الرئيسية / من / طرائف الحكم / آداب الأسرة في الاسلام 02

آداب الأسرة في الاسلام 02

استحباب الدعاء للنكاح :
الدعاء بنفسه من العبادات المستحبة ، لذا حث الاسلام عليه في سائر شؤون الانسان ،
ومن بينها النكاح ، لتكون جميع أعمال الانسان متجهة إلى الله تعالى في سيرها ،
طلبا لمرضاته .
وقد أكدت الروايات على استحباب الدعاء لمن أراد النكاح ، قال الإمام جعفر الصادق
عليه السلام : فإذا هم بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله ، ويقول : اللهم إني
أريد أن أتزوج ، اللهم فاقدر لي من النساء أعفهن فرجا ، وأحفظهن لي في نفسها
وفي مالي ، وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، وأقدر لي منها ولدا طيبا تجعله
خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي ( 1 ) .
والله تعالى يجيب الانسان إذا دعاه بقلب مخلص ونية صالحة ، كما تظافرت على ذلك
الآيات والروايات ، وهو نعم العون في اختيار صالح الأعمال لعبده المؤمن المخلص ،
وخصوصا في مثل هذه القضية المهمة التي تكون مقدمة لسعادته في الدنيا والآخرة .
اختيار الزوجة :
العلاقة الزوجية ليست علاقة طارئة أو صداقة مرحلية ، وإنما هي علاقة دائمة وشركة
متواصلة للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية ، وهي أساس تكوين الأسرة التي ترفد
المجتمع بجيل المستقبل ، وهي مفترق الطرق لتحقيق السعادة أو التعاسة للزوج وللزوجة
وللأبناء وللمجتمع ، لذا فينبغي على الرجل أن يختار من يضمن له سعادته في الدنيا
والآخرة .
عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن صاحبتي هلكت رحمها
الله ، وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج ، فقال لي : انظر أين تضع نفسك ، ومن
تشركه في مالك ، وتطلعه على دينك وسرك ، فإن كنت فاعلا فبكرا تنسب إلى الخير
وحسن الخلق ، واعلم :
ألا إن النساء خلقن شتى * فمنهن الغنيمة والغرام
ومنهن الهلال إذا تجلى * لصاحبه ومنهن الظلام
فمن يظفر بصالحهن يسعد * ومن يعثر فليس له انتقام ( 1 )
وراعى الاسلام في تعاليمه لاختيار الزوجة ، الجانب الوراثي ، والجانب الاجتماعي
الذي عاشته ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اختاروا لنطفكم ، فإن الخال أحد
الضجيعين ( 2 ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : تخيروا لنطفكم ، فإن العرق دساس ( 3 ) .
وروي أنه جاء إليه رجل يستأمره في النكاح ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم
انكح ، وعليك بذوات الدين تربت يداك ( 4 ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : من سعادة المرء الزوجة الصالحة ( 5 ) .
فيستحب اختيار المرأة المتدينة ، ذات الأصل الكريم ، والجو الأسري السليم ( 6 ) .
وبالإضافة إلى هذه الأسس فقد دعا الاسلام إلى اختيار المرأة التي
تتحلى بصفات ذاتية من كونها ودودا ولودا ، طيبة الرائحة ، وطيبة الكلام ، موافقة
، عاملة بالمعروف إنفاذا وإمساكا ( 1 ) .
وفضل تقديم الولود على سائر الصفات الجمالية ، قال صلى الله عليه وآله وسلم :
تزوجوا بكرا ولودا ، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقرا ، فاني أباهي بكم الأمم يوم
القيامة ( 2 ) .
ولم يلغ ملاحظة بعض صفات الجمال لاشباع حاجة الرجل في حبه للجمال ، قال صلى الله
عليه وآله وسلم : إذا أراد أحدكم أن يتزوج ، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ،
فان الشعر أحد الجمالين ( 3 ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : تزوجوا الأبكار ، فإنهن أطيب شئ أفواها
( 4 ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها ،
وأقلهن مهرا ( 5 ) .
ويستحب أن تكون النية في الاختيار منصبة على ذات الدين ، فيكون اختيارها لدينها
مقدما على اختيارها لمالها أو جمالها ، لأن الدين هو العون الحقيقي للانسان في
حياته المادية والروحية ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : إذا تزوج الرجل
المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك ، فإن
تزوجها لدينها رزقه الله عز وجل جمالها ومالها ( 1 ) .
ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أسري سئ ، والسيئة الخلق ،
والعقيم ، وغير السديدة الرأي ، وغير العفيفة ، وغير العاقلة ، والمجنونة ( 2 ) ،
لأنها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة ، وتخلق الأجواء الممهدة
لانحراف الأطفال عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم ، ولقصورها عن التربية الصالحة
.
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم
خطيبا ، فقال : أيها الناس إياكم وخضراء الدمن . قيل : يا رسول الله ، وما خضراء
الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء ( 3 ) .
وحذر الاسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا ، قال الإمام الصادق عليه السلام :
لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ( 4 ) ، وذلك لأنها تخلق في أبنائها
الاستعداد لهذا العمل الطالح ، إضافة إلى فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها
المتدين ، إضافة إلى إنعكاسات انظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الأسرة .
وكما نصح بتجنب الزواج من الحمقاء لإمكانية انتقال هذه الصفة إلى الأطفال ، ولعدم
قدرتها على التربية ، وعلى الانسجام مع الزوج وبناء الأسرة الهادئة والسعيدة ، قال
الإمام علي عليه السلام : إياكم وتزويج الحمقاء ،
فإن صحبتها بلاء ، وولدها ضياع ( 1 ) .
وكذا الحال في الزواج من المجنونة ، فحينما سئل الإمام الباقر عليه السلام عن ذلك
أجاب : لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس أن يطأها ، ولا يطلب ولدها
( 2 ) .اختيار الزوج :
الزوج هو شريك عمر الزوجة ، وهو المسؤول عنها وعن تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسيا
وروحيا ، وهو المسؤول عن توفير ما تحتاجه الأسرة من حاجات مادية ومعنوية ، لذا
يستحب اختياره طبقا للموازين الإسلامية ، من أجل سلامة الزوجة والأسرة من
الناحية الخلقية والنفسية ، لانعكاس صفاته وأخلاقه على جميع أفراد الأسرة من خلال
المعايشة ، فله الدور الكبير في سعادة الأسرة أو شقائها .
وعليه فقد أكدت الشريعة المقدسة على أن يكون الزوج مرضيا في خلقه ودينه ، قال صلى
الله عليه وآله وسلم : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، وأردف صلى الله
عليه وآله وسلم ذلك بالنهي عن رد صاحب الخلق والدين فقال : إنكم إلا تفعلوه
تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ( 3 ) .
وأضاف الإمام محمد الجواد عليه السلام صفة الأمانة إلى التدين فقال : من خطب
إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض
وفساد كبير ( 1 ) .
الكفاءة في الزوج :
كانت العرب لا تقدم شيئا على عنصر الكفاءة في الرجل ، والرجل الكفؤ عندهم ، هو
من كان ذا نسب مناظر لنسب المرأة التي تقدم لخطوبتها ، ولا يقدم عندهم على
النسب شئ ، وما زال هذا الفهم سائدا لدن الكثير من المجتمعات ، لا سيما القبلية
منها ، أو التي احتفظت بعاداتها القبلية وإن تمدنت في الظاهر .
لكن الاسلام قدم رؤيته للكفاءة في معناها الصحيح وإطارها السليم ، المنسجم مع
ميزان السماء : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) مع الأخذ بنظر الاعتبار حق المرأة
في العيش . فعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل الكفؤ بقوله : الكفوء
أن يكون عفيفا وعنده يسار ( 2 ) .
وقيل : إن الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران : الإيمان واليسار بقدر ما يقوم
بأمرها والانفاق عليها ، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع ، فلا بأس أن
يتزوج أرباب الصنائع الدنية بأهل المروات والبيوتات ( 3 ) .
ويحرم رفض الرجل المتقدم للزواج المتصف بالدين والعفة والورع والأمانة واليسار ،
إذا كان حقير النسب ( 4 ) .
ولقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم زوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب ، وإنما زوجه
لتتضع المناكح ، وليتأسوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليعلموا أن
أكرمهم عند الله أتقاهم ( 1 ) .
ولملاحظة أن المرأة تتأثر بدين زوجها والتزامه بقدر تأثرها بأخلاقه وأدبه أكثر من
تأثره هو بدينها وأدبها ، قال الإمام الصادق عليه السلام : تزوجوا في الشكاك ولا
تزوجوهم ، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقهرها على دينه ( 2 ) .
ويكره للأب أن يزوج ابنته من شارب الخمر ، والمتظاهر بالفسق ، والسئ السيرة ( 3 ) .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من شرب الخمر بعدما حرمها الله على
لساني ، فليس بأهل أن يزوج إذا خطب ( 4 ) ، لأن شرب الخمر والادمان عليه يؤدي إلى
خلق الاضطراب الأسري والتفكك الاجتماعي في جميع ألوانه ، إضافة إلى ذلك فإنه عقاب
لشارب الخمر ليكون ردعا له .
وكما حذر الاسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا ، فقد حذر أيضا من تزويج
الرجل المعلن بالزنا ، قال الإمام الصادق عليه السلام : لا تتزوج المرأة
المعلنة بالزنا ، ولا يزوج المعلن بالزنا إلا بعد أن يعرف منهما التوبة ( 1 ) .
الأحكام المتعلقة بالخطبة :
الخطبة تعني مبادرة الرجل لطلب الزواج من امرأة ، تبقى أجنبية عليه ما دام لم
يعقد عليها عقد الزواج .
وهي بداية للتعارف عن قرب ، يطلع من خلالها كل من الرجل والمرأة على خصوصيات الآخر
، وخصوصا ما يتعلق بالجانب الجسدي والجمالي ، لذا جوز الاسلام النظر في حدود
مشروعة وقيود منسجمة مع قيمه وأسسه في العلاقة بين الرجل والمرأة .
فيجوز للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة ، ويرى يديها بارزة من الثوب ، وينظر إليها
ماشية في ثيابها ( 2 ) ، ويجوز لها كذلك ، ولا يحل لهما ذلك من دون إرادة التزويج
( 3 ) .
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها
إذا أراد أن يتزوجها ( 4 ) .
وقال أيضا : لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ، ينظر إلى
خلفها وإلى وجهها ( 5 ) .
وله أيضا جواز تكرار النظر ، وأن ينظر إليها قائمة وماشية ، وأن ينظر إلى شعرها
ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ( 1 ) .
وقيد الإمام الصادق عليه السلام ذلك بعدم التلذذ ، فحينما سئل عن النظر إلى
شعرها ومحاسنها قال عليه السلام : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا ( 2 ) .
وخلاصة الأحكام المتعلقة بالخطبة هي جواز النظر بشرط إرادة التزويج ، فمن لم ينو
التزويج يكون نظره محرما ، ويشترط عدم التلذذ لأنه حرام بأي حال من الأحوال .
استحباب الخطاب أثناء الخطبة :
يستحب ذكر الله تعالى أثناء الخطبة ، ليحصل الارتباط به تعالى في جميع الأحوال ،
ويكون ذلك انطلاقا للالتزام بمفاهيم الاسلام وقيمه وتقريرها في واقع الحياة
الزوجية ، ليكون الوئام والحب والألفة والانس هو الحاكم على العلاقات بعد الزواج
، والخطبة المسنونة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي كالتالي :
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات
أعمالنا ، من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا
إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، واتقوا الله الذي تسائلون به
والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا ، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون ، اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ،
ومن يطع الله ورسوله فقد
فاز فوزا عظيما ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...