الرئيسية / من / قصص وعبر / المسيح في ليلة القدر 33

المسيح في ليلة القدر 33

الملحق الرابع: أنا وأرمنيّو إيران

 عشرات عوائل الشهداء. وشعورنا تجاه إخوتنا المواطنين الأرمن هو شعور الرضى. وآمل إن شاء الله أن نتمكّن جميعًا من حمل مسؤولية هذا الزمان العظيمة. فاليوم حيث باتت الأنظمة الاستبداديّة مرفوضة داخل البلاد ومنبوذة، يوجد على المستوى الدولي نظام استبداديّ. كلّ العالم هو ميدان استبداد امبراطوريّة واحدة هي امبراطوريّة الرأسماليّين الظالمين والمستبدّين، وتُعدّ الحكومة الأمريكية اليوم مظهر قوّتهم وسلطتهم! أينما وجد الظلم والجور، وأينما فرضت الحرب على الشعوب وأينما أُسقطت النضالات المحقّة للشعوب، سوف ترى هناك آثار أقدام أمريكا! نظام عالمي ودولي مخادع!

إنّ أول عمل قاموا به – وهو أهمّ عمل في رأيي – كان أنّهم بثّوا الرعب في الجميع. قبل عدّة سنوات- كنتُ آنذاك رئيساً للجمهوريّة – وفي المؤتمر العالمي لدول عدم الانحياز قال لي أحد رؤساء الجمهوريات المشاركين: “الواقع إنّ جميع هؤلاء الذين تراهم يخافون من أمريكا، وأنا أخاف أيضاً!” ثم قال: “لقد أخافوا الجميع!” فقط نحن لم يتمكّنوا من إخافتنا. نحن بكلّ صدق ليس لدينا أدنى خوف من أمريكا، ليس بسبب شعور طفوليّ، ولا بسبب سوء تقدير القوى والإمكانات، بل على العكس من ذلك، بسبب حسن تقدير الإمكانات والقوى! نحن نمتلك شيئاً لا يُمكن أن تنتصر عليه لا أمريكا ولا أيّ قوّة أخرى في العالم، وذلك هو إيمان الشعب الإيرانيّ. 
كانت إشارة واحدة من الإمام كافية ليتوجّه عشرات آلاف الناس في يوم واحد إلى جبهة القتال. واليوم الأمر كذلك أيضاً. لو استدعت الضرورة فبإشارة واحدة يُشارك هذا الشعب بأكمله 
في ميدان المواجهة والقتال. هذه ليست قوّتنا، إنّها قوّة الإيمان. لقد استطعنا أن نعرف الإيمان، وأنّ نُشخّص قوّته، وأن نعتمد في حساباتنا على هذه القوّة. الآخرون لا يحسبون لهذه القوّة 
حساباً. هم لا يعرفونها أصلاً، وغافلون عن أهمّيتها.
أمريكا لا يُمكنها أن تفعل معنا أيّ شيء. كلّ الطرق مسدودة في وجهها، وكلّ عمل تقوم به سيعود بالضرر عليها. لقد نتجت معادلة عجيبة. فمن حيث تطلّ ستتلقّى الضربة! إنْ لم تُهاجمنا فسيكون في ذلك ضررها لأنّنا نزداد قوّة يومًا بعد يوم. وإنْ قرّرت أن تُهاجمنا فسيكون ذلك في ضررها أيضاً، لأنّنا نزداد اتّحاداً وتكثر دوافعنا ونكتشف أنصاراً لنا في هذا العالم. يرسلون أشخاصاً ليغتالوا شخصيّاتنا فتكون النتيجة أيضاً في ضررهم. يرفعون
 
 
 
460

396

الملحق الرابع: أنا وأرمنيّو إيران

 الحصار الاقتصاديّ فيتضرّرون، لأنّ ميدان تجارتنا يتّسع. يُحكِمون الحصار الاقتصادي ويتضرّرون مجدّداً، لأنّ الجهد الداخلي يتضاعف وتخسر أمريكا حلفاءها في العالم!

