الرئيسية / القرآن الكريم / هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 06

هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 06

الدرس السادس: تفسير سورة التين

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾

 

تعريف بالسورة ومحاورها

سُمّيت هذه السورة بالتين, لورود ذكره في مستهلّ السورة ومفتتحها.

 

وتتضمّن هذه السورة المباركة 8 آيات, تحوي مجموعة من المحاور، هي:

1- عِظَم نظام الخِلْقَة.

2- تكوين الإنسان وعوامل تكامله وانحطاطه.

3- فلاح الإنسان في الدنيا والآخرة يدور مدار الإيمان والعمل الصالح.

4- حقّانيّة يوم القيامة وحتميّته.

5- الحاكميّة الإلهيّة المطلقة.

 

فضيلة السورة

  • ما رواه أُبَي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “مَنْ قرأها, أعطاه الله خصلتين: العافية، واليقين, ما دام في دار الدنيا، فإذا مات, أعطاه الله من الأجر بعدد مَنْ قرأ هذه السورة صيام يوم[1].

 

  • ما رواه شعيب العقرقوفي، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “مَنْ قرأ ﴿وَالتِّينِ﴾ في فرائضه ونوافله, أُعطِي من الجنّة حيث يرضى”[2].

 

خصائص النزول

اختلف المفسِّرون في مكّيّة السورة أم مدنيّتها, وأكثرهم على مكّيّتها، واحتمل بعضهم مدنيّتها, لملائمة سياقها لخصائص السورة المدنيّة. ومن المؤيّدات على كونها مكّيّة, قوله

 

تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾, حيث ورد في الروايات أنّ المراد بالبلد الأمين, هو مكّة. أضف إلى ذلك تضمين القسم في الآية اسم الإشارة للقريب “هذا“. ويُضعّف ذلك: احتمال نزولها بعد الهجرة وهو صلى الله عليه وآله وسلم بمكّة، ولا سيما أنّ ضابط المكّي والمدني تدور مدار الهجرة النبويّة المباركة، وليس مدار الضابطة الزمانية، أو المكانية، أو الخطابيّة[3].

 

شرح المفردات

  • طور: “الطاء والواو والراء أصل صحيح, يدلّ على معنى واحد, وهو الامتداد في شيء من مكان أو زمان… والطور جبل، فيجوز أن يكون اسماً[4].

 

  • سِينِينَ: “طور سَيْنَاءَ: جبل معروف، قال: ﴿تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء[5][6].

 

  • تَقْوِيمٍ: “القاف والواو والميم أصلان صحيحان, يدلّ أحدهما: على جماعة ناس، وربّما استُعير في غيرهم، والآخر: على انتصاب أو عزم… ومن الباب: قوّمت الشيء تقويماً”[7]. و”تَقْوِيمُ الشيء“, تثقيفه، قال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[8], وذلك إشارة إلى ما خصّ به الإنسان من بين الحيوان, من العقل، والفهم، وانتصاب القامة الدّالَّة على استيلائه على كلّ ما في هذا العالم”[9].

 

  • مَمْنُونٍ: “الميم والنون أصلان, أحدهما: يدلّ على قطع وانقطاع، والآخر: على اصطناع خير. الأوّل: المنّ, القطع، ومنه يُقال: مننت الحبل قطعته. قال الله تعالى: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ[10][11].

 

تفسير الآيات

 

الآية (1): ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾:

ذَكَر المفسِّرون في المراد بالتين والزيتون أقوالاً عدّة، هي:

  • الفاكهتان المعروفتان. ووجه القسم بهما, لما فيهما من الفوائد الجمّة والخواصّ النافعة.
  • شجرتا التين والزيتون.
  • المُرَاد بالتين, الجبل الذي عليه دمشق. وبالزيتون, الجبل الذي عليه بيت المقدس. ولعلّ إطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين, لكونهما منبتيهما.
  • المراد بالتين, مسجد نوحعليه السلام الذي بُنِيَ على الجودي. وبالزيتون, بيت المقدس.
  • المُراد بالتين, المسجد الحرام. وبالزيتون, المسجد الأقصى.

 

وغيرها من الأقوال[12].

 

ولعلّ الإقسام بالتين والزيتون, لكونهما مبعثي جمّ غفير من الأنبياء عليهم السلام, وهو ما يناسب ذِكرهما في سياق ذِكر مكانين مقدّسين “طور سينين“، و”البلد الأمين”.

 

وقد روى موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الله تبارك وتعالى اختار من البلدان أربعة, فقال عزّ وجلّ: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾, التين, المدينة، والزيتون, بيت المقدس، وطور سينين, الكوفة، وهذا البلد الأمين, مكّة”[13].

