الرئيسية / القرآن الكريم / هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 09

هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 09

الدرس التاسع: تفسير سورة البيّنة

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾

 

 

 

تعريف بالسورة ومحاورها

يوجد تسميات عدّة لهذه السورة أُطلقت عليها لورودها في آياتها، أشهرها: “البينة”، و “لم يكن”، و “القيّمة”.

 

وتتضمّن هذه السورة 8 آيات تحوي مجموعة من المحاور، هي:

1- أهمّيّة رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تحويه من دلائل بيّنة ونيّرة على حقانيّة رسالة الإسلام وعموميّتها للمليّين, من أهل الكتاب وغيرهم، وكونها وفق السنّة الإلهيّة في هداية الإنسان إلى الدين القيّم في الاعتقاد والعمل.

 

2- التأكيد على التوحيد والصلاة والزكاة بوصفها أصولاً ثابتة ومشتركة بين الأديان السماويّة.

 

3- عاقبة معاندة رسالة الإسلام.

 

4- عاقبة اتّباع رسالة الإسلام.

 

فضيلة السورة

  • ما رواه أُبَي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ومنْ قرأها كان يوم القيامة مع خير البريّة, مسافراً ومقيماً”[1].

 

  • ما رواه أبو الدرداء، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لو يعلم الناس ما في ﴿لَمْ يَكُنِ﴾ لعطّلوا الأهل والمال، وتعلّموها. فقال رجل من خزاعة: ما فيها من الأجر يا رسول الله؟ فقال: لا يقرأها منافق أبداً، ولا عبد في قلبه شكّ في الله عزّ وجلّ. والله إنّ الملائكة المقرّبين ليقرؤونها منذ خلق الله السماوات والأرض، لا يفترون عن قراءتها، وما من

 

 

 

 

 

عبد يقرؤها بليل, إلا بعث الله ملائكة، يحفظونه في دينه ودنياه، ويدعون له بالمغفرة والرحمة، فإنْ قرأها نهاراً أُعطي عليها من الثواب، مثل ما أضاء عليه النهار، وأظلم عليه الليل”[2].

 

  • ما رواه أبو بكر الحضرمي، عن الإمام أبي جعفر (الباقر) عليه السلام: “من قرأ سورة ﴿لَمْ يَكُنِ﴾ كان بريئاً من الشرك، وأُدخِل في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعثه الله مؤمناً، وحاسبه الله حساباً يسيراً”[3].

 

خصائص النزول

المشهور أنّ هذه السورة نزلت في المدينة، ومحتواها وسياقها يؤيّدان ذلك, إذ تحدّثت في مواضع متعدّدة عن أهل الكتاب، والمسلمون الذين واجهوا أهل الكتاب في المدينة غالباً. أضف إلى ذلك أنّ السورة تحدّثت عن الصلاة والزكاة، والزكاة – وإنْ شُرِّعت في مكّة – ولكنّها اتّخذت طابعها الرسميّ الواسع في المدينة، بعد هجرة النبيصلى الله عليه وآله وسلم إليها وقيامه بتأسيس نواة الدولة الإسلاميّة.

 

شرح المفردات

  • مُنفَكِّينَ: “الفاء والكاف أصل صحيح يدلّ على تفتّح وانفراج… وقولهم لا ينفكّ يفعل ذلك, بمعنى لا يزال. والمعنى: هو وذلك الفعل لا يفترقان، فالقياس فيه صحيح”[4].

 

  • الْبَيِّنَةُ: “الباء والياء والنون أصل واحد, وهو بعد الشيء وانكشافه”[5]. “والبَيِّنَة: الدلالة الواضحة, عقليّة كانت أم محسوسة”[6].

 

  • حُنَفَاء: “الحاء والنون والفاء أصل مستقيم, وهو الميل… والحنيف المائل إلى الدين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المستقيم. قال الله تعالى: ﴿وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا﴾[7][8].

 

  • الْبَرِيَّةِ: “الباء والراء في المضاعف أربعة أصول: الصدق، وحكاية صوت، وخلاف البحر، ونبت”[9]. “والبرّ بالكسر: الاتّساع في الإحسان والزيادة، ومنه سُمّيت البَرّيّة بالفتح والتشديد لاتّساعها، والجمع البراري”[10].