يوجد في أمريكا اليوم اتحادات، اتحاد الشركات والمؤسّسات الأمريكية المعارضة للحظر، وهؤلاء لهم حضور في المحافل السياسيّة. نحن لا نحتاج إلى هؤلاء، لكنّ وجودهم علامة على هذا التضارب الداخلي في هذا النظام، وهو دليل على اقتدار الإيمان وقوّته. وفي جميع الأحوال فإنّ هذه وقائع. أسأل الله أن نتمكّن على أساس هذه الوقائع وفي ظلّها أن نتقدّم إلى 
الأمام.
لقد أصبحت صديقاً للسيد “آرداك مانوكيان” منذ مجيئه، كان ذلك في أوائل أيام رئاستي للجمهوريّة، وكان لقائي به من ضمن اللّقاءات الأولى التي قمت بها، حيث كان قد وصل للتو من لبنان. كان في ذلك الوقت لا يعرف أيّ كلمة فارسية، لكنّه الآن قد تعلّم.
دمتم موفّقين ومؤيّدين إن شاء الله.
 
 
 
461

397

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا – تنظيم بيانات الإمام الخامنئي دام ظله حول انهيار الكتلة الشرقية بنهج المعنوية

اعلموا أنّه لو لم تنتصر الثورة الإسلاميّة ولم تُصبح إيران جمهورية إسلاميّة فإنّ الأنظمة الشيوعيّة ما كانت لتنهار بهذه السرعة. وصحيح بالطبع أنّ الماركسيّة والأنظمة الماركسيّة كانت ستنهزم في يوم من الأيام، لكن ذلك اليوم لم يكن قد حان بعد. كان ذلك اليوم من الممكن أن يحين بعد ثلاثين سنة أو أربعين، أو حتّى ستين سنة. لقد حصل في العالم تحوّل عظيم ناشئ من الإسلام والثورة الإسلاميّة وبروز الروحانية. هذا ليس ادعاءً، إنّه تحليل، وأنا مؤمن به.
كلّ القضايا الّتي حصلت في دول أوروبا الشرقيّة وفي الكتلة الشرقيّة عموماً، ترجع في جذورها إلى معجزة الثورة الإسلاميّة. 29/01/1990م. بالطبع قد توجد أحياناً عوامل متعدّدة، ثمّ يأتي عامل محرّك ويقدح شرارة لتأخذ كلّ تلك العوامل دورها في المجالات المتاحة كافّة. 
… لقد أدّى قيام الجمهورية الإسلاميّة بعنوانها دولة دينية إلى انبعاث الأمل من جديد عند عدد من العلماء ورجال الدين المسيحيّين بأنّ الفضائل والقيم المعنوية يُمكن أن تُحيا. هذا قولهم. 
هم الذين يبينون هذه الحقائق. 
في أوروبا الشرقيّة انطلقت الأحداث من مبدأ ديني، وأضحت منشأَ هذه الحركة بولندا
 
 
 
 
 
463

398

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 ومعاهدة حركة التضامن لـ “ليخ فاونسا”1 وأمثاله الّذين كانوا حينئذ ذوي نوايا سليمة بالطبع. 01/05/1996م. 

