الوقت- بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، تستمر الأزمة في تعيين خليفته. وأصبح الوضع الجديد لغزًا متعدد الأوجه لذلك يجب النظر في مواقف البرلمان ورئيس الجمهورية والمحكمة الاتحادية العليا والمتظاهرين العراقيين. حيث سيناقش هذا التحليل أبعاد وزوايا هذا اللغز المتعدد الأوجه لشرح أسباب استمرار الأزمة.
التوتر السياسي بين الرئيس والبرلمان والمحكمة الاتحادية العليا
في وقت سابق من هذا الشهر ، أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استقالته ، والتي وافق عليها البرلمان في 8 ديسمبر 2019. ومنذ ذلك الحين ، خاصة بعد دعوة آية الله السيستاني للإسراع بتشكيل حكومة جديدة ، اتخذت الجهود المبذولة لتشكيل حكومة بعداً جديداً. وفي هذا السياق ، رأينا ست رسائل رسمية تم تبادلها بين الرئيس العراقي برهم أحمد صالح ورئاسة البرلمان والمحكمة الاتحادية العليا.
في الواقع ، بعد الموافقة على استقالة عادل عبد المهدي في 8 ديسمبر ، طلب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي استناداً الى المادة 76 من الدستور، من الرئيس برهم صالح تقديم ترشيح رئيس وزراء جديد خلال مدة 15 يومًا إلى مجلس البرلمان. ومع ذلك ، وبعد مضي 10 أيام من طلب الحلبوسي، أكد برهم صالح في رسالة مفادها أنه بالنظر إلى انقضاء المدة القانونية لترشيح رئيس الوزراء الجديد فان ما زال أكبر فصيل برلماني غير واضح.
وكتب محمد الحلبوسي في رسالة رسمية إلى الرئيس العراقي تعقيباً على رده الاخير أنه في 2 أكتوبر 2018 ، تم الاعلان عن الأغلبية البرلمانية والذي تم تعيين عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة على أساسه. لكن مرة أخرى ، لم يقنع برهم صالح بتوضيحات رئيس البرلمان وأحال الأمر إلى المحكمة الفيدرالية العليا للمتابعة وقام بالاستفسار منها خلال رسالته عن وضع فصيل الأغلبية البرلمانية. وفي خضم هذه الظروف، عقد وفد من فصيل “البناء” اجتماعًا مع برهم صالح سعياً لإقناعه بأنه ليست هناك حاجة للاستعلام من المحكمة الفيدرالية العليا، وان شروط ترشيح رئيس الوزراء الجديد تتوفر في فصيلهم المتشكل من ائتلاف فتح والدولة القانونية ، برئاسة هادي العامري ونوري المالكي.
حكم المحكمة الفيدرالية واحتمال حل قضية رئيس الوزراء
في أعقاب المعركة بين التيارات السياسية لانتخاب خليفة عادل عبد المهدي، عقدت جلسة المحكمة الفيدرالية أخيرًا في 22 ديسمبر 2019 ، بحضور جميع الأعضاء ، وفي النهاية أصدرت بيانًا مفاده انه بعد المداولات والتشاور والفحص الدقيق لابعاد القضية بالإضافة إلى مراجعة التفاسير السابقة للمادة 76 من الدستور والمراسيم الصادرة في عامي 2010 و 2014 ، فان أكبر فصيل برلماني مشار إليه في تلك المادة هو الفصيل المتشكل من قائمة انتخابية واحدة أو عدة قوائم انتخابية بعد الانتخابات، حيث انه وبعد دخول البرلمان والدائرة الانتخابية وقسم جميع أعضائه في الجلسة الأولى يحصل على عدد مقاعد يفوق بقية الكتل البرلمانية الأخرى.
لكن قرار المحكمة الفيدرالية الذي يبدو أنه سيكون له تأثير كبير على القضية لم يتم تنفيذه بالكامل، وبعد ساعات من صدور بيان المحكمة بعث برهم أحمد صالح في رسالة أخرى إلى حلبوسي، مؤكدًا أن الظروف الصعبة الحالية في العراق تتطلب العمل في القضايا القانونية والوطنية بدقة، وطالب مرة أخرى أن يعين مجلس النواب أكبر فصيل برلماني لترشيح مرشح لرئاسة الوزراء.
في الواقع ، هناك ثلاث تيارات وثلاث رسائل ناقشها برهم صالح في خطابه. الاولى ائتلاف البناء بقيادة العامري والمالكي الذين أوعزوا لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي قصي السهيل بتشكيل الحكومة الجديدة. وهناك تحالف آخر هو تحالف السائرون وحلفائه، الذين يعلنون أنفسهم في رسالة أنهم أكبر فصيل برلماني لكنه يرفض ترشيح مرشح لرئاسة الوزراء ويؤيد تأييد الشعب لأي مرشح. لكن الرسالة الثالثة من قبل 174 عضوًا في البرلمان العراقي والتي تحدد الصفات التي يجب توافرها في مرشح رئاسة الوزراء، بما في ذلك أولئك الذين قد يكونون مستقلين وبدون جنسية مزدوجة والذين ليس لديهم سجل في العمل كوزير أو ممثل.
لماذا يهدد برهم صالح بالاستقالة
في خضم هذا الوضع الغامض من أجل انتخاب رئيس وزراء جديد ، برهم أحمد صالح ، الذي انخرط في تفسيرات مختلفة للفصائل ولا يمكنه بسهولة اتخاذ قرار مستقل ، هدد بالانسحاب من الجناح السياسي ، وفقًا لمصادر مقربة منه. ووفقا لهذه المصادر، فقد أصر برهم صالح على أنه مستعد للتنحي عن منصبه وألا يتم تكليف مرشح لا يفوز بموافقة الشعب العراقي.
في الواقع ، يمكن تتبع وربط السبب الرئيسي لمثل هذه التصريحات التي أدلى بها رئيس قصر السلام إلى المتظاهرين العراقيين المعارضين لمرشحين مثل قصي السهيل. يعلم صالح أن المحتجين سيكونون غاضبين إذا تم ترشيح مرشح لديه خلفية في البرلمان أو في مناصب وزارية، ومثل عادل عبد المهدي، سيطالب الناس بإقالته وعزله. في مثل هذه الحالة، اقتنع صالح من خلال قراءته المعادلات الحالية انه يجب منع حدوث ذلك.
لكن بالنظر إلى حكم المحكمة العليا الحالي وإصرار آية الله السيستاني على التشكيل السريع لحكومة قوية ومقتدرة في العراق، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن الرئيس العراقي سيدعو إلى اعتماد تحالف البناء من قبل الفصائل الأخرى كالتيارات السياسية التي ترفض قبول المسؤولية وترشيح مرشح جديد لرئاسة الوزراء، وجعل قصي السهيل أو أي مرشح آخر يرشحه تحالف البناء مسؤولاً عن تشكيل الحكومة الجديدة. الحقيقة هي أن العراق يحتاج إلى المزيد من الوحدة والاستقرار أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا المسير تتمثل الخطوة الأولى في تعيين شخص لديه الأهلية والاقتدار ليكون خليفة لعادل عبد المهدي.
https://chat.whatsapp.com/Fava5Ifru8330dDMfhs0gn