 

  • عدن: “العين والدال والنون أصل صحيح يدلّ على الإقامة”[11]. “قال تعالى:

 

  • ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾[12], أي: استقرار وثبات، وعَدَنَ بمكان كذا: استقرّ”[13].

 

تفسير الآيات

الآية (1): ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾:

يشير ظاهر سياق الآيات في هذه السورة إلى قيام الحجّة على الذين كفروا بالدعوة الإسلاميّة, من أهل الكتاب والمشركين، وعلى الذين أوتوا الكتاب, حينما بدا فيهم الاختلاف. فالمراد من الآية – بقرينة السياق – الإشارة إلى أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصاديق الحجّة البيّنة القائمة على الناس التي تقتضي قيامها السنّة الإلهيّة الجارية في عباده, فقد كانت توجب مجيء البيّنة إليهم, كما أوجبته من قبل ما تفرّقوا في دينهم.

 

وعلى هذا، فالمراد بالذين كفروا في الآية هم: الكافرون بالدعوة النبويّة الإسلاميّة, من أهل الكتاب والمشركين.

 

و”مِنْ” في قوله تعالى: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾, للتبعيض، لا للتبيين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقوله تعالى: ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ عطف على ﴿أَهْلِ الْكِتَابِ﴾. والمراد بهم غير أهل الكتاب مِن عَبَدة الأصنام وغيرهم.

 

وقوله تعالى: ﴿مُنفَكِّينَ﴾, من الانفكاك, وهو الانفصال عن شدّة اتّصال، والمراد به بقرينة قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾, انفكاكهم عمّا تقتضي سنّة الهداية والبيان, كأنّ السنّة الإلهيّة كانت قد أخذتهم ولم تكن تتركهم, حتّى تأتيهم البيّنة. ولمّا أتتهم البيّنة تركتهم وشأنهم, كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾[14].

 

وقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ظاهر في الاستقبال. والبيّنة هي الحجّة الظاهرة. فمعنى الآية هو: لم يكن الذين كفروا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بدعوته أو بالقرآن لينفكّوا حتّى تأتيهم البيّنة. والبيّنة هي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم[15]. وقد روى أبو الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: “البيّنة محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”[16].

 

الآية (2): ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً﴾:

بيان للبيّنة, والمراد بها محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً على ما يُعطيه سياق الآيات.

 

والصحف جمع صحيفة, وهي ما يُكتَب فيها, والمراد بها: أجزاء القرآن النازلة. وقد تكرّر في كلامه تعالى إطلاق الصحف على أجزاء الكتب السماوية, ومنها: القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾[17].

 

 

 

 

 

والمراد بكون الصحف مطهّرة, تقدّسها من قذارة الباطل, بمسّ الشياطين: ﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾[18].[19]

 

الآية (3): ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾:

الكتب جمع كتاب, ومعناه: المكتوب. ويُطلق على اللوح، والقرطاس، ونحوهما المنقوشة فيها الألفاظ، وعلى الألفاظ نفسها التي تحكي عنها النقوش، وربّما يُطلَق على المعاني, بما أنّها محكيّة بالألفاظ، ويُطلَق – أيضاً – على الحكم والقضاء, يقال: كتب عليه كذا, أي قضى أن يفعل كذا، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾[20]، وقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾[21]. والظاهر: أنّ المراد بالكتب التي في الصحف, الأحكام والقضايا الإلهيّة المتعلّقة بالاعتقاد والعمل, ومن الدليل عليه: توصيفها بالقيامة, فإنّها من القيام بالشيء, بمعنى حفظه، ومراعاة مصلحته، وضمان سعادته، قال تعالى: ﴿أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ

 

 

 

 

 

ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾[22]، ومعلوم أنّ الصحف السماويّة, إنّما تقوم بأمر المجتمع الإنسانيّ وتحفظ مصلحته, بما فيها من الأحكام والقضايا المتعلّقة بالاعتقاد والعمل[23].

 

الآية (4): ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾:

بعد أن بيّنت الآية الأولى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ…﴾ كفر أهل الكتاب والمشركين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكتابه المتضمّن للدعوة الحقّة, كشفت هذه الآية عن اختلافهم السابق على الدعوة الإسلاميّة, كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[24].

