فصل جديد من العلاقات العسكرية بين إيران والصين
15 سبتمبر,2019
تقاريـــر
806 زيارة
الوقت- بدأ رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء “محمد حسين باقري” يوم الأربعاء الماضي زيارةً للصين تستغرق ثلاثة أيام بدعوة من نظيره الصيني “لي شو تشنغ” على رأس وفد رفيع المستوى.
بالنظر إلى العلاقات المتقدمة بين البلدين على مدى السنوات القليلة الماضية، يبدو أن زيارة هذا المسؤول العسكري الرفيع المستوى إلى الصين، ستمثل فصلاً جديداً من التعاون الأمني والدفاعي بين طهران وبكين.
الدبلوماسية الدفاعية
هذه هي الزيارة السادسة للواء “باقري” إلى دول المنطقة وآسيا منذ عام 2017 إلى الآن.
على الرغم من تمتع إيران والصين بتعاون عسكري متزايد في الثمانينيات، إلا أن أمريكا سعت إلى تقليص هذا التعاون تحت ذرائع مختلفة منذ عام 2000، فعلى سبيل المثال، مع صدور القرار 1929 في عام 2010 وفرض الحظر على بيع العديد من الأسلحة لإيران، قُضي على التعاون العسكري الصيني مع إيران بالكامل تقريباً.
إلى قبل التوقيع على الاتفاق النووي، كان على الصين في نهاية المطاف أن تعدّل سياساتها الأمنية مع إيران ضمن قيود البيت الأبيض، ولكن بعد الاتفاق النووي ومن ثم ملاحظة العراقيل الأمريكية وكذلك سياسات البيت الأبيض العدائية ضد الصين، وجدت بكين الآن أن إيران هي واحدة من أفضل الخيارات للتعاون الأمني المشترك وأمن الطاقة في الخليج الفارسي، وذلك بسبب مجموعة متنوعة من الأسباب الاستراتيجية والسياسية والجيوسياسية.
هذا التحول في النهج الصيني لم يبق خفياً على أمريكا، وبهذا الصدد كتبت البحرية الأمريكية في وثيقة نشرتها العام الماضي، أن الصين تعتزم ضمان أمن مصالحها الوطنية في أماكن أخرى من العالم.
بدورها وضعت وكالة الأمن القومي الأمريكية منذ عام 2015 جهوداً جديدةً على جدول أعمالها ضد المنشآت النووية الإيرانية وأجزاء من القيادة الصينية، لذلك فإن مصلحة بكين هي في التعاون الدفاعي مع إيران حتى لا يصبح الخليج الفارسي منطقة نفوذ كامل لأمريكا في المستقبل.
وفي هذا الصدد، زار الأميرال “سان جيانغو” نائب رئيس الأركان الصيني إيران، ووقع البلدان مذكرةً عسكريةً حوَّلها وزير الدفاع الصيني بعد فترة قصيرة إلى اتفاقية.
تشمل هذه الاتفاقية قضايا الدفاع والتعليم والتقنية والاستخبارات والحرب الإلكترونية ومكافحة الإرهاب، وتجلّى هذا التعاون في مجال الدبلوماسية الدفاعية، وفي نفس العام وصلت المدمرتان الصينيتان “تشانغتشون 15” و”تشانغتشو 16″ إلى ميناء “بندر عباس” لأول مرة ولمدة أربعة أيام، وأجرتا مناورات عسكرية مشتركة مع إيران.
فصل جديد من التعاون
بمرور الوقت، أصبح عزم البلدين على تعزيز التعاون الأمني في سياق استراتيجي ومستدام جادّاً.
في هذا السياق، تشاور اللواء باقري في هذه الزيارة مع المسؤولين الاستراتيجيين الصينيين حول القضايا العسكرية والأمنية، وعقد اجتماعات تخصصية في اليوم الأول، كما تقرر أيضاً أن يقوم بزيارة تفقدية إلى المراكز الصناعية والعلمية، وإلقاء محاضرة للنخبة العلمية والعسكرية في جامعة الدفاع الوطني الصينية.
الجنرال “لي زوا تشنغ” رئيس هيئة أركان الجيش الصيني قال في اليوم الأول من زيارة اللواء باقري: ستُدخل هذه الزيارة العلاقات المتقدّمة بين طهران وبكين إلى مرحلة جديدة.
وبالإضافة إلى اجتماعه مع رئيس هيئة أركان الجيش الصيني، التقى اللواء باقري مع رئيس اللجنة العسكرية المركزية “شو تشيليانك” في بكين، وناقش معه سبل تعميق التعاون الدفاعي الثنائي.