 

الآية (2): ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾:

ذَكَرَ المفسِّرون في معنى “طور سينين” أقوالاً عدّة، هي:

  • الجبل الذي كلّم الله تعالى فيه موسى بن عمرانعليه السلام، ويُسمّى – أيضاً – طور سيناء.

 

  • المبارك الحسن, أي جبل الخير الكثير.
  • كثير النبات والشجر.
  • كلّ جبل فيه شجر مثمر.

وغيرها من الأقوال[14].

 

وقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام, أنّ المراد بـ”طور سينين“, الكوفة, وهي من باب التطبيق.

 

الآية (3): ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾:

المراد بهذا البلد الأمين, مكّة المشرّفة, لأنّ الأمن خاصّة مشرّع للحَرَم, وهو في مكّة, قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾[15]، وفي دعاء إبراهيم عليه السلام على ما حكى الله عنه: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا[16]، وفي دعائه عليه السلام ثانياً: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا[17]. وفي الإشارة بهذا إلى البلد, تثبيت التشريف عليه بالتشخيص. وتوصيفه بالأمين, إمّا لكونه فعيلاً, بمعنى الفاعل، ويفيد معنى النسبة, والمعنى: ذي الأمن, وإمّا لكونه فعيلاً, بمعنى المفعول، والمراد, البلد الذي يُؤمَن الناس فيه, أي لا يُخاف فيه من غوائلهم, ففي نسبة الأمن إلى البلد, نوع تجوّز[18].

 

ويؤيّد ذلك ما رُوِيَ عن الإمام موسى بن جعفرعليه السلام في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾: “يعني مكّة, البلد الحرام, يأمن فيه الخائف في الجاهليّة والإسلام”[19].

 

وما تقدّم من الرواية الواردة عنه عليه السلام – أيضاً -, من أنّ المراد بـ “هذا البلد الأمين“, مكّة.

 

الآية (4): ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾:

جواب للقسم. والمراد بكون خَلْقِه في أحسن تقويم, اشتمال التقويم عليه في جميع شؤونه وجهات وجوده. والتقويم, جعل الشيء ذا قوام. وقوام الشيء, ما يقوم به ويثبت, فالإنسان الجنس ذو أحسن قوام, بحسب الخلقة. ومعنى كونه ذا أحسن قوام بحسب الخلقة، على ما يستفاد من قوله تعالى بعد ذلك: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ﴾, صلوحه بحسب الخلقة للعروج إلى الرفيع الأعلى والفوز بحياة خالدة عند ربّه, سعيدة لا شقوة معها, وذلك بما جهّزه الله به من العلم النافع ومكّنه منه من العمل الصالح, قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا[20], فإذا آمن بما علم وزاول صالح العمل, رفعه الله إليه, كما قال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[21]، وقال تعالى: ﴿وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ[22]. وقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[23]، وقال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى[24], إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على ارتفاع مقام الإنسان وارتقائه بالإيمان والعمل الصالح, عطاء من الله غير مجذوذ، وقد سمّاه تعالى أجراً, كما يشير إليه قوله الآتي: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ[25].

 

الآية (5): ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾:

ذَكَرَ المفسِّرون في معنى “أسفل سافلين” أقوالاً عدّة، منها:

  • مقام منحطّ هو أسفل من سفل, من أهل الشقوة والخسران. والمعنى: ثمّ رددنا الإنسان إلى أسفل من سفل من أهل العذاب.

 

  • ردّه إلى الهرم, بتضعيف قواه الظاهرة والباطنة، ونكس خلقته, فتكون الآية في معنى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾[26].

 

  • ردّه إلى جهنّم أو إلى نكس الخلق.

 

والقولان الثاني والثالث لا يلائمهما ما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾, من الاستثناء الظاهر في المتّصل, فإنّ حكم الخَلْق عامّ في المؤمن والكافر، والصالح والطالح، ودعوى أنّ المؤمن أو المؤمن الصالح مصون من ذلك مجازفة[27].

 

الآية (6): ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾:

أي غير مقطوع. والاستثناء متّصل, من جنس الإنسان. وتفريع قوله تعالى: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ عليه, يؤيّد أنّ المراد من ردّه إلى أسفل سافلين, ردّه إلى الشقاء والعذاب[28].

 

الآية (7): ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾:

الخطاب للإنسان, باعتبار الجنس. وقيل: للنبي صلى الله عليه وآله وسلم, والمراد غيره. و”ما“, استفهاميّة توبيخيّة. و”بالدين”, متعلّق بيكذّبك. والدين, الجزاء. ومعنى الآية: ما الذي يجعلك مكذّباً بالجزاء, يوم القيامة، بعد ما جعلنا الإنسان طائفتين, طائفة مردودة إلى أسفل سافلين، وطائفة مأجورة أجراً غير ممنون[29].