لم تكن قد مضت عدّة شهور على انتصار ثورتنا حين بدأت هناك تلك الأنشطة واتخذت الطابع المخفي غير المعلن. كان سبب شجارهم مع دولة بولندا أنّهم أرادوا ممارسة شعائرهم الدينيّة. 29/01/1990م قالوا نحن نريد ممارسة شعائرنا الكنسيّة، ولكن دولة بولندا الشيوعيّة لم تكن تسمح بذلك. نحن في ذلك الوقت كُنّا في مجلس الثورة، كان ذلك سنة 1979م.
وكُنّا نبحث فيما بيننا تلك القضايا وكيف أنّ البولنديّين وحركة تضامن بولندا قد تمسّكوا بأمر ديني. فكيف يمكن أن تنهض في قلب أوروبا جماعة مناهضة للشيوعيين؟ ومن قِبَل العمّال أيضاً! حيث كان الشيوعيّون يقولون: نحن أنصار العمّال ونحن حكومة عمّالية. 08/05/1993م. 
لقد طرحنا هذه القضيّة نفسها مع الأصدقاء، وقُلنا كم أنّه عجيب أن تُطرح هذه المطالب في دولة شيوعية وفي نظام متشدّد ضدّ الدِّين. من كان يتخيّل في الحقيقة أنّهم يعيشون هذا القدر من الفراغ في داخلهم. دولٌ، تُشكّل سيادة القوّة الفكريّة والتشكيلات الحزبيّة أقوى سيادة في نظامها، تظهر فيها فجأة ومن داخلها حركات كهذه. 
في بولندا، ساد حكم النظام اللّاديني لأكثر من ثلاثين سنة تقريباً، لكن في الدول الأخرى تمّت محاربة الدين لأكثر من خمسين أو ستين سنة، وقد أنشؤوا متحفاً للإلحاد، وجمعوا فيه كلّ الأشياء التي كانت تدلّ على الضدّية مع الله ونفي وجود الخالق، فتكون بذلك ماثلة أمام أعين الناس وعلى مرآهم! وفجأة تولّدت في بولندا حركة عمّالية شعارها: نريد أن نذهب إلى الكنيسة، فلماذا لا تسمح الحكومة؟! وقد حاربوا حركة التضامن في بولندا من أجل هذا السبب لسنوات عدّة. 29/1/1990م.
ثم أصبحت هذه الحركة فيما بعد حركة رسمية واعترفت بها الدولة البولندية مكرهة. جرى هذا الحدث في دولة بولندا بداية، ثمّ ظهر في دول أخرى عدّة من أوروبا الشرقيّة
 

1- اسم أحد الحقوقيين البولنديين الذين قادوا هذه الحركة وصار فيما بعد رئيساً للجمهورية.
 
 
 
464

399

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 حتى وصل إلى مهد الدولة الاشتراكية، الاتحاد السوفياتي، وقد شهدتم في نهاية الأمر إلى أين آلت الأمور. 17/10/1995م.

في الحقيقة لقد هزّت يد الإمام هذه الكتلة وانهارت. 01/05/1996م. في ذلك اليوم الذي خسر فيه النظام الماركسي الملحد قوّته في الاتحاد السوفياتي السابق امتلأت الكنائس بالناس. كانوا يظنّون أنّهم لو رفعوا الضغط عن الناس، فإنّ الناس أنفسهم وبسبب كلّ ذلك الترويج والإعلام الممتد لسبعين سنة لن يذهبوا إلى الكنيسة. وكان خطؤهم ههنا. لقد توجّه الناس في غد ذلك اليوم إلى الكنائس. 25/01/1995م.
كنتُ أتحدّث مع أحد القادة الشيوعيّين المعروفين في العالم في جلسة لم تكن تضمّ غيرنا نحن الاثنين بالإضافة إلى أمينَي سرٍّ يُدوّنان حديثنا كلمة كلمة. كُنّا نتحدّث حول بعض المسائل المتعلّقة بكتاب آيات شيطانيّة، وقال جملة في غاية الهدوء والاعتدال فاستأنفت أنا الحديث حينها قاصداً أن لا يكون الكلام معه بعنوان المراء والجدال، بل بنحو الكلام الذي يُجبر مستمعه مباشرة على الدخول في صلب الموضوع فيقول شيئاً أو يسأل شيئاً، تحدّثت مع ذلك المنظّر المرموق – الّذي له عشرات المؤلّفات، وقد تُرجمت كتبه إلى مختلف اللّغات، وكان ارتباطه شديدًا بأسس الديالكتيكية المادّية، بل كان يحكم في مجتمع بني نظامه على أساس هذه الديالكتيكية المادّية- وتكلّمت بحيث إنّه أُصيب بالدهشة، وبات في قمّة الحماسة ليسمع منّي أكثر.
تحدّثنا عن الاختلافات بين الدول والشعوب، وعن كيفية رفع هذه الاختلافات، وكيف يُمكن أن تلجم وتكبح هذه الحرب الّتي تزداد على الشعوب قسوة كلّ يوم بفعل اليد القذرة والمشؤومة لقوى الاستبداد في العالم، هذه الحرب الدائرة في الخفاء بين شعوب العالم من دون أن تدّق لها النواقيس- وسألتُه ما هي وجهة نظركم في هذا الصدد؟ قال كلامًا لم يكن ليطرحه بأيّ وجه مفكِّر أو منظِّر أيديولوجي. قلتُ له: كلا، لا يُمكن أن تُحلّ المسألة بهذه الطريقة. وبيّنت له الإشكال في طرحه، فردّ بجملتَيْن أو ثلاث، ومجدّدًا أوضحت له شوائب طرحه، ثم قُلتُ: إنّ المشكلة تكمن في مكان آخر، وعلاجها أيضاً يوجد في مكان آخر.
لقد كنتُ على استعداد لنواصل البحث، وهو كان متحمّسًا أيضاً، لكن في نهاية المطاف لم يكن المجال يسمح. ألمحت له بصورة هادئة إلى آخر ما وصل إليه اعتقاد إنسان
 
 
 
465

400

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 اليوم، إلى عالم المعنويات. فالخطوة الأولى هي هذه: المعنويات. إنّ تعاليم القرن التاسع عشر – الّذي ما زال أثر تعاليمه يترك بصماته على أذهان كثير من الشعوب – قد ربّت إنسان اليوم إنساناً بعيداً عن الإيمان المعنوي، وأجنبيًا عن أيّ نوع من التعلّقات الروحيّة، وخاصّة الطبقات العليا والنخب في المجتمع، أمّا الطبقات الدنيا فلا.

وفي بولندا كان العمّال يُمثّلون الفئة التي تفتخر بها الحكومة العمّالية وتعتبرها جيشها وجندها الدائم في نظام يصطلح على أنّه عمّالي ماركسي اشتراكي. وفي ذلك النظام الذي كان يعتبر العمّال جيشه الأساسي رفع العمّال فيه لواء الكنيسة ضدّ ذلك النظام نفسه. أمّا فيما بعد فهل استفادت أمريكا والغرب أو لا، فليس محلّ الكلام هنا. أنا أتحدّث عن المنشأ والدافع، والذي كان بلا شكّ منشأ دينياً باسم المسيحية وباسم المعنويات. 
قلتُ له: إنّ ما ينقص العالم اليوم هو هذا. ثم قُلتُ: لو جئتَ إلى طهران نجلس بعيدًا عن البروتوكولات والمراسم السياسية المعهودة لمدّة أربع أو خمس ساعات، ونتحدّث في هذا الشأن 
وأُخبرك أين يكمن علاج هذه القضية. 05/04/1989م.
انظروا. هذه الأمور هي رأسمال أيّ شعب. إنّ أيّ شعب من دون جوهر المعنويات لا يستطيع أن يتقدّم خطوة في أيّ ميدان. وكلّ شعب وصل إلى مكان ما فقد كانت لديه هذه المعنويات. 
الآن إمّا أن تكون هذه المعنويات حقيقية – أي الإيمان بمعتقد ما، وأرقى هذه الاعتقادات هو الاعتقاد بالله تعالى وسبيله سبحانه – وإمّا لا، فإنْ لم تكن يسعى القادة والزعماء والرؤساء لاستبدال تلك المعنويات الحقيقية بشيء آخر، مثلًا بالحسّ الوطني أو الحسّ القومي، ففي النهاية تبقى المعنويات ضروريّة. إنّ المعنويات هي محرّك جميع الحركات. وإنّ أيّ حركة من دون هذا المحرّك قد تتقدّم خطوات عدّة لكنّها سرعان ما تتوقّف.
إنّ الشخص الذي يبدأ حركته لأجل حطام الدنيا والإنجازات المادّية يتقدّم إلى الأمام ما دام أنّه متحمّس، ولكنّه سرعان ما يتوقّف حين يسأله ضميره: “إلى أين أنت ذاهب؟”. إنّ الذي لا يعرف معنى للتوقّف هو الشخص الذي يُجيب ذلك الإيمان وتُجيب تلك المعنويات على أسئلته حين يتساءل إلى أين يذهب. فإذا كان مؤمنًا بالله يقول أكسب رضى الله، والرضى الإلهي يكمن في أن يستفيد المجتمع البشري في كلّ زمان من جميع
 
