الوقت- في خطاب ما فوق استراتيجي، تطرّق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في مقابلة على قناة المنار إلى العديد من المواضيع الإقليمية والدولية، متنقلاً من جبهات الجنوب اللبناني إلى سوريا والعراق واليمن والخليج، كما خصّص السيد نصرالله جزءاً من مقابلته لـ “صفقة القرن”.
ففي حين رأى السيد نصر الله أن “هذه الصفقة ستفشل لأن عوامل نجاحها غير متوافرة، أشار إلى أن موضوع القدس والمسجد الأقصى من أهم نقاط الضعف، قائلاً: قد تجد (في أسوأ الاحتمالات) بعض الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين يجدون حلّاً غير مناسب للاجئين أو السيادة أو حتى احياء القدس الشرقية، لكن مسألة القدس والمسجد الأقصى لا أحد يقدر أن يقبل بذلك، وهذه نقطة ضعف أساسية في هذه الصفقة”.
الشق الأخر لسقوط “صفقة القرن” يرتبط بالموقف الفلسطيني الموحّد في رفض هذه الصفقة، مشيراً إلى أن “موقف السلطة الفلسطيني ضد صفقة القرن ليس مفاجئاً رغم تعرّضها للضغوط الهائلة كما كل الفصائل الفلسطينية، وسوف يتعرّضون أيضاً إلى أن ييأس الأمريكي بفشل هذه الصفقة”.
ليس بعيداً عن الموقف الفلسطيني أكد السيد نصرالله أن من العوامل الأساسية لانتهاء الصفقة صمود إيران وهي الداعم شبه الوحيد، والانتصار في سوريا، وفشل المشروع الأمريكي الإسرائيلي هناك، والانتصار في العراق، بالإضافة الى الصمود والانتصار في اليمن، قوة محور المقاومة وعدم وجود دولة عربية قوية تحمي صفقة القرن”.
يبدو واضحاً أن صفقة القرن بصيغتها الحالية لا تملك عناصر النجاح، بل إن بنودها كفيلة بتفجيرها من الداخل، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن ترامب نفسه من أطلق رصاصة الرحمة على صفقة القرن، وإن كل المحاولات التي تجري اليوم لإنعاشها لن تنجح.
يقول المثل الشعبي “إذا أردت ألّا تزوّج ابنتك فارفع من مهره”ا، وترامب لن يُكتب لصفقته النجاح لأنه رفع سقفها عالياً جداً، بل إنها ستعيد جميع أطياف الشعب الفلسطيني إلى خيار المقاومة.
ثانياً: إن سقوط هذه الصفقة سيعزز خيار المقاومة على أكثر من جانب، أي إن الجانب الإسرائيلي الذي تأمّل بالحصول على المكاسب من خلال صفقة ترامب، لن يرضى بأقل منها سوءاً قبل سقوط الصفقة أو بعدها، أو في أي مرحلة تفاوض مقبلة.
وبالتالي، إن جميع المواقف الإسرائيلية المقبلة ستكون نقطة انطلاقتها بنود صفقة القرن، الأمر الذي لن يترك لأي طرف فلسطيني هامشاً للمناورة السياسيّة، وبالتالي سيعود خيار المقاومة إلى الواجهة من جديد، ولذلك لا نستبعد حصول موجة جديدة من عمليات المقاومة الفرديّة وغير الفردية في الضفّة الغربيّة.
ثالثاً: إن الشارع العربي لا يمكن أن يتنازل عن الأقصى الشريف، لذلك لا يوجد هناك من يجرؤ من الملوك والحكام العرب أن يخرج في العلن ليتحدث “صفقة القرن”.
إن غياب الرافعة العربية من جهة، وإن كان الكثير من الحكام إسرائيليو الهوى، وسقوط تجربة التطبيع العربية الجديدة المتمثّلة في الأمير محمد بن سلمان تعني أن هذه الصفقة ستسقط دون رجعة. كان هناك تعويل أمريكي وإسرائيلي كبير على تجربة ابن سلمان لكنّ تعثره في اليمن من جهة، وحادثة خاشقجي من جهة أخرى جعلته عبئاً على ذلك المحور.
رابعاً: عند الحديث عن صفقة القرن لا يمكن تجاهل قضية اللاجئين، وقد أوضح السيد نصرالله أن “موضوع التوطين لا يتعلق بإرادة ترامب ولا كوشنير ولا أمريكا وإنما يرتبط بإرادة الدولة المضيفة وبإرادة الفلسطينيين أنفسهم”، وأوضح أنه “في لبنان الفلسطينيون يرفضون التوطين وأيضاً الإرادة اللبنانية الجامعة ضد التوطين، كل ذلك يعني أن التوطين لن يمرّ”، وتابع “هذا الأمر ينسحب الى الدول الأخرى”.
هنا أشار السيد نصرالله إلى أحد نقاط القلق المتمثّلة بخدعة “الاستثمارات”، هذا ما أراده كوشنير من ورشة البحرين، أي التهويل على الدول المستضيفة للاجئين بالوضع المالي والاقتصادي، لاسيّما أن كل هذه الدول (سوريا والأردن ولبنان) تعاني من أوضاع اقتصاديّة صعبة، وبالتالي إيهام البعض أن حبل النجاة الوحيد هو القبول بالتوطين مقابل المال.
خامساً: بعيداً عن التحليلات، تؤكد تجربة ورشة البحرين فشل هذه الصفقة، وهذا ما نقل عن كوشنير نفسه الذي قال: “إن مؤتمر البحرين فشل”، وبالتالي فإن مثل هذا الفشل يؤسس لفشل أكبر في الشق السياسي للصفقة، لذلك لا نستبعد طرح مبادرات غربية لاحقاً لتدوير الزوايا، إلا أن مصيرها أيضاً سيكون الفشل.
يقول المثل العربي: “المكتوب واضح من عنوانه” وهنا نقول: “الصفقة واضحة من ورشتها”.
في الختام، لا نرى بصيص أمل لهذه الصفقة، ربما يريد منها بعض العرب إخراج تطبيعهم من السرّ إلى العلن، لكنها لن تغيّر في الواقع الفلسطيني شيئاً بل ستزيدهم إصراراً.
لا نعتقد أن هذه الصفقة ستصبّ في مصلحة المحور الإسرائيلي، بل على العكس تماماً ستعزّز من قوّة محور المقاومة وتعيد خيار هذا المحور إلى الوجهة مجدداً.
إن العقد القادم هو عقد عودة القضية الفلسطينية إلى والواجهة، عقد سيشهد أيضاً عودة لأدبيات الصراع التي كانت سائدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بعد أن حاول الأمريكيون وبعض العرب تقديم الصراع على أنه فلسطيني إسرائيلي، وليس عربياً إسلامياً من جهة، مقابل الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى.