أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٦١ – ٨٠
اكتمال الدين وانتهاء مهمة النبي كرسول
لقد أوجد الرسول الأعظم تحت الإشراف الإلهي المباشر نموذج مجتمع الإيمان، وبين القرآن الكريم من خلال سنته الشريفة، فما من شئ يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا وله أصل في القرآن الكريم وتفصيل في سنة الرسول، لقد ترجم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشريعة الإلهية (القرآن وبيانه) أو (القرآن وسنة الرسول) من النظر إلى التطبيق ومن الكلمة إلى الحركة. ولم يبق من أمور الدنيا والآخرة شئ إلا وضحه الرسول وبينه حسب التوجيهات الإلهية.
ولأن القرآن هو المعجزة الشاهدة على صدق الرسول، ولأنه أصل الشريعة الإلهية الحاوي لأحكامها ومبادئها، فقد أمر الرسول بكتابته وتدوينه، آية آية، وكلمة كلمة فكلما نزلت على رسول الله كوكبة من القرآن الكريم، كان الرسول يتلقاها من ربه، مع التوجيه الإلهي في أية سورة يضعها، فكان الرسول يأمر الإمام عليا على الفور بكتابتها وفي الموضع المحدد إلهيا لها، وكان الرسول يعلن على المسلمين عن نزول أية كوكبة من القرآن، ويبين لهم بأية سورة يضعونها، ويأمر القادرين على الكتابة بكتابتها.
وكان الرسول الأعظم يبين ما أنزل إليه من ربه أولا بأول عن طريق سنته المباركة بفروعها الثلاثة، ويأمر الإمام عليا بتدوين هذا البيان أو هذه السنة المباركة أولا بأول، ويأمر الناس ويحثهم على كتابة القرآن وكتابة السنة.
وعندما نزلت آخر آية من القرآن الكريم كان لدى الرسول والإمام علي نسخة كاملة من القرآن كما أنزل تماما، لم تتقدم كلمة على كلمة أو حرف على حرف، كما كان لدى الإمام علي السنة النبوية كاملة بإملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا أمر طبيعي لأن القرآن وسنة .
مهام الرسول واختصاصاته وصلاحياته، ومن يتولاها بعد موته؟
١ – المهام:
كانت أولى مهام النبي واختصاصاته أن يتلقى القرآن من ربه، وأن:
أ – يتلوه وقد تلقى القرآن الكريم وتلاه بالفعل.
ب – أن يحافظ عليه فيجمعه ويدونه، وقد جمعه بالفعل ودونه.
ه – أن يدون رسول الله بيانه للقرآن أي سنته الطاهرة، وأن يكتبها على اعتبار أن القرآن والسنة هما المنظومة الحقوقية الإلهية، أو هما القانون النافذ، ويجب أن يكون مكتوبا، وبيد أمينة حتى يمكن الرجوع إليه، وقد دون رسول الله بيانه للقرآن، أو سنته، بإملائه شخصيا وبخط الإمام علي بن أبي طالب، فما من شئ يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا وقد أملاه الرسول وكتبه الإمام علي بخط يده، وفي الوقت نفسه أمر رسول الله المؤمنين والمسلمين بتدوين وكتابة بيان القرآن أو سنة الرسول، فاستجاب المؤمنون، ودون وكتب كل قادر منهم على الكتابة طائفة من سنة الرسول.
و – أن يوجد الرسول نموذجا أو آلية للاستمرار، والحركة الدائمة في إطار الشرعية والمشروعية الإلهية، وقد أوجد الرسول بالفعل آلية الدعوة، حيث دعا من حوله فردا فردا وجماعة جماعة، ورتب العلاقات بينه وبين الذين اتبعوه، كرسول، وكولي وكقائد، وكمرجع عام لهم، ورتب العلاقة بين الذين اتبعوه، وبينهم وبين غيرهم من الجماعات والأفراد، وبنى دولة الإيمان، حسب التوجيه الإلهي، لتكون نقطة تجمع للذين آمنوا، وهوية سياسية تميزهم عن غيرهم، ونواة لحماية حرية الاختيار.
٢ – الصلاحيات:
كان الرسول خلال حياته المباركة، هو النبي، وهو الرسول وهو الولي، وهو الإمام وهو القائد، وهو المرجع العام الأوحد للمؤمنين
والسر في هذه الصلاحيات الهائلة التي أعطاها الله لنبيه:
١ – هو أن الله هو الذي اختار الرسول للرسالة والنبوة والولاية والمرجعية.
٢ – وأن الله قد عصمه عن الزلل والوقوع في الخطأ أو إساءة استعمال هذه السلطات الواسعة.
٣ – أنه هو الأفضل والأفهم والأعلم والأتقى والأقرب لله.
٤ – أن الله سبحانه وتعالى قد أعده، وهيأه لبيان القرآن، وتطبيق القرآن وبيانه.
وقد أثبت الواقع التطبيقي لعصر الرسالة الزاهر، أن الله أعلم حيث يضع رسالته، فلم ينحرف الرسول عن المقاصد الإلهية قيد أنملة، ولا تدنس بشهوة .
وبالإجمال فإن الرسول الأعظم كان هو المسؤول الأعلى عن الدولة بكافة مقوماتها، وعن الدولة بكل طموحاتها، وعن مستقبلهما معا، وهو المؤتمن على دين الله وشرعه الحنيف، والمرجع الأعلى لكافة الأمور الدينية والدنيوية معا حيث تتداخل الأمور الدينية والزمنية معا في الإسلام، ويتعذر التفريق بينهما.
من المهام التي لم يحققها الرسول حال حياته
لقد أرسل الله رسوله للعالم كله، وليس لقوم دون قوم، والرسول الأعظم لا يستطيع أن يتواجد في مكانين أو أكثر في وقت واحد، ولا يمكنه أن يجمع أبناء الجنس البشري كلهم، دفعة واحدة، وفي مكان واحد، ليبلغهم ما أنزل الله، من القرآن، وليبين لهم هذا القرآن، لقد اقتضت حكمة الله أن يبدأ الرسول دعوته في بلاد العرب وأن يستقطب حوله مسلمين من بلاد العرب، وأن يكون الكيان السياسي لدولة الإسلام في بلدة عربية، ثم يتوسع هذا الكيان ليشمل كامل بلاد الجزيرة العربية، واقتضت حكمة الله أن تؤمن فئة قليلة، وأن تلتف هذه الفئة حول الرسول وتنفذ توجيهاته لنشر .
لقد آمنت أقلية من العرب، واضطرت الأكثرية الساحقة من العرب اضطرارا للدخول بالإسلام أو التظاهر بهذا الدخول، واكتمل نزول القرآن وبينه الرسول من خلال سنته، وأوجد الرسول آلية الاستمرار والتوسع الشرعي على صعيدي الدعوة والدولة، لقد بلغ الرسول الرسالة الإلهية وأكمل الله الدين، لقد انتهت مهمة النبي كرسول، وبعد انتهاء مهمته بقي يمارس أعماله كإمام أو كولي أو كرئيس من نوع خاص للدولة، إنه ليس معقولا أن يبقى الرسول في هذا المنصب الأخير طوال عصور التكليف التي قد تمتد لعشرات، بل لمئات الآلاف من السنين، ومن ضرورات الابتلاء أن يموت الرسول، ويرى الله الناس كيف يتعاملون مع التكاليف الإلهية في غياب الرسول، ويترجمون هذا التعامل في سلوك يقع فعلا، ولا يبقى في دائرة النوايا.
الرئاسة العامة والمرجعية في الإسلام أصل من أصول الدين الأساسية
منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة والرسالة والكتاب، وطوال عصر النبوة الزاهر، وإلى اللحظة التي صعدت فيها روح النبي الطاهرة إلى بارئها، كان واضحا للجميع – المسلم وغير المسلم – أن
التأهيل العام للرئاسة والمرجعية في الإسلام
الرسول كرئيس وكمرجع، اختاره الله تعالى، وليس للبشرية أي دور باختياره لأن الله تعالى أراد أن يكون الرئيس والمرجع هو الأعلم، وهو الأفهم، وهو الأفضل، وهو الأقرب إلى الله، قد أعده الله وهيأه ليكون كذلك، لأنه لو وجد من يتفوق عليه بهذه الصفات، لفقد هذا الرئيس والمرجع العام تميزه ومبررات رئاسته ومرجعيته، ثم إن مصلحة أفراد المجتمع، أو الجنس البشري عامة أن يتمتع رئيسهم ومرجعهم بهذه الصفات، ولكن من الناحية العملية لا قدرة لهم على تحديد من تتوفر فيه هذه الصفات تحديدا يقينيا، لقد تسالمت البشرية وتمنت طوال التاريخ أن .
أما في الإسلام فإن إعداد الرئيس وتأهيله إلهيا، وعصمته والشهادة الإلهية له بأن يتبع تماما ما يوحى إليه من ربه، ضمانات إلهية كافية ضد الانحراف، وإساءة استعمال السلطة. والعصمة تعني الالتزام التام بالصواب، بحيث يبقى المعصوم في دائرة ما أراده الله، والله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان ودوافعه وميوله وحاجاته، لقادر على أن يبطل فاعلية بعضها، فقد يأخذ من الإنسان القدرة على الإبصار، أو القدرة على ممارسة
وينبغي أن لا يكون في زمانه من هو أعلم ولا أفهم ولا أفضل ولا
الفصل الثاني
العناية الإلهية، واهتمام الرسول بمن سيخلفه بعد موته
من سيخلف الرسول، من سيبين القرآن، ويبلغ سنة الرسول، ويتولى مهام الرسول بعد موته، فيمارس اختصاصاته وصلاحياته، ويكمل المشوار من حيث انتهى الرسول، من الذي سيؤتمن على أمور الدين والدنيا بعد قتل الرسول أو موته؟
خاصة وأن مسألة قتل الرسول أو موته كانت واردة ومطروحة كإحدى خيارات الشرك، فقبل الهجرة فكرت زعامة بطون قريش التي كانت تقود جبهة الشرك بقتل النبي، ولولا خوفها من بني هاشم ومن فكرة الثأر لقتله، لشرعت بقتله، وليلة هجرة النبي من مكة إلى المدينة قررت زعامة بطون قريش قتل النبي، وشرعت بقتله فعلا، ولكن الله نجا نبيه بسبب لا يد لزعامة البطون به، وحتى والرسول في طريقه إلى دار هجرته طاردته زعامة البطون، وخصصت الجوائز لمن يقبض عليه حيا أو ميتا، بل وأعظم من ذلك أنه حتى وبعد أن أسس النبي دولة الإيمان، وأخضع العرب للشرعية الإلهية، شرعت زعامة بطون قريش بقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك، والذين شرعوا بقتله خرجوا معه تحت مظلة الجهاد في سبيل الله!! قال تعالى (أفإن مات أو قتل…).
الكارثة الحقيقية والدمار المحقق
فقتل الرسول أو موته دون تحديد من يخلفه كارثة حقيقية، تعرض سلامة الدين والدنيا لأشد الأخطار، وتهدد وجود الأمة نفسه، وتهدم الدعوة والدولة وكل ما بناه النبي، أو تورث ما بناه لألد أعدائه المتحدين ضده الذين يتربصون برسول الله ودين الإسلام الدوائر، وتضع مستقبل كل ما يمت للإسلام بصلة في مهب الرياح العاصفة.
ثم إن المشرع الوضعي مع قصوره وضيق أفقه، يترفع عن السقوط في هذا التصور، فقد احتاط لهذه الناحية، فما من دولة من دول العالم كله – قديمها وحديثها – إلا وقد نص دستورها على من يتولى الرئاسة العامة في حالة قتل الرئيس أو موته أو عزله، وهذا أمر تسالمت البشرية قاطبة، واتفقت كافة الأنظمة المتناقضة على صحته ووجاهته ومنطقيته، وأثبتت الوقائع فائدته وضرورته.
العناية الإلهية بمن يخلف النبي
من الطبيعي أن ينال موضوع من يخلف الرسول بعد قتله أو موته الجزء الأعظم من العناية الإلهية، والجزء الأكبر من اهتمام رسول الله خاصة وأن من يخلف الرسول هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي، سواء من حيث الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها، أو من حيث المهام الكبرى الملقاة على عاتقه، أو من حيث مركزية ومحورية الدور الذي سيقوم به بوصفه القائم مقام نبي الله ورسوله.
والمنهج نفسه الذي سلكه القرآن الكريم في الصلاة وهي عماد الدين سلكه في نظام الحكم، أو في خلافة النبي، لقد تحدث القرآن الكريم عن ولاية الله ورسوله والمؤمنين، وعن أولي الأمر ووجوب طاعتهم، وعن الحكم بكتاب الله، وإقامة الحدود، والحكم بالعدل، وعن الشورى، وعن
فالذين يرفضون بيان الرسول وتفصيله المتعلق بنظام الحكم مثلا تماما كالذين يرفضون بيان الرسول وتفصيله المتعلق في أمور الصلاة والزكاة والحج.. الخ وهم منحرفون حسب الموازين الإلهية، وقد اضطرهم هذا الانحراف والتمادي فيه إلى القول بعصمة الرسول في العبادات وفي ما يتلقاه من القرآن بالوحي، وعدم عصمته في الأمور الأخرى، وقد افتعلوا هذا التقسيم ليبرروا خروجهم على الشرعية الإلهية، ورفضهم لبيان النبي في ما أنزل الله، لذلك قالوا باحتمال صدور الخطأ من الرسول ومجانبته للصواب – والعياذ بالله – في ما هو خارج عن دائرة العبادات!!! وهذا الزعم الفاسد يتعارض مع صريح القرآن، ومع طبيعته، وطبيعة الرسالة الإسلامية، وقد تمخضت عنه عقول الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وانحصر همتهم بتبرير مفاسد التاريخ وفضائحه ولو على حساب هدم الدين نفسه فوق رؤوس معتنقيه.
وما يعنينا هو التأكيد أن القرآن الكريم قد أعار نظام الحكم وبالتحديد خلافة الرسول عناية فائقة، من خلال الأصول والمبادئ العامة التي كرسها ومن خلال تكليفه لرسول الله ببيانها وتفصيلها وتطبيقها من خلال سنته المباركة
اهتمام رسول الله بأمر من سيخلفه
قلنا في الفقرة السابقة أن أمر من سيخلف الرسول بعد قتله أو موته، قد نال الجزء الأكبر من العناية الإلهية، لأن هذا الأمر جزء لا يتجزأ من دين الله ومن مستقبل هذا الدين.
وتبعا لذلك وعملا بالتوجيهات الإلهية فإن الرسول الأعظم قد أعطى موضوع من سيخلفه الجزء الأكبر من اهتمامه، ويبدو أن اهتمام الرسول بأمر من سيخلفه كان سابقا لتشرفه بالنبوة والرسالة، لقد ألقى الله محبة الإمام علي في قلب النبي فكان النبي يتردد على بيت عمه أبي طالب بصورة مستمرة ليطمئن على ابن عمه علي وليشرف على تربيته، وفي سنة جدباء اقترح النبي على عمه العباس أن يساعدوا أبا طالب فيكفلون بعض بنيه، فأخذ العباس (جعفرا) وأخذ النبي (عليا لينفق عليه ويضمه إلى أسرته، وكان عمر علي يوم ذاك ست سنوات) (١) وعندما أخذ الرسول عليا ليكفله قال الرسول لمن حضر: (قد أخذت من اختاره الله عليكم عليا) (٢) وهذا التصريح الذي قد صدر عن النبي يؤكد، بأن ضم الرسول وكفالته لعلي ترتيب رباني، فقد أراد الله أن ينشأ ولي عهد النبي وخليفته في كنف النبي، ليتربى من سيخلف النبي تربية خاصة، وليعد إعدادا كافيا لتولي الإمامة من بعد النبي وليثبت الله فؤاد علي بما يرى من
وفي اليوم نفسه الذي أظهر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوته إلى الإسلام حدد الرسول بأمر من ربه من سيخلفه في حالة قتله أو موته، فقال لعشيرته
(٣) كتابنا المواجهة ص ٣٦٨.
(٤) شرح النهج ج ٤ ص ٣١٥.
(٥) راجع سيرة الرسول وأهل بيته مؤسسة البلاغ ج ١ ص ٤٧٩ نقلا عن شرح النهج.
(٣) صحيح البخاري باب كيف يبايع الإمام الناس ح ١١، وصحيح مسلم كتاب الإمارة، وسنن النسائي كتاب البيعة، وسنن ابن ماجة كتاب الجهاد.
هذا السجل الحافل بالأمجاد هيأ المناخ الملائم أمام النبي ليقدم الإمام علي بن أبي طالب كخليفة له، وكقائم بالأمر من بعده، وكنائب عنه في شؤون الدنيا والدين، وكولي لعهده، لذلك أبرز رسول الله مؤهلات الإمام علي، وملكاته، وبين شرفه، وعزه وعلو مكانته، بكل طرق البيان المألوفة، واتبع النبي ما أوحي إليه من ربه، وعلى مرأى ومسمع من خاصة الأمة وعامتها تابع رسول الله الاعلان والبيان عن تميز ومؤهلات الرجل الرباني الذي اختاره الله وأعده وأهله ليكون أوحد زمانه في كل فضيلة، ومستودع علم النبوة اليقيني، والرجل المؤهل لخلافة النبي) (١).
صلة القربى بين النبي وبين من سيخلفه
فهو ابن عمه الشقيق، فأبو طالب هو الذي كفل النبي ورباه، فكان بمثابة أبيه وقد عبر رسول الله عن ذلك بقوله: (يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيما،