الوقت- “عندما تأكدت أن هذا الأمر قد حدث تمنيت الموت”، “لقد ضحينا بأنفسنا طيلة حياتنا في سبيل الشعب”، “عنقنا أرق من شعرة”؛ هذه هي كلمات إنسان وطني ثوري، أمام الشعب الذي قضى معظم حياته في الدفاع عن استقراره وأمنه بكل بسالة وشهامة، لم يتقبل بكل تواضع مسؤولية خطأ القوات التابعة له فحسب، بل إن ذلك يدل على غليان داخله بسبب هذا الحادث المؤسف.
كما أعلنت القوات المسلحة الإيرانية في بيان إن السبب الرئيس لسقوط طائرة بوينغ الأوكرانية هو اصابتها بصاروخ دفاعي وشرحت أسباب هذا الخطأ العسكري. وبعد هذا البيان، تناول قائد القوات الجوفضاء في حرس الثورة الاسلامية العميد حاجي زادة، في مؤتمر صحفي، الجوانب المختلفة للحادث.
قرار فوري في حالة حرب
عندما يتم دراسة مختلف أبعاد خطأ استهداف الطائرة الأوكرانية من قبل الدفاعات الجوية بشكل واقعي وبعيداً عن عاصفة الحرب الإعلامية الراهنة لركوب موجة مشاعر المواطنين المجروحة بسبب هذا الحادث والتأخر في الاعلام الصحيح عن القصة، لا يمكن تجاهل حقيقة أن القوات المسلحة، وخاصة جميع أنظمة الدفاع الجوي والرادار في البلاد، كانت في حالة تأهب كامل في ليلة الحادث، وبعبارة أخرى، في حالة حرب. حيث ذكر ذلك في كل من بيان القوات المسلحة، وفي البيان الرئاسي أيضاً وفي تصريحات العميد حاجي زاده.
ونظراً إلى الضربة الصاروخية الإيرانية للقواعد الأمريكية في العراق، وبالنظر إلى الوجود الواسع النطاق للقوات الإرهابية الأمريكية حول حدود البلاد بمعدات جوية متطورة للغاية والتي يكثر فيها طائرات الشبح، وتهديدات الرئيس الأمريكي المتكررة بالرد بالمثل، كانت أنظمة الدفاع الجوي الايراني في أقصى درجات التأهب والاستعداد. وبطبيعة الحال، بالنسبة لمركز قيادة عمليات الدفاع، فإن لطهران أولوية خاصة بوصفها العاصمة السياسية والتي تضم أكثر المراكز السياسية والعسكرية حساسية في البلاد. فبالرغم من أن هذا الأمر لا يبرر الأخطاء الفردية، إلا أنه يجب الانصاف والاعتراف بأن مثل هذه الشروط تزيد بشكل كبير من حدوث خطأ في الحسابات. وفي الواقع ، في هذه الحالة، ليس لدى المشغل أو الشخص المسؤول في نقطة الدفاع الجوي الوقت الكافي لاتخاذ قرار لأن الهدف قد يخرج من مرمى النيران أولاً وقد يقع هجوم العدو مخلفاً عواقب غير معروفة ثانياً.
في غضون ذلك، لعبت بعض إجراءات عدم التنسيق بين المؤسسات ذات الصلة التي كان يمكنها أن تمنع هذا الحدث المؤسف ، دوراً في حدوث الكارثة ايضاً والمرتبطة بالتقصير والخطأ البشري، لكن ليس لدى اي شخص ادنى شك في تفاني القوات المسلحة في سبيل حماية أمن المواطنين.
إن اغتيال الشهيد اللواء قاسم سليماني الذي كان يوصف دائماً بأنه الجندي الوحيد للوطن الإسلامي، أظهر عمق حقد الأعداء من القوة العسكرية للبلاد، حيث غيّر هذا الخط من الاغتيالات هيئته الآن في البعد السياسي والإعلامي من اجل زيادة تقويض الجدار العالي لحفظة الأمن في البلاد. وخاصة بشأن العميد حجي زاده الذي كشفت وسائل الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة فقط عن محاولات من قبل مسؤولي الأمن الصهاينة لاغتياله في سوريا.
لذلك في خليفة العثور على المقصرين في الكارثة ما لا ينبغي تجاهله هو الجو المتوتر الذي فرضته واشنطن على المنطقة بعد اغتيال الجنرال سليماني وشهداء الحشد الشعب.
الوقت الذي تستغرقه دراسة الحادثة
منذ الإعلان الرسمي عن السبب الرئيس لتحطم الطائرة الأوكرانية هناك سؤال مهم يطرح من قبل الرأي العام وهو السبب في التأخير في بيان سبب الحادثة. وبالرغم من منطقية هذا السؤال بدأ الاعداء بتوجيه الرأي العام عبر وسائل الإعلام الأجنبية وأنشطة الجيوش الالكترونية المرتبطة بأجهزة الاستخبارات الأجنبية، وخاصة جيش المنافقين الإلكتروني.
وفي هذا الصدد إن تصريحات العميد حاجي زادة واضحة للغاية وهي أنه لم تكن منذ بداية الحادثة أي نية للتستر وخلافاً لمزاعم الابواق الدعاية، لم تكن هناك محاولة لإخفاء الحقائق. حيث أعلن العميد حاجي زاده أنه أبلغ السلطات العليا بمجرد علمه بالخطأ.
من الطبيعي أن تطلب السلطات السياسية، في البداية إعداد تقرير مفصل من قبل الخبراء وتحقيق من قبل القوات المسلحة لتبني الموقف الأكثر ملاءمة تماشياً مع المصالح الوطنية (بسبب اشتراك مصالح العديد من الدول الأجنبية في هذه القضية).
وهنا إن الاجابة عن سؤال “إذا ما كان هناك دور لتخريب خارجي أو لنفوذ أجانبي عبر العملاء قد أسهم في حدوث الكارثة ام لا؟” مهمة للغاية في القرارات التالية للمسؤولين السياسيين. هي العملية التي كانت لابد من ان تحدث بدقة وتستغرق وقتاً طويلاً وذلك نظراً للظروف الحساسة للبلاد. وبطبيعة الحال، في هذه المدة جاءت تصريحات مسؤولي منظمة الطيران وبالنتيجة عدم الاطلاع على الجوانب الفنية لإصابة صاروخ بالطائرة.
وفي خضم ذلك توفرت الظروف لوسائل الإعلام المعادية لتستغلك ذلك من أجل التقليل من أهمية الهزيمة الاستراتيجية الامريكية امام صفعة إيران المهمة لها وعجزها عن الرد خلافاً للمزاعم الأولية، ومن جهة أخرى استمرار الضغوط على برنامج ايران الصاروخي الذي أثبتت الأحداث الأخيرة مدى الدور الحيوي الذي يلعبه في الحفاظ على سيادة أراضي البلاد بوجه اي اعتداء عسكري من قبل الاعداء.
حيث قامت وسائل الإعلام مثل الـ (BBC) باعتبارها وكالة بث أنباء المملكة الاستعمارية العجوز ، بإزالة جميع الأنباء المتعلقة بالضربة الصاروخية الايرانية لأمريكا من موقعها الخبري وركزت بالكامل على حادثة تحطم الطائرات الأوكرانية، لتستغل هذا الخطأ في رفع مستوى الحساسية الإقليمية والداخلية تجاه القضية الصاروخية.