الرئيسية / من / قصص وعبر / قصص من مركز الأبحاث العقائدية 04

قصص من مركز الأبحاث العقائدية 04

( 4 ) آتوماني محمّد
( شافعي / جزر القمر )
نشأ في أُسرة تنتمي إلى المذهب الشافعي منذ ولادته عام 1961 م في دولة جزر القمر ( 1 ) ، ثم تدرج في الدراسة حتى حصل على شهادة الثانوية .
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1995 م في ” مدغشقر ” .
اللقاء الأوّل بالشيعة :
كان الأخ آتوماني كثير الاستماع إلى الخطب والمحاضرات التي يلقيها العلماء في المساجد والمحافل ، فكان نتيجة ذلك إرتقاء مستواه العلمي وازدياد ثقافته الدينية وانفتاح ذهنيته في القضايا الفكرية ، بحيث توفّرت لديه معلومات دينية غزيرة دفعته ليُكثر من صحبة الذين يدور حديثهم حول المسائل الإسلامية ، وهذا ما ساعده على تنمية قدرته الفكرية ، فتبلورت إتجاهاته وأصبحت هوايته البحث والتتبع والاستقصاء .
كما أنّ هذه الملكة جعلته يتعمق في المسائل الفكرية والاعتقادية التي يواجهها ، فكان يتابعها ليصل إلى النتائج المطلوبة ويعيّن موقف أزائها .
يقول الأخ آتوماني : ” في أحد الأيام سمعت بمذهب يطلق عليه الإمامية فدفعني حبّ الاستطلاع لأنّ أتعرف على أتباعه ، فقصدت أحد مساجدهم في مدغشقر ، وهو مسجد خاصّ بالهنود والباكستانيين الذين يدعون بالخوجة .

فما أن دخلت مسجدهم وإذا أفاجأ ببعض الأمور التي لم أكن آلفها من قبل في مساجدنا ! ! ككيفية أذانهم ، إذ رأيتهم يأتون بعد الشهادة بالرسالة لنبيّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشهادة أُخرى وهي الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فأستغربت من ذلك ! وعزمت على البحث عن حقيقة هذا الأمر ، وعن الدافع والمحفّز الذي دعاهم للإتيان بهذه الشهادة ” .

أهمية الحوار الهادىء في البحث :
ويضيف آتوماني : ” كان لي إستاذ يعينني في الشؤون الدينية وكنت أتلقى منه معالم ديني والتجىء إليه حينما يعترضني سؤال أو شبهة ، لأنّني كنت أجده متمعّناً وفاضلاً في المسائل الدينية ، وكان يتيح لي المجال للبحث والحوار ولا يقابلني بشدّة ، لأنّه كان يرى أنّ السؤال والاستفسار حالة طبيعية لا بد أن يمرّ بها الإنسان الباحث حتى يصل إلى الحقيقة ، ومن هذا المنطلق لم يكن متعنتاً في مبادئه أو متعصباً كغيره ممن كانوا لا يسمحون للباحث أن يستشكل عليهم ، فإنّ البعض يقابلون السائل بقوّة وعنف ويرمونه بالكفر والضلال وينسبون مقولاته إلى الفرق المنحرفة ، بحيث يجعلونه يخشى أن يوجّه إليهم سؤالاً أو إشكالاً خوفاً على سمعته وماء وجهه ، وخشية أن يتهموه بالانحراف ! .

ولكن إستاذي لم يكن من هذا القبيل ، فقصدته لأسأله عن مسألة الأذان
وسبب اختلافنا مع الشيعة ، فبدأ الأستاذ يوضّح لي الحقائق المرتبطة بهذا الموضوع ” .

أهمية الإعلام في ترسيخ المبادئ :
إنّ حقيقة الأذان هو الإعلام والتنبيه ، ويأتي به المسلمون إيذاناً منهم بدخول أوقات الصلاة .
ولا يخفى على أحد ما للإعلام الايجابي من دور هام لترسيخ المبادئ في النفوس وتحفيز الحالة المعنوية عند الإنسان ، واستنهاض الهمم نحو الصلاح ، فهو يترك أثراً بليغاً في نفس الإنسان ويُبلور سلوكه واتجاهاته ، ويلفت انتباهه إلى الأمر الذي يدعو إليه ، فيرسخه في ذهنه بكيفية جذّابة ، وهذا الترسيخ يدعو الإنسان ويحفزه لتجسيد ذلك ، فمن هنا يتبلور اهتمام الإنسان باتجاه ذلك الأمر .

ومن هنا نجد كافة الجهات وبالأخص الجهات السياسية تهتم بالإعلام والدعاية والتبليغ ، فهم يوظفون هذه الأداة لمحاربة خصومهم وللسيطرة على أذهان الناس ليبعدوهم عما لا يبتغوه ، ومن هنا فإنّهم يبذلون قصارى جهدهم عبر القنوات الإعلامية ليهيمنوا على أفكار الناس ، لئلا يعتريها التغيير فيفقدوا ثبات حاكميتهم على المجتمع .

أسباب كثافة الإعلام المضاد ضدّ الشيعة :
إنّ الشيعة هم من جملة المذاهب التي لاقت أشدّ المعاناة على مرّ العصور من الحكومات الجائرة ، لاعتقادهم أنّ عترة الرسول ( عليهم السلام ) هم الأحقّ بالحكم والخلافة من غيرهم ، وهذا المعتقد يشكل خطراً كبيراً على الحكومات الجائرة ، لأنّه يسلب منهم الشرعية ، كما أنّ الإمامية كانت تغرس الوعي في أذهان
المسلمين وتعيد الثقة في نفوسهم ليرفضوا الظلم والطغيان ، ولهذا شنّت هذه الحكومات هجماتها المكثفة ضدهم .

مواقف الشيعة إزاء الإعلام المضاد :
والشيعة لم يكن بأيديهم ذلك الإعلام الذي يدافعون به عن أنفسهم ليلفتوا انتباه الآخرين ، ويوضحوا لهم الحقائق ويبيّنوا لهم أنّ الإمام عليّ ( عليه السلام ) أحقّ بالخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنّ عترة الرسول ( عليهم السلام ) هم المرجع للأُمة بعده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

كما أنّ الشيعة لم يكن ينقصهم الأدلة لإثبات معتقدهم ، ولكن كان يعوزهم الإعلام ليلفتوا انتباه الناس إلى هذا الأمر ويبيّنوا لهم الحقائق ، لأنّ المجتمع كان على أثر إعلام الحكومات الجائرة يجهل حقيقة أمر أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت السلطات الحاكمة قد رسّخت في أذهانهم أموراً تخالف الواقع ، فكان من الضروري لمثل هكذا مجتمع أن يتحرك دعاته الصالحين ويلفتوا انتباه الناس إلى الحقائق ومسار الإسلام الصحيح بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .ومن هذا المنطلق اتخذت الشيعة مواقف عديدة لتبيين أحقيتهم ، وإلفات انتباه الناس إلى ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومن هذه المواقف يمكننا ذكر موقفين كان لهما الدور البليغ في توعية الناس ، وإبطال الإعلام المضاد للمخالفين ، وإزدهار التشيع وانتشاره في أقطار الأرض .

الموقف الأوّل : إحياء نهضة الحسين ( عليه السلام ) :
إنّ الشيعة بذلوا اهتماماً خاصاً لإحياء نهضة الإمام الحسين ( عليه السلام ) فسلطوا الضوء عليها ، لأنّها كانت حركة تبناها الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأعانه على ذلك أنصاره ، ليغرسوا الوعي في المجتمع وليلفتوا أنظاره إلى واقع الأمر ، وما حلّ بشريعة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تحريف وتلاعب من بعده ، ومن هنا تصدى الشيعة
لإحياء هذه النهضة فجعلوها وسيلة إعلامية لتبيين الحقيقة للناس ، وجعلوها سبيلاً لإحياء المفاهيم الحقة وإضفاء الوعي في المجتمعات ، لئلا ينخدعوا بالتيارات المنحرفة التي مثّلت إمتداداً للحركة الأموية ضد الإسلام ، الذين تلاعبوا بمادىء الإسلام ليصوغوه وفق مبتغياتهم وعلى ضوء ما يحقق مآربهم ، فاجتهد الشيعة ليبيّنوا للناس أنّ السبيل الوحيد لاتباع رسالة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنّما يتحقق باتباع العترة ( عليهم السلام ) ، لأنّهم الأُمناء على الشريعة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهم الينبوع الذي اصطفاه الباري عزّ وجلّ ليكون مصدراً نقيّاً يتلقى منه المجتمع معالم دينه ، ويرجع إليه في الاختلافات بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

الموقف الثاني : الشهادة بالولاية لعليّ ( عليه السلام ) في الأذان :
وهذا الموقف اتخذه الشيعة لإيضاح أحقية أمر الخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتوظيفه لتبيين الحقيقة ، فالأذان عبادة توقيفية يجب الاقتصار فيه على المتيقن ثبوته من الشريعة ، ولكن حيث لا يشترط التوالي فيه ويجوز الفصل بين فصوله ولا يحرم التكلّم بينها ، فقد ذهب إجماع فطاحل العلماء من الشيعة أن يؤتوا بفقرة الشهادة لعليّ ( عليه السلام ) بالولاية بعد الشهادة للنبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالرسالة ، على أن يكون ذلك إعلاماً وشعاراً لهم أمام الملأ ، الذين طالما سيطر عليهم الحكام وحاولوا طمس الحقائق والتعتيم على حقيقة الولاية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
فأصبحت هذه الشهادة الثالثة كالصلاة على النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عقيب ذكر اسمه الشريف في الأذان .

بطلان التشنيع على أذان الشيعة :
إنّ دعوى لزوم التشريع من ذكر الشهادة بالولاية ليس بصحيح ، لأنّ الإتيان بها ليس على قصد الجزئية لا يحتاج إلى دليل من الشارع ، بل الإتيان بها
هو على قصد عدم الجزئية ، فهذه الفقرة ليست جزءاً من الأذان وإنّما هي جزء الإيمان .
وكان استلزام الاتيان بها للحاجة المقتضية لذلك ، وذلك لأنّ الشيعة لاقت تياراً معاكساً شديداً استهدف الوقوف بوجه الحقّ ، وكانت كافة وسائل الإعلام بيد خصومهم لسيطرتهم على زمام الاُمور ، فمن هنا استوجب عليهم أن يستخدموا كافة الوسائل والأدوات الإعلامية التي لا يوجد فيها محذور شرعي ، حتى يبيّنوا الحقائق التي شوهها الخصم في أوساط المجتمع ، ويلقوا الحجّة على الناس في ذلك .

وقد شنّع أبناء العامة من قبل وإلى يومنا هذا على هذا ، ولكن فاتهم بأنّ هذا الأمر لو يستحق التشنيع فعمر بن الخطاب هو أوّل من يشمله ذلك ! ، لأنّه أوّل من غيّر في فصول الأذان وأضاف إليه فقرة ” الصلاة خير من النوم ” ، في حين كان أذان النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خال منها ( 1 ) .

كما أنّه أسقط فقرة ” حي على خير العمل ” ، فقال وهو على المنبر : ” ثلاث كن على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة النساء ومتعة الحج و حي على خير العمل ” ( 2 ) ، مع أنّ هذه الفقرة كانت في أذان الرسول ! ( 3 ) .