 

الآية (8): ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾:

الاستفهام, للتقرير. وكونه تعالى أحكم الحاكمين, هو كونه فوق كلّ حاكم, في إتقان الحكم، وحقّيّته، ونفوذه من غير اضطراب ووهن وبطلان, فهو تعالى يحكم في خلقه وتدبيره, بما مِنَ الواجب في الحكمة أن يحكم به الناس, من حيث الإتقان والحسن والنفوذ.

 

وإذا كان الله تعالى أحكم الحاكمين، والناس طائفتان مختلفتان, اعتقاداً وعملاً, فمن الواجب في الحكمة أن يُميّز بينهم بالجزاء في حياتهم الباقية, وهو البعث.

 

فالتفريع في قوله تعالى: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾, من قبيل: تفريع النتيجة على الحجّة، وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾, تتميم للحجّة المُشار إليها, بما يتوقّف عليه تمامها.

 

والمحصّل: أنّه إذا كان الناس خُلِقُوا في أحسن تقويم، ثمّ اختلفوا، فطائفة خرجت عن تقويمها الأحسن ورُدَّت إلى أسفل سافلين، وطائفة بقيت في تقويمها الأحسن, وعلى فطرتها الأولى، والله المدبّر لأمرهم, أحكم الحاكمين، ومن الواجب في الحكمة أن تختلف الطائفتان, جزاءً, فهناك يوم تُجزى فيه كلّ طائفة بما عملت، ولا مسوِّغ للتكذيب به.

 

فالآيات في معنى قوله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾[30]، وقوله تعالى: ﴿أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ[31]،[32].

 

بحث تفسيريّ: خلق الإنسان وتكوينه[33]

1- بدء تكوين الإنسان:

إنّ النوع الإنسانيّ، ليس نوعاً مشتقّاً من نوع آخر حيوانيّ أو غيره, حوّلته إليه الطبيعة المتحوّلة المتكاملة، بل هو نوع أبدعه الله تعالى من الأرض، فقد كانت الأرض وما عليها والسماء, ولا إنسان، ثمّ خلق زوجين اثنين من هذا النوع، وإليهما ينتهي هذا النسل الموجود، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[34]، وقال تعالى: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا[35]، وقال تعالى: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ[36]، وأمّا ما افترضه علماء الطبيعة, من تحوّل الأنواع، وأنّ الإنسان مشتقّ من القرد، وعليه مدار البحث الطبيعيّ اليوم، أو متحوّل من السمك, على ما احتمله بعض, فإنّما هي فرضيّة، والفرضية غير مستندة إلى العلم اليقينيّ، وإنّما تُوضَع لتصحيح التعليلات والبيانات العلميّة، ولا ينافي اعتبارها اعتبار الحقائق اليقينيّة، بل حتّى الإمكانات الذهنيّة, إذ لا اعتبار لها أزيد من تعليل الآثار والأحكام المرتبطة بموضوع البحث.

 

2- تركّب الإنسان من روح وبدن:

أنشأ الله هذا النوع، مركّباً من جزئين، ومؤلّفاً من جوهرين, مادّة بدنيّة، وجوهر مجرّد, هي: النفس والروح، وهما متلازمان ومتصاحبان, ما دامت الحياة الدنيويّة، ثمّ يموت البدن ويفارقه الروح الحيّة، ثمّ يرجع الإنسان إلى الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ *  ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾[37]، وفي هذا المعنى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾[38]، وأوضح من الجميع، قوله سبحانه: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ[39], فإنّه تعالى أجاب عن إشكالهم بتفرّق الأعضاء والأجزاء واستهلاكها في الأرض بعد الموت، فلا تصلح للبعث, بأنّ ملك الموت يتوفّاهم ويضبطهم فلا يدعهم، فهم غير أبدانهم! فأبدانهم تضلّ في الأرض، لكنّهم, أي نفوسهم غير ضالّة ولا فائتة ولا مستهلكة.

 

3- ارتباط الإنسان بالأشياء الخارجيّة:

خلق الله سبحانه هذا النوع، وأودع فيه الشعور، وركّب فيه السمع والبصر والفؤاد، ففيه قوّة الإدراك والفكر, بها يستحضر ما هو ظاهر عنده من الحوادث، وما هو موجود في الحال، وما كان، وما سيكون ويؤول إليه أمر الحدوث والوقوع، فله إحاطة ما بجميع الحوادث، قال تعالى: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[40]، وقال تعالى: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ[41]، وقال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ

 

الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾[42]. وقد اختار تعالى لهذا النوع سنخ وجود يقبل الارتباط بكلّ شيء، ويستطيع الانتفاع من كلّ أمر, أعمّ من الاتّصال أو التوسّل به إلى غيره, بجعله آلة وأداة للاستفادة من غيره, كما نشاهده من عجيب احتيالاته الصناعيّة، وسلوكه في مسالكه الفكريّة، قال تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً[43]، وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ[44]، إلى غير ذلك من الآيات الناطقة بكون الأشياء مسخَّرة للإنسان.