 

ومجيء البيّنة لهم هو البيان النبويّ الذي تبيّن لهم في كتابهم أو أوضحه لهم أنبياؤهم، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ *  فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾[25].

 

وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ…﴾ يشمل المشركين, فضلاً عن أهل الكتاب, حيث بدّل أهل الكتاب – وهم في عرف القرآن اليهود والنصارى والصابئون والمجوس أو اليهود والنصارى – من الذين أوتوا الكتاب، والتعبيران متغايران، وقد صرّح تعالى بأنّه أنزل الكتاب – وهو الشريعة المفروضة عليهم الحاكمة في اختلافاتهم في أمور الحياة – أول ما بدا الاختلافات الحيويّة بينهم بمقتضى الفطرة، ثمّ اختلفوا في الدين بعدما تبيّن الحقّ لهم وقيام الحجّة عليهم, فعامّة البشر آتاهم الله كتاباً، ثمّ اختلفوا فيه, فمنهم من نسي ما أوتيه، ومنهم من أخذ به محرّفاً، ومنهم من حفظه وآمن به، قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[26].

 

وفي

 

 

 

 

هذا المعنى قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[27].

 

وبالجملة، فالذين أوتوا الكتاب, أعمّ من أهل الكتاب، فقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ …﴾, يشمل المشركين, كما يشمل أهل الكتاب[28].

 

الآية (5): ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾:

مرجع ضمير ﴿أُمِرُوا﴾ للذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين.

 

ومعنى الآية: أنّه لم تتضمّن رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والكتب القيّمة التي في صحف الوحي, إلا أمرهم بعبادة الله تعالى, بقيد الإخلاص في الدين, فلا يشركوا به شيئاً.

 

وقوله تعالى: ﴿حُنَفَاء﴾, حال من ضمير الجمع, وهو جمع حنيف, من الحَنَف, وهو الميل عن جانبي الإفراط والتفريط، إلى حاق وسط الاعتدال. وقد سمّى الله تعالى الإسلام ديناً حنيفاً, لأنّه يأمر في جميع الأمور بلزوم الاعتدال والتحرّز عن الإفراط والتفريط.

 

وقوله تعالى: ﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾, من قبيل ذِكْر الخاصّ بعد العامّ، أو الجزء بعد الكلّ, اهتماماً بأمره, فالصلاة والزكاة من أركان الإسلام، ويُراد بهما: التوجّه العبوديّ الخاصّ إلى الله، وإنفاق المال في الله.

 

وقوله تعالى: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾, أي دين الكتب القيّمة. والمراد بالكتب القيّمة:

  • إنْ كان جميع الكتب السماويّة, أي كتاب نوح، ومن دونه من الأنبياء عليهم السلام, فمعنى الآية: إنّ هذا الذي أُمِروا به ودُعوا إليه في الدعوة المحمّديّة, هو الدين الذي كُلّفوا به في كُتبهم القيّمة، وليس بأمر بدع، فدين الله واحد، وعليهم أن يدينوا به, لأنّه القيّم.

 

  • وإنْ كان المراد به ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكتب القيّمة التي في الصحف المطهّرة,

 

 

 

 

فمعنى الآية: أنّهم لم يُؤمروا في الدعوة الإسلاميّة, إلا بأحكام وقضايا هي القيّمة الحافظة لمصالح المجتمع الإنسانيّ، فلا يسعهم إلا أن يؤمنوا بها ويتديّنوا بها.

 

فالآية على أيّ حال تشير إلى كون دين التوحيد الذي يتضمّنه القرآن الكريم المصدّق لما بين يديه من الكتاب والمهيمن عليه في ما يأمر المجتمع البشري, قائماً بأمرهم، حافظاً لمصالح حياتهم, كما يُبيّنه بأوفى البيان, قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾[29]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[30].

 

وبهذا البيان الإلهيّ يتّضح عموم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشمول الدعوة الإسلاميّة لعامّة البشر في كلّ زمان ومكان إلى قيام يوم الدين[31].

