الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المخلصين ، ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد..
اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الاِسلامية وإلى اليوم بصحة مابشّر به النبيّ الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته عليهم السلام في آخر الزمان ـ يسمى المهدي
ـ يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وعلى ذلك كان ترقّب المؤمنين وانتظارهم مهدي أهل البيت قرناً فقرناً، ولم يشذّ عنهم إلاّ شرذمة قليلة من دعاة التجديد والتحضّر، نتيجة لتأثرهم بالدراسات والبحوث الاستشراقية غير الموضوعية من أمثال ماكتبه فان فلوتن ، ودونالدسن، وجولدزيهر ، وغيرهم من المستشرقين الذين حاولوا ـ بتطرفهم المعهود في التحليل والاستنتاج بخصوص مايتصل بعقائد المسلمين ـ إنكار ظهور المهدي عليه السلام في آخر الزمان.
وقد يكون بعض من اغترّ بمناهجهم حَسَن النيّة في الدعوة إلى التجديد في فهم القضايا الاِسلامية ومحاولة إبراز توافقها وانسجامها مع المفاهيم الحضارية التي فرضتها المدنية المعاصرة ، فرأى أنّ في إنكار فكرة ظهور المهدي عليه السلام ردّاً حاسماً على الدعوات الصليبية ـ المقنّعة بقناع الاستشراق ـ التي استهدفت الاِسلام فصورته ـ ببحوثها وكتاباتها ـ آلة جامدة لاتنبض بالحياة.
وهكذا انعكست آثار بعض الدراسات الاستشراقية على ثقافة البعض منّا ، مما أسهم في إيجاد خرق من الداخل، ترى من خلاله تأويل بعض
الثوابت الدينية ، والتشكيك بقسم منها كقضية ظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان ، وربما قد تسمع الترديد المملّ لاَقوال المستشرقين إزاء مسألة الظهور ، وما كان هذا ليتم لولا التفاعل اللامدروس مع تلك الثقافات المحمومة ، والتأثّر بها لدرجة الاعتقاد بأنّها حقائق مسلّمة على الرغم مما فيها من خبث ودهاء وتطرّف في التحليل والاستنتاج ، وكيد بالاِسلام والمسلمين ، وكيف لا ، وهذا جولدزيهر ، ودي بوير ،
ومكدونالد، وبندلي جوزي يصرّحون بتناقض القرآن الكريم (1)؟! فلا غرابة أن نجد ـ في حركات التبشير الصليبي ـ من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي(2)، هذا مع أنّ فكرة الظهور لم تكن حكراً على المسلمين وحدهم كما سيتبين من دراستها في هذه المقدمة :