كما لاشك في وجود الرؤيا الكاذبة وتسمى أضغاث أحلام ، كما تسمى الأحلام ، ففي الكافي بسند صحيح:8/90، عن الإمام الصادق( عليه السلام ) قال:(الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن ، وتحزين من الشيطان ، وأضغاث أحلام ) .
وفيه أن أبا بصير سأل الصادق( عليه السلام ) : (جعلت فداك الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟! قال: صدقت ، أما الكاذبة المختلفة فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة ، وإنما هي شئ يخيل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة لا خير فيها ، وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة وذلك قبل السحر ، فهي صادقة ، لا تختلف إن شاء الله ، إلا أن يكون جنباً أو ينام على غير طهور ، ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره ، فإنها تختلف وتبطئ على صاحبها) . ومعناه أن الوقت وحالة الشخص مؤثران في نوع الرؤيا .
وقد عقد الحر العاملي في الفصول المهمة:1/691 ، باباً بعنوان: أنه لا يجوز العمل بالمنامات في الأحكام الشرعية. وفيه قول الإمام الصادق( عليه السلام ) : (ما تروى هذه الناصبة؟ فقلت: جعلت فداك في ماذا ؟ فقال: في أذانهم وركوعهم وسجودهم؟ فقلت: إنهم يقولون إن أبي بن كعب رآه في النوم فقال: كذبوا ، فإن دين الله أعز من أن يرى في النوم… الحديث ) .
كما روى قول الإمام الصادق( عليه السلام ) للمفضل بن عمر: (فَكِّرْ يا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها ، فمزج صادقها بكاذبه ، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء ، ولو كانت كلها تكذب لم يكن فيها منفعة بل كانت فضلاً لامعنى له ، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي بها أو مضرة يحذر منها ، وتكذب كثيراً لئلا يعتمد عليها كل الإعتماد ).
وختم بقوله: وتواترت الروايات بأن بعض الرؤيا صادق وبعضها كاذب وتواترت أيضاً بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعية إلى أهل العصمة.
أقول: ما دامت رؤيا غير المعصومين(عليهم السلام) ، لايعلم أنها صادقة أم كاذبة ، فلا يمكن الجزم بأنها صادقة والعمل بها !
وما دامت الروايات متواترة عن أهل البيت(عليهم السلام) على عدم حجية الرؤيا في إثبات الأحكام الشرعية ، فعدم حجيتها في العقائد بطريق أولى .
فإن قلت: ألم يقل النبي(صلى الله عليه وآله ) : (من رآني في منامه فقد رآني ، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ولا في صورة أحد من أوصيائي ، ولا في صورة واحد من شيعتهم ، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة ). (من لايحضره الفقيه:2/585).
فالجواب أولاً ، أن الشيطان لايتمثل بصورة النبي(صلى الله عليه وآله ) والمعصوم والمؤمن ، لكن قد يتمثل بصورة ما ويقول للرائي إنه المعصوم أو المؤمن الفلاني !
فلا بد إذن أن يعلم الرائي أن الصورة التي رآها للمعصوم( عليه السلام ) في منامه مطابقة تماماً لصورة المعصوم الواقعية ، وهذا يتوقف على معرف الرائي أوصاف المعصوم معرفة دقيقة ، وأن تكون منطبقة على صورة الذي رآه في المنام !
ومن الممكن لنا أن نعرف ملامح صورة النبي(صلى الله عليه وآله ) وعلي والإمام المهدي’ ، أما بقية الأئمة(عليهم السلام) فيصعب ذلك لتضارب الروايات وقلتها .
ومع كثرة ما سمعت من منامات الرائين، فقد كنت أسأل أحدهم عن ملامح المعصوم الذي رآه فيقول إنه لم يرها ، أو أنها لا تنطبق على ملامح المعصوم الذي قال إنه رآه ! فلا تكاد تجد مناماً تتوفر فيه شروط الصحة .
هذا إذا غضضت النظر عن شخصية الرائي وظروفه وظروف منامه !
والجواب ثانياً ، أنه إذا تمت شروط الصحة في المنام ، يمكن الإستفادة منه في غير الأحكام الشرعية والعقائد، لما عرفت من تواتر الأحاديث على عدم حجية الرؤيا فيهما. وأكبر فائدة للمنام الأمل والتفاؤل ، ولذا سمى النبي(صلى الله عليه وآله ) المنامات الحسنة بالمبشرات .
ففي الكافي:8/90، بسند صحيح عن الإمام الرضا( عليه السلام ) قال: ( إن رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مبشرات؟ يعني به الرؤيا ).
وعليه: فلا طريق لمعرفة أن هذاالدجال أو غيره رسول الإمام المهدي( عليه السلام ) من المنام ، لأن ذلك من العقائد ، بل لايمكن أن نعرف بالمنام أنه صادق أو كاذب أو مؤمن أو فاسق ، ولا إثبات أي صفة له أو لغيره ، لنرتب عليها حكماً شرعياً !
فإن قلت: إن سيرة الأئمة(عليهم السلام) والمتشرعة ومنهم العلماء الكبار ، أنهم يهتمون بالرؤية في المنام ، ويرتبون عليها الآثار ؟
فالجواب: وقد ورد وصف رؤيا المؤمن بأنها واحد من سبعين جزءً من النبوة ، ووردت صفات لأصحاب الرؤيا الصادقة ، لتمييزها عن أضغاث الأحلام ، وتأثيرات الشيطان ، والخيالات الفاسدة .
لكن كل ذلك يبقى خارج نطاق الأحكام والعقائد ، وتبقى حالات الرؤيا الصادقة قليلة جداً وأصحابها الذين تنطبق عليهم صفات أهل الرؤيا الصادقة أقل عدداً .
فمن أين لمثل هذا الدجال ومن يخدعهم بمثل هذه الرؤيا ، وإن توفرت لهم فلا يصح أن يستعملوها دليلاً على صدقه ، فضلاً عن وجوب اتباعه وبيعته وفدائه بالمال والعرض والنفس والدم !
هذا ، وقد انتقدني هذا الدجال لأني اعتبرت رؤية المعصوم في المنام لاتفيد غالباً أكثر من الظن . فقال في جوابه على سؤال في موقعه: (والشيخ علي الكوراني عندما سأله أحدهم في قناة سحر الفضائية عن هذه الرواية…وأكمل إجابته بأنه لا يعتمد على ظن ، فالظاهر أن الرؤيا بالمعصوم (ع) عند الشيخ علي الكوراني في أحسن أحوالها ظن ! سبحان الله ، هم لايجعلون البحث عن الحقيقة هدفهم ، بل يحاولون التكذيب بأي طريقة حتى وإن كانوا غير مقتنعين بها ! فمع أن قضية الإمام المهدي (ع) مرتبطة ارتباط وثيق بالرؤيا… ومع ذلك يحاولون بكل طريقة إهمال هذا الدليل الملكوتي العظيم ، وهو الرؤيا والتي صدقها واعتمدها القرآن والرسول والأئمة ) .
أقول: يخلط هذا المبتدع عن عمد بين رؤيا المعصوم( عليه السلام ) كالتي وردت في القرآن وبين رؤيا شخص للمعصوم ، ولا يعلم أن ملامحه كانت بصفاته ، وبين الرؤيا العادية الصادقة والكاذبة ، فيعتبر الجميع دليلاً ملكوتياً وحجة شرعية .
ولو صح أن كل رؤية دليل ملكوتي لوجب هذا المبتدع أن يلغي دعوته ويقفل دكانه ، لأن بعضهم رآه على صورة شيطان يلبس قطيفة حمراء !
نقض استدلاله بالإستخارة لإثبات بدعته !
تطلق الإستخارة في أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله ) والأئمة(عليهم السلام) على معان ، منها:
1- أن تدعو الله تعالى أن يختار لك الخير في أمورك ، أو في عمل تنوي القيام به ، وفي بعض أحاديثها الغسل وصلاة ركعتين ، ثم الدعاء .
2- أن تدعو الله تعالى أن يهدي قلبك الى الإختيار الصائب في عمل تريد القيام به فتصلي أو تقرأ دعاء ، ثم تنظر ما يلقي الله في قلبك ويشرح له صدرك ، فتعمل به .
3- أن تنوي الأمر ، وتدعو الله تعالى وتفتح القرآن وتنظر في أول آية في الصفحة اليمنى ، فإن كانت أمراً بخير أو مدحاً أو وصفاً للجنة مثلاً ، فهي جيدة وتعمل بها . وإن كانت نهياً أو تحذيراً أو ذماً فهي غير جيدة .
وهذا النوع من الإستخارة هو الشائع ، وبعضهم يستخير بالسبحة فيدعو الله ويقبض قبضة من حباتها ويحسبها اثنتين اثنتين ، فإن بقيت واحدة فهي جيدة ويعمل بها ، وإن بقيت اثنتان فهي غير جيدة ولا يعمل ما نواه .
ويستخير الناس عادة عند من يثقون به من العلماء أو المؤمنين ، وبعضهم يكثر من الإستخارة ويفرط فيها ، ولكنها لاضرر فيها مادامت بين أمرين أو أمور مباحة سيختار الإنسان واحداً منها ، فاختياره له بالإستخارة أفضل من اختياره بدونها .
لكن الخلل والضرر إذا استعمل الخيرة على القيام بعمل حرام أو ترك عمل واجب ، أو كان يكرر الإستخارة حتى تأتي موافقة لما يحب..الخ.
والإستخارة التي يدعو اليها هذا الدجال هي: أن تدعو وتفتح القرآن فإن خرجت آية أمر بخير أو مديح للأنبياء والمؤمنين ، أو وصف للجنة ، فيجب أن تعمل بها وتؤمن به وتبايعه ! وإن خرجت نهياً أو ذماً لأشرار أو وصفاً للنار وتحذيراً منها ، فعذره حاضر بأنك لم تخلص النية ، وعليك أن تعيد الإستخارة وتكررها حتى تخرج موافقة لهواه ! وهذه الإستخارة غير مشروعة لأن فيها عدة مخالفات:
فهي استخارة على العقائد ، والإستخارة لاتُشْـَرُع على الأحكام الشـرعية فكيف بالعقائد ، كما لاتصح على فعل حرام أو ترك واجب .
وطلب هذا المضلل أن يبايعوه على طاعته وفدائه بكل شئ ، يتضمن الدخول في عقيدة جديدة ، وارتكاب المحرمات وترك الواجبات من أجلها !
وقد رأينا ما أمر به أنصاره في شهر محرم الماضي في البصرة والناصرية وغيرهما من قتل للناس لمجرد أنهم لايؤنون بطاغيتهم !
(تمَّ الكتاب)
الولاية الاخبارية