 

الآية (6): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾:

توصيف للكافرين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته, بأنّهم شرّ الخَلْق, على نحو قصر الشرّيّة بهم، وتوعّدهم بالخلود في نار جهنّم, بفعل كفرهم وعنادهم للبيّنة التي أوجبتها سنّة الهداية الإلهيّة[32].

 

 

 

 

 

الآية (7): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾

قصر الخيريّة في المؤمنين الصالحين, الذين استجابوا لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, باتّباعهم البيّنة الإلهيّة, اعتقاداً وعملاً[33].

 

الآية (8): ﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾:

العدن: الاستقرار والثبات, فجنّات عدن: جنّات خلود ودوام. وتوصيفها بقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾, تأكيد بما يدلّ عليه الاسم.

 

وقوله تعالى: ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾, الرضى منه تعالى صفة فعل, ومصداقه الثواب الذي أعطاهموه, جزاء لإيمانهم وعملهم الصالح.

 

وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾, علامة مضروبة لسعادة الدار الآخرة، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾[34] فالعلم بالله, يستتبع الخشية منه، والخشية منه, تستتبع الإيمان به, بمعنى الالتزام القلبيّ بربوبيّته وألوهيّته، ثمّ العمل الصالح[35].

 

بحث تفسيري: دور الدين في صيانة مسير التكامل الإنسانيّ وترشيده[36]

1- الاختلاف بين أفراد الإنسان:

إنّ قريحة الاستخدام في الإنسان, بانضمامها إلى الاختلاف الضروريّ بين الأفراد, من حيث الخِلْقة، والبيئة، والعادات، والأخلاق المستندة إلى ذلك، وإنتاج ذلك للاختلاف الضروري, من حيث القوّة والضعف, يؤدّي إلى الاختلاف والانحراف عن ما يقتضيه الاجتماع

 

 

 

 

 

 

 

الصالح من العدل الاجتماعيّ، فيستفيد القويّ من الضعيف أكثر ممّا يُفيده، وينتفع الغالب من المغلوب من غير أن ينفعه، ويُقابله الضعيف المغلوب ما دام ضعيفاً مغلوباً, بالحيلة والمكيدة والخدعة، فإذا قوي وغلب قابل ظالمه بأشدّ الانتقام، فكان بروز الاختلاف مؤدّياً إلى الهرج والمرج، وداعياً إلى هلاك الإنسانيّة، وفناء الفطرة، وبطلان السعادة. وإلى ذلك يشير تعالى بقوله: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ﴾[37], ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾[38], و﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾[39].

 

2- رفع الاختلاف بالدين:

إنّ ظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع, وهو جعل قوانين كلّيّة يُوجِب العمل بها ارتفاع الاختلاف، ونيل كلّ ذي حقّ حقّه، وتحميلها الناس.

 

ولذلك شرّع الله سبحانه ما شرّعه من الشرائع والقوانين, واضعاً ذلك على أساس التوحيد، والاعتقاد، والأخلاق، والأفعال، وبعبارة أخرى: وضع التشريع مبني على أساس تعليم الناس وتعريفهم ما هو حقيقة أمرهم, من مبدئهم إلى معادهم، وأنّهم يجب أن يسلكوا في هذه الدنيا حياة تنفعهم في غد، ويعملوا في العاجل ما يعيشون به في الآجل. قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾[40]:

 

3- الاختلاف في أمر الدين:

إنّ الاختلاف في المعاش وأمور الحياة, إنّما رُفِعَ أوّل ما رُفِعَ بالدين, فلو كانت هناك قوانين غير دينيّة, فهي مأخوذة بالتقليد من الدين.

 

لكنّ بعض بني الإنسان اختلفوا في أمر الدين: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ

 

 

 

 

 

 

 

 

مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[41]، وإنّما أوجد هذا الاختلاف حملة الدين, ممّن أوتي الكتاب المبين, من العلماء بكتاب الله, بغياً بينهم، وظلماً وعتوّاً، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾[42]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[43].

 

فالاختلاف في الدين مستند إلى بغي الإنسان دون أصل الفطرة، فإنّ الدين فطريّ منسجم مع مقتضى الفطرة, التي تهدي الإنسان إلى الدين وتدفعه نحوه، وما كان كذلك لا تضلّ فيه الخِلْقة، ولا يتبدّل فيه حكمها: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[44].