وكما ذكرنا أنّ الأذان عبادة توقيفية يجوز إضافة عبارة إليه لا على سبيل الجزئية لعدم شرط التوالي فيه ، ولكن لا يجوز أبداً إسقاط فصل منه لأنّ ذلك
سوف يخل بتشريعه من قِبل الله عزّ وجلّ ، ولكن عمر بن الخطاب لم يبالي بذلك .
وقد روي عن إبن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن ( عليه السلام ) عن ” حي على خير العمل ” لم تُركت من الأذان ؟ فقال : تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة ؟ قلت : أريدهما جميعاً ، فقال : أمّا العلّة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد إتكالاً على الصلاة ، وأمّا الباطنة فإنّ خير العمل الولاية ، فأراد من أمر بترك حي على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثّ عليها ودعاء إليها ( 1 ) !
ومع ذلك سار أبناء العامة على نهج عمر بن الخطاب ، فإذا كان الأمر كذلك وأنّهم حذفوا من فصول الأذان وأضافوا عليه ، فكيف لهم أن يشكلوا على غيرهم ؟ ! وكيف لهم أن يستحسنوا أمراً لأنفسهم ويستقبحوه لغيرهم ؟ ! .

وأمّا بالنسبة إلى التخلي عن ذكر الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الأذان ، الذي هو أمر مستحب في نفسه ، لكن بعد أن أصبح شعاراً للإيمان ورمزاً للتشيع ، فمن غير المناسب التخلّي عنه وتركه .

هل الشهادة الثالثة في الأذان بدعة ؟
إنّ الذين يعترضون على الشيعة بأنّهم ابتدعوا في الأذان لا يهدفون سوى التهريج والتشنيع ، لأنّ البدعة هو إدخال ما ليس من الدين فيه ، والشيعة لم تعتبر الشهادة لعليّ ( عليه السلام ) بالولاية جزءاً من الأذان وجزءاً من التشريع ليكون ذلك بدعة ، بل الشريعة لم تحرّم كلام اللغو بين فصول الأذان ، فكيف يكون إتيان كلام الحقّ بين فصوله أمراً محرماً ! ! .
كما أنّ الشهادة لعليّ ( عليه السلام ) بالولاية ، شهادة كمل لنا الدين بها ، ورضى الله لنا بها الإسلام ، لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دِيناً ) ( 1 ) ، وذلك في غدير خم إذ نصبّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليّاً ( عليه السلام ) وليّاً لهذه الأُمة من بعده ، فنزلت هذه الآية ، وقام عمر بن الخطاب فقال لعليّ ( عليه السلام ) : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي والولاية لعليّ ( عليه السلام ) ( 2 ) .

مرحلة تحديد المصير العقائدي :
من هذا المنطلق وبعد البحث والتتبع يقول الأخ آتوماني : ” تبيّنت لي حقائق كثيرة ، فوجدت أنّ معظم النشاط المعاكس الذي يقابل التشيع هو تهريج وتشنيع بعيد عن نهج الحوار العلمي ، واتضح لي أنّ اتخاذ أسلوب البحث في أجواء علمية بعيدة عن حالة الانفعال والتشنّج تبيّن للباحث حقائق علمية هائلة ، بحيث تجعله يعيش بعقله روحية التشيع من دون أن يشعر ، وهذا الأمر يدفعه للاستبصار ، ولهذا آل أمري وأمر أستاذي إلى الاستبصار والانتماء إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ” .

ويضيف الأخ آتوماني : ” كان استبصاري عام 1995 م في مدينة مدغشقر ، واتجهت بعدها للعمل التوجيهي ، فأصبحت داعية في سبيل العقيدة ، ثم تكفلت رئاسة منظمة الشباب الطلابية الإسلامية في مدغشقر ، ولا زلت أبذل قصارى جهدي لأُبيّن الحقائق للناس ، ولا سيما الشباب المثقف الذي يهتم بدينه وعقيدته ، وبسبب اجادتي للّغة العربية والفرنسية إضافة إلى لغتي المحلية تمكّنت من توسيع نطاق نشاطي ، وأسأل الله أن يوفّقني في سبيل إعلاء كلمة الحق ودحض حجج المبطلين ” .

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...