 
 
 
466

401

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 الاستعدادات المودعة في وجود الإنسان. إنّ الطعام وسيلة والنوم وسيلة، ليسا هدفاً. والهدف هو الوصول إلى الكمال المعنوي. الهدف هو بناء عالم يُلبّي جميع احتياجات الإنسان. ومن يتحرّك في هذا الطريق لا يعرف معنى للتوقّف. 14/11/2000م.

العالم اليوم محتاج إلى العدالة التي ترفع رايتها إيران الإسلاميّة، وهو في أمسّ الحاجة إلى تلك المعنويات الّتي ترفع رايتها خفّاقة إيران الإسلاميّة. إنّ أهمّ فراغ في العالم اليوم هو فراغ المعنويات وفراغ العدالة. وقد أمسكت الجمهورية الإسلاميّة اليوم بلواء العدالة والمعنويات. كلّ البشر يُنشدون السلام. ورجال السياسة الغربيّون وأتباعهم يتظاهرون بطلب السلام 
ويراؤون به، لكنّهم هم أنفسهم من يشعل نار الحرب ويزيدها ضراماً. ما الذي يجري في فلسطين اليوم؟ ما هي قضية فلسطين؟ غير أنّها قضية شعب يريد أن يعيش في منزله؟ شعب يريد أن يعيش في وطنه لكنّهم لا يدعونه ويخربون منزله. لدى “دولة إسرائيل” الغاصبة شيك ممضيّ على بياض من أمريكا. لقد تمّ تأييد جميع جرائمها سلفاً، وهي تعلم أنّ أميركا لا تعترض عليها أدنى اعتراض، وكثيرون أيضًا لا يعترضون حذراً من أمريكا. هذا الذي نسمعه يوميًا من أخبار الجرائم الجارية في المدن الفلسطينيّة دون أن نشهد أيّ عمل رادع، إنّهم يرون ويعترضون ويتحدّثون ولكنّهم لا يقومون بأيّ مواجهة. والشعوب عندما ترى هذا الواقع تشعر أنّ هناك نقصًا عظيمًا في هذا العالم، وذلك هو نقص العدالة. لا ينبغي أن تتخلّى جمهورية إيران الإسلاميّة عن صرختها في طلب العدالة والبحث عن المعنويات. 11/11/2001م.
أجل، متى ما تظهر القدرة الإلهيّة وترتفع راية الإسلام، وراية القرآن، وراية القيم والمثل المعنويّة، يهبّ لمناهضتها الظّلمة والمفسدون وكلّ من لا يحتمل سيادة الدين والقيم المثلى. ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾1. ففي غزوة الأحزاب، في السنة الخامسة للهجرة، بحسب الظاهر، لما هجمت قريش من جهة، واليهود من جهة، وثقيف من جهة، وغيرهم من الأعداء الآخرين، وحاصروا المدينة، انقسم النّاس هناك إلى فئتين، اجتمع المؤمنون على رؤية معيّنة، واتّبع غير المؤمنين ومن ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ رؤية أخرى، فكانوا يقولون: ﴿وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
 

1- سورة الأحزاب، الآية 22.
 