 

 

الأفكار الرئيسة

1- هذه السورة مدنيّة, ويوجد تسميات عدّة لها، أشهرها: “البينة”، و “لم يكن”، و “القيّمة”. وتتضمّن هذه السورة 8 آيات, تحوي مجموعة من المحاور: رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم/ التوحيد/ الصلاة/ الزكاة/ …

 

2- ورد في فضل قراءة هذه السورة المباركة والعمل بها ثواب كثير.

 

3- في تفسير السورة: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب, من النصارى واليهود، والمشركين, من عبدة الأصنام وغيرهم, منفصلين عمّا تقتضي سنّة الهداية, بإرسالك يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تتلو عليهم كتاباً سماويّاً مصاناً عن أن تمتدّ إليه يد الباطل فضلاً عن أن يكون باطلاً من نفسه, وهذا الكتاب يحوي معارف وحقائق عالية سامية يحتاجها الإنسان لسعادة الدارين، ولكنّ هؤلاء أعرضوا عنه ومالوا عنه، مع أنّ الفطرة المودعة في جبلّتهم وكتبهم تدعوهم لاتباع هذا الدين القويم, الذي هو عام وشامل للبشريّة جمعاء، فالمعرض عنه هو من شرّ الخلق, له عذاب أليم, بما كفر، والمتّبع له هو من خير الخلق, له جنّة الخلد, ورضوان من الله تعالى, بما خشي ربّه, فالتزم بحقّ الاعتقاد وصالح العمل.

 

4- وضع الله تعالى التشريع على أساس تعليم الناس وتعريفهم ما هو حقيقة أمرهم, من مبدئهم إلى معادهم، وأنّهم يجب أن يسلكوا في هذه الدنيا حياة تنفعهم في غد، ويعملوا في العاجل ما يعيشون به في الآجل.

 

 

 

 

فكّر وأجب

 

1- أَجِبْ بـ ü أوû:

– هذه السورة مدنيّة على قول أغلب المفسِّرين.

– المراد بـ “خير البريّة”: المتّبعون للبيّنة قولاً وعملاً.

– المراد بـ “عدن”: خيرات الجنّة ونعيمها.

 

  1. أَجِبْ باختصار:

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً﴾؟

—————————————————————-

 

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾؟

—————————————————————-

 

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾؟

[1] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص411.

[2] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص411.

[3] م.ن.

[4] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة “فَكَّ”، ص433. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “فَكَكَ”، ص643.

[5] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة “بَيَنَ”، ص327.

[6] الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “بَانَ”، ص157.

[7] سورة آل عمران، الآية 67.

[8] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة “حَنَفَ”، ص110-111. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “حَنَفَ”، ص260.

[9] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة “بَرَّ”، ص177. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “بَرَأَ”، ص114.

[10] الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج3، مادّة “بَرَرَ”، ص219.

[11] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة “عَدَنَ”، ص248.

[12] سورة النحل، الآية 31.

[13] الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “عَدَنَ”، ص553.

[14] سورة التوبة، الآية 115.

[15] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص336-337.

[16] القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص432.

[17] سورة عبس، الآيات 13 – 16.

[18] سورة الواقعة، الآية 79.

[19] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص337.

تَدَبُّر: هذه الكتب القيّمة ليست مطهّرة من ناحية المبلّغ ولسانه فحسب، بل هي من عالم الغيب إلى أن تصل إلى سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطهّرة مكرّمة, كما قال تعالى: ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ﴾ (سورة عبس، الآيتان 13و14). فهذه الآيات مرفوعة, بحيث لا تنالها أيدي الأفكار, لتفهم معانيها، ولا تنالها من حيث الإتيان بمثلها، وهذا الكتاب مرفوع عن تناول الأيدي كلّه. ومع هذا العلوّ والارتفاع, هو طاهر مطهّر من كلّ دنس، وحاملو هذا الوحي -أيضاً- أمناء ومطهّرون من الخيانة: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ (سورة عبس، الآيتان 15و16)، فأمناء الوحي المطهّرون يتلون الكتاب المطهّر على النبي المطهّر. فلا بدّ لتالي القرآن من التطهير, وذلك ضمن خطوات:

– الخطوة الأولى للتطهير هي انكسار غرور النفس وعجبها, لتكون مستعدّة للتطهير، فإنّ الأراضي المستعلية ليس لها نصيب من الماء ولا تستقي منه، وإنّما يصيب الماء ظاهرها. وأمّا إذا كانت الأرض منخفضة، فيستفيد باطنها من الماء, فيطهر باطنها أيضاً من الماء النازل من السماء.