 

الأفكار الرئيسة

1- هذه السورة مكّيّة, تتضمّن 8 آيات، وتحوي مجموعة من المحاور: نظام الخِلْقَة/ تكوين الإنسان وعوامل تكامله وانحطاطه/ فلاح الإنسان/ يوم القيامة/ الحاكميّة الإلهيّة/ …

 

2- ورد في فضل قراءة هذه السورة المباركة والعمل بها ثواب كثير.

 

3- في تفسير السورة: قسمٌ بالتين والزيتون, بما لهما من فوائد أو بجبلي التين الذي عليه دمشق والزيتون الذي عليه بيت المقدس، وبطور سينين, وهو الجبل الذي كلّم الله تعالى فيه موسى عليه السلام، وهذا البلد الأمين, وهو مكّة المكرّمة, إنّ خِلْقَة الإنسان هي كمال القوام في كلّ شيء, بما جهّزه الله تعالى من العلم النافع ومكّنه من العمل الصالح, وهو في خسران تدريجي في حياته الدنيا, إلا أن يتزوّد منها لدار الآخرة, التي هي دار حقّ ومستقرّ. وحكم الله تعالى في ذلك متقن ونافذ على كلّ شيء لا مردّ له.

 

4- أنشأ الله تعالى النوع الإنساني، وجعله مركّباً من جزئين، ومؤلّفاً من جوهرين, مادّة بدنيّة، وجوهر مجرّد, هي: النفس والروح، وهما متلازمان ومتصاحبان, ما دامت الحياة الدنيويّة، ثمّ يموت البدن ويفارقه الروح الحيّة، ثمّ يرجع الإنسان إلى الله سبحانه.

 

فكّر وأجب

 

1- أَجِبْ بـ ü أو û:

– مَنْ قرأ هذه السورة في فرائضه ونوافله, أُعطِي من الجنّة حيث يرضى.

– معنى “البلد الأمين”: المدينة المنوّرة.

– المراد بـ “طور سينين”: الجبل الذي كلّم الله تعالى فيه موسى عليه السلام.

 

2- أَجِبْ باختصار:

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾؟

—————————————————————-

 

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾؟

—————————————————————-

 

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾؟

——————————-

[1] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص392.

[2] م.ن.

[3] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص392, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص318-319, السيوطي، الدر المنثور، م.س، ج6، ص365.

[4] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة “طَوَرَ”، ص430.

[5] سورة المؤمنون، الآية 20.

[6] الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “سِيْن”، ص439.

[7] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة “قَوَمَ”، ص43.

[8] سورة التين، الآية 4.

[9] الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “قَوَمَ”، ص693.

[10] سورة التين، الآية 6.

[11] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة “مَنَّ”، ص267. وانظر: الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج6، مادّة “مَنَنَ”، ص319.

[12] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص392-393, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص319.

[13] ابن بابويه، محمد بن علي (الصدوق): معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، لا.ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، 1379هـ.ق/ 1338هـ.ش، باب معنى التبين والزيتون…، ح1، ص364-365.

[14] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص393, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص319.

[15] سورة العنكبوت، الآية 67.

[16] سورة البقرة، الآية 126.

[17] سورة إبراهيم، الآية 35.

[18] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص319.

[19] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص393.

[20] سورة الشمس، الآيتان 7- 8.

[21] سورة فاطر، الآية 10.

[22] سورة الحج، الآية 37.

[23] سورة المجادلة، الآية 11.

[24] سورة طه، الآية 75.

[25] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص319-320.

[26] سورة يس، الآية 68.

[27] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص394, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص320.

[28] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص320.

[29] انظر: م.ن.

[30] سورة ص، الآية 28.

[31] سورة الجاثية، الآية 21.

[32] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص321.

[33] انظر: م.ن، ج2، ص112-114.

[34] سورة الحجرات، الآية 13.

[35] سورة الأعراف، الآية 189.

[36] سورة آل عمران، الآية 59.

[37] سورة المؤمنون، الآيات 12 – 16.

[38] سورة ص، الآية 72.

[39] سورة السجدة، الآيتان 10 – 11.

[40] سورة العلق، الآية 5.

[41] سورة النحل، الآية 78.

[42] سورة البقرة، الآية 31.

[43] سورة البقرة، الآية 29.

[44] سورة الجاثية، الآية 13.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...