 
 
 
467

402

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 إِلَّا غُرُورًا﴾1. لقد غرّرنا ولم يتمكّن الإسلام من توفير العزّة والأمان لنا، ولا استطاع أن يُنقذنا ممّا نحن فيه. لقد حاصروا المؤمنين من كلّ جانب، ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ﴾، وتكالب الأحزاب والأعداء شرقيّهم وغربيّهم، والجار والبعيد، واتّفقوا على مهاجمة الدّولة الإسلاميّة، فقال المؤمنون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾2، فنحن لم نُفاجأ ولا نُعجب من هذا، لأنّ الله ورسوله قد وعدانا به. كما إنّ الله ورسوله وعدانا أيضًا أنّ: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾3، فأنتم المؤمنون تُقاتلون في سبيل الله، وأمّا الّذين لا يمتّون إلى الله بحبل فيُقاتلون في سبيل الطاغوت. أجل، أولئك أيضًا يُقاتلون، ولكن: ﴿فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾4. فإذا قاتلتم وصبرتم ولم تفقدوا ثباتكم فأنتم المنتصرون. وأمّا إذا وهنتم ويئستم ونكصتم، فلا غرو حينذاك لو هاجمكم أعداؤكم. ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾5.

وعلى هذا الأساس، فإنّ وعد الله مسلّمٌ به، أي إذا صبر المرء وثبت عند القتال، يُكتب له النّصر، وإذا أخلص وصدق النّية يتكالب عليه الأعداء.
لاحظوا كم من بلد في العالم يدّعي لنفسه صفة الإسلاميّة، بيد أنّنا لم نسمع قطّ أنّ دعايات الاستكبار العالميّ والامبراطوريّة الإعلاميّة العالميّة قد توجّهت بسهام الاحتجاج والملامة لأيٍّ منها على إسلاميّتها، بينما تتعرّض إيران الإسلاميّة منذ اليوم الأوّل لانتصار ثورتها لمختلف الهجمات والتّهم والافتراءات والشّتائم من قِبَل الأبواق الدّعائيّة كافّة بسبب إسلاميّتها. 
فإذا كُنتم صادقين في مسيرتكم، لا بدّ وأن يجلب عليكم هذا الصّدق كيد أعدائكم، ولكنّكم إذا صبرتم، فالنّصر لكم قطعًا. وهذا كلّه وعد الله.
أيّها الأعزّاء! ادعوا، واعرفوا قدر الدّعاء، واعرفوا أهمّيّة الوقت، وتضرّعوا إلى الله، وادعوه للحاجات الكبار، ولحاجات الأمّة الإسلاميّة والدّولة الإسلاميّة، ولحاجات شعبكم
 
 

1- سورة الأحزاب، الآية 12.
2- سورة الأحزاب، الآية 22.
3- سورة النساء، الآية 76.
4- سورة النساء، الآية 76.
5- سورة الأحزاب، الآية 22.
 
 
 
468

403

الملحق الخامس: حركة تضامن بولندا

 وحاجاتكم الفرديّة. وليتعهّد كلّ منكم بأداء كلّ ما يستلزمه ذلك الدّعاء من عمل، ويُعلن عن استعداده للعمل في سبيل الله. ومن الطّبيعيّ أنّ هذا العمل لا يعني على الدّوام الحرب والقتل وتحمّل الضّرب والتّعذيب وما شابه ذلك – هذه حالات استثنائيّة – وإنّما يعني أكثر ما يعني الصّدق والثّبات على المبدأ، والأمل بالمستقبل، ومعرفة العدوّ وتشخيصه.

اغتنموا فرصة الدّعاء، وهو تعالى كفيل باستجابة دعائكم وقضاء حوائجكم. إذا أضحى مجتمعنا مجتمعًا يتّصف بالتّقوى والدعاء والقيم المعنويّة ويكثر من الدّعاء، فلا شكّ في أنّ الكثير من مشاكله المادّيّة سوف تحلّ. 25/12/1998م.
 
 
 
 
 
469

404

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...