– الخطوة الثانية تطهير مجاري القرآن, من الفم والعين والأذن: فبالنسبة إلى تلاوة القرآن -أيضاً- لا يتلوه حقّ تلاوته, إلّا مَن كان مطهِّراً لمجاري القرآن. ولذا ورد في الحديث: “طهّروا أفواهكم, فإنّها طرق القرآن”. (النوري، حسين: مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيتعليهم السلام لتحقيق التراث، ط1، بيروت، 1408هـ.ق/ 1987م، ج1، باب6 من أبواب السواك، ص368).

فالإنسان الذي يتكلّم في النهار بكلّ ما يجري على لسانه, ليس له أن يوفَّق في الليل بتلاوة القرآن حقّ تلاوته, كما قال أمير المؤمنينعليه السلام في حقّ المتّقين: “أمّا الليل, فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونه ترتيلاً…”. (نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة193، ص161).

وليس الفمّ مجرى القرآن فحسب، بل العين والأذن واليد -أيضاً- كذلك, فالنظر إلى المصحف, عبادة، وتلاوة القرآن عن المصحف, عبادة, لا بدّ من طهارتها.

[20] سورة البقرة، الآية 183.

[21] سورة البقرة، الآية 216.

[22] سورة يوسف، الآية 40.

[23] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص337-338.

[24] سورة آل عمران، الآية 19.

[25] سورة الزخرف، الآيات 63 – 65.

[26] سورة البقرة، الآية 213.

[27] سورة البقرة، الآية 253.

[28] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص338-339.

[29] سورة الروم، الآية 30.

[30] سورة الإسراء، الآية 9.

[31] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص339-340.

تفسير بالمصداق: روى علي بن أسباط، عن ابن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ ، قال: “هو ذلك دين القائمعليه السلام”. (البحراني، هاشم: البرهان في تفسير القرآن، لا.ط، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، قم المقدّسة، لا.ت، ج5، ص719).

[32] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص340.

تفسير بالمصداق: ما رواه محمد بن العباس، عن أحمد بن محمد الوراق، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن أبي عبد الله، عن مصعب بن سلام، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله (رض)، قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: “… يا علي ادن منّي. فدنا منه، فقال: أدخل أذنك في فمي. ففعل، فقال: يا أخي، ألم تسمع قول الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾؟ قال: بلى، يا رسول الله. قال: هم أنت وشيعتك، تجيؤون غرّاً محجّلين شباعاً مرويين، ألم تسمع قوله الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾؟ قال: بلى، يا رسول الله قال: هم أعداؤك وشيعتهم، يجيؤون يوم القيامة مسودّة وجوههم ظماء مظمئين، أشقياء معذّبين، كفّاراً منافقين، ذاك لك ولشيعتك، وهذا لعدوّك وشيعتهم”. (البحراني، البرهان في تفسير القرآن، م.س، ج5، ص719-720).

[33] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص340.

تفسير بالمصداق: أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله: قال كنّا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل عليٌ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾, فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم, إذا أقبل عليٌ، قالوا: جاء خير البريّة”. (السيوطي، الدر المنثور، م.س، ج6، ص379).

[34] سورة فاطر، الآية 28.

[35] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص340.

[36] انظر: م.ن، ج2، ص118-122.

[37] سورة يونس، الآية 19.

[38] سورة هود، الآيتان 118 و 119.

[39] سورة البقرة، الآية 213.

[40] سورة البقرة، الآية 213.

[41] سورة البقرة، الآية 213.

[42] سورة الشورى، الآيتان 13 – 14.

[43] سورة يونس، الآية 19.

[44] سورة الروم، الآية 30.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...