كما أعلن اللواء باقري عن عقد لجان فنية وصناعية وعسكرية مشتركة بين إيران والصين، وقال: ستدرس اللجنة الفنية والصناعية قضايا الصناعة الدفاعية في إيران والصين، وتستعرض اللجنة العسكرية المشتركة قضايا مثل التدريب والمناورات والمواضيع العسكرية.
المصالح الأمنية المشتركة في المنطقة
لقد سعت أمريكا في السنوات القليلة الماضية من خلال فرض عقوبات نفطية على دول مثل إيران وفنزويلا وزيادة إنتاجها النفطي، لاحتواء الصين باستخدام أداة الطاقة.
إن انعدام الأمن في الخليج الفارسي سيعرّض المصالح الصينية للخطر من اتجاهين: 1- بالإضافة إلى منطقة أوقيانوسيا، ستفتح أمريكا جبهةً جديدةً ضد الصين في منطقة الخليج الفارسي الاستراتيجية، لذلك فإن الموقف الأمني الذي تتخذه إيران يكتسب أهميةً كبيرةً لتحقيق توازن.2- إن عدم الاستقرار في الخليج الفارسي سيهدد أهم مصدر لإمداد الصين بالطاقة، وفي هذا الصدد، تحاول الصين تجنّب الاعتماد على التحالف الأمريكي من خلال وجود قواتها البحرية في الخليج الفارسي.
كما رحّبت بكين بعرض روسيا المتعلق بالأمن الجماعي في الخليج الفارسي، وهو اقتراح إيران أيضاً، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية“هوا تشون يينج” في مؤتمر صحفي: “إن الحكومة الصينية تدعم اقتراح الجانب الروسي حول تأمين الأمن الجماعي في الخليج الفارسي، ونحن على استعداد للعمل معاً لتعزيز الاتصالات والتعاون في هذا المجال.”
كما تم تعزيز التعاون العسكري الإيراني الصيني على نطاق أكثر تخصصاً، بحيث كتبت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية في تقرير لها: تخطط إيران والصين لبرنامج جوي جاد، يمكن أن يسقط طائرات الشبح الأمريكية.
في سوريا أيضاً، يقترب النهج الأمني للصين من إيران وروسيا، إذ باتت الصين على دراية بالمخاطر الأمنية التي يخلقها التحالف الغربي المزعزع للاستقرار في سوريا منذ عام 2008، وهي تدعم باستمرار الثبات والاستقرار من خلال النهج الإيراني الروسي. وفي العام الماضي، أعلنت أيضاً عن استعدادها لإرسال قوات لإعادة الاستقرار إلى إدلب، ولا تزال تشعر بالقلق إزاء تصاعد الإرهاب مرةً أخرى.
وفي أواخر أغسطس، صرّح المبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى سوريا “شي شياو يان” للصحفيين بعد لقائه بمسؤول في الأمم المتحدة: حالياً هناك خطر إحياء المنظمات الإرهابية مثل داعش، مؤكداً أن المعركة ضد الإرهاب يجب أن تكتمل.
كما أن قضية أفغانستان وانتقال داعش إلى هذا البلد، وخاصةً وجود بعض الإرهابيين في ولاية “بدخشان”، يبعث برسائل تهديد لأمن الصين بالقرب من حدودها.
ولذلك، تحاول بكين منع انتشار انعدام الأمن في أفغانستان، من خلال التعاون مع دول في المنطقة مثل إيران وباكستان وروسيا التي لديها مخاوف جيوسياسية.
من ناحية أخرى، بالإضافة إلى أمريكا، يحاول الناتو أيضاً الوصول إلى الحدود الصينية، حيث قال الأمين العام للناتو “ينس ستولتنبرغ” في تصريح له مؤخراً: يجب على الناتو أن يدرك عواقب توسع قوة بكين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المناطق التي قد تعرّض أمن الدول الأعضاء للخطر.
ويأتي موقف الناتو هذا ضمن المصالح الأمريكية الأوسع، بحيث قال وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” خلال اجتماع المجلس الأطلسي في مارس بحضور وزراء خارجية الناتو: لقد أبطل حلف الناتو مفعول خطر مثل الجدار الحديدي أو انتشار الشيوعية، لكن الآن يجب أن يكون مستعداً للمخاطر التي تمثلها روسيا والصين وجمهورية إيران الإسلامية.
بالنظر إلى القواسم الأمنية المشتركة أعلاه، تم التنسيق خلال زيارة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء باقري إلى الصين، لإجراء مناورة مشتركة بين إيران وروسيا وجمهورية الصين الشعبية في شمال المحيط الهندي في المستقبل القريب. لذلك، ما دامت هناك تهديدات عبر إقليمية في الشرق الأوسط وشرق آسيا، فإن التعاون الدفاعي والأمني لدول المنطقة سيتوسع أيضاً يوماً بعد يوم.
2019-09-15