هو واجب في الوضوء ، وبالجملة لا ريب في كون الأمر هنا للوجوب ، وأنّه مخصوص بالمحدثين ففي الآية دلالة على وجوب الوضوء بل الطهارة مطلقا للصلاة ، وأنّه شرط فيها ، لأنه مأمور بالطهارة قبل الصلاة ، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، وقد يفهمه العرف أيضا فكأنّه قال لا تصلَّوا إلَّا بطهارة .
فإن قلنا : الصلاة على إطلاقها فيلزم من أشراطها فيها استحبابها للمستحبّة منها ، ووجوبها للواجبة منها ، ولكن لمّا كان الأمر مشروطا بإرادة منتهية إلى فعل الصلاة مع كونه للوجوب ، وجب أن يجب للصلاة عند ذلك ، فيجب للصلاة الواجبة لهذا وللاشتراط ، وللصلاة المندوبة أيضا كما قيل عند ذلك ، فيعاقب على تركه أيضا يعاقب على فعلها بمقتضى الاشتراط ، وإنّما يستحبّ لها قبل ذلك فتأمل .
وقد يستدلّ بالاشتراط على وجوب قصد إيقاعه للصلاة مستشهدا بالعرف ، وفيه نظر ، ثمّ فيها دلالة على وجوب أمور في الوضوء :
الف – غسل الوجه ، وأنّه أوّل أفعال الوضوء ، فلا يجوز تأخير النيّة عنه ، ولا تقديمها مع عدم بقائها عنده إلَّا بدليل ، ولا يدلّ على تعيين مبدء ولا على ترتيب بين أجزاء الوجه ، نعم نقل أنّ فعلهم عليهم السّلام كان من الأعلى إلى الأسفل ( 1 ) وهو المأنوس يسرا وعادة ، فهو الاحتياط ، لكن يكتفى بما يصدق ذلك معه عرفا ، ولا على وجوب
المسّ باليد ولا الدلك ، ولا على وجوب التخليل بعد غسل الظاهر من البشرة ، أو الوجه مطلقا خفيفة كانت اللحية أو كثيفة كما دلَّت عليه روايات صحيحة ، ولا على التكرار ، ولا عدمه بل حكمه ثانيا وثالثا معلوم من الاخبار .
ويدلّ على تعيين الماء للغسل للعرف ، ويكشف عنه قوله : « فَلَمْ تَجِدُوا ماءً » ويجب أن يكون مباحا ، فان استعمال غيره غصب ، وهو منهيّ يستلزم الفساد في العبادة على أنّ الشيء الواحد عندنا لا يكون منهيّا مأمورا به كما تقرّر في الأصول .
ب – غسل الأيدي فالظاهر وجوب غسل اليد الزائدة ، سواء فوق المرفق أو تحته وإن تميّزت عن الأصليّة لتسميتها يدا وما لم يسمّ يدا يغسل ما كان منه تحت المرفق أو فيه على ما يأتي ، و « إلى » ههنا إمّا بمعنى « مع » فيجب غسل المرفق كما هو المشهور ، أو لانتهاء غاية المغسول لا الغسل على موضوعها اللغوي ، فإنّ إجماع الأمة على جواز الابتداء من المرفق ، فقيل إنّها تفيد الغاية مطلقا ، ودخولها في الحكم أو خروجها منه لا دلالة لها عليه ، وإنّما ذلك بدليل من خارج ، فلما كانت الأيدي متناولة لها ، حكم بدخولها احتياطا .
وقيل إلى من حيث أنها تفيد الغاية تقتضي خروجها ، وإلَّا لم يكن غاية كقوله : « فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » لكن لمّا لم تتميّز الغاية هاهنا عن ذي الغاية ، وجب إدخالها احتياطا .
2020-02-04